كيف ندعو إلى الله؟

الناقل : elmasry | الكاتب الأصلى : سعيد السواح | المصدر : www.salafvoice.com


كيف ندعو إلى الله؟

كتبه/ سعيد السواح

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،

أيها المسلم الحبيب،

عجيب أمر الدنيا، والأعجب من ذلك همة أهل الدنيا، فترى هذه الهمة والجدية التي يتعامل بها أهل الدنيا مع دنياهم، فعندما نتأمل ذلك نقول: يا ليت لطلاب الآخرة أن يتعلموا من طلاب الدنيا، فعندما تنظر إلى أهل الدنيا، وكيف يروجون لبضائعهم ولسلعهم، فتراهم يستعملون شتى الوسائل من أجل إقناع المشتري بسلعتهم خاصة عند وجود السلع البديلة.

فيضعون الخطط لكيفية التسويق والتشويق لهذه السلع التي يتاجرون فيها، وينشئون لذلك النظريات التسويقية.

فتراهم يضعون نظرياتهم على كيفية تهيئة الأسواق لسلعتهم، وإيجاد الطلب على هذه السلعة قبل إيجاد أو إنتاج السلعة، وقد يكون الانتظار لعدة شهور والمشتري في كل يوم على أمل أن توجد السلعة في الأسواق، ويستعملون في ذلك عبارات التشويق والترقب.

ترقبوا مفاجآت الموسم... وهكذا..!!

فلو تخيلنا سلعة المراد توزيعها على حي من الأحياء، فلابد من دراسة مسبقة لكثافة هذا الحي، ودراسة طرق ومنافذ هذا الحي، ودراسة الحالة الاجتماعية والاقتصادية لهذا الحي.

ثم يحدد على هذا الأساس عدد مندوبي التوزيع بما يتناسب مع كبر أو صغر هذا الحي.

ويحددون كذلك أفضل الطرق لعرض هذه السلعة على العملاء.

ويحددون كذلك حدود كل مندوب من شوارع الحي، حتى لا تتداخل المهمات.

فكيف ترى الطريقة التي يعتمدونها للتوزيع؟

هل يقفون على نواصي الطرق وعلى رأس كل شارع؛ لكي يقوموا بعرض السلعة أم تراهم يقتطعون جانباً من الطريق يقومون بعرض السلع فيه في انتظار المارين عليهم؟!

 أم يعتمدون في طريقة التوزيع الطَرْق على أبواب سكان هذا الشارع على أن يقوموا بعرض السلعة عليهم وهم في ديارهم؟

وهل تراه ييأس هذا المندوب لو أغلقت الأبواب في وجهه، هل تراه لا يحاول مرة ثانية، بل ثانياً وثالثاً؟!

هل تراه يتجنب الأبواب التي أغلقت في وجهه؟

فلا والله ما نرى مندوب التوزيع ييأس، ولكنه مازال يمارس سياسة الطرق على الأبواب، بل ولا نراه يهتم بعدد الأبواب التي أغلقت في وجهه، بل نراه يعاود الطرق عليها ثانية وثالثة خاصة، لو كان راتبه لا يأخذه إلا في صورة عمولة على قدر مبيعاته، فهل تراه يتوانى في التوزيع أم يقوم على قدم وساقٍ؛ لا يبالي بهذه الأبواب التي أوصدت في وجهه.

ومما لا شك فيه أنه في كل مرة يحقق تقدماً ونجاحاً حتى لو كان ضعيفاً.

أيها المسلم الحبيب..

إن تأملنا أهلَ الدنيا وكيف تأخذهم الجدية والهمة العالية وهم يتعاملون مع بضاعة هي بضاعة مزجاة.

فما لنا يا طلاب الآخرة، ونحن معنا البضاعة التي لا تبور، ليس عندنا همة ولا جدية أهل الدنيا في عرض السلعة التي لا تُقارن بمثلها.

فنقول:

سلعة جيدة، ولكن عرض رديء.

فما لنا نستحي من عرض هذه السلعة، ولا نظهرها في صورة جيدة تدفع الناس للإقبال عليها.

فترى عند أهل الدنيا أسساً ومعايراً لتسويق وترويج السلعة.

• منها مظهر مندوب المبيعات.

• أسلوب الخطاب والعرض.

