كتبه/ عبد المنعم الشحات
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
لا شك أن "القومية العربية" كانت أحد أهم المسامير التي دُقت في نعش "الخلافة الإسلامية"، وذلك عن طريق تحريض "إنجلترا" لـ "الشريف حسين" أن يـُعلن ما أسماه بـ "الثورة العربية" ضد "الخلافة العثمانية"، ونتيجة لذلك حاربت "الدولة العثمانية" جنبـًا إلى جنب مع "جيوش إنجلترا" في "فلسطين"، ثم غدرت "إنجلترا" به، ومكنت اليهود من "فلسطين"، وإن كان هذا لم يمنعه هو وابنه "عبد الله" من بعده من الاستمرار في حلفهم حتى خاض حرب 48، وقائد جيشه هو "جلوب باشا" الإنجليزي، والذي أصبح هو القائد العام للجيوش العربية آنذاك.
وكان من نتائج حرب 48 أن خفتت رايات "القومية العربية الملكية" وحل محلها "القومية العربية الثورية" بقيادة "عبد الناصر"، والتي نالت هي الأخرى هزيمة منكرة في حرب 67، والتي كان من ثمارها عودة الروح الإسلامية على المستوى الشعبي، بل والرسمي؛ وهو ما هيأ لحرب 73، والتي سارت بعدها مصر ومن بعدها كافة العرب في طريق السلام، وبقي الدفاع عن "فلسطين" قضية وطنية للفلسطينيين، إلى أن استقرت قيادتها الفعلية في أيدي الإسلاميين، لا سيما حركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي"، واللتان قامتا بالتصدي لهجمة صهيونية بربرية، وقد رفعت أسهم التأييد لهما في العالم الإسلامي كله.
وكنا قد وقفنا من المجاهدين في غزة موقف التأييد، شأننا شأن السواد الأعظم من الاتجاهات الإسلامية في العالم أجمع، ولكن البعض قد استشكل منا هذا الموقف لسببين رئيسيين:
الأول: الجذور الإخوانية لكل من الحركتين.
الثاني: التحالف القائم بين كل من الحركتين و"إيران".
فأما الأول فمن تتبع موقفنا من قضية الخلاف بين الاتجاهات الإسلامية -لا سيما الموضح في كتاب "فقه الخلاف" للشيخ "ياسر برهامي"- يعرف أننا نحب الخير لجميع المسلمين، وأننا نساندهم ونؤيدهم فيه، وإن أنكرنا عليهم غيره مما نراه مخالفًا للشرع.
ولكن الأمر الثاني هو الذي في حاجة إلى وقفة نستجلي فيها الواقع ونُقدِّره بقدره:
بدأت حركة المقاومة المسلحة الفلسطينية بجميع أطيافها بعد حرب 56، ولكنها لم تنشط بالقدر الكافي إلا بعد حرب 67، وكان من الطبيعي أن تتحمل الحركة الإسلامية لا سيما الإخوان العبء الأكبر من ذلك، إلا أن قيادة الإخوان في فلسطين رأوا أنهم في حاجة إلى إعداد وتربية قبل الدخول في مواجهات مع اليهود، مما دعا مجموعة من الإخوان أن ينشقوا عليهم ويؤسِّسوا حركة "فتح" -ومنهم "ياسر عرفات" نفسه- التي بدأ تكوينها في عام 56، وصدر بيانها الأول عام 65، وكانت أبرز عملياتها "معركة الكرامة" عام 68، وكان "عبد الناصر" يأخذ منها موقفًا عدائيًّا في أول الأمر؛ لكراهيته الشديدة لكل ما هو إخواني، ولأنه يدعم منظمة التحرير التي نشأت بقرار من جامعة الدول العربية، إلا أن هزيمة 67 وانتصار "فتح" في معركة الكرامة جعله يتبنى "فتح"، بل دَعَم ضمَّها إلى المنظمة، ودعم "ياسر عرفات" في الوصول إلى قيادة المنظمة، مما كان له أثر في تخلي "ياسر عرفات" عن التوجه الإسلامي، وتبنيه للتوجه الثوري أيًّا ما كان ناصريًّا أو شيوعيًّا أو شيعيًّا، و لذلك يمَّم "عرفات" وجهه شطر "الثورة الإيرانية" فور قيامها، ففوجئ بأن الشرط الرئيسي لهم لكي يقدموا له دعمـًا فعالاً هو أن ينسلخ تمامًا من العرب، ويعلن انضمامه إلى "الثورة الإيرانية"، فرفض مما جعله لا يحصل منهم إلا على الفتات؛ والذي أخذوا له ثمنـًا غاليـًا، وهو تولي "منظمة فتح" تدريب كوادر "حركة أمل الشيعية"، بل إن "ياسر عرفات" لما أجبر على ترك لبنان عام 82 ترك معظم أسلحته لـ"حركة أمل"؛ على أمل أن تقوم بالدفاع عن اللاجئين الفلسطينيين في "لبنان"، التي كانت تدور فيها حرب أهلية طاحنة، كان الفلسطينيون دائمًا مستهدفين فيها؛ لأنهم -من وجهة كافة الأحزاب المتناحرة- يعتبرون إضافة لرصيد أهل السنة في لبنان.
