عقيدة أهل السنة والجماعة سعيد عبد العظيم التوحيد أولا لو كانوا يعلمون التوحيد: هو أول الدين و آخره، و باطنه و ظاهره، و هو دعوة جميع الرسل و أول واجب على المكلف، و حق الله على عباده،و أول مسألة في الدعوة إلى الله، إذ من أجل التوحيد خلق الله الخلق، و عليه يكون مصيرهم إلى الآخرة،و الشرك أكبر الكبائر و أول ما يُنهى عنه، كما ورد في نصوص الشرعية. و أصل التوحيد معرفة الله بأسمائه و صفاته، و إفراده بصفات الربوبية ثم ما تستلزمه هذه المعرفة من إفراد الله بالعبادة كلها، و هذا معنى كلمة لا إله إلا الله. توحيد الأسماء و الصفات: قال تعالى:" و لله الأسماء الحسنى فادعوه بها و ذروا الذين يلحدون في أسمائه" الأعراف(180) فمعرفة الله بأسمائه و صفاته و محبته و دعاؤه بها و التعبد له بمقتضاها أشرف العلوم، و من قلل من شأنه أو قال عنه(ترف عقلي) أو انشغال بما في غيره أولى منه، فهو ضال مبتدع. و طريق التلقي في ذلك هو الكتاب و السنة على طريقة السلف فنؤمن بكل ما وصف الله به نفسه و وصفه به النبي صلى الله عليه و سلم من غير تعطيل و لا تحريف، و من غير تكييف و لا تمثيل، و ليس العقل و علم الكلام و الفلسفة مصدرا في معرفة ذلك، و لا يجوز تشبيه الله بخلقه، و لا تعطيل صفة من صفاته سبحانه،قال تعالى:"ولم يكن له كفوا أحد"الإخلاص(4)،و قال سبحانه و تعالى:"ليس كمثله شيء و هو السميع البصير"الشورى(11)و الكف عن التأويل في هذا الباب- هو إجماع السلف لا تجوز مخالفته، إذ إجماعهم حجة على من بعدهم و طريقتهم أسلم و أعلم و أحكم، و التأويل(كقولهم استوى بمعنى استولى، و اليد بمعنى القدرة، و النزول بمعنى نزل الأمر)بدعة و ليس من عقيدة أهل السنة و الجماعة. الكلام عن صفات فرع من الكلام في الذات، فكما أن إثبات ذات الرب و إثبات وجود، لا إثبات تكييف، و السلف يثبتون الصفة دالة على معناها،مع تفويض الكيفية لله تعالى فتفويض السلف، تفويض كيف لا تفويض معنى، و من نسب إليهم تفويض المعنى و أن آيات الصفات من المتشابه بمعنى أنه لا يعلم معناه بالكلية، و أن ظاهرها غير مراد فقد جمع بين التعطيل و الجهل بعقيدة السلف. توحيد الربوبية: و هو الإعتقاد الجازم بأن الله هو الخالق الرازق، الذي يدبر الأمر و يعطي و يمنع و يخفض و يرفع و يحيي و يميت لا شريك له في ذلك، و بأنه وحده المالك لكل ذرة في هذا الكون بلا ند و لا معين و لا شفيع بغير إذنه، و بأنه وحده السيد الآمر الحاكم الذي لايشرع للبشر غيره، و قد دلت على ذلك أدلة الشرع و العقل. و من مظاهر الشرك في الربوبية: (1) اعتقاد حلول الرب في بعض خلقه أو اتحاده بهم. (2) اعتقاد أن هناك في الكون أقطابا و أبدالا من الصالحين أو غيرهم، و لهم قدر من التصرف في حياة الناس من نفع و ضر و إعطاء و منع،قال تعالى:"و إن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو و إن يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير"الأنعام(17). (3) اعتقاد أن أحدا له حق التشريع و الحكم دون الله تعالى،سواء كان فردا أو جماعة، أو شعبا أو دولة،قال تعالى:" أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين مالم يأذن به الله" الشورى(21)، و قال تعالى:"اتخذوا أحبارهم و رهبانهم أربابا من دون الله"التوبة(31). و الحكم بغير ما أنزل الله من أصول الكفر، و هو ينقسم إلى قسمين: القسم الأول: الكفر الأكبر و هو أنواع: (1) أن بجحد شريعة الله المعلومة من الدين بالضرورة كمن ينكر أحكام الله في الحدود و المعاملات و الأموال و الدماء و غيرها، و يقول: إن الدين لا دخل له بذلك، و هذا كفر بالإجماع. (2) أن يعتقد ثبوت الشرع في ذلك كله لكنه يفضل القوانين الوضعية على الشرع، و يرى أن الشريعة غير مناسبة لهذا الزمان،و هذا كفر بالإجماع، قال تعالى:"أفحكم الجاهلية يبغون و من أحسن من الله حكما لقوم يوقنون"المائدة(5). (3) أن يعتقد أن القوانين الوضعية مساوية لحكم الله. (4) أن يعتقد أن شريعة الله أفضل لكنها غير واجبة، و أنه مُخير في أن يأخذ بها أو يتركها إلى ما يراه هو عدلا و مصلحة من غير دليل من الشريعة، إذ من المعلوم بالضرورة وجوب تنفيذ حكم الله. (5) مضاهاة القوانين الوضعية بالأحكام الشرعية، و جعل مصادر و موارد لها و إضفاء اسم المشرع على من يضعها، و إلزام الناس بتلك الفوانين و تحتيمها عليهم. (6) ما يحكم به كثير من رؤساء العشائر و القبائل و غيرهم من حكايات تلقوها عن آبائهم و أجدادهم، يعلمون مخالفتها للشرع و يقدمونها في الحكم على شرع الله إعراضا عنه. القسم الثاني:الكفر الأصغر: كفر دون كفر-لا يُخرج عن الملة- و هو الذي قاله بن عباس رضي الله عنهما و غيره عمن تحمله شهوته أو هواه أو الرشوة أو غيرها على الحكم في قضية أو قضايا-ولو كثرت-بغير ما أنزل الله، مع إقراره و اعتقاده أن حكم الله و رسوله هو الحق و أنه الأصل الذي يحكم به، و إقراره على نفسه بالخطأ و الظلم... و هذه من أكبر الكبائر-إذ معصية سماها الله كفرا أعظم من غيرها- و لا بد من التفريق بين النوع و المعين أو معرفة الفرق بين الحكم العام و الفتوى بكفر شخص معين أو ردته إذ ذلك مردة لأهل العلم و اجتهادهم في ثبوت شرائط التكفير و انتقاء موانعه. و ليس من هذا الباب خطأ الحاكم المجتهد في شرع الله، بل هذا كما قال النبي صلى الله عليه و سلم:"إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، و إذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر". و الواجب على كل مسلم أن يدعو خصمه في أي نزاع إلى من يحكم بينهما بشرع الله، من أهل العلم-إن لم يوجد قضاء شرعي- و لا يحل له أبدا أن يطلب التحاكم إلى المحاكم الوضعية، و إن اضطر للوقوف أمامها لنيل حق أو دفع ظلم عن نفسه أو غيره، لا يمكنه تحصيله بغير ذلك فلا يطالب بما يعطيه له الشرع إن فتوى المفتي و حكم الحاكم و قضاء القاضي لا يجعل الحرام حلالا و لا الحلال حراما. توحيد الألوهية: و هو إفراد الله بالعبادة الظاهرة و الباطنة، و طريقة القرآن إلزام المشركين بتوحيد الألوهية، بكونهم يقرون بانفراد الله بالربوبية، قال تعالى:" أمن يبدأ الخلق ثم يعيده و من يرزقكم من السماء من السماء و الأرض أءله مع الله"النمل(64). و لا إله إلا الله كلمة التوحيد، معناها لا معبود بحق إلا الله، و هي تتضمن الكفر بالطاغوت و الإيمان بالله:" لا إكراه في الدين قد تبين الرشد فمن يكفر بالطاغوت و يؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها"البقرة(256). و الطاغوت هو كل ما عُبد من دون الله و هو راض، و يشمل: الشيطان و الساحر و الكاهن و الحاكم المبدل لشرع الله. و العبادة إسم جامع لكل ما يحبه الله و يرضاه من الأعمال و الأقوال الظاهرة و الباطنة:"قل إن صلاتي و نسكي و محياي و مماتي لله رب للعالمين(162)لا شريك له و بذلك أُمرت و أنا أول المسلمين"الأنعام(162-163). و من