• أيُ السلع يقوم بعرضها أولاً مع اعتماد سبل العرض مع التشويق.

ولا شك أن هذه الأسس والمعايير وضعت لإحداث الرغبة عند المشتري، ولتحريك عاطفة المشتري تجاه تلك السلعة.

فأهل الحق أولى باستعمال هذه المعايير خاصة، ولديهم سلعة لا منافس لها، ولكنهم يحتاجون إلى تعلم كيفية أساليب العرض المؤثرة لإحداث الإقبال على سلعتهم.

وهذا مصعب بن عمير -رضي الله عنه- السفير الذي اختاره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأرسله إلى المدينة ؛ لكي يقوم بعرض الإسلام عليهم.

فينبغي لكل من أراد أن يمارس الدعوة لدين الله أن يتعلم ن مصعب بن عمير كيف قام بعرض الإسلام على أهل المدينة، خاصة على أكابر هؤلاء القوم على سعد بن معاذ وسعد بن عبادة وأسيد بن حضير، وهؤلاء رؤساء في قومهم.

 ترى ما هي معلوماته عن الإسلام التي قام بعرضها حتى أحدث هذه القناعة لأناس هم رؤساء في قومهم؟!

لا شك بأنه عرض الإسلام بشكل جيد لا يستطيع المقابل إلا القبول، فكان نتيجة ذلك دخول هؤلاء القوم في الإسلام.

فهيا بنا أيها المسلم الحبيب..

نتعلم من أهل الدنيا وأن نطبق هذه الإرشادات والمعايير في ديننا فنحن أولى بذلك.

ولنتعلم أن الأصل هو عدم استجابة الناس، وعدم قبولهم وطلبهم من أول عرض، ولكن الأمر يحتاج إلى ممارسات، وإلى مزيد من العرض حتى نحدث هذه الاستجابة، وذلك الطلب على السلعة التي نقوم بعرضها.

وقد بين لنا النبي -صلى الله عليه وسلم- ذلك عندما قال لنا: إن الأمم قد عرضت عليه -صلى الله عليه وسلم- فرأى النبي وليس معه أحد.

فهل ترى أن هذا النبي كان يتخذ وقتاً محدداً يمارس فيه هذه المهمة ( الدعوة لدين الله)، أم إنها مهمة ووظيفة تشغل كل شاغل الإنسان في كل لحظات حياته سواء كان ليلاً أو نهاراً.

فهذا نوح -عليه السلام- كانت دعوته ليلاً ونهاراً سراً وجهاراً، ومكث على ذلك ألف سنة إلا خمسين عاماً، ومع ذلك ما آمن معه إلا قليل، ولكنه والله ما كلَّ وما تعب وما يأس من دعوته حتى أتاه اليقين.

وكذلك هذا النبي الذي يأتي يوم القيامة وليس معه أحد.

• هل ترى هذا النبي قصر في الدعوة لدين الله؟

• هل تراه أصيب بهزيمة نفسية لعدم استجابة الناس؟

• تُرى ما هي المدة التي مكث يدعو فيها إلى الله -تعالى-؟

• هل تراه قام بالمهمة على خير قيام أم كان عنده نوع من أنواع القصور؟

• تُرى هل كان قومه يسفهونه ويعترضون عليه ويوصدون في وجهه الأبواب، ويسبونه ويقذفونه بالتهم والاتهامات الباطلة، هل أثناه ذلك عن دعوته؟

• تُرى هل صده ذلك عن دعوته؟

• هل تراه تنازل عن مهمته ودعوته؟

• تُرى هل أصيب بالإحباط واليأس والهزيمة النفسية؟

فلماذا أيها الحبيب.. لا تكون لهذا الدين؟

ما الذي ينقصك حتى تكون لهذا الدين؟

هل تخجل من دينك؟

هل تخجل من عرض هذا الدين على الناس؟

أتخشى أن يزجك الناس، أتخشى أن يصدونك، أتخشى أن ينظرون إليك باستهزاء وسخرية وتنقص؟ فكان ذلك الحامل على عدم القيام بالدعوة لدين الله -تعالى-؟

أيها المسلم الحبيب..

إن أهل الباطل ليستعملون شتى وسائل الإعلام؛ لنشر باطلهم وترويج سلعهم.