إلا أن "أمل" خذلت الفلسطينيين في مذبحة "صابرا وشاتيلا" الأولى عام 82، والتي نفذتها قوات الكتائب النصرانية في حماية وحراسة القوات الإسرائيلية، وفي ظل صمت تام من قوات "أمل" الشيعية، التي ورثت السلاح الفلسطيني غنيمة باردة، ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد؛ بل قامت منظمة "أمل" نفسها بمذبحة "صابرا وشاتيلا" الثانية، والتي أنست الناس ما فعله اليهود والنصارى في المذبحة الأولى؛ وذلك أن حركة "أمل" في أحد أطوار الحرب الأهلية اللبنانية فرضت حراسة على مخيمات "صابرا وشاتيلا" لمنع الفلسطينيين من دعم أهل السنة، ثم ادعت إحدى دوريات الأمن التابعة لحركة "أمل" أن صبيًّا فلسطينيًّا تعرض لهم، فاقتحموا المخيمات، وقاموا بمذبحة بشعة في إحدى مستشفيات المخيم، ثم دار قتال شرس لمدة أربعين يومًا عرقلت حركة "أمل" أثناءه أي محاولة للصلح إلا إن سقط مخيم "صابرا"، وكان تعليق معظم شهود العيان على ما ارتكبته قوات "أمل": " لقد فعل هؤلاء بنا ما لم يفعله اليهود"، ثم جلسوا للصلح الذي أعاد حصار "أمل" للمخيمات مع فض الاشتباك.
وجدير بالذكر أيضًا أن المذبحة بدأت في أول رمضان، ولم تنتهِ إلا بعد انتهائه، وكان "الخوميني" يعتذر عن مقابلة كل من يطلب مقابلته بخصوص هذا الأمر بأنه منقطع للعبادة في رمضان، ثم لما انتهى رمضان ألقى خطابًا شاملاً لم يتعرض فيه للمذبحة إلا بجملة يسيرة دعا فيها الجميع إلى ضبط النفس.
وجدير بالذكر أيضًا أن عار "صابرا وشاتيلا" كان أحد أهم العوامل التي حدت بإيران إلى إنشاء منظمة جديدة هي "أمل الإسلامية"، والتي تحولت فيما بعد إلى "حزب الله "؛ لكي يتسنى لهم ادعاء براءتهم من عار "صابرا وشاتيلا"، إلا أنه فاتهم أن معظم قادة "أمل" الإسلامية كانوا قادة أو على الأقل أعضاء في حركة أمل وقت المذبحة، ومنهم "حسن نصر الله" الأمين العام الحالي لحزب الله.
والحاصل أن حبال الود بين "منظمة التحرير" و"إيران" قد تقطعت تمامًا بعد هذه المذبحة، لا سيما أن المنظمة بدأت في هذه الفترة المفاوضات الأولية للحل السلمي، مما يعني أنهم غير صالحين لأن يكونوا امتدادًا للثورة الإيرانية.
يراجع في ذلك: "المقاومة المسلحة ضد المشروع الصهيوني في فلسطين 1920 - 2001" للدكتور" محسن محمد صالح" من منشورات المركز الفلسطيني للإعلام، و"عبد الله الغريب" "أمل والمخيمات".
ومع نهاية العلاقة بين "فتح" و"إيران" كان قد ظهر على الساحة الدكتور "فتحي الشقاقي" مؤسس "جماعة الجهاد الفلسطينية"، والذي تبنى الفكر الناصري في بداية حياته، ثم انضم إلى الإخوان في عام 68 متأثرًا بهزيمة 67، ولكنه كان يحاول الدفع في اتجاه العمل المسلح، ولكن مع استمرار رفض القيادات الإخوانية لهذا المبدأ استقال من الجماعة عام 74، وذهب للدراسة في كلية طب الزقازيق في مصر، وهناك اتصل بجماعة "الجهاد المصرية"، كما اتصل بجمعية "أهل البيت"، وحصل منهم على ترجمة عربية لكتاب "الحكومة الإسلامية" للخومينى.
