كتبه/ عصام حسنين
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
فقد جرت أعرافنا -الآن- على أن هناك فترة بين العقد والبناء، تطول أو تقصر، وهذه الفترة ذهبية لكلٍ من الزوجين، وينبغي أن تغتنم الاغتنام الصحيح.
أولاً: حق العاقد
سؤال مُلحٌ، كثيرٌ سؤاله: ما حق العاقد؟ وما حق المعقود عليها؟
والجواب: أن العاقد زوج إلا أنه لا يحل له أن يدخل بزوجته للعهد الذي أعطاه لوليها ألا يدخل بها إلا إذا زُفـَّت إليه، ويلزمه أن يفي بذلك؛ لقول الله -تعالى-: (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولا)(الإسراء:34)، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ أَحَقَّ الشَّرْطِ أَنْ يُوفَى بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ) متفق عليه.
ويجب أن يُعلم أن: "المعروف عُرفاً كالمشروط شرطاً".
-ولذلك ينبغي عليهما أن يحذرا، وأن يعلما أن من حام حول الحِمى يوشك أن يواقعه، وأن يعلما أن من ورطات الأمور الدخول بالمعقود عليها، لأنه قد يموت، وقد تحمل، فماذا يكون حالها في نظر الناس الذين جرت أعرافهم -لغـُربَة الدين- أنها فترة خطبة.
-أضف إلى ذلك أنه يجب أن يُعْلِمَ أهلها، وأن يُشْهِر ذلك، فماذا يكون شأنهما أمام الأهل، وماذا سيكون المصير لاسيما إذا لم تكتمل باءتـُهُ بعد؟!
- إنني لأنبه على هذه الورطة التي وقع فيها الكثير لما رأيت من عواقبها السيئة من خلال الواقع الدعوي.
نعم، لابد من الكلمة الرقراقة الصافية، واللمسة الحانية، والتلَبُّس بأسباب زيادة المحبة والمودة والرحمة، لكن بحذر، وليستحضر قول عائشة -رضي الله عنها- عن الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (وَكَانَ أَمْلَكَكُمْ لإِرْبِهِ) متفق عليه.
وينبغي أيضاً أن يراعى ضوابط وقيود الولي، فما يأذن للعاقد به ضمناً تقيد به، وما منع به لفظاً أو ضمناً تقيـَّدَ به أيضاً دون غضاضة أو إثارة لمشكلة!
ثانياً: هذه الفترة تفيد في تقارُب الزوجين، وتقوية التفاهم بينهما:
- فينبغي أن يتصارحا فيما بينهما على الحُب والبغض، بحيث يلتقيان، وإن كان هناك تنازع فالمرد إلى كتاب الله -تعالى- وسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
وأن يجتمعا على دراسة شرعية، وأولها مدارسة القرآن، ثم قراءة في منهج شرعي مُبَسـَّط حول العقيدة والأحكام الفقهية، والآداب والأخلاق، إن كان العاقد أهلاً لذلك، وإلا فحضور الدروس ثم المناقشة فيما علم.
وكذلك قراءة في كتب حول تربية الأولاد حتى يتفقا في ذلك، وهذا مهم جداً، ولا يُستغرب؛ فإن تربية الولد تحتاج إلى إعداد جيِّد قبل وجوده بسنين، كما قال أحد الغربيين: "إن تربية الولد تكون قبل أن يولد بعشرين سنة". وصدق في ذلك، والمقصود أن يُصلح الزوجان من نفسيهما، وأن يكونا قدوة صالحة لولدهما؛ لأن التربية الناجعة ما كانت بالقدوة.
وأن يأخذا نفسيهما بأسباب تزكية النفس من المحافظة على الفرائض، والتقرب لله -تعالى- بالنوافل، والمحافظة على تلاوة الورد اليومي من القرآن بتدبر وتفهم، وكذا أذكار الصباح والمساء، وذِكر الله في كل الأحيان، وصوم الاثنين والخميس، وثلاثة أيام من كل شهر، وكذا قيام الليل، والصدقة والصلة، وفعل المعروف والإحسان.
وينبغي أن يُعلم أن من قـَرَّت عينه بالله قـَرَّتْ به العيون، وأن من أحبَّ اللهَ أحبَّه كلُ شيء، مصداقاً لقوله -تعالى- في الأثر الإلهي: (فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِى يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِى يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِى يَبْطُشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِى يَمْشِى بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِى لأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِى لأُعِيذَنَّهُ) رواه البخاري. أي: كان في معية الله الخاصة، معية التسديد والتوفيق والإعانة والنصرة.
ولقوله -صلى الله عليه وسلم- في حديث المحبة: (ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِى الأَرْضِ) متفق عليه.
فما وُجـِد سبب يقوّي العلاقات بين الأزواج وبين الأفراد أعظم من تقوى الله، والتقرب إليه بمراضيه -سبحانه وتعالى-.
وكذلك ننصح بأمر مهم جداً يتغافل عنه الكثير من الأزواج، وهو الحوار والإنصات الجيِّد للزوجة. فينبغي على الزوج أن يستمع لزوجته، وأن يستخرج ما عندها، وأن يشاركها وُجدانياً فيما تتكلم به، فهذا مما يُقوِّي الاقتران ويُوجـِد الاقتراب، ويزيد في المودة والرحمة والألفة والوئام.
وننصح هنا بإعداد موضوع للمناقشة "ساحة للحوار بين زوجين متحابين"، وتـُقترح الكتب أو الكتيبات حول الموضوع، وبعد أسبوع مثلاً يتم النقاش، ويقرآن أدب الحوار من كتاب "جوامع الآداب" للقاسمي، وليكون التطبيق العملي لهذا الحوار... فإنه مفيدٌ جداً، والتجربة خير مُعلِّم ودليل.
