كتبه/ محمود عبد الحميد
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
ذكرنا في الحلقتين الماضيتين الإصلاح ومنهجه، بإعادة الأمة إلى رسالتها، وبتأهيل حملة هذه الرسالة لحملها، ولكي يتم ذلك لابد من وسائل، أولها العلم، فالعلم يقوم به الدين، ويتحقق به منهج سيد المرسلين، ويرتفع به شأن الآخرين، كما ارتفع به شأن الأولين، فالعلم حياة القلوب من الجهل، ومصباح البصائر في الظلم، به تبلغ منازل الأبرار ودرجات الأخيار.
قال الشافعي -رحمه الله-: "من أراد الدنيا فعليه بالعلم، ومن أراد الآخرة فعليه بالعلم".
وقال الزهري: "ما عُبِد الله بمثل الفقه".
وعن سعيد بن المسيب قال: "ليست عبادة الله بالصوم والصلاة، ولكن بالفقه في دينه"، يعني ليست أعظمها وأفضلها الصوم والصلاة، بل الفقه، لأن الصوم والصلاة يحتاجان إلى فقه أيضاً.
وقال الحسن البصري: "لولا العلماء لصار الناس مثل البهائم"، أي أنهم بالتعليم يخرجون الناس من حد البهيمية إلى حد الإنسانية.
وقال -صلى الله عليه وسلم-: (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين) متفق عليه.
فالعلماء هم حماة الدين، وحراس العقيدة، وهم الذين يذبّون عن دين الله، وينبغي أن لا يخلو منهم زمان، وأن يكون في كل بلدة واحد منهم على الأقل، يرجع إليه الناس فيما ينزل بهم من الأمور التي تحتاج إلى أحكام، فالعلماء هم الذين يكيفون النوازل، ويضعون الحكم الشرعي المناسب لها، بناء على معرفتهم بمواطن القياس والعلل والحكم الموجودة في الشرع الحنيف والأشباه والنظائر.
وعلى الأمة السعي الحثيث لإيجاد هذه الطائفة التي بها رقي الأمة، وسموها وعلوها، فالعلماء هم الأمن والأمان لسفينة الأمة، الذين يجنبونها الغرق في مهاوي الردى، فهم الذين يخلصون الدين مما علق به من شوائب البدع، ومحدثات الأمور، ويردون شبه الزنادقة والمجرمين.
وحاجة الناس إليهم أكثر من حاجتهم إلى الماء والهواء لصحة الأبدان، لأن صحة الجنان لا تكون إلا بهم.
ولحديثنا بقية بإذن الله -تعالى-.