مكانة النبي صلى الله عليه وسلم

الناقل : mahmoud | الكاتب الأصلى : د.ربيع بن هادي المدخلي | المصدر : www.quranway.net

إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له ومن يضلله فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله -صلى الله عليه وسلم-.
 ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران:102]
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيب﴾ [النساء:1]
 ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيم﴾ [الأحزاب:70-71]

أما بعد: فحديثنا في هذه الليلة المباركة حديث عن أعظم رجل، وأعلم رسول عند الله وعند الملائكة وعند الرسل وفي التاريخ الإسلامي وفي الكتب السماوية وفي القرآن والسنَّة -صلى الله عليه وسلم-. فهو أعظم رجل وأعظم رسول وتظهر مكانته في الآخرة إذ هو سيد ولد آدم يوم القيامة وصاحب الشفاعة العظمى وصاحب المقام المحمود صلوات الله وسلامه عليه.
ولا أستطيع أن أُوَفِّيَه حقَّه -صلى الله عليه وسلم- في هذا المقام، وقد كتبتُ ليستفيد السامعون لأنَّ الإرتجال قد يكون فيه خلل، ولتتم الفائدة كتبتُ هذا الموضوع وأطلت فيه قليلاً فأرجو الصبر وطول النَّفَس لنحصل جميعاً على الفائدة من هذا الموضوع الشيِّق العظيم. أسأل الله أن يرزقنا وإيَّاكم مَحَبة هذا الرسول -صلى الله عليه وسلم- والإخلاص في كل ما نقول ونفعل.
وأبدأُ الآن فأقول: فهذه كلمة في بيان مكانة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبيان حقوقه على هذه الأمة أي أمة الإجابة وأمة الدعوة من الجن والإنس.

- إنَّ لرسول الله الكريم -صلى الله عليه وسلم- مكانة عظيمة ومنزلة رفيعة لم يبلغها أحد من الخلق فهو سيد ولد آدم يوم القيامة، آدم ومن دونه تحت لوائه -صلى الله عليه وسلم-.

ولقد أُوتِيَ الشفاعة العظمى التي اعتذر عنها أُولوا العَزْمِ من الرسل والتي اختصه الله بها وآثره بها على العالمين.
- ولقد كَرَّمَهُ ربُّه عزّ وجلّ واختصه بمكرمات جزيلة لم يعطها لأحد من قبله من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين وكلُّهم لهم منزلة رفيعة عند الله.
فعن أبي هريرة أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (فضلت على الأنبياء بِسِت: أُعْطِيتُ جوامع الكَلِم ونُصِرتُ بالرُّعْب وأُحِلَّت لي الغنائم وجُعِلَت لي الأرض طَهُورًا ومسجدًا وأُرسلت إلى الخلق كافة وختم بي النبيون) [صحيح مسلم (523)] .
وروى البخاري قريبٌ من هذا. وفي حديث جابر: (وأُعطيت الشفاعة) [البخاري (328) ومسلم ( 521)] .

- وقال تعالى في بيان منـزلته -صلى الله عليه وسلم- وبيان صفاته الكريمة: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [التوبة:128]
   وقال تعالى: ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ [آل عمران:164]
وقال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ [الجمعة:2]

