توجيه المتشابه فنٌّ عزيز من فنون التفسير وقد أفرده بعض العلماء بالتصنيف، وأدرجه آخرون ضمن مصنفاتهم في علوم القرآن، واهتم به بعض المفسرين وأغفله آخرون، وقد صُنِّف فيه كتب مستقلة في موضوعه وكتب حوته وغيره من علوم القرآن. أولاً: الكتب المستقلة: 1. "دُرَّةُ التنزيل وغُرَّةُ التأويل في بيان الآيات المتشابهات في كتاب الله العزيز". لأبي عبد الله محمد بن عبد الله المعروف بالخطيب الإسكافي [توفي سنة:420 هجرياً]، وهو أول ما صُنِّف في توجيه المتشابه، وكتابه مبسوط طويل العبارة، مرتب السور، بالتعليل وقد قال في مقدمته " وإني مذ خصَّني الله بإكرامه وعنايته…… تدعوني دواعٍ قوية يتبعها نظر ورويِّة في الآيات المتكررة بالكلمات المتفقة والمختلفة، وحروفها المتشابهة المنغلقة والمنحرفة، تطلُّبا لعلامات ترفع لَبْس إشكالها وتخصُّ الكلمة بآيتها دون أشكالها ". ثم قال: " فعزمت عليها بعد أن تأملت أكثر كلام المتقدمين والمتأخرين ، وفَّتشتُ على أسرارها معاني المتأولين المحققين المتبحرين فما وجدت أحد من أهلها بلغ غاية كنهها، وكيف ولم يقرع بابها ولم يُفْتَرَّ لهم عن نابها ولم يّسْفَر عن وجهها ……" . والإسكافي يصرح بأنه لم يقف على من عُني بتوجيه المتشابه قبله فيكون كتابه هذا أول ما صنف في بابه، [ وهو مطبوع في مجلد متوسط بمعرفة دار الآفاق في بيروت ]. 2. "البرهان في توجيه متشابه القرآن"، تأليف تاج القرّاء محمود بن حمزة الكرماني [توفي سنة:505 هجرياً] وهو كتاب جامع وجيز استوعب أكثر متشابهات القرآن والألفاظ المكررة وبيان علة ذلك . وقد قال في مقدمته " هذا كتاب أذكر فيه الآيات المتشابهات التي تكررت في القرآن وألفاظها متفقة، ولكن وقع في بعضها زيادة أو نقصان أو تقديم أو تأخير أو إبدال حرف مكان حرف، أو غير ذلك مما يوجب اختلافاً بين الآيتين أو الآيات التي تكررت من غير زيادة ولا نقصان وأبين ما السبب في تكرارها والفائدة في أعادتها، وما الواجب للزيادة والنقصان والتقديم والتأخير والإبدال، وما الحكمة من تخصيص الآية في ذلك دون الآية الأخرى وهل كان يصلح ما في السورة مكان ما في السورة التي تشاكلها من غير أن أشتغل بتفسيرها وتأويلها " [وقد طبع كتابه البرهان في توجيه متشابه القرآن ببيروت بتحقيق عبد القادر عطا]. 3. "مِلاكُ التأويل القاطع بذوي الإلحاد والتعطيل في توجيه المتشابه اللفظ من آي التنزيل". لأحمد بن إبراهيم بن الزبير الغرناطي [توفي سنة:708 هجرياً] ذكر الزركشي أن أبسط ما صنف في توجيه المتشابه وأنه في مجلدين، وذكره السيوطي في الإتقان وقال: "لم أقف عليه" ، وهذا الكتاب أجل ما ألف في توجيه المتشابه، قال مؤلفه في خطبته: " وإن من مُغْفَلات مصنفي أئمتنا رضي الله عنهم في خدمة علومه، وتدبر منظومه الجليل ومفهومه توجيه ما تكرر من آياته لفظاً أو اختلف بتقديم وتأخير، وبعض زيادة في التعبير فعَسُر إلا على الماهر حفظاً…… "، [وقد طبع في مجلدين بتحقيق د/ محمود كامل أحمد ،بيروت 1985 وأيضاً طبع بتحقيق د/ سعيد الفلاح، دار الغرب الإسلامي ] 4. "كشف المعاني في متشابه المثاني" للإمام بدر الدين بن جماعة [توفي سنة:733 هجرياً] وقد ذكره السيوطي ونقل عنه في الإتقان :2/132. 5. " التقرير في التكرير" للعلامة السيد محمد أبو الخير عابدين [توفي سنة:1344 هجرياً] وهو رسالة بحث فيها عن حكمة تكرير القصص الواردة في القرآن، كقصة موسى عليه السلام، وتطرق فيها إلى اللفظي وتكرار الألفاظ والمعاني، [وقد طبعت طبعة قديمة بلا تاريخ، وأعيد طبعها مؤخراً]. ثانياً: الكتب المشتركة: وهي كتب في علوم القرآن وتفسيره تجمع أصنافاً مختلفة من علوم القرآن ؛ ومن أهمها: 1. " أُنموذج في بيان أسئلة وأجوبة في غرائب آي التنزيل" للإمام محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي اللغوي [توفي سنة:666 هجرياً] وفيه توجيه المتشابه قدر قليل، وأكثره في مسائل في مشاكل التفسير، [ وقد طبع على هامش إعراب القرآن للعكبري وطبع حديثاً بدار الفكر ، دمشق بتحقيق د/ رضوان الراية]. 2. "بصائر ذوي التمييز في طائف الكتاب العزيز " لمجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزابادي [توفي سنة:817 هجرياً]، وهو كتاب جليل حافل يحتوي على مباحث كثيرة تتعلق بالقرآن وعلومه، فيعرض في كل سورة لأنواع من علوم القرآن وفنونه كالناسخ والمنسوخ، والوقف والابتداء، وعدد الآيات وذكر المتشابه وتوجيهه، والتكرار وحكمته. [ وهو مطبوع مشهور]. 