مظاهر الشرك في الألوهية: (1) دعاء غير الله و الإستغاثه به وهو غائب و طلب المدد منه،قال تعالى:" قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم و لا تحويلا"الإسراء(56). (2) الإستعاذة بغير الله كالجن و غيرهم، و قال تعالى:" و أنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا"الجن(6) (3) الذبح لغير الله، قال تعالى:"فصل لربك و انحر"الكوثر(2). (4) النذر لغير الله:" و ما أنفقتم من نفقة أو نذرتم من نذر فإن الله يعلمه"البقرة(270). (5) التبرك بالأحجار و الأشجار معتقدا أنها تنفع و تضر لحديث ذات أنواط و كذلك لبس الحلقة و الخيط و التمائم لدفع البلاء أو رفعه، فإن اعتقد أنها لا تنفع و لا تضر من دون الله، بل هي سبب، فهذا كذب على الشرع و على القدر و هي من وسائل الشرك و ذرائعه، و من جملة الشرك الأصغر، أما التمائم من القرآن ففيها خلاف في جوازها بين السلف، و كذلك التبرك بآثار الصالحين-غير الأنبياء-ففيه خلاف في جوازه، و الراجح منعه سدا للذريعة و لترك الصحابة له، و هو كالإجماع منهم مع وجود المقتضي و انتفاء الموانع. (6) الإستسقاء بالأنواء، للحديث القدسي:" من قال مُطرنا بفضل بنوء كذا و كذا فهو كافر بي مؤمن بالكواكب"، فاعتقاد أن النجوم تُنزل المطر و كذا طلب ذلك منها شرك أكبر، أما التلفظ مع سلامة الإعتقاد و اعتقاد أنها علامة فالراجح كراهة ذلك تحريما. (7) إتيان العرافين و الكهان و تصديقهم فيما يدعون من علم الغيب و اعتقاد أنهم يعلمون مفاتح الغيب الخمس، شرك أكبر، قال تعالى:" و عنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو" الأنعام"(59)، و لا يحل تعلم الكهانة و لا سؤال الكهان و لو مزاحا، كما لا يجوز قراءة الفنجان و الكف، أو ضرب الرمل و الودع للحديث:" من أتى عرافا أو كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أُنزل على محمد". (8) التحاكم إلى غير شرع الله، لقول النبي صلى الله عليه و سلم لعدي بن حاتم رضي الله عنه:" ألم يُحلوا لكم الحرام و يحرموا عليكم الحلال فاتبعتموهم"، قال: بلى، قال صلى الله عليه و سلم:" فتلك عبادتهم". و المتبع لغيره في التحليل و التحريم على وجهين: 1- أن يعلم أنهم بدلوا دين الله فيتبعهم على التبديل، فيعتقد تحليل ما حرم الله و تحريم ما أحل الله، اتباعا للرؤساء مع علمه أنهم خالفوا دين الرسل، فهذا كفر، و قد جعله الله و رسوله شركا. 2- أن يكون اعتقاده في تحليل الحرام و تحريم الحلال ثابتا و لكن يطيع في معصية الله، فهذا له حكم أمثاله من أهل الذنوب كما ذكر بن تيمية-رحمه الله-. (9) السحر: قال تعالى:" و ما كفر سليمان و لكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر"البقرة(102) و له حقيقة و يخلق الله عنده ما يشاء، و تعلمه و تعليمه حرام و في تكفير الساحر تفصيل عند أهل العلم. (10) و من أعظم أسباب البلاء، الغلو في الصالحين، و بناء المشاهد و المساجد على قبورهم، و إقامة الموالد حولها و شد الرحال إليها، مما حذر منه النبي صلى الله عليه و سلم أشد التحذير، فقال:" لعن الله اليهود و النصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" –يحذر ما صنعوا- [متفق عليه]، و قال صلى الله عليه و سلم:" لا تتخذوا قبري عيدا"، و قال صلى الله عليه و سلم:" لا تُشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجد الكعبة، و مسجدي هذا، و المسجد الأقصى". و قد صرف القبوريين العبادات كالذبح و النذر لغير الله بزعم محبة الأولياء و الصالحين، و محاربة هذه البدع من أهم الواجبات على الدعاة إلى الله. (11) التوسل في الدعاء، منه المشروع و منه غير المشروع: فالتوسل المشروع إلى الله: *أ* بأسمائه و صفاته. *ب* و بالعمل الصالح. *جـ* و بدعاء الصالحين للأحياء. و التوسل غير المشروع: *أ* دعاء غير الله، و طلب المدد منه على جهة الشفاعة، و هذا شرك أكبر. *ب* طلب الدعاء من الأموات و الغائبين، و هذا بدعة بالإتفاق. *جـ* التوسل و السؤال بالحق و الجاه و الذات-وهذا مختلف فيه- و الراجح منعه إذ هو بدعة لم ترد عن الصحابة رضي الله عنهم، بل تركوها مع وجود المقتضي و انتقاء الموانع، إلا أن يعتقد المتوسل أن معنى الجاه، تصريف الكون و النفع و الضر فيكون شركا. *د* و الشفاعة الشركية من جنس ما يعتقده المشركون في الأصنام، أنها تشفع عند الله بغير إذنه، كما يشفع الوزراء عند الملوك و أنها تكون للمشركين فيه باطلة منفية نفاها القرآن و أما الشفاعة الشرعية يوم القيامة، فهي لمن أذن الله له من النبيين و الملائكة و الصالحين- بعد الإستئذان- و تكون لأهل التوحيد خاصة و حقيقتها أن الله يتفضل على أهل التوحيد بواسطة دعاء من أذن له، ليريهم منزلته و ينال بذلك الكرامة عند الله، و له صلى الله عليه و سلم في القيامة ثلاث شفاعات. و هكذا، فالشرك ينقسم إلى قسمين أكبر و أصغر: فالشرك الأكبر: صرف أي عبادة لغير الله. و الشرك الأصغر: كل ذريعة أو سبب يؤدي إلى الشرك الأكبر و منه الرياء و الحلف بغير الله و ما يجري على الألسنة كقول:" ما شاء الله و شئت، و توكلت على الله و عليك"، و كذلك التطير و إرادة الإنسان بعمله الدنيا، و حكم الشرك الأصغر حكم الكبائر في كون صاحبه لا يخلد في النار. الإيمان بالملائكة: (1) الإيمان بأنهم عباد الله المكرمون، لا يعصون الله ما أمرهم و يفعلون ما يؤمرون. (2) خلقهم الله من نور و ليسوا بنات الله و لا أولادا ولا شركاء. (3) من صفاتهم أن لهم أجنحة يتفاوتون في عددها:" أولي أجنحة مثنى و ثلاث و رباع"فاطر(1)، لا يأكلون و لا يشربون و لا ينامون و لا يفترون عن الطاعة مطهرون من الشهوات منزهون عن الآثام و الخطايا، يتأذون مما يتأذى منه بنو آدم و من أماكن المعصية، و عندهم المقدرة على التشكل و التلون و لديهم سرعات كبيرة. (4) منهم جبريل الموكل بالوحي، و ميكائيل الموكل بالقطر، و إسرافيل الموكل بالنفخ في الصور، و ملك الموت الموكل بقبض الأرواح و له أعوان، و منهم الموكل بكتابة الأعمال، و منهم خزنة الجنة و مقدمهم رضوان، و منهم خزنة جهنم و رؤساؤهم تسعة عشر و مقدمهم مالك و منهم حملة العرش و غيرهم ممن لا يحصيهم إلا الله. (5) و يجب على المؤمن أن يحب جميع ملائكة الله، و من عادى أحدا منهم فهو كافر:" من كان عدوا لله و ملائكته و جبريل و ميكال فإن الله عدو للكافرين" البفرة(98)، و عليه أن يتشبه بالملائكة في المداومة على طاعة الله و تسوية الصفوف في الصلاة و يبعد عن إيذائهم بالمعاصي و الذنوب. الإيمان بالكتب: (1) الإيمان بأنها مُنزلة من عند الله، و أنها كلامه لا كلام غيره، تكلم الله بها حقيقة. (2) الإعتقاد بأن كل ما فيها من الشرائع كان واجبا على الأمم الذين نزلت إليهم (3) الإعتقاد بأنها كلها يصدق بعضها بعضا، و ذلك لا ينافي نسخ بعضها بعضا " و لأحل لكم بعض الذي حُرم عليكم" آل عمران(50)، و كما نسخ القرآن