- وقال تعالى في بيان مَنـزِلَته العظيمة وصفاته الكريمة: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً * وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلاً كَبِيراً * وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيل﴾ [الأحزاب45-48]
- وقال تعالى مُنَوِّهاً بِذِكره ومكانته عنده ونعمته عليه:﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ*وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ﴾ [الشرح:1-4]
- قال ابن عباس: شرحه بنور الإسلام. وقال سهل: بنور الرسالة. وقال الحسن: ملأه حكمةً وعلماً.
﴿وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ﴾: قال الإمام السعدي-رحمه الله-: «أي: نوسعه لشرائع الدين والدعوة إلى الله والإتصاف بمكارم الأخلاق والإقبال على الآخرة وتسهيل الخيرات فلم يكن ضيقاً حرجاً ﴿وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ﴾ ووضعنا عنك وِزرك الذي أثقل ظهرك، كقوله تعالى: ﴿لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُسْتَقِيم﴾، ﴿وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ﴾ أي: أعلينا قدرك وجعلنا لك الثناء الحسن العالي الذي لم يصل إليه أحد من الخلق فلا يُذكر الله إلا ذُكِر معه رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- كما في الدخول في الإسلام وفي الأذان والإقامة والخُطَب وغير ذلك من الأمور التي أعلى بها الله ذِكر رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- وله في قلوب أمته من المحبة والإجلال والتعظيم ما ليس لأحد غيرِه بعد الله تعالى فجزاه عن أمَّته أفضل ما جزى نبياً عن أمته» [اهـ انظر تفسير السعدي لهذه السورة,] .
وأقسم الله بعظيم قَدره فقال: ﴿لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ [الحجر:72]
- قال ابن كثير رحمه الله: «أقسم تعالى بحياة نبيه -صلى الله عليه وسلم- وفي هذا تشريف عظيم ومقام رفيع وجاه عريض. قال عمر بن مالك النُّكْرِي عن أبي الجوزاء عن ابن عباس أنه قال: ما خلق الله وما برأ نفساً أكرم عليه من محمد -صلى الله عليه وسلم- وما سمعت اللهَ أقسم بحياة أحد غيره. قال الله ) لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون يقول وحياتك وعمرك وبقائك في الدنيا إنهم لفي سكرتهم يعمهون أي يلعبون. وفي رواية عن ابن عباس يترددون».
أقول: لله سبحانه وتعالى أن يُقسم بما شاء من مخلوقاته كما أقسم بالضحى والليل والشمس وضحاها والسماء. .. إلخ.
وأما العِبَاد فليس لهم أن يحلفوا إلا بالله و (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك).
- وقال تعالى مبيناً عنايته برسوله ورعايته له وحفاوته به: ﴿وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى * وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الْأُولَى * وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى * أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى * وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى * وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى * فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ * وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ * وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾ [سورة الضحى]
قال ابن كثير: قال الإمام أحمد: حدثنا أبو نعيم حدثنا سفيان عن الأسود بن قيس قال: سمعت جُندباً يقول: اشتكى النبي -صلى الله عليه وسلم- فلم يَقُم ليلة أو ليلتين، فأتت امرأة فقالت يا محمد ما أرى شيطانك إلا قد تركك فأنزل الله ﴿وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى﴾.
قال ابن كثير: ورواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي من طرق عن الأسود ابن قيس عن جندب بن عبد الله البجلي ثم العلقي به. وفي رواية سفيان بن عيينة عن الأسود بن قيس سمع جندباً قال: أبطأ جبريل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال المشركون وَدَّع محمداً ربُّه فأنزل الله تعالى: ﴿وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى﴾.
قلتُ: يُدافع عن نبيِّه الكريم -صلى الله عليه وسلم-.
ثم قال-رحمه الله-: «وهذا قسم منه تعالى بالضحى وما جعل فيه من ضِياء والليل إذا سَجَى أي سَكَن فأظلم وادلهم: قاله مجاهد وقتادة والضحاك وغيرهم وذلك دليل على قدرة خالقِ هذا وهذا.
وقوله تعالى: ﴿مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ﴾ ( أي ما تركك، ) ﴿وَمَا قَلَى﴾ ( أي: ما أبغضك ) ﴿وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الْأُولَى﴾ أي ولَلدَّارُ الآخرة خيرٌ لك من هذه الدار، ولهذا كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أزهد الناس في الدنيا وأعظمهم لها إطراحاً، كما هو معلوم بالضرورة من سيرته، ولما خُيِّر في آخر عمره بين الخلد في الدنيا إلى آخرها ثم الجنة وبين الصيرورة إلى الله عزّ وجلّ اختار ما عند الله على هذه الدنيا الدنية. قال -صلى الله عليه وسلم-: (مالي وللدنيا، إنما مَثَلي ومَثَل الدنيا كَرَاكِبٍ قَال تحت شجرة ثم تركها وذهب). ﴿وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى﴾ يعني بذلك ما أعده الله له في الآخرة من الجِنان والنعيم ومن رؤية ربِّه والحوض والشفاعة وسائر ما أكرمه الله به في الآخرة.
ثم عدَّد الله ما أفاض عليه مِن النِّعَم، ورعاه وهو يتيم وآواه إلى أن اصطفاه لرسالته فأنزل عليه الكتاب والحكمة وعلمه ما لم يكن يعلم وكان فضل الله عليه عظيمًا» اهـ.

