نلاحظ دائما ان صيغة التأنيث تطغى على لغة الايتيكيت، وكأن اللياقة واجبة على المرأة وحدها، خصوصا في المجتمعات الذكورية، حيث يسود الاعتقاد ان الرجل «لا يعيبه إلا جيبه»، ومن ثم ليس بحاجة إلى أن يتعلم أصول اللياقة واللباقة في تعامله مع الآخرين. لكن الحقيقة ان ما ينطبق على المرأة ينطبق على الرجل، وإذا كانت هي مطالبة بعدم رفع صوتها عاليا، مثلا، فإن الرجل ايضا مطالب بذلك على عكس ما يعتقده بعضهم أو يطبقونه في أرض الواقع بالحديث بأصوات جهورية وعالية جدا، بحيث لا يعترفون بحميمية الموقف أو بخصوصية باقي الناس، من الذين لا ذنب لهم سوى أنهم موجودين في نفس المكان الذي هو فيه. في هذا الصدد، أوضحت خبيرة الإيتيكيت ريجينا فنيانوس ان الايتيكيت مساو للاحترام، يعطي الرجل المزيد من القوة ولا يضعفه.
وأضافت أن الرجل لا يتعلم فنون الإيتيكيت بين ليلة وضحاها، لأنه سلوك يكتسبه في الصغر ويشب عليه، وهو الامر «الذي نفتقده اليوم لدى عدد من الرجال للأسف، بدليل ان بعضهم لا يراعون اصول الكلام، ويطلقون العنان لاصواتهم تزأر أو يتحدثون بسرعة بالغة، مقاطعين الآخرين وقاطعين عليهم الطريق لأي تدخل أو أخذ ورد». وتعتبر فنيانوس ان هذا السلوك ناتج عن عدم اكتراث الاهل الى صوت الاولاد العالي في الصغر، في حين يتشددون مع البنات ويعلمونهن ضرورة خفض اصواتهن في كل المناسبات.
كما تعتبر «ان اصرار الرجل على رأيه دائماً كأنه صاحب الحقيقة المطلقة واستخفافه بآراء الآخرين يعود في صميمه الى عادة درجت عليها نسبة كبيرة من الشرقيين الذين يتجاهلون ان من حقهم الدفاع عن آرائهم والتعامل مع غيرهم بالمثل، والسماح لهم بإبداء وجهات نظرهم. فالديكتاتورية ليست من قواعد الايتيكيت في شيء، بل هي ابتعاد حقيقي عنها، وتظهر الرجل اكثر عنفاً وحدّة وضعفا».
وفي السياق نفسه ترى أن عدداً لا يستهان به من الرجال، في عالمنا العربي، يخلطون بين قوة الإرادة والحزم وبين الفظاظة، فبالنسبة لهم "أن تكون فظاً يعني أن تكون رجلا حازما «فتراه يشد الأوراق من زميلته أو زميله في العمل بعنف من دون أن يقول «شكرا»، او يبقى جالساً عندما تدخل احدى السيدات إلى الغرفة، أو يلقي التحية على ضيوفه بشكل عام من دون ان يقف أو حتى ينظر إليهم بحجة انه مشغول. وتشير فنيانوس الى «ان هذه التصرفات تدل على خلل في نشأة الرجل وتربيته».
كما تنتقد «الرجل الذي يتباهى بتعدد علاقاته النسائية على الملأ، حتى يوحي للآخرين بأنه «دونجوان» عصره، دون أن يراعي أن هذا ليس مقبولاً لأن الحديث عن العلاقات الخاصة لا يتم «على المكشوف» ويسلط الضوء فقط على ضعف في شخصيته ومرض في رؤيته للعلاقات الإنسانية. ومن الأمور الأخرى التي لا تحبذها المرأة في الرجل إعتقاده أنه بارع في فنون الملاطفة، فيسهب في المجاملة والإطراء غير المرغوب فيه غير آبه بردة فعلها، وبأنها لا تشعر بالارتياح. المشكلة انه يعتقد ان كل امرأة تحب هذا النوع من الإطراء، ولا يفهم عزوفها عنه، بل قد يفسر هذا العزوف بأنه مجرد «تمنع» فيزيد منه.
وفي هذا الصدد تعلق فنيانوس بأن الايتيكيت أصبح يفرض نفسه ليحمي المرأة من فظاظة الرجل، الذي يسمح لنفسه بكل شيء من دون أن يخجل أو يشعر بأنه قد قام بعمل معيب. وتتابع بأن الحل الوحيد امام السيدة التي تجد نفسها في هذا الموقف اما مغادرة المكان بهدوء، او تجاهل «سماجته» اذا تعذرت المغادرة.
وتتابع أن على الرجل ان ينتبه إلى ان المرأة قد لا ترتاح للتحية الطويلة، بأن يترك يده ممسكة بيدها طويلا، لأن الأمر سيشعرها لا محالة بالإحراج والانزعاج، كما لا ترتاح له عندما يجلس إلى جانبها بشكل ملاصق، عندما يكون المكان ضيقا لا يتسع لأكثر من واحد.
وهنا توضح فنيانوس "في هذه الحالة على المرأة ان تكون صارمة من دون اثارة الانتباه، فتسحب يدها بسرعة او تبتعد وتغير مكانها لتقطع الطريق عليه». من جهة اخرى تشير فنيانوس إلى نوعين آخرين من الرجال على خصامٍ مع الإيتيكيت":
النوع الأول الذي يبالغ في الشكوى من زوجته مركزاً على وصف سيئاتها وإهمالها لنفسها وزوجها وأولادها أمام الأهل والأصدقاء.
والنوع الثاني الذي يغالي في وصف مهاراتها، ويتغنى بحسناتها، ويضعها في مرتبة أعلى من كل النساء»! مشيرة الى انه «ليس من المقبول أن «يفضح» الرجل زوجته أمام الآخرين ويعلن عن مساوئها لأنه بذلك يعيب نفسه أيضا. كذلك لا يصح أن يبالغ في إعلاء شأنها ويفصّل محاسنها دائماً، لأن ذلك قد ينم عن نقيصة ما في شخصيته، أو عن توتر ما في العلاقة الزوجية يحاول إخفاءه من خلال المبالغة في الإطراء»!
والنتيجة التي تؤكدها فنيانوس ان التصرفات البعيدة عن اللياقة والذوق والسلوكيات التي تنم عن عدم مراعاة لمشاعر الآخرين تنقص من الرجولة ولا تعكس القوة بقدر ما تعكس الضعف، ويدفع الرجل ثمنها من سمعته على المدى البعيد.