3. "فتح الرحمن بكشف ما يلتبس في القرآن"، لشيخ الإسلام زكريا الأنصاري [توفي سنة:926هجرياً] وهو مرتب على السور مع إيجاز العبارة واستيعاب المتشابه، وذكر ما يلتبس من جهة المعنى والتفسير، والكلام عن حكمة التكرار ، وفي فتاوى الشيخ زكريا المسماة بالإعلام والاهتمام بجمع فتاوى شيخ الإسلام فصل في مسائل تتعلق بالقرآن، تكلم فيه على توجيه المتشابه. [ص: 402- 420] . 4. "قطف الأزهار في كشف الأسرار"، للإمام جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي [توفي سنة:911 هجرياً]، وقد جمع فيه السيوطي مباحث أربعة عشر علماً من علوم القرآن وأفانينه ، الرابع عشر منها: بيان وجه تفاوت الآيات بالتقديم والتأخير وإبدال لفظ بأخر . 5. " إرشاد الرحمن لأسباب النزول والنسخ والمتشابه وتجويد القرآن " للشيخ عطية الله بن عطية الأجهوري [توفي سنة:1190هجرياً] . وهو مرتب على السور، وجعل الكلام في كل سورة على ثلاثة فصول: الأول في أسباب نزولها، والثاني في الناسخ والمنسوخ، والثالث في المتشابه وفي آخره خاتمة التجويد. ثالثاً: كتب التفسير: لم يعن المتقدمين من المفسرين بتوجيه المتشابه اللفظي في القرآن وبيان علة اختلاف الألفاظ وذلك لعدم الحاجة إلى مثل هذا النوع من مباحث التفسير في زمانها لأنه لم ينضج إلا عندما صُنِّفت الكتب في الرد على الطاعنين في القرآن وتآلف نظمه ولأن هذا الضرب من التفسير لم يرد فيما أُثر من الأحاديث والآثار وغيرها من كلام السلف في التفسير، فقلَّت عنايتهم به لذلك، وكانت كتب التفسير بالمأثور خالية من هذا النوع. ثم اتجه فريق من المفسرين إلى العناية به، وهم في ذلك بين مُقلٍّ ومُكْثِرٍ، ومُنْصِفٍ ومُتَكَلِّف، ومن أهم التفاسير التي تعرضت لبيان المتشابه وتوجيهه: 1. "الكشّافُ عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل" ، للإمام محمود بن عمر الزمخشري [توفي سنة: 528 هجرياً] وهو من المقلين المقتصدين في التعليل وقد استمد منه كثير من المفسرين كالبيضاوي والنسفي وأبي السعود . 2. " مفاتيح الغيب " للإمام فخر الدين محمد بن عمر الرازي [توفي سنة:606 هجرياً] ويُعَدُّ من أوسع التفاسير التي تعرضت لتعليل أوجه المتشابه اللفظي، وربما أطال في بعض المواضع وأتى بوجوه مُتَكَلَّفَةٍ، وقد أخذ فريق من المفسرين بعده نص كلامه في ذلك وضمَّنوه في تفاسيرهم. 3. "أنوار التنزيل وأسرار التأويل" لناصر الدين البيضاوي [توفي سنة:691 هجرياً]. 4. " مدارك التنزيل وحقائق التأويل" للإمام عبد الله بن أحمد النسفي [توفي سنة:701 هجرياً] . 5. "البحر المحيط" للإمام أبي عبد الله بن حيان الأندلسي [توفي سنة:745 هجرياً]. 6. "السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير" وهو المعروف بتفسير الخطيب. للإمام محمد بن محمد الخطيب الشربيني [توفي سنة:977 هجرياً] ، وفيه نقلٌ كثير من تفسير الرازي. 7. "نظم الدُّرر في تناسب الآيات والسُّور، للإمام المفسِّر برهان الدين إبراهيم بن عمر البقاعي [توفي سنة:885 هجرياً]. 8. " إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم" المشهور بتفسير أبي السعود ، لمحمد بن محمد أبي السعود العِمادي [توفي سنة:982 هجرياً]. 9. " روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني" ، لشهاب الدين الألوسي [توفي سنة:1270 هجرياً] وهو من أغزر التفاسير مادة في توجيه المتشابه، وربما نقل في بعض المواضع كلام الرازي في توجيه بعض الآيات على طوله، ثم يتعقبه وجهاً وجهاً، كما فعل في الكلام على تشابه قصة بني إسرائيل في سورتي البقرة والأعراف. 10. "تفسير المنار" للشيخ محمود رشيد رضا ، [توفي سنة:1354 هجرياً] . 11. " تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد " للعلامة الشيخ محمد بن عاشور التونسي. ويعرف تفسيره بالتحرير والتنوير، وهو من أنفس تفاسير المتأخرين التي تُعنى بالدقائق اللفظية والمباحث اللغوية والنحوية والبلاغية، وفيه ما لا يوجد في غيره من التفاسير على كثرتها. وهكذا طوَّفنا في هذا الفن العزيز فنِّ متشابه القرآن اللفظي وتوجيهه ويبقى أن نغوص في هذه البحار لنستخرج اللآلئ والدرر التي إن دَلَّت فإنما تدل على عظمة هذا الكتب، وصدق الله إذ قال : {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} …… (سورة صّ: الآية 29)