قال القاضي عياض-رحمه الله- في كتاب (الشفاء بتعريف حقوق المصطفى):
   «تضمنت هذه السورة من كرامة الله له وتنويهه به وتعظيمه إياه سِتة وجوه:
الأول: القَسَم له عَمَّا أخبره به مِن حاله بقوله تعالى: ﴿وَالضُّحَى وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى﴾ أي: وربِّ الضحى وهذا من أعظم درجات المبرَّة.
الثاني: بيان مكانته عنده وحظوته لديه بقوله: ﴿مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى﴾ أي: ما تركك وما أبغضك وقيل: ما أهملك بعد أن اصطفاك.
الثالث: قوله تعالى ﴿وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الْأُولَى﴾ قال ابن إسحاق: أي: مَآلُكَ في مرجعك عند الله أعظم مما أعطاك من كرامة الدنيا، وقال سهل: أي ما ادَّخرتُ لك مِن الشفاعة والمقام المحمود خَيرٌ لك مما أعطيتك في الدنيا.
الرابع: قوله تعالى: ﴿وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى﴾ وهذه آية جامعة لوجوه الكرامة وأنواع السَّعادة وشتات الإنعام في الدارين والزيادة، قال ابن إسحاق: يرضيه بالفَلَح([1]) في الدنيا والثواب في الآخرة وقيل الحوض والشفاعة.
الخامس: ما عدَّه تعالى عليه مِن نِعَمه وقَرَّرَهُ مِن آلائه قِبَلَهُ في بقية السورة من هدايته إلى ما هداه له أو هداية الناس به على اختلاف التفاسير، ولا مال له فأغناه بما آتاه أو بما جعل في قلبه من القناعة والغنى ويتيما فحدب عليه عمه وآواه إليه وقيل آواه إلى الله. .. ذكَّره بهذه الـمِنَن وأنَّه على المعلوم من التفسير لم يهمله في حال صغره وعَيْلته ويُتْمِه وقبل معرفته به ولا ودَّعه ولا قلاه فكيف بعد اختصاصه واصطفائه.
السادس: أمره بإظهار نعمته عليه وشُكر ما شرفه به بنشره وإشادة ذكره بقوله تعالى: ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾ فإن مِن شُكْر النِّعمة التحدث بها، وهذا خاص له عام لأمته» اهـ.
 
* فضل نسبه -صلى الله عليه وسلم-
 عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ( إنَّ الله اصطفى كِنَانة من ولد إسماعيل واصطفى قُريشاً من كنانة واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم ) [مسلم (2276)] .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ( بُعثت من خير قرون بني آدم قرناً فقرناً حتى كنت من القرن الذي كنت فيه ) [خ مناقب (3557)] .
فهو أبو القاسم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قُصي ابن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، هذا متفق على صحته -أي بين النُّسَّاب- وما فوق عدنان مختلف فيه، ولا خلاف أن عدنان من ولد إسماعيل بن إبراهيم، وإسماعيل هو الذبيح على القول الصحيح وجاء بهذا القول القرآن والسُنَّة. والقول بأنه إسحاق باطل.

* حُسن خَلْقِه -صلى الله عليه وسلم- ([2])
عن أبي إسحاق قال سمعت البراء يقول: (كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحسنَ الناس وجهاً وأحسنَه خَلقاً ليس بالطويل البائن ولا بالقصير) [خ مناقب حديث (3549)] . وعن البراء أيضاً قال: (كان النبي -صلى الله عليه وسلم- مَربوعاً بعيد ما بين المنكبين، له شعر يبلغ شحمة أذنيه رأيته في حُلَّة حمراء لم أر شيئاً قَط أحسن منه) [خ 3551] .
وعن أبي إسحاق سئل البراء أكان وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مثل السيف ؟ قال:( لا بل مثل القمر ) [خ (3552)] .
وعن عبد الله بن كعب قال سمعت كعب بن مالك يُحدِّثُ حين تخلَّف عن تبوك قال: ( سلَّمتُ على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يبرق وجهه من السرور، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا سُرَّ استنار وجهه حتى كأنه قطعة قمر وكنا نعرف ذلك منه ) [خ مناقب ( 3556)] : فَرِح بتوبة صاحبه -صلى الله عليه وسلم-.
وعن أنس رضي الله عنه قال: ( ما مَسَسْتُ حريراً ولا دِيباجاً أَلينَ مِن كَفِّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا شممت ريحاً قَطّ أو عرقاً قَطّ أطيب من ريح أو عرق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ) [رواه البخاري في المناقب (3561)] .
وعن أبي جحيفة قال: ( خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالهاجرة إلى البطحاء فتوضأ فصلَّى الظهر ركعتين والعصر ركعتين وبين يديه عَنَزَة وقام الناس فجعلوا يأخذون يديه فيمسحون بها وجوهَهم قال: فأخذت بيده فوضعتها على وجهي فإذا هي أبرد من الثلج وأطيب رائحة من المسك ) [خ مناقب ( 3553)] .
هذه رائحة طبيعية من نفسه -صلى الله عليه وسلم- وليست من الدهون والعطور -صلى الله عليه وسلم-.

