يا أمة المليار

الناقل : mahmoud | الكاتب الأصلى : الشيخ / عبد الرحمن السديس | المصدر : www.quranway.net

الحمد لله الذي أسبغ علينا نعماً عداداً، وبعث فينا سراجاً وقَّاداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له توعَّد الأفاكين لظى مِهاداً، فقد رضّوا للمؤمنين أكباداً، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمداً عبد الله ورسوله أعظم البرية قدراً وشرفاً، وأرأفهم فؤاداً، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه الذين عزروه ووقروه وأمضوا في محبته أرواحاً وأجساداً، وكانوا في نصرته ضَرَاغمَ وأَساداً، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد: فيا أيها الناس اتقوا الله -عز وجل- حق التقوى، فمن اتقاه أفلح في دنياه وسلم، واستبشر في أخراه وغنم، ومن أعلى مراتب تقواه التي نبلغ بها القمم الانتصار لسيد العرب والعجم والذب عن صفوة هذه الأمة وخيار الأمم، فبذلك تنال غايات المنى ونَعِم، ونِعِمَّا ذلك نِعِمّ.

الإسلام نور البشرية
أيها المسلمون تبصُّراً في أغوارِ التاريخ واستِكناها لحِقَب الحضارات يُلفي المتأمل أمماً لفّها ظلامٌ من الاستبداد مطبقٌ مُريع، بيدَ أنه يحمل في طياته نورًا يرتقب وأمة في سموها تزاحم الشهب، فها هي الرسالة المحمدية العالمية، على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التسليمات، تترى بكرةً وعشياً ، يصبغ بلهفٍ لها الزمان، وها هو فجر الأمة الإسلامية يشرق في كل مكان، وتتفتح لها غِلَق الأذهان، ويرِفّ ببركتها وعظمتها كل جنان، قد حملت هذه الرسالة الخيرَ كلَّه والبرَ دِقَّه وجِلَّه والهدى أجمَعَه والعدل أكتَعَه؛ فبالإسلام أشرق التاريخ وبهدي سيد الأنام عرفت الإنسانية معنى وجودها، وعلى هدي مُثُلنا وقيمنا رتقت الحضاراتُ صدعَها ولمت شعَثَها، ﴿ لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ﴾ [آل عمران: 164].

ولا يزال هذا الغيث الصيِّب المنهمِر يفتح المجاهل بلا هاد ويعبر القارات دون اتَّئاد ، ولقد اقتضت حكمته سبحانه أن يكون المُبلغ الأمين عن رب العالمين الرحمةُ التامة والنعمة العامة محمد بنَ عبد الله صلوات ربي وسلامه عليه، النبي الرؤوف الرحيم الوصول، زاكي الفروع وسامي الأصول، وكان الهمُّ الذي بخَع نفسه واسترقَّ حسَّه -يا أمة الإسلام- انتشال البشرية من مَومَات البغي والعنصرية والأوثان إلى العدل والرحمة والإحسان، ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ﴿107﴾﴾ [الأنبياء: 107].

ولا تزال عظمة رسالته وخصائص نبوته ميداناً فسيحاً للمتأملين ومنهلاً روياً للباحثين المنصفين، كما هي ندية نضرة على الدوام، بل كما تمكن الصراع بين الحق والباطل، -وها أنتم تعايشونه- ازدادت عبقاً واخضراراً.

حب الصحابة للنبي -صلى الله عليه وسلم-
معاشر المسلمين، أحباب سيد المرسلين، وهذا النبي الأمي الزكي الرضي مبشَّرٌ بصفاته البلجاء وشريعته الغراء من قبل إخوانه الأنبياء والمرسلين، يقول سبحانه: ﴿ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [الأعراف: 157].