ومن الواضح أن "الشقاقى" قد قرأ الكتاب بروحه الثورية القديمة، فرأى فيه الأمل للأمة، والمخرج لها من ورطتها، وأقنع نفسه أن الكتاب كتب بروح إسلامية عامة وليس بروح مذهبية، أضف إلى ذلك أنه لم يكن متمكنًا من معرفة المنهج الشيعي.
وألف "الشقاقى" كتاب "الخوميني الحل الإسلامي والبديل" والذي اعتقل بسببه في مصر، ثم أفرج عنه، وعاد إلى "فلسطين" ليؤسس جماعة "الجهاد الإسلامي الفلسطيني" عام 80، وليظل مدافعًا عن كل مواقف "الثورة الإيرانية" إلى أن تم إبعاده إلى الجنوب اللبناني عام 88، وعاد بعدها ليتمكن من السفر إلى "إيران" للحصول على الدعم اللازم، والذي فوجئ أن شروطه هو إعلان أن المرشد لحركة "الجهاد الإسلامي" هو مرشد الثورة الإيرانية، وأن يصعد من هجومه على "فتح". فرفض هذه الشروط إلى أن تم اغتياله بواسطة "الموساد" عام 95، وإن كان هذا لم يمنع باحث مثل "صباح الموسوي" رئيس حزب النهضة العربي الأحوازي أن يكتب في موقع إيلاف: "من باع فتحي الشقاقي للموساد؟".
تولى قيادة "حركة الجهاد" بعد "الشقاقي" الدكتور "رمضان شلح"، الذي أعلن أن مرشد حركته هو المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، وبدأ بتوزيع كتب التقريب بين السنة والشيعة بكمية كبيرة، بل بدأ بتوزيع كتب تنتصر للمذهب الشيعي، مما نتج عنه تشيع بعض أفراد الحركة، ويبدو أن الحركة لم تكن تريد للأمور أن تصل إلى هذا الحد؛ حيث صرَّح أحد المتشيعين أنه تعرض لضغوط من قبل الحركة لما أعلن تشيعه، ويبدو أن الحركة كانت تريد أن تقف عند حدود التشيع السياسي كما يسمونه دون أن يمتد هذا إلى التشيع العقدي؛ لكن هذه النتيجة الطبيعية لتمجيد رموز الشيعة ليل نهار مع نشر كتب ظاهرها التقريب -وهو شر في حد ذاته-، إلا أن الكثير منها كان باطنه الدعوة المباشرة إلى التشيع.
يراجع كتاب "الراصد للمشكلة الشيعية"، وهو عبارة عن مجموعة مقالات عن الشأن الشيعي، منها مقالة بعنوان: "حركة الجهاد الإسلامي والهوى الشيعي الإيراني".
ومن المهم هنا أن نورد الرسالة التي تلقاها الكاتب بعد نشره للمقال على "موقع الراصد"، فضمها إليه في الكتاب المذكور، جاء في الرسالة:
"إن "حركة الجهاد" و"سرايا القدس" بريئة براءة الذئب من دم يوسف من تهمة التشيع.......... نعلم بوجود عدد من الشيعة في "حركة الجهاد" وبعض المتعاطفين مع الشيعة كحال بعض المسلمين ممن وقعوا فريسة لأوهام الانتصار في "لبنان" و"حزب الله" و"الثورة الخمينية".... ووالله يا إخوة يا أحباب إن عدد هؤلاء لا يعد على أصابع اليد الواحدة، وأن السلفيين في الحركة وفي السرايا أضعاف أضعاف هذا العدد............ يوجد صراع كبير في الحركة، والأقلية ارتضت أن تكون في صف الشيعة، والأغلبية تتصدى لهم بحمد الله".
ونترك الآن الكلام على "جماعة الجهاد" لننتقل إلى الكلام على الجماعة الأكثر سيطرة على الأمور في "غزة"، وهي حركة "حماس"، والتي ظهرت على الساحة في عام 87 على أنها جناح من أجنحة "الإخوان المسلمين"، ويبدو أن هذا لكي تتمكن من إعلان أنها حركة فلسطينية تجاهد من أجل "فلسطين" وداخل حدود "فلسطين" فقط، بخلاف الخطاب العالمي الذي تميل الجماعة الأم لاستخدامه عادة.
