تحت سقف واحد منذ سنوات طويلة لكن المسافات بينهما بعيدة ، تلاشت ملامح الشراكة في علاقتهما الزوجية ،وحل عنها جمود في العواطف والمشاعر ، ليصبحا كموظفين في الحياة الزوجية تجمعهما لقاءات عابرة والتزامات مادية للحفاظ على شكلهما الاجتماعي والاسري امام الاخرين.
الانفصال الصامت او الانفصال العاطفي بين الأزواج واقع موجود على مسرح الحياة صور ومشاهد كثيرة لحياة زوجية يغيب عنها التفاهم ولغة الحب وتتسع دائرة التنافر الروحي والنفسي بين الزوجين متوجين الصمت سيدا للمكان.
وكالة الانباء اليمنية سبأ تتجول في هذا الاستطلاع بين أسوار المنازل لترصد حكايات محبطة ونهايات تعيسة لم تعلن انهيارها رسميا خوفا وحرجا من ثقافة العيب الاجتماعي.
تقول أحلام مدرسة 35 عاما " تزوجت منذ 10 سنوات بعد ارتباط عاطفي دام أربعة أعوام لم يكن والدي راضيا عمن اخترته شريكا لحياتي ووافق مرغما على زواجنا بعد أن تغاضيت عن عيوبه لثقتي بقدرتي على تغيير طباعه لأثبت لوالدي حسن اختياري وتقديري للأمور.
وتردف" بعد زواجي بفترة قصيرة تمادى زوجي في أنانيته وسلبيته تجاه أمور حياتنا الزوجية والمعيشية إلى جانب بخله الشديد واعتماده على راتبي في تأمين احتياجاتنا اليومية فأصبت بخيبة أمل وشعرت أنني أعيش بمفردي وفكرت ان الأمر قد يتغير بعد إحساسه بعاطفة الأبوة وتوليه مسؤولياته كرب أسرة بعد ولادة طفلينا الا انه ازداد سوءا لدرجة تحريض اطفالي على عدم احترامي.
وتضيف " حاولت مرات عديدة مد جسر الحب في ما بيننا وإعادة الشراكة التي كانت تجمعنا للحفاظ على حياتنا الزوجية من الانهيار لكن محاولاتي باءت بالفشل. وتأسف "تنتابني حالة يأس شديدة عند تفكيري أن علاقتنا انتهت كغريبين يتقاسمان منزلا واحدا كل منا يعيش حياته بعيدا من الأخر " في حين يقول حسين 50 عاما " تزوجت منذ 25عاما من زوجة أخي المتوفى نزولا عند رغبة أبي لتربية أطفال شقيقي ورعايتهم ، وافقت على الزواج منها مرغما لم أشعر تجاهها بأي مشاعر وعاطفة غير أنها زوجة أخي التي يجب ان أتحمل مسؤوليتها وأطفالها.
ويسرد حسين " لم تكن الزوجة التي أتمنى ان تقاسمني حياتي وتشاركني أمالي وأحلامي مع ذلك لم اقصر في مسؤولياتي الزوجية والمعيشية تجاة عائلتي لدرجة أني كنت أتصنع مشاعر الحب والمودة لزوجتي لمعرفتي أنها تسعد بذلك ولأوفي بمسؤوليتي أمام الله.
ويضيف "شعرت ان من حقي الزواج من إمرأة أبادلها مشاعر الحب والمودة بصدق وتشاركني همومي وطموحاتي المستقبلية فتزوجت بعد ثماني سنوات بامرأة كانت السبب في انقطاع علاقتي العاطفية بزوجتي الأولى التي اكتفت بمشاعر الاحترام وطيب العيش في ما بيننا وتقديرها لي كوالد لبناتها.
ويواصل "احترمت رغبة زوجتي ولم أطلقها ، أعيش مع زوجتي الثانية في منزل مستقل مع أولادي الأربعة أمارس حياتي الطبيعية والزوجية مع امرأة أريدها وأبادلها مشاعر زوجية ولا اشعر بذنب تجاه زوجتي الأولى لأنها اختارت الانفصال وفضلت العيش كوالدة لبناتي فقط "
تعرف الأخصائية النفسية بمركز الإرشاد التربوي والنفسي في جامعة صنعاء أمل الجبري الزواج من الناحية النفسية أنه وحدة اجتماعية تجمع بين الرجل والمرآة يضعان فيها أساسا للأسرة.