فيا عجبًا! كيف يجحد ذلك الجاحدون ويَلغ فيه المستهزئون؟! وليس فحسب، بل إن هديه -عليه الصلاة والسلام- هو الجامع لما تفرق فيهم من الفضائل والمحامد، وشريعته ناسخة وخاتمة لجميع الملل والشرائع، وقد توعد سبحانه من خدش قدسية رسالات الله في أشخاص حملتها ومبلغيها من الأنبياء والمرسلين بالعذاب الأليم، وهو محاد كل المحادة لجلال الله وعظمته، كيف وهم -عليهم الصلاة والسلام- موضع حفاوته واصطفائه لبلاغ وحيه -جل وعلا-؟ !.

إخوة الإيمان، وهو تمام مَنة الكريم الوهاب أن سوَّر هذا النبي الأواب بكرام الصحابة ذوي النخوة والنجابة والفضل والإصابة، أصفياء أخيار، كُماةٌ أبرار، على عظمة كل فرد منهم تقوم دولة وتنهض أمة، وحبهم لنبيهم -صلى الله عليه وسلم- أمر تجرِض به اللَّهاةُ، وتتقصف دونه الأسلات، سال أبو سفيان زيد بن الدَّثِنَة -رضي الله عنه- وهو في الأسر قائلاً: أنشدكَ اللهَ يا زيد، أتحب أن محمداً الآن عندنا في مكانك تضرب عنقه وأنت في أهلك ومالك، فرجف زيدٌ قائلاً: والله، ما أحبّ أن محمداً الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبُه شوكةٌ تؤذيه وأنا جالس في أهلي ومالي، فصاح أبو سفيان دهِشَا وقال: واللهِ، ما رأيتُ من الناس أحداً يحبه أصحابه كما يحب أصحاب محمد محمداً، الله أكبر، زيد أحبَّ، ففدَّى الحبيبَ وعنه ذَبَّ.

تزِن الجبالَ رزانةً أحلامُهم   وأكفُّهم خَلَفٌ من الأمطارِ
والباذلينَ نفوسَهُم لنبيِّهم يومَ    الهِياج وسَطوةِ الجبّار

وما ذاك إلا كَِفاءَ نفسٍ غَنِيَت بالرحمة والسلم والحب والحِلم، وخلصت إلى أعلى مراتب الصدق والطهر والعلم، فلله ما أعظم هذا الدين، وما أقوى إيحاءَه، ولله ما أكرمَ هذا النبيَّ الجليل وأبهرَ بهاءَه، وما أجلى هديَه وسناءَه.

لو أطلق الكونُ الفسيح لسانه   لسرَت إليك بمدحِه الأشعارُ
لو قيل: من خير العباد؟ لردّدت   أصواتُ من سمِعوا: هو المختارُ
عليه الصلاة والسلام.

استطالة أهل الكفر على النبي -صلى الله عليه وسلم-
معاشرَ المسلمين في كل الأصقاع، إخوة العقيدة في كل البقاع، يُذَّكر بذلك -أيها المحبون- في هذه الآونة الأخيرة التي غشى الكون فيها ليل ثقيل، ولفه صمتٌ مكدودٌ عليل، وتصدع فجر المسلمين عن فاجعة تاريخية سفعاء حيث نَعبَت أصواتٌ بالإفك والبهتان، وجرت أقلام في أودية الزور والضلال والعصيان برسومات حاقدة ماكرة، تنهدُّ لها القامة، وتتزلزل لها الهامة، لقد استطالوا ويا ويحهم، وتعجرفوا ويا ويلهم، فسخروا من أعظم جناب وأكرم من وطئ التراب نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-، استهزأ عثكلٌ عُمروط برسول رب العالمين ورحمة الله للخلائق أجمعين إمام الأنبياء في الأرض وفي السماء، أبرّ الأمم على الإطلاق، وأعظمهم بإطباق، صاحب المعجزات الظاهرات والآيات الباهرات.

