كتبه/ مصطفى دياب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
الحافز: هو ذلك الشيء المعنوي أو المادي الذي يشجع الإنسان على العمل والبذل والعطاء والإنتاج الأفضل، ويفجر الطاقات الكامنة، ويحسن الأداء، ولكن إذا سألت شاباً اليوم ما هو هدفك بعد الانتهاء من المراحل التعليمية الجامعية مثلاً؟ تجد المفاجأة، ويكون الرد كالصاعقة عندما تسمعه يقول: لا أدرى، أو لا أعرف.
إنه تعلم، وتخرج، وبعد سنوات طوال، ونفقات عظام، وتألم الوالدين، "لا أعرف"!!
إنها طاقة بلا هدف... إنه صاروخ بلا موجه، إنها كارثة.
هل بعد هذا النجاح والتخرج لا يرى الشاب لهذا الجهد قيمة ولا جدوى؟! لماذا؟! لماذا؟!
لأنه يفتقد الحافز وأين الحافز، ولا حافز للعلماء والمبدعين ولا للمربين والمدرسين والمجتهدين، ولا حافز للمخترعين والباحثين، ولا حافز لأي صاحب موهبة، لا حافز يدعو للعمل ولا للتضحية ولا للبذل.
كيف لا.. وأنت ترى أن أقدام اللاعبين أعز وأغلى عند الناس من رؤوس العلماء والمخترعين!!
كيف لا.. وأنت ترى أن الفنانين والممثلين هم نجوم المجتمع وعليهم عقدت الأمة الآمال!!
إن الأب اليوم يتمنى أن لو كان ابنه لاعب كرة محترف، ولا يتمنى أن يكون عالم ذرة مخترع، إن الشباب يشعر للأسف أنه في واقع لا يميز بين المبدع والخامل، ولذا يقول بلسان الحال أو المقال لماذا أتعب وأجتهد؟! ويا ليت الأمر قد انتهى، لكنه يشعر بالكبت والانطواء والعزلة عن هذا المجتمع.
وليس هذا فحسب، بل يتوجه لمحاربة هذا المجتمع بمزيد من الكراهية والبغضاء لأفراده، وما هذا إلا لأنه يعجز أن يكون لاعب أو ممثل أو مطرب، فينحرف ويتجه إلى المخدرات والمحرمات ليدخل التيه، لقد رأى أن التقدير والحوافز تصرف لمن لا يستحق التقدير، وأن الأضواء تسلط على من يأخذون بأيدي المجتمع إلى السقوط في الهاوية، ومن يستحقون أن يكونوا في مزبلة التاريخ.
نظرة من فضلك:
والشباب معذورون في ذلك، لكنه لو نظر نظرة واحدة إلى دينه الحنيف لتبددت ظلمات اليأس إلى أنوار الرجاء.
كيف لا.. والشريعة الغراء تميز أفراد المجتمع كلٌ حسب عطاءه (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ)(الزلزلة:7-8).
وقال -تعالى-: (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ)(القلم:35-36).
أخي الشاب بالتزامك تحقق نجاحك وتثبت ذاتك وتوجه إلى هناك.... إلى السماء.
لو رآك لأحبك:
كان عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- إذا رأى الربيع بن خثيم -رضي الله عنه- رآه حسن الخُلق، لين الكلام، رائق الحديث، جميل المعاشرة، أن أخلاقه أخلاق الأنبياء، فكان يقول له: "يا أبا يزيد والله لو رآك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأحبك، ولأوسع لك إلى جنبه، وما رأيتُك إلا ذكرتُ المخبتين".
الله أكبر... ما أقوى هذا الحافز من صحابي مربي جليل لتابعي في بواكير الشباب لم ير الرسول -صلى الله عليه وسلم-، كم تصنع هذه الكلمات في ثبات وبناء شخصية الربيع بن خثيم -رضي الله عنه-، إنها كلمات لصناعة الأجيال.
هذا وقد اهتم النبي -صلى الله عليه وسلم- بالتحفيز لأصحابه -رضي الله عنهم-، فها هو -صلى الله عليه وسلم- إذا أراد أن يحفزهم لنشر الدعوة وحفظ العلم فيقول -صلى الله عليه وسلم- داعياً لهم: (نضر الله امرأ سمع منا شيئا فبلغه كما سمع فرب مبلغ أوعى من سامع)(رواه الترمذي وصححه الألباني)، ما أعظم هذا الحافز!! دعوة من النبي -صلى الله عليه وسلم- بنضارة الوجه وبهائه لمن سمع العلم فبلغه، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (نعم الرجلُ عبدُ الله لو كان يصلي من الليل) رواه البخاري.
تخيل نفسك لا تصلي الليل ثم تسمع خبراً أن النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول أنك نعم الرجل لو كنت تفعل ذلك -قيام الليل- ماذا كنت ستفعل؟! فما ترك عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- قيام الليل؛ وتلك عبادة ومجاهدة.
وموقف آخر:
قال -صلى الله عليه وسلم-: (نعم عبد الله خالد بن الوليد سيف من سيوف الله)(رواه الترمذي وصححه الألباني).
ماذا تفعل إذا كنت أنت خالد؟! هل تضع سيفك ولا تجاهد؟!!
بل ماذا كنت تفعل إذا سمعت صوت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول لك: (يا سعد ارم فداك أبي وأمي) متفق عليه؟
أرأيت أخي الحبيب: كيف يكون للحافز أثره في بناء الجيل؟ وكيف ضل من ضل من المجتمع عندما انحرف عن تعاليم وقيم وأهداف وربانية هذا الدين؟
ولذلك نقول للشباب: نظرة عميقة للأمام... نخترق بها أربعة عشر قرناً من الزمان لنصل إلى ذلك الجيل الرائد... السلف الصالح... إلى المربى القائد... إلى الحبيب محمد -صلى الله عليه وسلم- وهناك الزم غرزه... واقتفى أثره، (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ)(الأنعام:90).
وصلِ اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.