فيما تسمي علاقة الزوجين في المنزل دون وجود روابط عاطفية اختلالا في العلاقة الزوجية وعلميا تدعى (الإختلالات الزوجية ) التي تنشأ منها صراعات ،عدم التوافق ، ظهور مشاكل ، عدم التواؤم كل مع الأخر ، توترات وسلوك سلبي للأزواج في معظم المواقف الحياتية لضغوط الحياة وهذا يؤدي إلى وجود الزوجين في المكان نفسه والمنزل وكل منهما يعيش بعيدا من الأخر مع عدم وجود المعاشرة الزوجية. والأسباب التي تؤدي إلى ظاهرة الانفصال الصامت او اختلال العلاقة الزوجية ترجعها الاخصائية النفسية الى عدم كفاءة الزوجين في حل مشاكلهما الحياتية وتجميد المناقشة والمصارحة ما يؤدي إلى إقامة حاجز بينهما ،او اختلاف الطباع والرغبات والاهتمامات المشتركة ،الى جانب العنف الممارس من قبل الزوج أحيانا تجاه زوجته ما يثير مجموعة معقدة ومركبة من مشاعر التباعد والتعالي والنفور ينتج منها تدمير العلاقة بين الطرفين وحدوث الانفصال بينهما إلى جانب المستوى الثقافي والتفكير والميول والخلافات الى جانب الضغوط الاقتصادية.
وتواصل حديثها الأخصائية النفسية في مركز الإرشاد التربوي والنفسي في جامعة صنعاء " وتتعدد أسباب الاختلالات الزوجية وتتنوع ويرجع البعض منها إلى الزوج أو الزوجة او البيئة الاجتماعية التي يعيشان فيها كما ينتج من العلاقة السلبية بين الزوجين التفكك في الروابط الأسرية، الطلاق والهجر ما يسبب مخاطر كثيرة على الأطفال مثل السرقة،اليتم ، التشرد.
كما تبين دراسات كثيرة العواقب التي تسببها العلاقة السيئة بين الزوجين على الأطفال في هذه الأسر المضطربة زواجيا حيث يعانون ظروفا اجتماعية و نفسية وتربوية صعبة يتنج منها إحباط وحرمان وصراع ما يعرقل نضجهم الاجتماعي والانفعالي يجعلهم عرضة للإضطرابات النفسية والانحرافات السلوكية.
ويؤكد علماء النفس والاختصاصين في المشورة الأسرية ان هذه المشكلة تظهر بعد فترة ليست بقليلة من الزواج وليس اقل من خمس سنوات ويبدأ الانفصال العاطفي بين الزوجين بعد تراكم مشاكل تفاقمت ولم يتم حلها و أهملها الزوجان وينتج منها مع الأيام حالة من الكبت بسبب عدم المصارحة والمكاشفة وهذا اهم عامل يؤدي لهذه المشكلة الى جانب عدم تقدير حد الزوجين للطرف الأخر او عدم قيام الزواج على قناعة كافية و أحيانا قد تتسبب الرتابة والروتين في الحياة حدوث مثل هذه الحالات.
وعلى الرغم من صعوبة العيش ضمن علاقة زوجية جامدة وصامتة خالية من مشاعر المحبة والمودة الا أن الزوجين او احدهما خاصة الزوجة تقبل الاستمرار في الزواج الصامت حفاظا على الأطفال وخوفا عليهم من التفكك الاسري والاصابة باضطرابات نفسية او اجتماعية قد تؤدي إلى ضياع حياتهم المستقبلية او بسبب العادات والتقاليد والموروث الثقافي في المجتمع تجاه المرآة المطلقة خاصة وان معظم العائلات في المجتمع اليمني لا تروق لها فكرة أن تعود ابنتهم مطلقة سواء كان معها أولاد او لأن خروجها من بيت زوجها ستدخل إلى مجتمع بأكمله ينهش حقوقها ويصادر حريتها ويحاصرها فتفضل تحمل نيران رجل واحد أهون من مجتمع بأكمله إلى جانب أيضا حاجة المرآة إلى من يعولها.