* أخلاقه الكريمة -صلى الله عليه وسلم- *
 قال تعالى: ﴿ن * وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ * مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ * وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ * وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾
قال المشركون فيه -صلى الله عليه وسلم- ساحر ومجنون... فدافع الله تعالى عن رسوله الكريم -صلى الله عليه وسلم- وردَّ على أعدائه وأخزاهم وبيَّن مكانته -صلى الله عليه وسلم-.
قالت عائشة-رضي الله عنها-: ( كان خلقه القرآن ). ولنا فيه أسوة -صلى الله عليه وسلم-.
وقال تعالى:﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾ [آل عمران (159)] .
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص-رضي الله عنهما-قال: ( لم يكن النبي -صلى الله عليه وسلم- فاحشاً ولا مُتَفَحِشاً وكان يقول: إنَّ مِنْ خيارِكم أحسنِكم أخلاقاً )                                                    [خ مناقب (3559)] .
وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ( ما خُيِّرَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين أمرين إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثماً، فإن كان إثماً كان أبعد الناس منه، وما انتقم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لنفسه إلا أن تُنْتَهَك حُرْمَة الله فَينتقم لله بها ) [خ مناقب (3560)] .
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: ( كان النبي -صلى الله عليه وسلم- أشدَّ حَياءً من العَذْرَاءِ في خِدْرِهَا ) [خ منقب ( 3562)] .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ( ما عَابَ النبي -صلى الله عليه وسلم- طَعاماً قَطُّ، إن اشتهاه أكله وإلا تركه ) [خ مناقب (3563)] .
وهذا من حُسن معاملته وعشرته لأهله -صلى الله عليه وسلم- ولأمَّته.
وعن أنس ابن مالك رضي الله عنه قال: ( خدمت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عشر سِنين والله ما قال لي أُفاًّ قطُّ ولا قال لي لشيء لِمَ فعلت كذا وهلا فعلت كذا ).
وفي لفظ: ( خدمته في السفر والحضر والله ما قال لي لشيء صنعته لِمَ صنعت هذا هكذا، ولا لشيء لم أصنعه لِِِمَ لمْ تصنع هذا هكذا ) [مسلم فضائل(2309)] .
وعنه رضي الله عنه قال: ( كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحسنَ الناس خُلُقاً ) [رواه مسلم في فضائل (2310)] .
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: ( ما سُئِل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شيئاً قطُّ فقال ل).
 وعن أنس رضي الله عنه قال: ( ما سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على الإسلام شيئاً إلا أعطاه، قال فجاءه رجل فأعطاه غَنَماً بين جبلين فرجع إلى قومه فقال: يا قوم أسلموا فإنَّ محمداً يُعطي عطاء من لا يخشى الفاقة ) [مسلم فضائل (2312)] .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ( كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أجودَ الناس بالخير وكان أجود ما يكون في شهر رمضان، إن جبريل كان يلقاه في كل سنة في رمضان حتى ينسلخ فيعرض عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- القرآن فإذا لقيه جبريل كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أجود بالخير من الرِّيح المرسلة ) [مسلم فضائل (2308)] والمراد: كالريح المرسلة في إسراعها وعمومها.

* شجاعته -صلى الله عليه وسلم- *
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ( كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحسنَ الناس، وكان أجودَ الناس، وكان أشجعَ الناس ولقد فزع أهل المدينة ذات ليلة، فانطلق الناس قِبَلَ الصوت فتلقاهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- راجعاً قد سبقهم إلى الصوت وهو على فرس لأبي طلحة عُري في عنقه السيف وهو يقول لم تُرَاعوا لم تُرَاعوا، قال: وجدناه بحراً أو إنه لبحر ) قال: ( وكان فرساً يبطأ ) [مسلم فضائل (2307)] أي: أنه كان بطيئاً فلما ركبه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان من أشد الخيل جَرياً وسَعياً فقد بارك الله تعالى في سعيه وهذا من معجزاته -صلى الله عليه وسلم-.

