كتبه/ عصام حسنين
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
ففي قوله -تعالى-: (وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ)(الطور:21)، حثٌّ عظيم على الأخذ بالأسباب لإيجاد الولد الصالح؛ لأن الله -تعالى- أخبر أن الأولاد الصالحين المتابعين على الإيمان يكونون مع والديهم في منزلة واحدة في جنات النعيم، فضلاً منه -تعالى- ورحمة!!
- ومعلوم مدى الشفقة والرحمة التي جعلها الله -تعالى- في قلوب الوالدين تجاه أولادهم، ولا يتحمل الوالد على ولده أذى شوكة فما فوقها؛ فما بالك بسخط الله وغضبه وناره -عياذاً بالله تعالى-.
- وتزداد الأهمية إذا علمنا أمر الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)(التحريم:6)، قال علي -رضي الله عنه-: "علموهم وأدبوهم". وقال الحسن -رحمه الله-: "مروهم بطاعة الله وعلموهم الخير".
- وكذلك جعل الله -تعالى- الولد الصالح قرةَ عين لأهله، وسبباً للحسنات، وذخراً بعد الممات، قال الله -تعالى- في وصف عباد الرحمن: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا)(الفرقان:74)، وقرة العين تقال في لغة العرب للشيء المحبوب الأثير عند الإنسان، وهو بالنسبة للمؤمن أن يرى أحداً من أهله في طاعة الله -تعالى-، والديه... ولدِه... زوجتهِ... أخيه.... أخته...
قال الحسن -رحمه الله-:
"أن يُري اللهُ العبدَ من زوجته... من أخيه... من حميمه... طاعة الله، ما شيء أحب إلى المرء المسلم من أن يرى ولداً أو والداً أو أخاً مطيعاً لله -عز وجل-.
والولد سببٌ للحسنات، فما من عمل صالح يعمله الصغير إلا وثوابه لوالديه، وكذلك ببلوغه حتى مماته؛ لأنه سببٌ فيه، ومشجعٌ له.
رفعت امرأة صبياً لها في الحج فقالت: يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ألهذا حج؟! قال -صلى الله عليه وسلم-: (نَعَم، وَلَكِ أَجْرٌ) رواه مسلم، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (مُرُوا أَوْلاَدَكُمْ بِالصَّلاَةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرِ سِنِينَ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِى الْمَضَاجِعِ) رواه أبو داود، وصححه الألباني، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ عَالَ جَارِيَتَيْنِ حَتَّى تَبْلُغَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَا وَهُوَ... وَضَمَّ أَصَابِعَه) رواه مسلم، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ) رواه مسلم.
- وإن مات قبل البلوغ فهنيئاً لوالديه؛ فقد روى مسلم -رحمه الله- بسنده عن أبي حسان -رضي الله عنه- قال: (قُلْتُ لأَبِى هُرَيْرَةَ إِنَّهُ قَدْ مَاتَ لِيََ ابْنَانِ فَمَا أَنْتَ مُحَدِّثِي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِحَدِيثٍ تُطَيِّبُ بِهِ أَنْفُسَنَا عَنْ مَوْتَانَا قَالَ: قَالَ نَعَمْ « صِغَارُهُمْ دَعَامِيصُ الْجَنَّةِ يَتَلَقَّى أَحَدُهُمْ أَبَاهُ - أَوْ قَالَ أَبَوَيْهِ - فَيَأْخُذُ بِثَوْبِهِ - أَوْ قَالَ بِيَدِهِ - كَمَا آخُذُ أَنَا بِصَنِفَةِ ثَوْبِكَ هَذَا فَلاَ يَتَنَاهَى - أَوْ قَالَ فَلاَ يَنْتَهِي - حَتَّى يُدْخِلَهُ اللَّهُ وَأَبَاهُ الْجَنَّةَ).
- والثواب ممتدٌ للوالدين بعد الممات؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) رواه مسلم.
- وينتفع بدعاء ولده؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ الرَّجُلَ لَتُرْفَعُ دَرَجَتُهُ فِى الْجَنَّةِ فَيَقُولُ أَنَّى هَذَا فَيُقَالُ بِاسْتِغْفَارِ وَلَدِكَ لَكَ) رواه ابن ماجه، وصححه الألباني.