ما خالفه من الشرائع السابقة، و كذلك نسخ بعض آيات القرآن ببعضها حق، كما قال تعالى:" ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها" البقرة(106). (4) يجب الإيمان بما يسمى الله في كتابه منها: القرآن و التوراة و الإنجيل، و الزبور و صحف إبراهيم و موسى. (5) القرآن مهيمن على ما قبله، أي شاهد مصدق لما فيها من الحق، مبين لما زاده أهل الملل السابقة عليها مما ليس منها و لما نقصوه و بدلوه و حرفوه. (6) و ما بأيدي أهل الكتاب من كتب هي مما وقع عليه التحريف بنص القرآن. · تحريف كتاب: " فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم" البقرة(79) · و تحريف اللسان: " و إن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم" آل عمران(78) · و تحريف المعاني: " يحرفون الكلم من بعد مواضعه" المائدة(41) (7) و القرآن كلام الله حقيقة، حروفه و معانيه غير مخلوق، منه بدأ و إليه يعود قبل يوم القيامة، و لا يسع أحدا الخروج عن شريعته إلى يوم الدين. الإيمان بالرسل و الأنبياء: الرسول من أوحى الله إليه و أمره بتبليغ رسالة، و النبي من أوحى الله إليه و لم يؤمر بتبليغ رسالة، و الرسل جميعهم دينهم واحد، و هو الإسلام:" إن الدين عند الله الإسلام" آل عمران(19). و دعوتهم واحدة هي التوحيد، صادقون مصدقون، بارون راشدون هداة مهتدون، بَلَّغوا كل ما أُمروا به، الكفر بواحد منهم كفر بجميعهم، و كفر بالذي أرسلهم. و أفضلهم أولوا العزم، محمد و إبراهيم و موسى و عيسى و نوح-صلى الله عليهم و سلم أجمعين- و أفضلهم محمد صلى الله عليه و سلم، و التفضيل بينهم لله لا للناس، و لا يكون بانتقاص المفضول، و معنى عدم التفريق بين أحد منهم، الإيمان بهم جميعا، و إن كان بعضهم أفضل من بعض. و الرسل رجال و بشر من البشر يأكلون الطعام و يمشون في الأسواق و جعل الله لمن شاء منهم أزواجا و ذرية، فلا يُعبدون و لا يُغالى فيهم، و قد خصهم الله بالأخلاق العظيمة من الصدق و الأمانة و الطهر و عصمهم من المعاصي، و إجماع أهل السنة على العصمة من الكبائر. و الصحيح أن العصمة من الصغائر أيضا، لا من النسيان و السهو و الخطأ و سائر عوارض البشرية لكن لا يُقرون عليه بل يُنهون، لذا فهم قدوة للعباد "أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده" الأنعام(90). و يجب الإيمان بالخمسة وعشرين نبيا المذكورين بأسمائهم في القرآن و الإيمان بأن هناك رسلا آخرين لم يقصهم الله على نبيه صلى الله عليه و سلم في القرآن. و اتباع محمد صلى الله عليه و سلم فرض على كل مكلف من الإنس و الجن إلى يوم القيامة، إذا بلغته رسالته، لا يقبل الله من أحد صرفا و لا عدلا إلا بالإيمان به، قال تعالى:" قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا" الأعراف(158)، و قال النبي صلى الله عليه و سلم:" و الذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي و لا نصراني ثم لا يؤمن بي إلا أدخله الله النار" رواه مسلم و كل من ادعى النبوة بعد النبي صلى الله عليه و سلم فهو كافر لا يجوز تصديقه، قال تعالى:" ما كان محمد أبا أحد من رجالكم و لكن رسول الله و خاتم النبيين"الأحزاب(40). و قال النبي صلى الله عليه و سلم:" لا نبي بعدي" متفق عليه. فطوائف البابية و البهائية و القاديانية و ما شابهها كلها خارجة من ملة الإسلام تجري عليها أحكام المرتدين، و المسلمون هم أتباع كل الأنبياء إذ دين الأنبياء واحد هو الإسلام، و إنما تعددت الشرائع، و شريعة الإسلام مهيمنة على سائر الشرائع. و من اعتقد أنه يسوغ لأحد أن يكون مع النبي صلى الله عليه و سلم كالخضر و موسى لا يلتزم بشريعته لأن له شريعة أخرى فهو كافر بالإجماع، فقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال:" لو كان موسى بن عمران حيا لما و سعه إلا أن يتبعني"، و كل نبي أفضل من جميع الأولياء بالإجماع، و الصحابة رضي الله عنهم هم سادات الأولياء بعد الأنبياء، و كل مؤمن تقي و لي من أولياء الله، و بحسب إيمانه و تقواه بحسب و لايته لله تعالى، و النبوة لا تُنال بالكسب و الإجتهاد، بل هي فضل و منّة من الله:" الله أعلم حيث يجعل رسالته" الأنعام(124). إذا رأيت الرجل يطير في الهواء أو يمشي على الماء فلا تصدقه حتى تعرض علمه على السنة، فهذا هو الفارق بين الكرامة و الرحمانية و الخارقة الشيطانية، إذ الإستقامة هي أعظم كرامة. الإيمان باليوم الآخر: و يشمل الإيمان بالموت و سؤال القبر و حياته و علامات الساعة، و البعث و النشور و الحساب و الميزان، و الصراط و الجنة و النار. [1] الموت حق على جميع المخلوقات" كل شيء هالك إلا وجهه"القصص(88)، و المقصود الأعظم هو الإستعداد له قبل نزوله بالإيمان و العمل الصالح. [2] يجب الإيمان بسؤال الملكين لكل ميت عن ربه و دينه و نبيه و أن العبد إذا مات يكون في نعيم أو عذاب، يحصل لروحه و بدنه، و من كذب بهذا فهو ضال مبتدع. [3] و يجب الإيمان بأشراط الساعة الصغرى و الكبرى، فمن الصغرى: رفع العلم و ظهور الجهل، ضياع الأمانة و كثرة النساء و كثرة القتل و غيرها مما ثبت في النصوص، و من الكبرى: ظهور المهدي، و ظهور المسيح الدجال، و نزول عيسى بن مريم عليه السلام يحكم بشريعة الإسلام، و يكسر الصليب، و يقتل الخنزير، و يضع الجزية(أي لا يقبلها) و يقتل الدجال، و خروج يأجوج و مأجوج و الخسف و الدخان و الدابة و طلوع الشمس من مغربها، و آخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم. [4] و لا يعلم وقت الساعة إلا الله، فلا إطلاع لملك مُقرب و لا نبي مُرسل على ذلك، و يجب الإيمان بالنفخ في الصور، و قيام الأجساد بعد عودة الأرواح إليها و الحساب و الميزان و الصراط، و كتب الأعمال التي تؤخذ باليمين و بالشمال من خلف الظهر و الشفاعة و الحوض، ومما استفاضت به الأحاديث. و الإيمان بالجنة و النار-و هما موجودتان الآن- لا تفنيان أبدا و لا يفنى من فيهما و نعيم الجنة حسي و معنوي، و أعظم نعيم أهل الجنة النظر إلى وجه الله بأبصارهم و عذاب النار حسي و معنوي، و النار لا يبقى فيها أحد من أهل التوحيد ممن قال" لا إله إلا الله" بل لا بد يخرجوا منها بشفاعة الشافعين و برحمة رب العالمين. الإيمان بالقدر: و نؤمن بالقدر خيره و شره، و إنه نظام التوحيد، فمن كذب بالقدر فقد نقض تكذيبه توحيده كما قال بن عباس رضي الله عنهما:* و القدر سر الله تعالى في خلقه لم يطلع على ذلك ملك مقرب و لا نبي مرسل*، و التسليم بالقدر إنما يكون في المصائب لا في المعايب إذ لا بد من الإنتهاء عنها شرعا، كما لا بد من بذل الوسع في تعاطي ما أمر الله به من الأسباب. و مراتب القضاء و القدر أربع مراتب هي: علم الرب سبحانه بالأشياء و كتابته لها قبل كونها و مشيئته و خلقه لها: [1] نؤمن بأن الله تعالى عليم بالخلق و هم عاملون بعلمه القديم الذي هو موصوف به أزلا و أبدا، و علم جميع