- وينبغي على المرأة أن تبالغ في احترام زوجها، وأن تـُعوِّد نفسها طاعته، وأن تـُقـْبِل على حديثه، وألا ترفع صوتها عليه حتى لا تقع تحت قوله -تعالى-: (وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ...)(النساء:34).
ولها خيرُ أسوة في نساء السلف -رحمهن الله تعالى-، فهذه ابنة سعيد بن المسيب تقول: "ما كنا نكلم أزواجنا إلا كما تكلمون أُمراءكم".
ينبغي الغضُّ عن الهفوات والزلات، والنظر دائماً إلى الفضل والخير، وصفات البر والإحسان؛ امتثالاً لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (لاَ يَفْرَكْ (يبغض) مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِىَ مِنْهَا آخَر) رواه مسلم. إلا إذا كان أمراً محرماً أو محظوراً شرعياً فينبغي الإنكار برفق!
- ينبغي تجنب الأحاديث الحانقة التي لا تأتي إلا بشرٍ، فمثلاً: لا يحدثها عن الزوجة الثانية، ولا عن امرأة أخرى؛ فقد قيل: "سَبَّ امرأته من مدح أمامها أخرى". وكذلك المرأة لا تمدح لزوجها رجلاً، ولو كان شيخاً يُعلمها!
- لا يذكرا أهليهما إلا بخير، ويُظهرا لهم حباً وبراً وصلة، فذلك من أساس بيت الزوجية فيما بعد.
ينبغي أن يتسبـَّبا دائماً بأسباب الود والمحبة والألفة، فإن أتى العاقد للزيارة فليتذكَّرْها بهدية، ولو رسالة مكتوبة، فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: (تَهَادَوْا تـَحابُوا) رواه البخاري في الأدب المفرد، وحسنه الألباني في الإرواء.
وعلى المرأة أن تـُحسن استقبال زوجها، تكون في استقباله بابتسامة رقيقة، وكلمة حانية مظهرةً الفرح بقدومه.
وينبغي عليهما أن يتعهدا مواقع العين والأنف والأذن، فالشكاوى كثيرة مُرة من هذا الأمر. يقول ابن عباس -رضي الله عنهما-: "إني لأتزين لامرأتي كما أحب أن تتزين لي".
ثالثاً: ننصح أن تكون هذه الفترة قصيرٌ زمانـُها، قليلٌ زياراتـُها، نادرٌ خروجهما إلا في طلب علم أو صلة.
وعليك -أخي- أن تكون بعيد النظرة، وأن تـَعُدَّ بيتـَك من الآن، ولتعلم أنك على حسب تعويدك زوجتك تكون، وغالباً ما تقع المشكلات بين الزوجين -فيما بعد- بسبب تغيير العادة، فعَوِّد -الآن- زوجتك على ما تحب في حدود التوسط والاعتدال، وفي حدود استطاعتك.
رابعاً: ينبغي على الزوج تـَحمُّل مسئولية معاشه، وأن يكون رجلاً في ذلك.
فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: (كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ) رواه أبو داود، وحسنه الألباني. أي: كفاه ذنباً -عياذاً بالله-، وفيه تحذير شديد من إضاعة من تـَلْزمُه نفقته من زوجة وولد ووالدٍ، وكل ذلك باعتدال، فالنفس إذا أحرزت رزقها اطمأنت وتفرَّغت لعبادة ربها -تعالى-، قال سلمان -رضي الله عنه-: "ابدأ برغيفيك ثم تعبـَّد".
- وأنتِ أختي، وكذلك وليُّكِ ينبغي أن ينظر في هذا الأمر جيداً، وإلا فكم من مشكلات، بل ويلات تظهر بعد الزواج بسبب ترْك هذا الواجب الذي يؤدي إلى تضييع الزوجة والأولاد.
خامساً: ينبغي على الزوجة أن تدفع في ظهر زوجها إلى الدعوة إلى الله -تعالى-.
وأن تصبـِّرَه على مشاقها، وأن تخفف عنه آلامها، وأن تـُعد نفسها من الآن أن تكون زوجة مجاهدة، داعية، صابرة، وأماً حنونة لزوجها.
أخي العاقد:
بل في الحقيقة لجميع الأزواج، ينبغي أن نرجع إلى هديه -صلى الله عليه وسلم- في معاشرته أزواجه، وطريق هذا (فصل في هديه -صلى الله عليه وسلم- في بيته) من زاد المعاد لابن القيم، وأن تكون معاملتنا لأزواجنا من خلال هذا الهدي، فإنه خير الهدي، لا بطريقة السِلو والعُرف!
وأخيراً: الحذر من وسوسة الشيطان -لعنه الله- ومن طرائقه لإفساد هذه العلاقة العظيمة التي رفعها الله -تعالى-، فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً يَجِىءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا فَيَقُولُ مَا صَنَعْتَ شَيْئًا قَالَ ثُمَّ يَجِىءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ - قَالَ - فَيُدْنِيهِ مِنْهُ فَيَلْتَزِمُهُ وَيَقُولُ نِعْمَ أَنْتَ) رواه مسلم.
أخي الكريم:
ما ذكرته عن هذه الفترة هو نتاج واقع وحصاد مشكلات، وهو علامات على الطريق إلى الولد الصالح.
نسأل الله -تعالى- أن يرزقنا وإياكم إياه.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.