واستطاعت الجماعة من خلال قيادتها للانتفاضة ومن خلال عملها الدعوي والاجتماعي أن تكون هي الجماعة الأكثر انتشارًا بين الإسلاميين في "فلسطين"، بل أصبحت هي الجماعة الأكثر قبولاً لدى عموم الفلسطينيين في "غزة"، بالإضافة إلى مزاحمتها لـ "فتح" في "الضفة".
يراجع في ذلك "المقاومة المسلحة ضد المشروع الصهيوني في فلسطين 1920 - 2001" للدكتور" محسن محمد صالح" من منشورات المركز الفلسطيني للإعلام.
وقد أخذت "حماس" على "الجهاد" انفتاحها على التشيع، حتى إن الشيخ "أحمد ياسين" لما وافق على إجراء بعض الاتصالات بـ"إيران" كتب موضحًا موقف "حماس" من "إيران" في كتاب لم نطَّلع عليه، إلا أن عنوانه ظاهر "نحن والشيعة تقاطع مصالح لا تحالف"، وقد ظل ذلك الموقف حتى وقت قريب، ومن جهود الجماعة في محاربة التشيع أن الدكتور "صالح الرقب" القيادي البارز في "حماس" قد كتب في عام 2003 كتابًا بعنوان: "الوشيعة في كشف شنائع وضلالات الشيعة"، ذكر أن الباعث على تأليفه هو زيادة الدعوة إلى منهج الشيعة الاثنى عشرية في "غزة" في الآونة الأخيرة، كما أشار إليه الأستاذ "أسامة شحادة" في مقالة له على "موقع الراصد" بعنوان "الإخوان - حماس والسؤال الحائر"، وهو منشور ضمن كتاب "المشكلة الشيعية".
والملاحظ أن العلاقة بين "إيران" و"حماس" قد تطورت باتفاق الجميع، ولكن بعض المدافعين عن "حماس" يرون أنه تطور في حدود التقاء المصالح ولم يتطرق بعد إلى التحالف المذهبي، ومن جملة من دافع عن حماس الأستاذ "صلاح حميدة" في مقال له بعنوان "جدلية العلاقة بين إيران والمقاومة الفلسطينية"، والمنشور على "موقع المركز الفلسطيني للإعلام"، وهو لم يخرج عن ما ذكره الأستاذ "خالد مشعل" في حواره مع "قناة العربية" وإن كان هذا الحوار كان قبل حرب غزة الأخيرة، وهذه مقتطفات من مقال "صلاح حميدة":
"بالنسبة لحركة "حماس"، كانت بدايات الاتصال بينها وبين الشيعة عندما تم إبعاد المئات من قادتها إلى لبنان في بداية التسعينيات، بعد عملية أسر الجندي الإسرائيلي "نسيم طوليدانو"، وبدأت الاتصالات بين الجانبين، ولكنها بقيت على مستوى منخفض، ولكن "حماس" فتحت مكتبًا لها في "طهران"، ولم تتهم "حماس" أبدًا أنها تتبع لـ "إيران"؛ فقد كان مكتبها السياسي موجودًا في "الأردن"، وكان الاتهام لها بأنها تتبع "الأردن" وتؤيد الخيار الأردني للحل؟!
بعد وفاة الملك "حسين" ساءت العلاقة بين "حماس" والنظام هناك، فأجبر أعضاء "المكتب السياسي للحركة" على الاختيار بين البقاء في السجن، أو المغادرة إلى "قطر" و"سوريا" و"إيران" و"السودان" و"اليمن"، وبقي هؤلاء الأعضاء في تلك الدول في حالة تنقل دائم.
منذ تلك الفترة و"حماس" تتهم بأنها ضمن المحور السوري - الإيراني - القطري، ويتم تجاهل "اليمن" و"السودان"، وأحيانا لا تذكر إلا "إيران"؟!".
ويقول: " قررت "حماس" الابتعاد عن كافة التناقضات الداخلية في كافة الدول العربية والإسلامية وغيرها، ونأت بنفسها عن كل الصراعات الجانبية، وحصرت معركتها مع الاحتلال على أرض "فلسطين"، ولذلك استطاعت الوصول إلى صيغة توافق مع النظام السوري الذي ارتكب مجازر بحق "الإخوان المسلمين" في "سوريا"، واستطاعت إيجاد صيغة تعاون مع "إيران" الشيعية التي تختلف معها مذهبيًّا، وتعمل بجد على إيجاد صيغ مماثلة حتى مع أكثر الدول عداءً لها، كالنظام المصري والسعودي والأردني وغيرهم ممن يمكرون بحماس ويريدون القضاء عليها، ويتحالفون مع "إسرائيل" لتحقيق هذا الهدف".