أحوالهم من الطاعات و المعاصي و الأرزاق و الآجال. [2] ثم الإيمان بكتابة الله سبحانه المقادير، و يدخل فيه خمسة تقادير:" التقدير الأزلي- كتابة الميثاق و تقديره شقاوة العباد و سعادتهم،التقدير العمري-التقدير الحولي في ليلة القدر- التقدير اليومي"، و هذا التقدير التابع لعلمه سبحانه يكون في مواضع جملة و تفصيلا، فقد كتب في اللوح المحفوظ ماشاء الله، و إذ خلق جسد الجنين قبل نفخ الروح فيه بعث إليه ملكا فيؤمر بأربع كلمات: فيقال له: اكتب رزقه و أجله و عمله، و شقي أم سعيد" و نحو ذلك فهذا التقدير كما يقول بن تيمية-رحمه الله-: كان ينكره غلاة القدرية قديما و منكروه اليوم قليل. [3] الإيمان بمشيئة الله النافذة و قدرته الشاملة و أن ماشاء الله كان و مالم يشأ لم يكن، و أنه: ما في السماوات و ما في الأرض من حركة و لا سكون بمشيئة الله سبحانه، لا يكون في ملكه ما لا يريد، و أنه سبحانه على كل شيء قدير من الموجودات و المعدومات، فما من مخلوق في الأرض و لا في السماء إلا الله خالقه سبحانه لا خالق غيره و لا رب سواه، و مع ذلك فقد أمر العباد طاعته و طاعة رسله و نهاهم عن معصيته، و هو سبحانه يحب المتقين و المحسنين و المقسطين، و يرضى عن الذين آمنوا و عملوا الصالحات،و لا يحب الكافرين و لا يرضى عن القوم الفاسقين، و لا يأمر بالفحشاء و لا يرضى لعباده الكفر و لا يحسب الفساد. [4] و العباد فاعلون حقيقة، و الله خالق أفعالهم، و العبد هو المؤمن و الكافر و البر و الفاجر و المصلي و الصائم و للعبادة قدره على أعمالهم، و لهم إرادة، و الله خالقهم و إرادتهم كما قال تعالى:" لمن شاء منكم أن يستقيم(28) و ما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين"التكوير(28-29) و هذه الدرجة-كما يقول بن تيمية-رحمه الله:* يكذب بها عامة القدرية الذين سماهم النبي صلى الله عليه و سلم مجوس هذه الأمة و يغلو فيها قوم من أهل الإثبات حتى سلبوا العبد قدرته و اختياره، و يخرجون عن أفعال الله و أحكامه حكمها و مصالحا*. الولاء و البراء: أوثق عرى الإيمان: الحب في الله و البغض في الله. و مقتضى الإيمان: الولاء لله و لرسوله و للمؤمنين. و مقتضى الكفر بالطاغوت: البراء من الشرك و أهله، و قال تعالى:" إنما و ليكم الله و رسوله و الذين آمنوا" المائدة(55)، و قال تعالى:" قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم و الذين معه" الممتحنة(4). من معاني الولاء: الحب و الرضا و النصرة و الطاعة، و المتابعة و القيام بالأمر، و لوازم هذه الأمور: كالتشبه و الركون و إظهار المودة و تولية الولايات. و هذه المعاني يجب صرفها لله و رسوله صلى الله عليه و سلم و المؤمنين، فيحب الله و رسوله و المؤمنين و يرضى بالله ربا و بالإسلام دينا ، و ينصر دين الله بكل ممكن و مستطاع، و ينصر كل مؤمن ظالما أو مظلوما، بأن يمنع الظالم من ظلمه و المظلوم ممن ظلمه، و يطيع الله و رسوله صلى الله عليه و سلم، و أولي الأمر من العلماء و الأمراء، الذين يقودون الناس بكتاب الله و سنة نبيه صلى الله عليه و سلم، و يتابع طريق المؤمنين، و يتشبه بالنبي صلى الله عليه و سلم و صحابته الكرام، كما يهتم بأمر المسلمين و ينصح لهم و يتعاون على البر و التقوى، و يتخذ منهم الأخلاء و الأصدقاء دون غيرهم. و من أحب الكافرين( المقطوع بكفرهم كفرعون و أبي جهل) و وادهم على كفرهم و رضي بكفرهم و أطاعهم فيه و اتبعهم على مبادئهم المخالفة لدين الإسلام فهو كافر مثلهم، كمن ينادي بالمساواة بين الأديان، و يقول: إن أهل الإيمان منهم اليهود و النصارى المكذبين برسول الله صلى الله عليه و سلم. و لا يجوز للمسلم أن يصادق الكفار، و لا أن يتشبه بهم فيما هو من خصائصهم، كما لا يجوز له مشاركتهم في أعيادهم و لا تهنئتهم بها، أو بمظاهر الشرك التي يفعلونها و لا يصح التسمي بأسمائهم و لا الدعاء لهم بالمغفرة إذا ماتوا على الكفر، و لا التأريخ بتأريخهم و يتحرز من السفر لبلادهم إلا لحاجة أو ضرورة مع الحرص على إظهار شعائر الدين. و ليس من موالاة الكفار هديتهم و عيادتهم في مرضهم و العدل معهم و التزويج من كتابية و أكل ذبائح أهل الكتاب و البيع و الشراء و الإجازة و الشركة و قبول الهبة منهم و رحمتهم بالرحمة العامة و مجادلتهم بالتي هي أحسن، و الإستعانة بهم في مصالح المسلمين دون أن يكون لهم سلطان على المسلمين، و الإستعانة بهم في مصالح المسلمين دون أن يكون لهم سلطان على المسلمين، و كذا إجابتهم للحق و تعظيم حرمات الله، و لنعلم أن المسلم أولى بكل خير و الكافر أولى بكل شر. و الله قد أذهب عنا عصبية الجاهلية و تفاخرها بالأحساب، فالناس مؤمن تقي، و فاجر شقي، و لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى، و يجب الحذر من دعوات القومية و الوطنية و القبلية فهي دعوات جاهلية لا يقبلها المسلم و لا يقف تحت راياتها، و لا ينصر عليها و لا يغضب لها و لا يميز بين الناس استنادا عليها. كما لا يجوز الإنضمام إلى الهيئات و النحل التي تقوم على مبادئ تخالف دين الإسلام كالماسونية و العلمانية و نحوها، قال تعالى:" فإن عصوك فقل إني بريء مما تعملون" الشعراء(216)، و قال تعالى:" قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا و من اتبعني و سبحان الله و ما أنا من المشركين" يوسف(108). مسائل الإيمان و الكفر: [1] الإيمان قول و عمل و نية، يزيد بالطاعة، و ينقص بالمعصية، قال تعالى:" و ما كان الله ليضيع إيمانكم" البقرة(143)، أي صلاتكم إلى بيت المقدس، فسمى الصلاة إيمانا، و قال سبحانه:"ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم" الفتح(4). و قال النبي صلى الله عليه و سلم:" الإيمان بضع و ستون شعبة أعلاها لا إله إلا الله، و أدناها إماطة الأذى عن الطريق، و الحياء شعبة من الإيمان"، فالإيمان قول باللسان و إقرار بالجنان(القلب) و عمل بالأركان. [2] من مات على التوحيد دخل الجنة يوما من الدهر، يصيبه قبل هذا اليوم ما يصيبه لأحاديث الشفاعة. [3] من مات على الشرك بعد بلوغ الرسالة فهو مخلد في النار أبدا،" إن الله لا يغفر أن يُشرك به و يغفر ما دون ذلك لمن يشاء"النساء(48)،و أما من لم تبلغهم الرسالة فهم من أهل الإمتحان في عرصات القيامة، كما ثبت في الأحاديث الصحيحة. [4] المسلم الذي يرتكب الكبائر و يصر عليها(أي لايتوب منها) لا يُكَفَّر بفعلها و لا يُخلد في النار لو دخلها في الآخرة-مالم يستحلها لقوله تعالى:" و يغفر ما دون ذلك لمن يشاء" و هذه الآية في غير التائب لأن التائب من الشرك مغفور له، فالآية إذا فيمن مات على الشرك، و لكن ينقص إيمان المرء بمعصيته و فسقه لقول النبي صلى الله عليه و سلم:" لا يزني الزاني حين يزني و هو مؤمن" رواه مسلم. [5] من رجحت حسناته على سيئاته دخل الجنة بغير دخول النار، إلا تحلة القسم، و من تساوت حسناته و سيئاته فهو من