دروس من قصة ابني آدم (خطبة مقترحة)

الناقل : elmasry | الكاتب الأصلى : سعيد محمود | المصدر : www.salafvoice.com

دروس من قصة ابني آدم (خطبة مقترحة)

كتبه/ سعيد محمود

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،

مقدمة:

- يتركز فيها الحديث عن أن القصة تحكي أول جريمة وقعت على ظهر الأرض، وأنها أول مواجهة بين الخير والشر في بني آدم، ومدى حاجة البشرية إلى تشريعات الله لمنع الشر والجريمة، وحفظ الخير وأهله، مع ذكر الآيات من سورة المائدة من قوله -تعالى-: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ . لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ . إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ . فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ . فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ . مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا)(المائدة:27-32).

ملخص القصة:

- ذكر ابن كثير -رحمه الله- عن ابن عباس -رضي الله عنهما-، وعن مـُرَّة، وعن ابن مسعود، وعن ناس من الصحابة: أن آدم -عليه السلام- كان يزوج ذكر كل بطن بأنثى البطن الآخر، وأن هابيل أراد أن يتزوج بأخت قابيل، وكان قابيل أكبر من هابيل، وأخت قابيل أحسن، فأراد قابيل أن يستأثر بها على أخيه، وأمره آدم -عليه السلام- أن يزوجه إياها فأبى، فأمرهما أن يقربا قربانا، وذهب آدم ليحج إلى مكة.

وكانت القرابين حينئذٍ إذا قـُبِلت نزلت نار من السماء فأكلتها، وإذا لم تقبل لم تنزل نار لأكلها. فخرج قابيل وهابيل ليقربا، وكان قابيل صاحب زرع، فقرب صبرة من الطعام من أردأ زرعه، وأضمر في نفسه: ما أبالي أيقبل مني أم لا، لا يتزوج أختي أبدا، وكان هابيل راعيا صاحب ماشية فقرب كبشا سمينا من خيار ماشيته، وأضمر في نفسه الرضا والتسليم لأمره، فوضعا قربانهما على الجبل؛ فنزلت نار من السماء فأكلت الكبش، ولم تأكل من قربان قابيل حبة، فنزلوا على الجبل وتفرقوا، وقد غضب قابيل لمّا ردَّ الله قربانه، وظهر فيه الحسد والبغي، وكان يضمرهما قبل ذلك في نفسه، فغضب وقال: لأقتلنك حتى لا تنكح أختي، فقال: (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) راجع التفسير.

دروس من القصة:

1- لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ:

- كان قربان هابيل هو أحسن ماله وأحبه إليه، وكان قربان قابيل هو أردأ ماله.

- ومثال في أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- عن أنس قال: (كَانَ أَبُو طَلْحَةَ أَكْثَرَ الأَنْصَارِ بِالْمَدِينَةِ مَالاً مِنْ نَخْلٍ، وَكَانَ أَحَبَّ أَمْوَالِهِ إِلَيْهِ بَيْرُحَاءَ وَكَانَتْ مُسْتَقْبِلَةَ الْمَسْجِدِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَدْخُلُهَا وَيَشْرَبُ مِنْ مَاءٍ فِيهَا طَيِّبٍ. قَالَ أَنَسٌ: فَلَمَّا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) قَامَ أَبُو طَلْحَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ. إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ: (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) وَإِنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِى إِلَىَّ بَيْرُحَاءَ، وَإِنَّهَا صَدَقَةٌ لِلَّهِ أَرْجُو بِرَّهَا وَذُخْرَهَا عِنْدَ اللَّهِ، فَضَعْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ حَيْثُ أَرَاكَ اللَّهُ. قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: بَخْ، ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ، ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ، وَقَدْ سَمِعْتُ مَا قُلْتَ وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا فِي الأَقْرَبِينَ. فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: أَفْعَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَسَمَهَا أَبُو طَلْحَةَ فِي أَقَارِبِهِ وَبَنِي عَمِّهِ) متفق عليه.

2- إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ:

- لقد قبل الله قربان هابيل لعظيم تقواه (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ).

- ذكر ابن الجوزي -رحمه الله- في زاد المسير في سبب نزول: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)(الحجرات:13): "أنه لما كان يوم الفتح أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بلالا، فصعد على ظهر الكعبة فأذَّن، فلما أذن قال عتاب بن أسيد: الحمد الله الذي قبض أسيدا قبل هذا اليوم، وقال أبو سفيان: أما أنا فلا أقول شيئا؛ فإني إن قلت شيئا لتشهدن علي السماء، ولتخبرن عني الأرض، فنزلت الآية... فأخبرهم النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقالوا: نشهد إنك لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-".

3- أدب المؤمن عند الفتنة:

- عدم الحرص على المواجهة الدموية، (لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ).

- تذكر عظيم العقوبة على ذلك، قال -صلى الله عليه وسلم-: (إِذَا تَوَاجَهَ الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَكِلاَهُمَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ. قِيلَ: فَهَذَا الْقَاتِلُ، فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ قَالَ: إِنَّهُ أَرَادَ قَتْلَ صَاحِبِهِ) متفق عليه.

- ولما سأله سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- فقال: (يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ دَخَلَ عَلَيَّ بَيْتِي وَبَسَطَ يَدَهُ لِيَقْتُلَنِي قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كُنْ كَابْنَي آدَمَ) رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني.

- عظيم جرم القاتل، قال -صلى الله عليه وسلم-: (لاَ تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمًا إِلاَّ كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا، لأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ) متفق عليه.

4- حاجة البشرية إلى التشريع والأحكام الإلهية:

- ختم القصة بآيات تتحدث عن ذلك: (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا).

- بيان الجزاء والعقوبة الربانية لنوع من الجريمة: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ)(المائدة:33).