سقطت مكانةُ شاتمٍ وجزاؤه    إن لم يتب مما جنـاه النـار

رباه رباه، أيهزؤون برسول رب الأرض والسماوات؟! أيهزؤون بسيد البريات؟! أيتطاولون على الرحمة المهداة؟! أينتقصون النعمة المسداة؟! ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا ﴿57﴾ [الأحزاب: 57].
لقد جاءت تلك النفوسُ الباغية التي لو صُوِّر الرجس والخبث كياناً لما تعداها، لقد جاءت شيئًا إدَّا، يخرّ له الكون هدّا، تبّت لهم يدًا، وخُفِئوا أبداً، يستهزئون ويشتَفون، ويشهَّرون ولا يكتفون، ويتبجحون بما ائتُفِك ولا يختفون، قال سبحانه: ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [التوبة: 61]، ﴿ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ﴾ [الكوثر: 3].

بأبي وأمي أنت دونَك مُهجتي في    صدر من سلقوك أغرسها مُدَى
ما أنقصـوك فأنت أنت أجـل    خلقِ الله منزلةً وأكمل سـؤدداً

هيهات أن تطيب لنا حياة، وأنَّى نُؤمِلُ نصراً أو نجاةً ولم نتقحم لنصرة الهادي الحبيب لجَّةً ولا فَلاة! يا لَلبهيسَة وعظيم الفرية! أين الأعراف الدولية؟! أين العالم بهيئاته ومنظماته حيال هذه الجريمةِ النكراء والفعلةِ الشنعاء؟! أين عقلاءُ العالم ومنصفوا الإنسانية حيال هذا الاستهزاء؟! أين المواثيقُ العالمية التي تصد هذا البهتان والافتراء؟!
واجب أمة الإسلام
فيا أمة المليار، ماذا قدمتِ لنصرة المصطفى الحبيب المختار؟!

إنا ليؤلِمنُا تطاوُلُ فاجرٍ    ملأت مشاربَ نفسه الأقذارُ
ويزيدنا ألمًا تخاذلُ أمةٍ    يشكو اندِحار غثائها المليارُ

تجريم سب الأنبياء
إن دول الإسلام وما فوقها وما دونها أطرافها وحصونها والغبراء سهولها وحزونها يجرمون هذا الفعل الأثيم ، ويستفظعون هذا الجرم اللئيم، وإننا نوجه ألهب النداء من منبر المسجد الحرام من منشأ رسول الإسلام ومبعثه ومرباه، ونستصرخ باسم المسلمين جميعاً مطالبين بإيقاع العقوبات المغلظة دون هوادة على المستهزئين بالجناب المحمدي والمقام المصطفوي بؤبؤِ العيون، المنزه عن كل وصمة ودون، وكل من واطأ الباغي وأعاد نشر تلك الرسوم، كي تصان شرائع السماء وتعظم مقامات الأنبياء في كل زمان ومكان، مع المطالبة بتفعيل القرارات الدولية التي تدين وتجازي تلك الجرائم والمخازي.
لابد من تطبيق المواثيق العالمية والقرارات الدولية التي تحاكم كل من يتجرأ على الله ورسوله وأنبيائه ومقدساته، وتقاضي كل من يتطاول على الشرائع والرسل والمقدسات.
إن هذا الهزءَ والإدقاعَ عبرَ الشبكات والصفحات -وأيم الله-، لو قوبل به غيرُ نبيِّنا -صلى الله عليه وسلم- لأراق فيه أحبابُه أنهارا من الدماء، ولكان لهم مُنّةٌ من برهان وحجة من سلطان فما بالُنا بأعظم الأنبياء قدرًا وأفضلهم فضلاً وأعلمهم بالله وأكرمهم على الله محمد خير الأنام عليه من ربه أفضل صلاة وأزكى سلام، النبي الأكرم والمصطفى الأعظم، صاحب المقام الأطهر والسني الأغر؟!