أصحاب الأعراف، و مآلهم الجنة، و من رجحت سيئاته على حسناته استحق دخول النار. [6] و من استحق دخول النار من عصاة الموحدين فهو في مشيئة الله، إن شاء عذبه و إن شاء غفر له، فالناس يدورون بين فضل و عدل في الدنيا و الآخرة، و من هذا الصنف من يدخل النار بلا شك، و لكن المسلم لا يدخل النار دخول الكفار و لا يُعذب فيها عذاب الكفار، و لا يخلد خلود الكفار. [7] لا يختلف أهل السُنة أن تارك النطق بالشهادتين مع القدرة عليها كافر مخلد في النار، حتى لو اعتقد صحتها بقلبه دون نطق لقوله صلى الله عليه و سلم:" يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله". [8] و الخلاف فيمن ترك الأركان الأربعة تكاسلا وجحودا( و هي الصلاة و الصوم و الزكاة و الحج) من مسائل الإجتهاد عند أهل السُنة لا يُبدع مخالف فيها و لا يُفسق و ليست كمسألة مرتكب الكبيرة، فمن كَفَّر مرتكب الكبيرة كالزنا و السرقة أو حكم بخلوده في النار كالخوارج و المعتزلة فهو مبتدع. و أما من كَفّر تارك الصلاة و هي أشهرها فهو مجتهد مأجور على أي حال، و كذا من لم يكفره كفرا ينقل عن الملة فهو مجتهد، و هذه المسألة مما يسوغ فيها الخلاف عند أهل السنة و إن كان جمهور فقهائهم يقولون عنه كفر دون كفر، أما تركه جحودا فكفره معلوم من الدين بالضرورة. [9] و مثله الخلاف في تكفير بعض طوائف أهل البدع مما ليس فيه إجماع عند أهل السُنّة، بل هو من مسائل الإجتهاد، كالخوارج و متأخري القدرية و المعتزلة و الروافض، و الجمهور على عدم تكفيرهم. [10] لا يُكفر مسلم معين ثبت له حكم الإسلام إلا بعد بلوغ الحجة التي يكفر المخالف لها، نقل الإجماع عليه بن حزم، و أقره شيخ الإسلام بن تيمية في منهاج السُنّة، سواء كان خلافه في الأصول أو الفروع و هذه الحجة يقيمها عالم أو ذو سلطان مطاع بحيث تنتفي الشبهات و تدرأ المعاذير و يُحيي من حييَّ عن بينة و يهلك من هلك أيضا عن بينة. [11] يثبت حكم الإسلام بالنطق بالشهادتين بالنص و الإجماع، نقله بن رجب و غيره، و كذا بالولادة لأبوين مسلمين لحديث:" كل مولود يولد على الفطرة" متفق عليه، و الولد يتبع المسلم من والديه، و من توقف في الحكم بالإسلام لمن نطق الشهادتين أو وُلد مسلما و لم يُعلم عنه شرك و لا ردة، فهو مبتدع لمخالفته إجماع السلف الصالح على ذلك، و لا يستثني من ذلك إلا من يقولها حال كفره، فلا بد مع البراءة من الكفر. [12] استمرار عصمة الدم و المال لمن دخل في الإسلام متوقف على التزامه بالصلاة و الزكاة و سائر حق الإسلام كما في الحديث" أُمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، و أني رسول الله و يقيموا الصلاة و يؤتوا الزكاة.." رواه مسلم. [13] يجب الحذر في الجملة من تكفير من قد عُلم إسلامه بيقين لقول النبي صلى الله عليه و سلم:" من قال لأخيه يا كافر فقد باء بهما أحدهما"، و قال :" و لعن المؤمن كقتله". فثبوت عقد الإسلام بيقين لا يزحزح بشك، و إذا كانت الحدود تُدرأ بالشبهات، فأولى ثم أولى أمر التكفير، و لأن يخطئ الحاكم في العفو خير من أن يخطئ في القصاص، و كان الإمام مالك-رحمه الله- يقول:* لو احتمل المرء الكفر من تسعة و تسعين و جها و احتمل الإيمان من وجه لحملته على الإيمان، تحسبا للظن بالمسلم*، و كان الإمام أحمد-رحمه الله- يقول لعلماء و قضاة الجهمية:* أنا لو قلت قولكم لكفرت، و لكني لا أكفرهم لأنكم عندي جُهال*، و إذا كان الناس اليوم قد ورثوا الإسلام و جهلوا معانيه و لم تُقم عليهم الحجة الرسالية قياما يتأكد معه أن يحيى من حيي عن بينة، و أن يهلك من هلك عن بينة، فعلينا بدعوتهم و الرفق بهم و تعليمهم ما جهلوه من دين الله لا المسارعة في تكفيرهم. الصحابة رضي الله عنهم و الخلافة و الإمامة: قال تعالى:" و السابقون الأولون من المهاجرين و الأنصار و الذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم و رضوا عنه" التوية(100)، وقال النبي صلى الله عليه و سلم:" خير الناس قرني ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم"، و قال:" لا تسبوا أصحابي فلو أنفق أحدكم مثل أُحد ذهبا لما بلغ مد أحدهم و لا نصيفه". [1] فالواجب على كل مسلم حب الصحابة رضي الله عنهم و توليهم و معرفة فضلهم-خصوصا أفضلهم أبي بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي، ثم العشرة المبشرين بالجنة رضي الله عنهم، و أهل بدر و أهل بيعة الرضوان:" لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح و قاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد و قاتلوا و كلا و عد الله الحسنى"الفتح(10)، و كذلك أزواجه صلى الله عليه و سلم، و الإيمان بأنهن في الجنة، و حب أهل بيته كما أوصانا النبي صلى الله عليه و سلم. [2] و الخلفاء بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم، أبو بكر ثم عمر، ثم عثمان ثم علي رضي الله عنهم أجمعين، لإجماع الصحابة على ذلك و إجماعهم حجة ملزمة، و من طعن في خلافة واحد منهم فهو أضل من حمار أهله. [3] و من قدّم عليا على أبي بكر و عمر في الفضل أو الخلافة فهو ضال مبتدع كما ثبت عن علي رضي الله عنه لما سُئل أي هذه الأمة أفضل بعد نبيها صلى الله عليه و سلم، قال:*أبو بكر و عمر* رواه البخاري. [4] و من قدّم عليا على عثمان في الفضل لا في الخلافة فهو مخطئ، لكن لا يُفسق و لا يُبدّع، و هي مسألة يُعذر فيها المخالف، و كان من أهل السُنّة من يقولها قديما:* كنا نفضل بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم فنقدم أبا بكر و عمر، ثم انعقد الإجماع على تقديم عثمان في الفضل و الخلافة معا لحديث بن عمر عن عثمان* رواه البخاري. [5] يجب الإمساك عما شجر بين الصحابة رضي الله عنهم بعد قتل عثمان رضي الله عنه من خلاف و قتال، فقد زيد فيه و نُقص منه و غُيِّر عن وجهه، و كثير مما يُروى كذب و زور عليهم، و أكثر أهل السُنّة على أن عليا اجتهد و أصاب و أن المخطئ من خالفه، و كلاهما و كل مجتهد مأجور مرفوع عنه الإثم معذور في خطئه لقول النبي صلى الله عليه و سلم:" الحاكم إذا اجتهد فأصاب فله أجران، و إذا أخطأ فله أجر"، و قوله عن الخوارج: تقتلهم أولى الطائفتين بالحق، و لقد قاتلهم علي رضي الله عنهم. و سب الصحابة من عظائم الذنوب، سواء عليا و من معه أو طلحة أو الزبير أو معاوية و من معهم رضي الله عنهم أجمعين، بل هم جميعا مما قال الله فيهم:" و نزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سُرر متقابلين" الحجر(47). [6] و لا عصمة لأحد بعد النبي صلى الله عليه و سلم، لا لصاحب و لا إمام و لا ولي بل الجميع يجوز عليه الكبائر و الصغائر،و لكن للصحابة مزية على من بعدهم للسبق للإسلام و الصحبة و الهجرة و الجهاد في سبيل الله. [7] و أولياء الله هم المؤمنون المتقون في كل زمان و مكان من أهل السُنّة و الجماعة لهم الكرامات و الفضائل في