- والولد الصالح مِعوانٌ على أمر الدين والدنيا، ففي حديث الشاب الجلد الذي خرج يحتطب، وقال الصحابة: لو كان هذا في سبيل الله! فقال -صلى الله عليه وسلم-: (إن كان خرج يسعى على ولده صغارا فهو في سبيل الله وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله وإن كان خرج يسعى على نفسه يعفها فهو في سبيل الله وإن كان خرج يسعى رياء ومفاخرة فهو في سبيل الشيطان) رواه الطبراني، وصححه الألباني.
وكم ولدٍ كان سبباً في هداية والديه وإقبالهم على الله -تعالى-!!
- كل هذا الفضل والثواب العظيم من الله -تعالى- دافعٌ عظيمٌ لكل والدين أن يتضرعا لله -تعالى-، وأن يأخذا بالأسباب في صلاح الولد.
نسأل الله -تعالى- أن يرزقنا وإياكم الولد الصالح، وأن يبارك ويُصلِحَ أولادنا وأولاد المسلمين. آمين.
- أخي الكريم... أختي الكريمة:
هذه خطوات على طريق الولد الصالح؛ نسأل الله -تعالى- أن يُوفقنا للعمل بها.
أولاً: اختيار الزوج:
- لقد حثّ الدين على حسن اختيار الزوجين؛ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (تَخَيَّرُوا لِنُطَفِكُمْ وَانْكِحُوا الأَكْفَاءَ وَأَنْكِحُوا إِلَيْهِمْ) رواه ابن ماجه، وصححه الألباني.
وقال -صلى الله عليه وسلم-: (إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ إِلاَّ تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِى الأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ) رواه الترمذي، وحسنه الألباني.
- وفي آية جامعة ذكر فيها -تعالى- الصفات المطلوبة والمرغوبة لكل زوج في إقامة بيت هادئ آمن مستقر. يقول -تعالى-: (عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا)(التحريم:5)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لأَرْبَعٍ لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا ، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ) متفق عليه، وعند أحمد وابن حبان: (فَعليك بذَاتِ الدِّينِ وَالْخُلُقِ تَرِبَتْ يَمِينُكَ) حسنه الألباني.
- لقد جعل الرسول -صلى الله عليه وسلم- صفتين في الرجل والمرأة، هما أصل لكل صفة وخير وراءهما؛ فالدين علاقة مع الله -تعالى- تحمل على تقوى الله في المعاملة مع الخلق، وخاصة الصاحب بالجنب "الزوجة"، والتزام حسن الخلق متابعة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- في شمائله وأخلاقه وآدابه.
- ومعلوم أن الإنسان يميل إلى شكله، وكل أليف إلى إلفه.
سأل رجلٌ الحسن -رحمه الله-: "ممن أزوج ابنتي؟ قال: زوجها ممن يتقي الله؛ فإنه إن أحبها أكرمها وإن أبغضها لم يظلمها".
- هذا التقي الذي يتقي الله -تعالى- في زوجته، ويتابع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حسن معاشرته أزواجه -رضي الله عنهن- حيث قال -صلى الله عليه وسلم-: (اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا) رواه البخاري ومسلم.
وقوله -صلى الله عليه وسلم-: (خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِى) رواه الترمذي، وصححه الألباني.
- فيا لها من نعمة أن تعيش المرأة في كنف رجل صالح يتقي الله -تعالى-، ويُراقبه في السر والعلن، يؤدي ما عليه من واجب، وما له من حق -إن حدث فيه تقصير- يصبر على ذلك، ويطلبه برفق ولين!!
لا يأمر زوجته بمعصية ولا يصدها عن طاعة، وإن طلبت خيراً شجعها ورغبها، وإن فكرت فيما يخالف الشرع حذرَّها ورهَّبها، ومن كان بهذه الصفات الكريمة والخلال الحميدة، فإنه يتحمل مسئولية بيته ومسئولية الدين.
- ويا له من ظلم بيِّن وقطع للرحم، وفتنة ووبال، أن تقع المرأة في براثن ظالم متهتك، لا يتقي الله فيها، يأمرها بمعصية الله، ويصدها عن طاعة الله!!
لهذا.... أمر الإسلام بحسن اختيار الزوجين، لأنه سبب لصلاح الأفراد والمجتمعات.
والله المستعان.
ويتبع -إن شاء الله-.