وتصف وفاء ربة منزل 36 عاما " علاقتها بزوجها بشبة منتهية ،"أرى زوجي في المنزل في الليل بعد عودته من عمله ليهديني كلمات و إهانات متكررة وأحيانا يتكرم علي ببضع لكمات بعدها يدخل لينام ويستيقظ في اليوم الثاني وكأن ليس في الأمر شيء يتناول غداءه ويذهب لعمله "وتعلق " زوجي مقصر معي وقاس جدا في معاملته لي ولاطفالي إلا أني على تحمل هذه الحياة في منزله من اجل البقاء إلى جانب أولادي رغم أن الأمور قد وصلت في ما بيننا إلى درجة عدم الاحترام.
وتردف "حياتي معه جحيم لا يطاق ومع ذلك لا أستطيع تركه والعودة الى أهلي كونهم لا يتخيرون عنه خاصة ان لدي خمسة أطفال اعرف ان أهلي لن يستقبلوهم بترحاب لقناعتي بالمثل الشعبي القائل أن (نار الزوج ولا جنة الأهل ) لهذا لن أتمكن من تركهم له بعد أن هددني ان خرجت سيتزوج بإمرأة أخرى بالطبع لن تكون الملاك الحارس لأولادي. وتخلص عملت بإحدى قاعات الأفراح لكي أؤمن مصروف اطفالي الى جانب ما يجود به الجيران علينا لكي أعوضهم ما يفتقدونه من حنان وأوفر لهم متطلباتهم الحياتية بقدر ما استطيع.
ولدى سؤال رئيس دائرة التوجيه والأرشاد في المؤتمر الشعبي العام الشيخ يحيى النجار عن هذه الظاهرة يقول إن بعض النساء تصبر على الظلم و الجور وسيطرة الزوج من اجل أطفالها ،ومن اجل أهلها ،والبعض الأخر من اجل وصمة العار من المجتمع اذا طلقت لأن هناك من الناس من يرغم ابنته بالصبر على كل ما ينالها حرجا من ثقافة العيب أن تطلقت ،إلى جانب المجتمع الذي لا يرحم ولا ينظر الى أسباب الطلاق وإنما ينظر الى المطلقة نظرة غير صحيحة و يوصلها الى السوء.
ويؤكد" ان الحياة الزوجية شراكة بين اثنين في السراء و الضراء وفي الشدة و الرخاء شراكة على المودة والمحبة والاحترام المتبادل بين الزوجين وذلك الحب الذي لا ينفصم فإذا ما وجد ذلك عاش الزوجان في سعادة ورغد عيش.
ويقول اذا احتلت الكراهية محل المحبة والحياة النكدة محل الحياة السعيدة تصبح الحياة بين الشريكين حياة نكدة ومتعبة واذا أصبحت الحياة بهذا الشكل وحاول الشريكان مرارا عديدة ان يصلحا من امرهما بحيث يعودان الى حياتهما الطبيعية والطيبة فهنا يمكن ان ينفصلا والطلاق هو الحل اذا لم يجدا الحياة المرجوة بينهما ". ويضيف النجار "اذا كان الزوجان قد عاشا فترة وأنجبا أطفالا تصبح هناك صعوبة في انفصالهما لأنه بانفصالهما يضيع الأطفال فإن انضموا الى أبيهم ضاعوا وإن انضموا إلى أمهم جاعوا.
ويرى ان المرآة التي أصبح قدرها زوجا ظالما او ذا نزعة تحكمية يقوم بذلك كله اما لأنها أصبحت مثقلة بالأطفال او أنها انسانة فقيرة او أن أهلها لا يرضون عنها اذا تطلقت فإن هي صبرت و ثابرت واحتسبت فإنها مأجورة وهذا الصبر سوف يوصلها الى نتيجة طيبة.