والحديث يدلُّ على أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- كان في منتهى الشجاعة.
وقال العباس بن عبد المطلب عَمّ النبي -صلى الله عليه وسلم-: ( شهدت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم حنين فلزمت أنا وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلم نفارقه ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- على بغلة له بيضاء أهداها له فروة بن نُفاثة الجذامي فلما التقى المسلمون والكفار ولَّى المسلمون مدبرين ([3]) فطفِق الرسول -صلى الله عليه وسلم- يركض بغلته قِبَل الكفار، قال العباس رضي الله عنه وأنا آخذ بلجام بغلة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أكفُّها إرادة أن لا تسرع وأبو سفيان آخذٌ بركاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أي عباس نادِ أصحاب السَّمُرَة ([4]) فقال عباس -وكان رجل صيتاً- فقلت بأعلى صوتي أين أصحاب السَّمُرَة، قال: فوالله لكأن عطفتهم حين سمعوا صوتي عطفة البقر على أولادها، فقالوا يا لبيك يا لبيك قال فاقتتلوا والكفار...-إلى أن قال- فنظر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو على بغلته كالمتطاول عليها إلى قتالهم فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: هذا حين حَمِيَ الوطيس قال: ثم أخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حصيات فرمى بهن وجوه الكفار ثم قال: ( انْهَزَمُوا وربِّ محمد، قال فذهبت أنظر فإذا القتال على هيئته فيما أرى قال: فوالله ما هو إلا أن رماهم بحصياته فما زلت أرى حدهم كليلاً وأمرهم مدبرًا )) [مسلم (1775)] .
وهذا من معجزاته -صلى الله عليه وسلم- حفنة من تراب ملأت عيونهم وهزمتهم.
ثم ساق مسلم الحديث مختصراً وفيه وقال:( انْهَزَمُوا وربِّ الكعبة انهزموا ورب الكعبة ) وزاد: ( حتى هزمهم الله وقال: كأني أنظر إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- يركض خلفهم على بغلته ) [مسلم الجهاد (1775)] .
ومن حديث البراء-رضي الله عنه- عن قصة حُنَيْن فأقبل القوم إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبو سفيان بن الحارث يقود بغلته فنزل ودعا واستنصر وهو يقول:
أنا النبي لا كذب    أنا ابن عبد المطلب
اللهم أنزل نصرك، قال البراء-رضي الله عنه-:( كنا والله إذا احمرَّ البأس نتَّقِي به وإنَّ الشجاع منا للذي يُحاذي به-يعني النبي صلى الله عليه وسلم) [رواه مسلم في الجهاد (1776)] .
وروى مسلم قصة حُنَيْن من حديث سلمة بن الأكوع –رضي الله عنه- وفيه: ( فلما غشوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نزل عن البغلة ثم قبض قبضة من تراب من الأرض ثم استقبل به وجوههم، فقال: شاهت الوجوه، فما خلق الله منهم إنساناً إلا ملأ عينيه تراباً بتلك القبضة فوَلَّوْا مدبرين فهزمهم الله عزّ وجلّ وقسم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- غنائمهم ) [مسلم الجهاد (1777)] .

* كونه -صلى الله عليه وسلم- أعلمَ الناس بالله وأشدَّهم له خشية
عن أنس بن مالك-رضي الله عنه-قال: ( جاء ثلاثة رَهْط إلى بيوت أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- يسألون عن عِبادة النبي -صلى الله عليه وسلم- فلما أُخبروا كأنهم تَقَالُّوهَا، فقالوا: وأين نحن من النبي -صلى الله عليه وسلم- ؟ قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال أحدهم: أما أنا فأنا أصلي الليل أبدًا، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدًا، فجاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: أنتم الذين قُلتُم كذَا وكذَا؟ أما والله إني لأَخْشَاكُم لله وأتقاكم له، لكني أَصومُ وأُفطر، وأُصلي وأَرقد وأَتزوج النساء، فمن رَغب عن سُنَتي فليس مِني ) [البخاري حديث (5063)]
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: صنع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمراً ترخَّصَ فيه، فبلغ ذلك ناساً من أصحابه، فكأنهم كرهوه وتنـزهوا عنه فبلغه ذلك، فقام خطيباً فقال: (ما بال رجالٍ بلغهم عني أمرٌ ترخَّصتُ فيه فكرهوه وتنـزهوا عنه، فوالله لأنا أعلمهم بالله وأشدهم له خشية) [البخاري في الاعتصام (7301) ومسلم في الفضائل (6062)] .
وفي رواية عند مسلم: (فبلغ ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فغضب حتى بان الغضبُ في وجهه)([5] ).
وأخرجه البخاري في باب ما يكره من التعمق والتنازع والغلو في الدين والبدع وساق الآية ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ﴾ [النساء:171]
- قال النووي-رحمه الله-: «فيه الحثّ على الإقتداء به والنهي عن التعمق في العبادة وذمّ التنـزه عن المباح شَكاً في إباحته، وفيه الغضب عند انتهاك حُرمات الشرع وإن كان المنتهك مُتَأَوِلاً تأويلاً ([6])، وفيه حُسن المعاشرة بإرسال التعزير والإنكار في الجَمع ولا يُعَيِّنُ فاعلَه فيقال:ما بال أقوام ونحوه، وفيه أن القُرْبَ إلى الله سببٌ في زيادة العلم([7])».
- أقول: والمقصود هنا بيان أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أعلم الناس بالله وأشدهم له خشية ففيه الرد على فِكر غُلاة الصوفية الذين يقولون: ( إني أعبد الله لا خَوفاً مِن نَارِهِ ولا طَمَعاً في جَنتِهِ ) وهذه زندقة -والعياذ بالله تعالى- فالذي لا يخاف الله ليس بمؤمن لأنَّ الخوف من الله ركنٌ من أركان الإيمان ولا يقوم الإيمان إلا به ولا يقوم التوحيد إلا به. وهناك نصوصٌ أخرى ترد هذا الباطل لا يتسع المقام لسردها.