فنقول لأهل الحق:

يا أهل الحق، إنكم لتملكون وسائلاً أقوي بكثير من هذه الوسائل التي يستعملها أهل الباطل.

فنقول يا أهل الحق،

ما من شارع إلا وبه من التزم أو التزمت بشرع الله -تعالى-، وحري بنا أن نقول ما من بيت إلا وبه من التزم أو التزمت بدين ربها وبهذا الهدي الظاهر.

فنقول لك: ما هو أثرك في هذا المكان الذي تعيش فيه، وما الذي جناه هذا المكان من وجودك، فهي لسنوات وسنوات وأنت تمشي في هذا الشارع، ومن ذلك الطريق، سنوات وأنت تقابل هذه الوجوه التي تقطن في هذا الشارع سواء في البيوت أو المحلات.

فهل أنت عندهم صورة وواجهة طيبة لمن التزم بدين الله -تعالى-؟!

هل أنت داع بسلوك فنحن لا نريد منك أكثر من السلام وطلاقة الوجه؟

ماذا تمثل أنت بالنسبة لهذا الشارع الذي تسكن فيه؟

هل تعرفت على أهله طوال هذه المدة؟ هل هم يعرفونك؟ فلو سأل عنك إنسان، هل يعرفونك باسمك وشخصك، أم يعرفونك بسمتك فقط (هنا شخص ملتحي)؟!!

أيها المسلم الحبيب..

إن الإسلام ليحتاج من أبنائه أن يتبنوا قضية دعوة الناس إلى دين ربهم، وتبصير الناس بإرشادات هذا الدين الذي جاء ليحقق لهم سعادتهم في الدنيا والآخرة.

إن الإسلام أضحى ضائعاً بين أبنائه، ما يدرون ما الإسلام !!

وكما قال الله -تعالى-: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ﴾ [آلِ عمران:19]

وكما أوصانا -سبحانه-: ﴿وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾ [آلِ عمران:102]

فنقول لك أيها الحبيب: هل من منادٍ فينادي على الإسلام.

وا إسلاماه....

تخيل أيها الحبيب..

رجل فقد ولده في زحام شديد، فما ظنك ماذا يفعل هذا الرجل، هل ينام، هل يرقد، هل يطعم ويشرب، هل لو جمعت له كل شهوات الدنيا ووضعت أمامه أتراه يتلذذ بها؟!.

وما حاله إذا جاء الليل أيكون أشد هدوءاً أم أشد فزعاً وهلعاً؟ لو استطاع أن يتكلم مع الحجر لتكلم، ولسأل الحجر عن ولده.. أليس كذلك؟!

هل تراه يبالي بنظرات الناس، هل يبالي لو اتهمته الناس بالجنون؟

هل ييأس من فقدان ولده، كم من الزمن تراه يقضيه في البحث عن ولده؟

وكذلك أيها الحبيب..

هذا الدين قد ضاع بين أبنائه، فيحتاج إلى من ينادي عليه، ولا ينقطع صوته بالنداء، ليلاً ونهاراً، سراً وجهراً.

والناس يحتاجون إلى من يعرفهم بهذا الدين بخصائصه وأصوله، الناس ينتظرون من يقد لهم الإسلام الذي فقد بين الناس، ولتفعل كما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يفعل عرض نفسه على الوفود في الحج، بل الخروج إلى الناس في أماكنهم؛ ليعرفهم بهذا الدين كما فعل بطائف، ولا ينظر إلى سخرية المستهزئين، ولا تثبيط المثبطين، ولا نظرات الغافلين الحاقدين الجاهلين، ولا يُصَدُّ عن ذلك بسفاهة السفهاء.

فسلعتنا سلعة جيدة؛ فكن أهلاً لحملها وعرضها، ولا تيأس من تكرار العرض، وتذكر دوما قول نبينا -صلى الله عليه وسلم-: (والنبي وليس معه أحد)، ولكنه والله ما يأس من الدعوة لدين الله ليلاً ونهاراً، سراً وجهراً؛ لأنه في نهاية المدة لا ينقص من أجره شيئاً بل ستُوفَّى إليه كاملة.

فهيا بنا سويا ندعو لدين ربنا وننادى جميعاً بصوت مرتفع.

وا إسلاماه...

وا إسلاماه...

وا إسلاماه...