هجوت مباركًا برًا حنيفًا    أَمينَ الله شيمتُه الوفاءُ
فإنَّ أبي وَوالدَه وعِرضي    لعِرض محمد مِنكم وِقاءُ

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: «ولا ريب أن من أظهر سب الرسول -صلى الله عليه وسلم- وشتْمه فإنه يغيظ المؤمنين ويؤلمهم أكثر مما لو سفك دماء بعضهم وأخذ أموالهم، فإن هذا يثير الغضب لله والحمية له ولرسوله -صلى الله عليه وسلم-، ويقول -رحمه الله-: من سنة الله أن من لم يتمكن المؤمنون أن يعذبوه من الذين يؤذون الله ورسوله فإن الله سبحانه ينتقم منه لرسوله ويكفيه إياه، وكل من شاناه وأبغضه وعاداه فإن الله يقطع دابره ويمحق عينه وأثره».
ألا فلتعلم الأمة جمعاء العالم بأسره أن الله -عز وجل- ناصر حبيبه ومصطفاه وخليله ومجتباه، ﴿ إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ ﴾ [التوبة: 40]، ﴿ إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ ﴿95﴾﴾ [الحجر: 95].

ما نال منك منافق أو كافر    بل منه نالت ذلةٌ صَغارُ
حلّقتَ في الأفقِ البعيد فلا يدٌ   وصلت إليك ولا فمٌ مهذَار
أعلاك ربُك همةً ومكانةً    فَلَك السموُّ وللحسود بَوار

المعايرة المزدوجة
أيها المؤمنون، وإن هذا الحدث الذي أرجف العالم ليُعَجِّب الغُيُر ويحمِلهم على الاصطراخ والنداء: خبرونا يا هؤلاء عن حرية التعبير وضوابطها؛ فإنا في زعمكم نسيانها، ولتُنبئونا عن مواثيق قدسية الرسل والرسالات؛ فإنا في ظنكم أغفلناها، أفلا تكون حرية التعبير إلا حينما تسبّ مقدسات المسلمين ويُنال من عظمائهم ويوقَع في أنبيائهم؟! لكنها المعايير المزدَوَجة والمكاييل المضطربة.

عجباًَ لهذا الحقد يجري مثلما    يجري صديدٌ في القلوب وقارُ

وإذا سُخِر من عظيم الدنيا برمتها بين من يزعمون الالتئام على المبادئ والحقوق والرقي والشرف فهيهات أن لا تُخفَر بينهم العهود وتخيس الذِّمَم.
ويحكم يا هؤلاء أحيوا العدل والصدق وانشروه، وأميتوا الصَّلف والزيف وأقبروه، تأمنوا البوائق التي يخشى اندلاعُها.
وإنه لا يخفى على النّصفَةِ والعقلاء أن هذه الآفة الخلقية الدنسة التي انتهكت باستهزائها بالنبي -صلى الله عليه وسلم- حرمةَ مليارٍ ونصف من المسلمين وتهكّمت بمشاعرهم لتهوي بالأمل في النهوض بدعاوي احترام الآخر ودعاوي التسامُح وحوار الحضارات ودعاوى نشر السلام والوئام وما إليها من شناشِنَ أخزميّه نعم تهوي بذلك كلِّه إلى يَهماءَ قَرِق، لا باطلاً تردُّ، ولا زورا تَقي.
ولقد استبان لكل ذي بصيرة من الذي يغذي التطرف والإرهاب، ويذكي العنصرية والعنف والكراهية بين الشعوب ويؤجج الإقصاء وصراع الحضارات، وأما الذين استناموا وأصموا آذانهم عن نداءات الاستفظاع لهذا الحقد الدفين، واستدبروا صرخات التجريم واستنجاز التحكيم فقد خانوا أمانتهم ودياناتهم، ولن يضرَّ الإسلام وسيدَ الأنام شيئًا، ﴿ كَتَبَ اللهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي ﴾ [المجادلة: 21]. 