الدنيا و الآخرة و ما يوجب حبهم و توليهم، و لكن يجب الحذر من الغلو فيهم أو عبادتهم من دون الله. [8] و من اعتقد في أحد منهم أو من غيرهم الألوهية(كالنصيرية العلويين في علي، و الدروز في الحاكم بأمر الله، و الباطنية في إمامهم) أو النبوة (كطوائف من الروافض) أو اعتقد تحريف القرآن أو خطأ الوحي، فهر كافر بلا خلاف عند أهل السُنّة، و لا يختلف أهل السُنّة في عدم تكفير الشيعة المفضلة(الزيدية). [9] و إقامة الخلافة الني بها تجتمع كلمة المسلمين فرض و واجب على المسلمين عودتها على منهاج النبوة مما بشر به النبي صلى الله عليه و سلم، و السعي إلى ذلك واجب بكل الطرق الشرعية و أهمها الدعوة إلى الله تعالى. الاتباع: [1] فرض على الناس جميعا التأدب مع النبي صلى الله عليه و سلم و طاعته و اتباع سنته:" من يطع الرسول فقد أطاع الله"النساء(80)، " كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا و يزكيكم و يعلمكم الكتاب و الحكمة"البقرة(151)، فالكتاب القرآن، و الحكمة سُنّة النبي صلى الله عليه و سلم. [2] و مقتضى شهادة أن محمدا رسول الله صلى الله عليه و سلم تجريد و متابعة و تحكيمه قي كل موارد النزاع في أصول الدين و فروعه،و في العقائد و الأحكام و منازل القلوب، الرضا بحكمه، و الانقياد له، و التسليم لسُنّته، و الإعراض عمن خالفه، و تقديم قوله و هديه و أمره و نهيه على قول كل أحد كائنا من كان. [3] التوحيد توحيدان: توحيد المُرسِل و توحيد متابعة الرسول صلى الله عليه و سلم، و كل الطرق مسدودة إلا طريق رسول الله صلى الله عليه و سلم، و كل من أراد تربية نفسه و تزكيتها فعليه بالمتابعة الصادقة لرسول الله صلى الله عليه و سلم علما و عملا و اعتقادا. الاجتهاد و التقليد: [1] الاتباع أن يتبع الإنسان ما أنزل الله على رسوله صلى الله عليه و سلم، أي يأخذ بالحجة التي يأخذ بها العلماء، و من استبانت له السُنّة لم يكن له أن يدعها لقول أحد الناس. [2] و التمذهب بمذهب إمام معين من الأمور الجائز للعاجز عن الإجتهاد لعذر و ليس بلازم إذ لا واجب إلا ما أوجبه الله و رسوله صلى الله عليه و سلم. أما التعصب المذهبي، و هو أن يرد كل من خالف إمامه و لا يقبل منه شيئا،حتى ولو استبانت له الحجة فهو مذموم و منه البدع، و قد نهى الأئمة عن هذا التعصب و عن هذا الجمود. [3] احترام الأئمة المجتهدين المقبولين عند الأمة(كالأئمة الأربعة و الثوري و بن عيينة و بن المبارك) و محبتهم و موالاتهم واجب على كل مسلم إذ هم ورثة النبي صلى الله عليه و سلم، و ليس أحد منهم يتعمد مخالفة النبي صلى الله عليه وسلم خصوصا الأئمة الأربعة(أصحاب المذاهب الفقهية المعروفة)و لكن الكل يؤخذ من قوله و يُترك إلا رسول الله صلى الله عليه و سلم. [4] الإنتقال بين المذاهب بمجرد التشهي بغير دليل، و الانتقاء من المذاهب ما يُناسب الهوى بدعة و ضلالة و منكر يخالف الإجماع، و من تتبع رُخَصَ المذاهب تجمع فيه الشر كله، فكيف بمن تتبع زلات العلماء و صنع منها دينا!!. [5] الواجب على العالم الجامع لأدوات الإجتهاد أن يجتهد و يتتبع ما وصله من الأدلة، يدل الناس عليها، و لا يحل له التقليد إلا عند العجز، و الواجب على الجاهل الذي لا قدرة له على النظر في الأدلة و لا فهمها و لا الترجيح بينها، أن يسأل العلماء و يتبعهم على ما يُفتونه، و من كان عنده علم و اطلاع و تمييز بين الأقوال و المذاهب فليس هو كالجاهل العامي المقلد بل عليه أن يتبع ما اطلع على دليله الشرعي من أقوال العلماء و له إذا جمع الأدلة في مسألة أو أكثر أن يرجح بين الأقوال، و من علم مسألة فهو بها عالم، و مسائل الإجتهاد تتجزأ، و لا يحل القول في دين بغير علم، و من سئل عن دليل المسألة التي يتكلم بها بينة، و لا حرج في سؤال عالم في مسائل الصلاة و آخر في مسائل الزكاة، و يستفتي العلماء من أي مذهب و يجتهد في اختيار الأعلم و الأورع. [6] الآراء العارية عن الدليل متساوية و يجوز العمل بأي واحد منها، إذا اطمأن إليه قلب المكلف، و التعصب لواحد منها ضلال. [7] لا يصح القول بإغلاق باب الإجتهاد، فما أكثر الحوادث المستجدة التي تتطلب ممن هو أهل للإجتهاد الإستنباط أن طبق الأحكام الشرعية على الواقع المساوي لها، و أن يحكم على الجديد من أمور الحياة و شؤونها و ضروراتها. [8] الاجتهاد هو بذل العالم من وسعه في استنباط الحكم، فإن حكم بنص فقد حكم بحكم الله، و إن حكم بما يفهم و يرى فيجب أن يغلب على ظنه أن الله لو أنزل نصا لهذا الحكم لكان موافقا لما أفتى به. [9] و طاعة ولي أمر المسلمين فيما يجتهد فيه لمصالح المسلمين و النصح له واجب، و لا يجوز مخالفته إلا إذا أمر أمرا صريحا بمعصية الله عز وجل و يجوز الإفتاء بغير ما يراه إذا كان مع المفتي دليل، و طاعته في الأمور العادية، إذا كان مجتهدا متأولا مشروعة، أما في الأمور الخاصة و التي لا يتأتى من ورائها تفريق المسلمين فلا تجوز، إذا كانت الحجة بخلاف أمره، و لا يجوز للكافر أن يتولى إمرة مسلم. [10] التحاكم إلى الله و رسله يقطع الخلاف، فإن لم تتضح الحجة عذر كل أخاه، ووكل سريرته إلى الله عز و جل، و أحسن الظن بأخيه و أساء الظن بنفسه. أهل السُنَّة و أهل القبلة: هناك فارق بين أهل السُنّة و أهل القبلة، فليس كل من انتسب للقبلة يكون من أهل السُنّة، بل قد يكون من أهل البدع و الأهواء كحالة الخوارج الذين لم يكفرهم علي رضي الله عنه و لا جمهور الصحابة. جاء في شرح الطحاوية(286):(و نسمي أهل قبلتنا مسلمين مؤمنين ما داموا بما جاء به النبي صلى الله عليه و سلم معترفين له بكل ما قال و أخبر مصدقين، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:" من صلى صلاتنا، و استقبل قبلتنا و أكل ذبيحتنا،فهو مسلم، له مالنا و عليه ما علينا"أخرجه البخاري و غيره. و يشير شيخ الإسلام-رحمه الله- بهذا الكلام إلى أن الإسلام و الإيمان واحد و أن المسلم لا يخرج من الإسلام بارتكاب الذنب مالم يستحله، و المراد بقوله "أهل قبلتنا" من يدعي الإسلام و يستقبل الكعبة، و إن كان من أهل الأهواء أو من أهل المعاصي، مالم يُكذب بشيء مما جاء به الرسول صلى الله عليه و سلم، إلى أن قال:*و لا نُكفر أحدا من أهل القبلة بذنب مالم يستحله و لا نقول لا يضر مع الإيمان ذنب لمن عمله*أ.