ركزت الدكتورة عائشة عبد الرحمن (بنت الشاطئ) في تفسيرها البياني على الجانب الدلالي لألفاظ القرآن فيما اسمته بالإعجاز البياني للقرآن، والذي يركز على بيان وجه الإعجاز القرآني في اختيار اللفظ دون غيره من المترادفات الأخرى، في التعبير عن معنى محدد، فعلى سبيل المثال، إذا نظرنا إلى الكلمتين المترادفتين:
رؤيا، وحلم، نجد أن القرآن الكريم جاء بكل واحدة منهما لتعبر عن معنى معين، فتوضح الدكتورة بنت الشاطئ أن استخدام كلمة الرؤيا قد جاء في سياق معين، بحيث لا يمكن أن تحل محلها كلمة الأحلام، فقد تبين من السياق القرآني أن كلمة رؤيا ترتبط بالتصديق، وتتسم بالوضوح، مثلما جاء في قوله تعالى«إذ قال يوسف لأبيه يا أبتي إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين. قال يا بني لا تقصص رؤياك على اخوتك فيكيدوا لك كيدا إن الشيطان للإنسان عدو مبين» يوسف: 4-5. وكذلك الأمر في رؤيا ملك مصر «وقال الملك إني أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات يا أيها الملأ أفتوني في رؤياي إن كنتم للرؤيا تعبرون» يوسف: 43. أما كلمة الحلم فتأتي في صيغة الجمع وتدل على التداخل وعدم الوضوح، تبين ذلك في رد الملأ على طلب ملك مصر بتفسير رؤياه: «قالوا أضغاث أحلام وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين» يوسف: 44. ونتوقف عند نموذج آخر من هذا الإعجاز البياني، من خلال تأمل استعمال القرآن الكريم لكلمتي:
امرأة، وزوج ( زوجة). وتوضح أن تدبر سياق استعمال القرآن للكلمتين، يشير إلى أن كلمة زوج تأتي حيث تكون الزوجية هي مناط الموقف: حكمة وآية، أو تشريعاً، وحكماً. ففي آية الزوجية قال تعالى: «ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودةً ورحمة» ( الروم 21) ، «والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً» ( الفرقان - 74 ). وكذلك الأمر في كلمة «أزواج» بالحياة الآخرة، نجد ذلك في آيات عديدة ضمن سور كثيرة، مثل: (وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً (7)) الواقعة ، والبقرة (وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (25))، وآل عمران (وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (15))، والنساء (لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا (57))، والزخرف (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ (70))، ويس (هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ (56)). فإذا تعطلت آية الزوجية من السكن والمودة والرحمة، بخيانة أو تباين في العقيدة، فنجد أن القرآن الكريم يستعمل تعبير «امرأة» وليس «زوج» مثل «امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه قد شغفها حبا» (يوسف 30-51) و «امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يُغنيا عنهما من الله شيئا» ( التحريم -10 ) فهنا تتعطل آية الزوجية مع الخيانة، ومن أمثلة ذلك ما جاء في القرآن في امرأة لوط آيات: العنكبوت (وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالُوا لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (33))، النمل (فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ (57))، الحجر (إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ (60)) ، الذاريات (فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ (29))، الأعراف (فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (83)). وفي موضع آخر نجد القرآن الكريم يستخدم تعبير «امرأة فرعون» حيث تعطلت آية الزوجية بينهما، بإيمانها وكفره: التحريم (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آَمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (11)). وحكمة الزوجية في الإنسان وسائر الكائنات الحية، هي اتصال الحياة بالتوالد. وفي هذا السياق يكون المقام لكلمة زوج، وزوجين وأزواج، من ذكر وأنثى، فيستعمل القرآن ههذ الكلمات، فيقول تعالى«يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء» النساء 1، و نجد أمثلة كثيرة لذلك كآيات هود (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آَمَنَ وَمَا آَمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ (40))، الشورى (فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11))، يس (سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ (36))، الذاريات (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (49))، النجم (وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (45))، النبأ (وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا (8) ). فإذا تعطلت حكمة الزوجية في البشر بعقم أو ترمل، نجد أن القرآن الكريم يستعمل كلمة «امرأة» وليس كلمة «زوج» ، كالآيات في امرأة إبراهيم وامرأة عمران ( هود (وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ (71))، والذاريات (فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ (29))، آل عمران (إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (35)) ) ، ويضرع زكريا إلى الله سبحانه: «وكانت امرأتي عاقرا فهب لي من لدنك وليا» ( مريم 5)، «قال رب أنى يكون لي غلام وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر» (آل عمران - 40)، ولكن لما استجاب له ربه وحققت الزوجية حكمتها بالإنجاب، نجد أن القرآن الكريم استعمل كلمة زوج حيث يقول تعالى «فاستجبنا له ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجه» (الأنبياء - 90). هكذا يبدو الإعجاز البياني للقرآن الكريم حتى في استخدام المترادفات، فكل لفظ يؤدى معنى معين لا يمكن للفظ المرادف له أن يؤدى نفس المعنى، وتعرض الدكتورة بنت الشاطئ العديد من النماذج لهذا الإعجاز فتقدم بالفعل إضافة جديدة وجديرة بالتسجيل في مجال تفسير القرآن الكريم.