بشريات
أمة الإسلام، وإن تلكم الهبّات الصارمة والغضبات العارمة لنصرة خير العباد في أقصى البقاع وشتى البلاد بمتنوع الوسائل والطرائق لا سيما موقف بلاد الحرمين الشريفين الرسمي الحازم والشبعي الحاسم وسائر البلاد الإسلامية وأحباب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في كل مكان لشدَّ ما أبهجت الغيور، وشرحت بالبشر الصدور، وكذا ما خطته الأسلات، فقد نورت من المحب المقل ، وأستِ الكَلمَ وحلتِّ العُقَل.
الله أكبر، بصوت واحد ملايين المسلمين في الأرض ترفع الشعار التاريخي: إلا رسول الله، وترفض الاعتذار، وتطالب بالمحاكمة، يا لها من مواقف مؤثرة، تذكي عزة المسلمين ووحدتهم، وتعزز مكانتهم دولياً وهيبتهم عالميا، ولقد قال الله -عز وجل- في إفك أسلافهم: ﴿ لاَ تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ﴾ [النور: 11].
ولعمرو الحق، لقد زفت لنا تلكم الهبّات والغضبات موقف المقاطعة السياسية والاقتصادية الصامد منظوم الأكاليل، وهذا القرار الحاسم وسواه سيتلُّ هؤلاء إلى قضبان الذلة والمحاكمة تلاً، وأما الذين اثَّاقلوا عن نصرة المجتبى والتنديد ولم يبالوا باله فليتقوا الله -عز وجل-، وليفيئوا إلى هذا المسعى الحميد.
ألا فلتشل الأيدي وتخرس الألسن وتتقصف الأقلام وليجف المداد ولينأ الإعلام إن لم يجند في الدفاع عن سيد الأنام رسول الهدى والرحمة -عليه الصلاة والسلام-.

ضبط العاطفة والانفعالات

وليكن منكم بحسبان يا رعاك الله أنَّ التهاب العواطف دون أناةٍ وروية هو الهُوجُ القواصف التي تسلِم الحجج السائغة للعدو الكمين المتربص على أننا أمة -بزعمهم- لا تني، تصطخِب وتضطرب دون ضابط أو رابط فالله الله في ضبط العواطف وترشيد الانفعالات وعدم الاسترسال وراء أحلام ومنامات ورسائل هواتف محمولات وما إليها وتفعيل نصرة المصطفى -صلى الله عليه وسلم- تفعيلا منهجيًا وتأصيلًا إيجابياً، ينطق من عقيدة راسخة ونصرة دائمة، لا تمليها ردود أفعال طارئة، فلتلجِموا، يا أحباب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- العواطف بلجام التعقل والحكمة والتحرك الإيجابي العملي في نصرة النبي الهاشمي بأبي «هو» وأمي -صلى الله عليه وسلم-.

إني أقول وللدموع حِكاية    عن مثلها تتحدث الأمطار
إنا لنعلم أن قدر نبينا أسمـ  ـى وأن الشانئين صِغار
لكنه ألم المحبِّ يزيده شرفا    وفيه لمن يُحَبّ فخار

فإنا لله وإنا إليه راجعون. استرجاع على ضلوع من الإساءة لنبينا تحترق، ودموع هامية تستبق. نعم استرجاع سنة وثقة وبأس، لا قنوط وبأس، فالألسن الغضاب تفري فري الصوارم العضاب، فالله المستعان، وإليه المشتكى، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
فاتقوا الله عياد الله وأطيعوا وتوبوا إليه واستغفروه، ونافِحوا عن حياض الحبيب المجتبى، وكونوا خير من شفى في ذلك وكفى، وحقِّقوا النُصرة والوفا في الذب عن جناب النبي المصطفى.
أيها الإخوة الأحبة في الله، وما تخوضه الأمةُ من قمع الإساءة لنبيها -صلى الله عليه وسلم- فلِما أوجبه الله -عز وجل- من تعزيرهِ وحبهِ وتوقيرهِ وحمايتهِ من كل مؤذ وشاني ، ومن المتقرر أن المولى الحق سبحانه قد أغناه عن نصرة الخلق، ولكن ﴿ لِيَعْلَمَ اللهُ مَن يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ ﴾ [الحديد: 25].