هـ. فرد بذلك على الخوارج القائلين بالتكفير بكل ذنب كما رد على المرجئة فإنهم يقولون: لا يضر مع الإيمان ذنب، كما لا ينفع مع الكفر طاعة" فهؤلاء في طرف و الخوارج في طرف و كلاهما على ضلالة خالفوا بها ما كان عليه رسول صلى الله عليه و سلم و صحابته الكرام رضي الله عنهم. فهذا هو مقياسنا و ميزاننا، و لا نثبت الحق بمجرد الإدعاء، و لذلك لزم على الأفراد و الدول و الجماعات أن تعرض نفسها على أصول و قواعد أهل السُنّة و الجماعة، فقد كانوا يثبتون كل ما وافق الكتاب و السنة و ما خالفهما أبطلوه، و لا معصوم عندهم إلا رسول الله صلى الله عليه و سلم، و إجماع السلف الصالح عندهم حجة شرعية مُلزمة لمن بعدهم و هم لا يُقرون قولا و لا يقبلون اجتهادا إلا بعد عرضه على الكتاب و السنة و الإجماع، و لا يعارضون القرآن و السنة بعقل أو رأي أو قياس، و لا يوجبون على العاجز في معرفة العلم ما يجب على القادر. و الجماعة عندهم هي مناط النجاة في الدنيا و الآخرة، فأهل السنة هم أهل الجماعة و أهل التوسط و الإعتدال و هم أيضا أهل الجمل الثابتة بالقرآن و السنة و الإجماع، فهم أهل الشريعة و هم الإمتداد التاريخي لأهل ملة الإسلام، جمعوا الدين علما و عملا و ظاهرا و باطنا، و لا يأخذون إلا ما كان ثابتا عن الرسول صلى الله عليه و سلم و السلف الصالح، و كانوا يحرصون على معرفة السنن و النزول على حكمها، و قد اختلف اجتهادهم تبعا لتفاوت علمهم بالسنة، و لكن ضبطوا أنفسهم لحرصهم على الوحدة و الإئتلاف، و الحق في النهاية لا يخرج عنهم. و أهل السُنة هم الطائفة الظاهرة المنصورة، و هم خير الناس للناس، يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر و يحافظون على الجماعة و يلتزمون الطاعة في المعروف، ولاؤهم للحق وحده، يوالي بعضهم بعضا ولاءا عاما و يعذر بعضهم بعضا، فالولاء و العداء عندهم على أساس الدين و لا يمتحنون الناس بما ليس من عند الله، و يغزون مع أمرائهم أبرارا كانوا أم فجارا من أجل إقامة شرائع الإسلام، فتَخَلَّق بهذه السمات و هذه الخصائص، و احرص على أن تكون في واقعك و واقع الناس حتى تتحقق الوحدة أتم تحقيق و نسلم في دنيانا و آخرتنا من سخط ربنا. الصفات العامة للمفارقين للسُنَّة و الجماعة المفارقون للسُنّة يدفعهم إلى ذلك أمران رئيسيان: الأول: هو الجهل بالحق فيحكمون بالظن لا بالعلم. الثاني: الهوى فيحكمون بالظلم لا بالعدل. يقول بن تيمية-رحمه الله- في كتاب الفتاوى الكبرى(جـ 3- ص 350):- (فكان المبدأ هو البدع هو الطعن في السُنّة بالظن و الهوى كما طعن إبليس في أمر ربه برأيه و هواه)، و قد دفعهم الجهل و الهوى إلى كثرة الآراء و تضاربها و اختلافها من جهة و إلى التفرق و الشقاق و المعاداة من جهة أخرى: (إن كل أحد يُؤخذ من قوله و يُترك إلا رسول الله صلى الله عليه و سلم)، لا سيما المتأخرون من الأمة الذين لم يُحكموا معرفة الكتاب و السُنّة، و الفقه فيهما، و يميزوا بين صحيح الأحاديث و سقيمها و ناتج المقاييس و عقيمها، مع ما ينضم إلى ذلك من غلبة الأهواء و كثرة الآراء و تغلظ الإختلاف، و الإفتراء و حصول العداوة و الشقاق) ‘جـ 3 ، ص 378‘. و المفارقون للسُنّة قد يدفعهم إلى ذلك أيضا الغلو الذي ذمه الله و رسوله صلى الله عليه و سلم، و من سماتهم الجهل بالحق و منهم قوم منافقون، و عندهم تعصب مع البغي على المخالف لهم. يقول بن تيمية-رحمه الله- : (فمن جعل شخصا من الأشخاص غير رسول الله صلى الله عليه و سلم من أحبه و وافقه كان من أهل السُنّة و الجماعة، و من خالفه كان من أهل البدعة و الفرقة- كما يوجد ذلك في الطوائف من اتباع أئمة في الكلام في الدين و غير ذلك- كان من أهل البدع و الضلال و التفرق)(جـ 3، ص 347)، و قال:( و من والى موافقه و عادى مخالفه، و فرق بين جماعة المسلمين، و كفَّر و فسَّق مخالفه دون موافقة في مسائل الآراء و الاجتهادات، و استحل قتال مخالفه دون موافقه، فهؤلاء من أهل التفرق و الاختلاف (جـ3، ص 349). و هؤلاء المفارقون ينصبون لهم شخصا أو كلاما يفرقون به بين الأمة. قال بن تيمية-رحمه الله-: (و ليس لأحد أن ينصب للأمة شخصا يدعو إلى طريقته، و يوالي و يعادي عليها غير النبي صلى الله عليه و سلم، و لا ينصب لهم كلاما يوالي عليه و يعادي، غير كلام الله و رسوله صلى الله عليه و سلم، و ما اجتمعت عليه الأمة، بل هذا من فعل أهل البدع الذين ينصبون لهم شخصا أو كلاما يفرقون به بين الأمة و يوالون به على ذلك الكلام أو تلك النسبة و يعادون(جـ 20، ص 163-164). و المفارقون للسُنّة منهم المغالون الباغون المعتدون و منهم المفرطون الجاهلون، و من سماتهم تكفير و تفسيق مخالفهم في الاجتهاد و التأويل، ثم يرتبون على ذلك أحكاما ابتدعوها في حق المخالف من استحلال الدماء و الأموال و غير ذلك، و يقرنون بين الخطأ و الإثم و هذا من ضلالهم، فإن أهل العلم و الاجتهاد إذا اجتهدوا، فأصابوا فلهم أجران، و إذا اجتهدوا و أخطأوا فلهم أجر على اجتهادهم، و خطؤهم مغفور لهم. و هكذا فهؤلاء مفارقون يخرجون عن السُنّة و الجماعة، و يبادرون أهل السُنّة بالبغي و الظلم و العدوان. كلمات تُفرق و لا توحد و ما أكثر الكلمات و المواقف التي خرج بها الساسة و الزعماء، بل و أصحاب كثير من الدعوات أيضا مخالفين بها شرع ربهم من جهة، و ممزقين بسببها وحدة الأمة من جهة أخرى، في الوقت الذي تطالب فيه ألسنتهم بالوحدة و الإتحاد. و لا يخفى عليك الكم الكبير من النعرات الجاهلية و الفلسفات المارقة و الحدود المصطنعة و النظم الوضعية، و القوانين الطاغوتيه الكفرية، التي و ضعتنا في ذيل الأمم، و مزقتنا شر ممزق بعد أن كنا خير أمة أُخرجت للناس، فلا تكفي أبدا الشعارات أو الهتافات، كما لا تكفي الأصول الهلامية و المناهج المنحرفة عن منهج أهل السُنّة و الجماعة في جمع كلمة المسلمين، و من قول البعض عن دعوته: طريقة سلفية سُنية صوفية...!!!. لا يصلح أن يكون هذا الكلام منهجا لتحقيق الوحدة و الإتحاد، فلا إشارة في الكتاب و السُنّة للتصوف بلفظه و لا بمعناه، و ليس في لغة العرب إشارة إلى كلمة صوفية أو صوفي بنفس المعنى الذي يهدف إليه أعلام التصوف كابن العربي و بن سبعين و بن الفارض و الحلاج، فالصوفية باختصار شديد بلاء لا حد له امتد من حقل التربية إلى وضع الحديث و إفساد العقيدة و تحطيم الشرع و فتح الباب للخرافات ثم الشرك ثم الفلسفات الهالكة كالقول بوحدة الوجود ثم إسقاط التكاليف، و لذلك امتدحها المستشرقون و علماء الغرب، لأنها فكر خرائبي يمهد الطريق لتحكم الأعداء في رقاب البلاد و العباد، و هل تستطيع الصوفية أن تدخل حلبة النزاع مع الفكر الفلسفي الغربي، أو النظريات الإجتماعية و الإقتصادية. و عموما فليس كل من طلب الوحدة أو التجميع يتحقق له، ليس فقط لأنه ليس كل ما يتمناه المرء يدركه، و لكن لأننا كثيرا ما ندخل البيوت من غير أبوابها، و نأتي ما يفرق وحدتنا و نكون كالتي نقضت غزلها أنكاثا، و من ذلك: أولا:كلام الشيخ سعيد حوري-رحمه الله-في ((تربيتنا الروحية)): يقول: ( إن الكرامة و قعت و تقع في دوائر التصوف، و إن أعداء التصوف بشكل عام يحاولون أن ينكروا أن تكون هناك كرامة أصلا للمنتسبين للتصوف و يحاولون أن يعطوا هذا الكرامات أسماء أخرى و هذا خطأ و غلو!!)، و قال: ( و أهم ما ينصب عليه الإنكار ما يحدث لأهل الطريقة الرفاعية من كون النار لا تؤثر فيهم و من كونهم يضربون أنفسهم بالرصاص أو بالسيوف و لا يؤثر ذلك فيهم و هذه قضية منتشرة و مشتهرة محسة و قد تتبعها الكثير من المنكرين فرجعوا عن الإنكار!!