الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
قولنا: (والفرق بين المسلمين واليهود والنصارى هو في الأسماء والصفات)،
هذا أيضاً ضمن بيان أهمية مسألة الأسماء والصفات، لأنها من أعظم القضايا أهمية، أما اليهود، فقد قال الله -تعالى- عنهم: (لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ)(آل عمران:181)، وقال -تعالى-: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ)(قّ:38-39)، قال هذا -سبحانه- للرد على من يقولون: إن الله -تعالى- تعب من خلق السموات والأرض، واستراح في اليوم السابع، وقال -تعالى-: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ)(المائدة:64)، وغير ذلك مما ينسبونه لله -تعالى-، كما ينسبون له العجز والجهل والمرض، فعندهم في التوراة التي فيها التحريف أنه بينما الرب يطوف في الأرض إذ أمسك به يعقوب من حقوه -وسطه- فصارعه فصرعه، ولم يتركه يصعد حتى أعطاه لقب "إسرائيل"، الذي يفسرونه بـ "اصرع إيل"، أي: الذي صرع الرب، و"إيل" يعني الله، وهذا كلام غاية في الضلال والكفر، فيعقوب إنما كان عبداً لله -تعالى- غلب نفسه لله -تعالى-، وهذا معنى كلمة "إسرائيل"، وليس أنه صارع الرب -سبحانه وتعالى-.
وينسبون أيضاً له الجهل فيزعمون أن آدم اختبأ منه بعد أن أكل من الشجرة، فجعل الرب يبحث عنه، فقال: يا آدم، أين أنت؟ فقال: أنا هاهنا، فكلمه، وقال: لماذا أكلت من الشجرة؟!
وكذلك ينسبون إليه -تعالى- المرض، وأنه بعد أن أهلك ألأرض بالطوفان، حزن حزناً شديداً، وبكى حتى رمدت عيناه، وعادته الملائكة.
وهذا يدلنا على سمو العقيدة الإسلامية، وأنه بحمد الله -تعالى- أنقى عقيدة في الوجود على الإطلاق، ونحمد الله -تعالى- على ما أنعم به علينا، فلا يلزمنا بفضل الله -تعالى- إلا أن نعتقد لله كل كمال، أما اليهود والنصارى فيلزمهم أن يعتقدوا ويصدقوا -ليكونوا على دينهم- أنواع المحالات، وأنواع الضلالات.
فاللهم لك الحمد أن عافيتنا من ذلك الكفر والضلال، فلو أن إنساناً ظل عمره كله يتعبد لله وهو يعتقد أنه -تعالى- مغلول اليد، وأنه فقير، وأنه يتعب ويعجز ويمرض، فهل ينفعه ذلك؟!
لذلك نقول: إنه لا يصح أن يقول قائل: ما فائدة البحث في هذه المسائل، وليس وراءها عمل؟ بل وراءها ما هو أعظم وأهم من العمل وهو الاعتقاد، وفي الحقيقة كل معرفة من هذه المعارف وراءها عمل، ألا وهو عمل القلب الذي هو من أهم الأعمال.
ثم إن القرآن كفَّر هؤلاء اليهود والنصارى من أجل فساد الاعتقاد في الله -تعالى- فكيف يقول قائل بعد ذلك أن هذا الموضوع غير ذي أهمية، فضلاً عن ألا يعِّرف الناس بربهم، ولا يُعَلِّمهم أسماء الله وصفاته؟!
والفرق بيننا وبين والنصارى -أيضاً- في الأسماء والصفات، إذ نسبوا لله -تعالى- الصحابة والولد، قال -تعالى-: (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89) تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا) (مريم 88-91)، (لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا)، أي عظيماً، (تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ)، أي يتشققن منه، (وَتَنْشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا)، لمجرد أن يوجد من يدعوا للرحمن ولداً، يكاد الكون أن ينشق فرقاً من الله -تعالى-، سبحان الله، فكيف بأمر عظيم هائل بهذه المثابة؟! ومع ذلك نجد كثيراً من الناس يرون أن الأمر يسير، ونحن نعلم أن الرهبان منهم من عاش عمره يعذب نفسه بأنواع العبادات البدعية، ظناً أن ذلك يقربه إلى الله، ولو كانت البدعة وحدها عنده لما صَلِيَ النار الحامية، وإنما يَصْلى ناراً حامية لفساد العقيدة أصلاً، لفساد ظنه في الله -تعالى-، لذلك كانت هذه الوجوه الخاشعة العاملة الناصبة يوم القيامة تصْلى نارا حامية.
فعلى أحد الوجهين في التفسير أنها وجوه عاملة ناصبة تتعب في الدنيا في العبادة، ومع ذلك تَصْلى ناراً حامية في الآخرة، الوجه الآخر أنها يوم القيامة عاملة ناصبة يعني في النار، وهذا أصح.
كما نسبوا إلى الله -تعالى- الموت والبكاء وسائر صفات المخلوقين، حين قالوا: "المسيح ابن الله"، وذلك أنهم يعتقدون أن المسيح هو الله، أو أنه ابن الله، أو أنه ثالث ثلاثة، ونسبوا إليه أنه صُلِبَ ومات، وبقي ثلاثة أيام ميتاً، ثم قام من بين الأموات.
ثم تجد ناساً من المسلمين الجهلة يذهبون فيهنئون النصارى بما يسمونه عيد القيامة المجيد، ونصارى الشرق الأرثوذكس يعتقدون أن المسيح طبيعة واحدة أي: "ناسوت ولاهوت معاً"، وليس طبيعتين، ويقولون: رب السموات والأرض هو الذي مات شخصياً، فمثل هذا الاعتقاد كفر مستقل، قال -تعالى-: )َقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ)(المائدة: من الآية17).
وكل هذا يؤكد أن قضية الإيمان بأسماء الله وصفاته قضية عظيمة الخطر، فتوحيد الأسماء والصفات والاعتقاد في الله -تعالى- هو أساس الإيمان.