حقيقة نصرة النبي -صلى الله عليه وسلم-

ولتدركوا -يا أحباب رسول الله صلى الله عليه وسلم- أن نصرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليست في زعوم ودعاوى تنشر، ولا عواطف وانفعالات تبث وتنثر فحسب، كلا، فلن يغنينا صف الحروف إذا لم نُنكِر بسنته المنكر ونعرف المعروف.
إن نصرته الحقيقية في اتباع هديه وسنته -عليه الصلاة والسلام- واقتفاء سننه ومحجته وعدم مخالفته.
ودعوة ملتهبة حراء أن يا قادة المسلمين في كل مكان ائتلفوا على نُصرة نبيكم حقاً، وهُبُّوا لتجريم هذه الفِرى النكراء بكل ثقلكم السياسي والاقتصادي حكموا شرع الله -عز وجل- وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-، وأرمقوا أحبابه بمقلةِ الوداد والإخاء، وعلى محبته وطاعته فليكن الولاء والبراء.

لن تهتدي أمة في غير منهجه مهما    ارتضت من بديع الرأي والنظم

خاطبوا بعزم عقلاء العالم وشرفاءه للتحرك الجاد في صد هذه التطاولات ورد هذه التجاوزات والاستفزازات.
أيها العلماء والدعاة، طلاب العلم الكفاة، ذبوا عن جناب المصطفى الكريم، وانشروا سنته خفاقة في العالمين، اعقدوا الدروس والمحاضرات والندوات لتعريف العالم بشمائله وفضائله، وجهوا الأمة إلى حقيقة الائتساء به ومحبته.
أيها المؤتمنون على وسائل الإعلام، أيها المفكرون وحملة الأقلام، اغتنموا هذه النُّهزة السانحة لنشر سيرته العطرة بمختلف اللغات والترجمات، لتعبر العالم والقارات، خبروهم أنه رسول الإسلام والسلام وأمين وحي الملك العلام، وأنه بأبي هو وأمي جاوز في الشرف والقدر الجوزاء، وفي العظمة والسناء بُلَعًا في السماء وشَّعوا في بركاتِ رسالته وهديه المؤلفات والنشرات والقنوات والشبكات، انبرُوا خفاقًا وثقالًا لبيان محاسن الدين، أشهدوا الدنيا والتاريخ أن سيرة الحبيب -صلى الله عليه وسلم- دونها الشمس إشراقا، ودونها السِّماك سمواً وائتلافًا، وعسى الله أن يقر الأعين ويشفي الصدور بقنوات إسلامية فضائية عالمية تبث بلغة القوم، تقول للعالم: هذا ديننا الوضاء، وهذا نبينا ذو الشمائل القعساء، ودون هذا همم ذوي اليسار والثراء.
فيا رجال المال والأعمال أنفقوا مما أتاكم الله في نصرة سيد المرسلين ودعم الخطط التي تنسف مكائد المستهزئين بخيرة الخير وسيد البشر -عليه الصلاة والسلام-.
أيتها الأخوات المسلمات الفضليات، انصرن نبيكن وسنته بالتمسك بالحجاب والحشمة والعفاف والحذر من التبرج والسفور والاختلاط المحرم ومكائد التغريب ودعاوى الإسفاف، نشئن الأجيال أحلاف محبته وطاعته، ورووهم من معين منهجه وسيرته -صلى الله عليه وسلم-، وبذلك تتحقق نصرة الأمة بكافة أطيافها وشرائحها لنبيها وحبيبها محمد -صلى الله عليه وسلم-.
هذا والحمد لله رب العالمين.