، إن هذا الشيء الذي يجري في طبقات أبناء الطريقة الرفاعية و يستمر فيهم هو من أعظم فضل الله تعالى على هذه الأمة و من رأى ذلك تقوم عليه الحجة. إن الحجة الرئيسية لمنكري هذا الموضوع هي أن هذه الخوارق تقع على يد فساق من هؤلاء كما تظهر على يد صالحين و هذا صحيح و التعليل لذلك هو أن الكرامة ليست لهؤلاء بل هي للشيخ الأول الذي أكرمه الله عز و جل بهذه الكرامة و هو الشيخ أحمد الرفاعي) أ.هـ . و يتضح من هذا الكلام الخلط الشديد بين الكرامة و الرحمانية و الخارقة الشيطانية و أعمال السحرة و الكهان و المشعوذين، و قد كان الليث بن سعد(فقيه مصر) يقول: (إذا رأيت الرجل يمشي على الماء فلا تصدقه حتى تعرض عمله على السُنّة)، و لما سمع الشافعي-رحمه الله- ذلك قال: (قصَّر و الله الليث-بل لو رأيته يطير في الهواء فلا تصدقه حتى تعرض عمله على السُنَّة). و هل هكذا تُقام الحجة على الخلائق؟!!. و هل تصلح هذه التربية في تخريج جيل يتولى قيادة البشرية؟!، و كيف لو رأى رجل الدجال، و ما يجري على يديه من خوارق العادات، عندما يقول للسماء أمطري فتمطر، و يقول للأرض أنبتي فتنبت و يقول للخربة أخرجي كنوزك فتخرج كنوزها فتتبعه كيعاسيب النحل-أقول: هل من رأى ذلك يتابع الدجال و تقوم عليه الحجة؟!، إن الكُتَّاب بحاجة لمراجعة إيمانية لكثرة المآخذ عليهم. ثانيا: ضلالة توهم البعض أنها قد ماتت: جاء في كتاب أركان الإيمان ما نصه: (قال علماء أصول الدين: إن الكلام ينقسم إلى قسمين: الأول الكلام اللفظي، و الثاني الكلام النفسي: أما اللفظي: فهو القرآن الكريم المنزل على سيدنا محمد و كذا سائر الكتب المنزلة على الرسل عليهم الصلاة و السلام، و لا ريب أن الكلام اللفظي حادث مخلوق له تعالى!! و النتيجة أن القرآن مخلوق. قال الإمام أحمد-رحمه الله-: ( و من قال القرآن مخلوق فهو جهمي و في رواية كافر). و قال الإمام الطحاوي-رحمه الله- مبينا عقيدة أهل السُنّة و الجماعة: ( و إن القرآن كلام الله منه بدا بلا كيفية قولا و أنزله على رسوله وحيا و صدقه المؤمنون على لك حقا، و أيقنوا أنه كلام الله تعالى بالحقيقة ليس بمخلوق ككلام البرية، فمن سمعه فزعم أنه كلام البشر فقد كفر و قد ذمه الله و عابه و أوعده بسقر حيث قال:"سأصليه سقر"المدثر(26)، فلما أوعد الله بسقر لمن قال:" إن هو إلا قول البشر"المدثر(35)، علمنا و أيقنا أنه قول خالق البشر و ليس بقول البشر، و من وصف الله بمعنى من معاني البشر فقد كفر، فمن أبصر هذا اعتبر، من مثل قول الكفار انزجر، و علم أن بصفاته ليس كالبشر). و الأدلة في ذلك كثيرة متواترة مثل قوله تعالى:" و إن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله" التوبة(6). و في الحديث:"و أحسن الكلام كلام الله تعالى". و عن عثمان رضي الله عنه قال: ( ما أحب أن يأتي علي يوم و ليلة و لا أنظر في كلام الله)، وقال بن مسعود: (من كان يحب أن يعلم أنه يحب الله فليعرض نفسه على القرآن، فإن أحب القرآن فهو يحب الله، فإنما القرآن كلام الله)، و قد انعقد إجماع السلف الصالح على تكفير من قال بخلق القرآن، فكيف يلتئم الشمل و تتوحد الكلمة و البعض يُصر على مثل هذه الضلالات المفرقة!!. كلام الغزالي المعاصر في التقريب بين الشيعة و السُنّة: الغزالي المعاصر هو أحد الدعاة المشهورين، و له مواقفه المحمودة في مواجهة الشيوعية و الكثير من صور الشر و الفساد كما أن له نزعته العقلانية و جرأته في تناول نصوص الشريعة، يعلم ذلك من طالع كتبه و سمع مقالاته و هو واحد من المطالبين بالوحدة و الإتحاد، ولكنه يدخل البيت من غير بابه. و قد ذكر في كتابه(كيف تفهم الإسلام) ص 142 ما نصه: ( و لم تنج العقائد من عقبى الاضطراب الذي أصاب سياسة الحكم و ذلك أن شهوات الاستعلاء و الاستئثار أقحمت فيها ما ليس منها فإذا المسلمين قسمان كبيران(شيعة و سُنّة) مع أن الفريقين يؤمنان بالله وحده و برسالة محمد صلى الله عليه و سلم و لا يزيد أحدهما على الآخر في استجماع عناصر الاعتقاد التي يصلح بها الدين و تلتمس النجاة)!!!!. هذا كلام من لا يعرف عقيدة الشيعة و أهل السُنّة، و يكتفي بالمجملات(راجع ما نقلناه عن الخوميني في كتاب الحكومة الإسلامية على سبيل المثال)ثم هذا الكلام من شأنه أن يُحدث تدليسا في عقائد الخلق و ما يترتب على ذلك من هذم المعاني الولاء و البراء و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر. و هل معنى الحرص على الوحدة أن نهدم معاني العقيدة، و أليس هذا المسلك من المسالك التي ينطبق عليها مبدأ المكيافيللي(الغاية تبرر الوسيلة). و في (ص144-145)يقول: (فإن الفريقين[السُنّة و الشيعة] يقيمان صلتهما بالإسلام على الإيمان بكتاب الله و سُنّة رسوله صلى الله عليه و سلم،فإن اشتجرت الآراء بعد ذلك في الفروع الفقهية و التشريعية فإن مذاهب المسلمين كلها سواء في أن للمجتهد أجره أخطأ أو أصاب)، ثم يقول: (إن المدى بين الشيعة و السُنّة كالمدى بين المذهب الفقهي لأبي حنيفة و المذهب الفقهي لمالك أو الشافعي و نحن نرى الجميع سواء في نشدان الحقيقة و إن اختلفت الأساليب)!!. إن الغزالي يُسرف على نفسه في تشبيه الخلاف بين الشيعة و السُنّة في مسائل التوحيد و الأصول، بالخلاف الفقهي، و هذا من أفسد القياس، لأنه تشبيه ما لا يجوز فيه الخلاف-باتفاق العلماء- بخلاف اجتهادي بين الأئمة الأربعة لم يفسد للود قضية بينهم، مع اتفاقهم في مسائل العقيدة[راجع العقيدة الطحاوية]. ثم الغزالي متناقض مع نفسه فبينما حمل على أبناء الصحوة حملة لا هوادة فيها لكونهم يطلقون اللحى و يقصرون الثياب و يمتنعون عن الغناء الماجن، نراه قد أرسل حبال الود مع الشيعة!! أليست معاني الوحدة و الأخوة و المحبة متأكدة مع من يرجع لمثل ماكان عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم و صحابته الكرام، حتى و إن خالفهم الرأي، و لماذا لا يجعل خلافه معهم كخلاف الشيعة و السُنّة-بزعمه-بدلا من تفريق وحدة المسلمين. انظر لقوله(ص143): (و كان خاتمة المطاف أن جعل الشقاق بين الشيعة و السُنّة متصلا بأصول العقيدة!!، ليتمزق الدين الواحد مزقتين و تتشعب الأمة الواحدة إلى شعبتين، كلاهما يتربص بالآخر الدوائر بل يتربص به ريب المنون، إن كل امرئ يعين على هذه الفرقة بكلمة فهو ممن تناولتهم الآية:"إن الذين فرقوا دينهم و كانوا شيعا لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون"الأنعام(159). للأسف لقد استخدمت الكلمات الحقة كالوحدة و الأخوة أسوأ استخدام،فهذا يطالب بتحقيقها مع الملاحدة، و ذلك مع القوميين أو أهل الأديان الفاسدة، و الثالث يقول بالتغاضي عن الشيعة المنحرفة، و الرابع إذا لم توافقه على ضلالته فأنت عنده و في نظره ممن يُفرق كلمة المسلمين و يُضعف وحدتهم... سبحانك هذا بهتان عظيم.