كتبه/ محمود عبد الحميد
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
ذكرنا فيما مضى من أسباب الإصلاح العلم والتصفية والتربية، ونذكر في هذه الحلقة -إن شاء الله- العمل الصالح والدعوة إلى الله.
السبب الرابع: العمل الصالح:
ونقصد بالعمل الصالح فعل المأمور وترك المحظور، وذلك بالتقرب بالفرائض، وإتباعها بالنوافل، فإن القربات يرتفع بها معدل الإيمان ويزيد، ويجد الإنسان أثر ذلك على قلبه وجوارحه، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب) متفق عليه.
وقال الله -تعالى- في الحديث القدسي: (وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها وإن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه) رواه البخاري.
وقال -تعالى-: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)(النحل:97).
والعمل الصالح مكمل لبناء العقيدة، إذ العبادة تغذي بروحها. كما أنها المنعكس الذي يعكس صورة العقيدة ويجسمها. ولكي يظل العبد يغرس العقيدة في النفس فلا بد أن يسقيها بماء العبادة بمختلف صورها وأشكالها. فبذلك تنمو العقيدة في الفؤاد، وتترعرع وتثبت أمام عواصف الحياة وزعازعها.
ولعبادة الله -تعالى- في نفس المرء فعلاً عجيبًا، فهي تشعره بالاتصال بالله -تعالى-، وتهدئ من ثوراته النفسية، وتلجم انفعالاته الغضبية فتجعله سويًا مستقيمًا.
السبب الخامس: الدعوة إلى الله -تعالى-:
الدعوة إلى الله -تعالى- هي القطب الأعظم في الدين، والأمر الذي ابتعث الله له النبيين أجمعين، لو طوي بساطها، وأهمل علمها وعملها لفشت الضلالة، وشاعت الجهالة، وخربت البلاد، وهلك العباد، فنعوذ الله من أن يندرس من هذا القطب عمله وعلمه، أو ينمحي بالكلية رسمه وحقيقته، وأن تستولي على القلوب مداهنة الخلق، و ينمحي عنها مراقبة الخالق، وأن يسترسل الناس في إتباع الهوى والشهوات استرسال البهائم، وأن يعز على بساط الأرض مؤمن صادق لا تأخذه في الله لومة لائم، فلا معاذ إلا به، ولا ملجأ إلا إليه.
فالله -سبحانه وتعالى- علق الفلاح في الدنيا والآخرة على أمر الدعوة إليه، قال -تعالى- (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)(آل عمران:104).
ولقد كان المسلمون في عهده -صلى الله عليه وسلم- يعظمون هذا الواجب، ويقومون به خير قيام. وفي عصرنا هذا صار الأمر أشد، والخطر أعظم لانتشار الشرور والفساد، وكثرة دعاة الباطل، وقلة دعاة الخير. وبتحقيق هذا الواجب تصلح الأمة، ويكثر فيها الخير، وتظهر فيها الفضائل، وتختفي منها الرذائل، ويتعاون أفرادها على الخير، ويتناصحون، ويجاهدون في سبيل الله، ويأتون كل خير، ويذرون كل شر.
وبالغفلة عنه تكون الكوارث العظمية والشرور الكثيرة، وتفترق الأمة، وتقسوا القلوب، أو تموت، وتظهر الرذائل، وتختفي الفضائل، ويهضم الحق، ويظهر صوت الباطل، وهذا أمر واقع في كل مكان ليس فيه دعوة إلى الله، كما أنه يعجل العقوبة من الله -تعالى- إذا ترك هذا الأمر، لأن للمعصية شؤم بين أصحابها، قال الله -تعالى-: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ)(النحل:112).