ورغم ذلك فيرصد الأستاذ "أسامة شحادة" مظاهر مداهنة للشيعة في حركة "حماس" منها:
"تصريح "أحمد يوسف" مستشار "إسماعيل هنية" الذي قال فيه: "ما العيب أن تكون شيعيًّا؟ إن الشيعة هم عز ذلك الزمان"
ومنها تصريح الأستاذ "خالد مشعل" بأنه لا يتلقى دعمًا إلا من "إيران"، وهو ما يناقض تصريحاته السابقة من أن "حماس" قامت وما زالت قائمة على الدعم الشعبي من كل بلاد المسلمين لا سيما بلاد الخليج، وإن كان "خالد مشعل" قد فسر ذلك في لقاء "قناة العربية" بأنه قبل تشكيل "حماس" للحكومة اقتصرت على الدعم الشعبي، وأما بعد تشكيل الحكومة فكان لا بد من محافظة على تدفق ثابت لدفع الرواتب، فناشدوا الحكومات، فلم تستجب إلا "إيران"."
ومما اعتبره مجاملة صارخة للشيعة حيدةُ الأستاذ "خالد مشعل" عن إدانة "إيران" في تصفية الفلسطينيين في "العراق" في الحوار الذي أجرته معه "مجلة البيان" عدد 246 بتاريخ 2/2008.
بيد أن هذه الأمور لا تعد شيئًا بجوار زيارة "خالد مشعل" لـ "إيران" بعد الحرب، وما تردد فيها من أنه جاء ليقدم تقريرًا لولي أمر المسلمين عن الحرب.
بتلك الزيارة -التي لن يشفع لها تسميتها بالمجاملة السياسية لمن قدم الدعم أثناء الحرب، ولن يشفع لها الخذلان الرسمي السني- فإن "حماس" كما صرح الأستاذ "خالد مشعل" في حواره مع "العربية" قامت على تبرعات المخلصين في "السعودية" و" الكويت" وغيرها، كما أن الشباب الذي يجاهد بالفعل ليس في "حماس" وحدها؛ ولكن في "الجهاد الإسلامي" أيضًا الأسبق من "حماس" في الهوى الإيراني، وغالبيتهم من الشباب السلفي الذي لا يرضى بالتمييع.
لعل هذا التطور جاء نتيجة عدد من العوامل: منها حالة اليأس التي أصابت "حماس" من وجود دعم فعَّال من الدول السنية، ومنها اختفاء "الشيخ نزار ريان" -بلغه الله منازل الشهداء- من الساحة لأنه كان دائم التصدي لمحاولات التغلغل الشيعي، ودائم التذكير برسالة "الشيخ أحمد ياسين" المشار إليها آنفًا، مما كان يمثل ضغطًا على القيادة السياسية للحركة في عدم تجاوز الخطوط الحمراء مع الشيعة.
وبعد هذا العرض لموجز الذي تبين لنا منه وجود محاولات حثيثة للتغلغل الشيعي في صفوف المقاومة الفلسطينية نود أن نشير إلى أن المقاومة الفلسطينية ما زالت ترفع الراية السنية، وليس من المصلحة دفعها إلى مزيد من الارتماء في الأحضان الشيعية، وإنما الواجب النصح والبيان وحث الشباب السلفي المجاهد أن يضغط على القيادات السياسية لكل من الحركتين للتبرؤ من التشيع -وإن قبلوا الدعم من "إيران"-.
و لذلك فلا نرى حتى بعد هذا التطور الخطير الذي طرأ بعد الحرب إلى معاملة "حماس" نفس معاملة "حزب الله"، والذي رغم أنه حزب شيعي قلبًا وقالبًا إلا أننا كنا نتمنى انتصاره على اليهود، بيد أننا تحفظنا في ذلك تحفظًا بالغًا، وحرصنا على إظهار فضائح الشيعة لمحاولة التصدي لحالة الانبهار بحزب الله التي تحولت إلى حالة انبهار بالمذهب الشيعي ذاته.
علينا أن نستمر في دعم هذا الجهاد السني ماديًّا ومعنويًّا، مع استمرار الضغط والتحذير من مغبة فتح الباب أمام التغلغل الشيعي، وعلى أية حال فالفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان والأحوال، فمتى حدث أن صارت المقاومة الفلسطينية شيعية -نسأل الله ألا يكون، ولن يكون بإذن الله- فكلامنا على الشيعة معروف، وموقفنا منهم معلن، والحمد لله رب العالمين.
نسأل الله أن يعصم المجاهدين في سبيله في كل مكان من الوقوع في البدع والضلالات، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.