وينصح النجار "الزوج ان يراجع نفسه ويحاسب ضميره ويعامل زوجته المعاملة الزوجية الطبيعية وأما ان ينكب في الدنيا قبل الآخرة لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أوصى بالنساء خيرا فإذا كان إنسان لم يتبع وصايا الرسول فليعلم إذا أفلت من عدالة الأرض لن يفلت من عدالة السماء وبالمقابل على المرآة ان تعين زوجها على أداء واجباته ولها في ذلك اجر كبير ".
وتنصح الإخصائية النفسية في مركز الإرشاد التربوي والنفسي في جامعة صنعاء أمل الجبري انه يمكن إعادة الروح والدفء إلى الحياة الزوجية وإنقاذ العلاقة الأسرية وإرجاعها إلى طبيعتها بعد حالة الفتور بعدة وسائل يلتزم بها طرفا العلاقة ان يشعر كل طرف شريكه بالحب والانتماء و الصحبة والمساندة أيضا محاولة كل منهما حل المشاكل والاختلافات في جو من التفاهم و المصارحة والمكاشفة والتعامل بمرونة وموضوعية للمشاكل و تبادل الآراء في ما بينهما مع تقديم التنازلات.
مضيفة " يجب ان يحافظ الزوجان على الاحترام المتبادل والإفصاح عن مشاعر الحب في ما بينهما والإطراء بشكل دائم و التشجيع المستمر لبعضهما البعض من اجل التفاعل الإيجابي في علاقتهما و مشاركتهما الفاعلة في تحمل الحياة معا و المعاشرة الحسنة.
وتنوه الجبري الى انه من الممكن ان يلجأ الزوجان الى طلب المشورة والنصيحة الاسرية والزوجية من مراكز متخصصة لتحسين العلاقة بين الزوجين وتقليل الصراعات بينهما و تأكيد الروابط الوجدانية لذلك.
وتخلص الجبري " لا تخلو الحياة الزوجية من بعض الإختلالات والاختلافات ولكنها تتحول بالتفاهم و المصارحة الى مدعم و منشط للتوافق الزوجي وبقدر نجاح الزوجين في تحقيق هذه المهمة يكون توافقهما الزوجي كما تتطلب الحياة الزوجية الأخذ والعطاء والتعاون المتبادل عند ممارسة الحقوق و المسؤوليات ووجود الاحترام و التقدير من أهم أسس النجاح في الحياة الزوجية.
الأختصاصيون في علم نفس الأزواج ينصحون ايضا بالاهتمام بتفاصيل الحياة الزوجية وتبادل الهدايا وكلمات الحب لاذابة الجليد بينهما وتبقى المشاكل ملح الحياة بين الزوجين. ويؤكدون ان المرآة ذات طبيعة شفافة وحساسة الى ابعد الحدود ويجب الاهتمام بها من خلال تخصيص الزوج وقتا ولو قليلا للجلوس معها و إطرائها بعبارات تحبها وكذا الثناء على اهتمامها بنفسها وواجباتها المنزلية ما يدفعها الى القيام بواجباتها الأسرية على احسن حال وبذلك تبتعد الأسرة عن كل ما يعكر صفوها و كل ما يسبب الجفاء العاطفي و الجفاف الأسري ويوفر جوا عائليا صحيا تحيطه مشاعر الحب والدفء الأسري. فيما ينصح اختصاصيو المشورة الأسرية أن يقوم الزوجان بدور الأحباء من خلال الأفعال و السلوكيات المشتركة البسيطة مثل تقديم الهدايا و تذكر المناسبات المشتركة الخروج في نزهات بمفردهم وعدم التردد في التعبير عن مشاعر الحب إلى جانب اهتمام المرآة خاصة بالهندام و الأناقة والتزيين من قبل الزوج او الزوجة كما ينصح باعتراف الأزواج بالمشكلة و المكاشفة و المصارحة وفتح باب النقاش كي لا تصل الأمور الى نهاية العلاقة إلا اذا وصلت الأمور بينهما لطريق مسدود يفضل أن يأخذ الزوجان الانفصال النهائي القانوني حتى لا يضيعا الوقت في حل مشكلة لا حل لها.