* توكله -صلى الله عليه وسلم- على ربه عزَّ وجلَّ *
قال تعالى: ﴿وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيل﴾ [الأحزاب (48)] . والآيات في هذا كثيرة جداً.
فكان صلوات الله وسلامه عليه أفضل المعتصمين بالله وأفضل المتوكلين على ربِّه جَلَّ وعلا. وقد حفظه الله ووقاه كيد خصومه وأعدائه سواء كان في العهد المكي أو العهد المدني، سواء في ميدان دعوته وتبليغه أو في ميادين الغزوات والجهاد أو غيرها وكان له في المدينة حُرَّاسٌ فلما نزل قول الله تعالى: ﴿وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾ أعفى حُرَّاسَهُ مِن الحراسة مُتَوكلاً على الله عزّ وجلّ واثقاً بوعد رَبَّه.
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: (غزونا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- غزوة قِبَل نَجْد فأدْرَكَنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في واد كثير العضاه ([8]) فنـزل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تحت شجرة فَعَلَّقَ سَيفَهُ ببعضٍ من أغصانها قال: فتفرَّق الناس في الوادي يستظلون بالشجر فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّ رجلاً أتاني وأنا نائم، فأخذ السيف فاستيقظت وهو قائم على رأسي، فلم أشعر إلا والسيف صلتاً ([9]) في يده، فقال لي مَن يَمنَعُكَ مِنيِ قلتُ الله ثم قال في الثانية مَن يمنعك مني قلت الله قال: فشام ([10]) السيف، فها هو ذا جالس ثم لم يعرض له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-) [متفق عليه] ، وفي لفظ عند البخاري قال: ولم يعاقبه ) البخاري [المغازي (4139)، ومسلم في فضائل عقب حديث (1392)] وهذا من كريم شِيَمِه ومعالي أخلاقه -صلى الله عليه وسلم-.

* شفقته -صلى الله عليه وسلم- على أمته *
قال الله تعالى: ﴿لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ حَسْبِيَ اللّهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ﴾ [التوبة (128-129) ] وقال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾.
عن أبي موسى الأشعري عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: إنما مَثَلي ومَثَل ما بعثني الله به كمثل رجل أتى قومًا فقال يا قوم إني رأيت الجيش بِعينيَّ وإني أنا النَّذِير العُرْيَان([11] ) فالنَّجَاء، فأطاعه طائفة من قومه فَأَدْلَجُوا فانطلقوا على مَهلهم فَنَجَوْا وكذَّبت طائفة منهم فأصبحوا مكانهم فصبَّحَهُم الجيش فأهلكهم واجْتَاحَهُم؛ فذلك مثل من أطاعني فاتَّبعَ ما جِئتُ بِهِ ومثل مَن عَصاني وكذَّب بما جِئتُ بِه من الحقّ ) [البخاري (6854) ومسلم (2283)] .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ( إنما مثلي ومثل أمتي كمثل رجل استوقد ناراً فجعلت الدواب والفراش يَقَعْنَ فيه، فأنا آخذ بِحُجَزِكُم وأنتم تَقَحَّمُون فيه )([12] ) وفي رواية قال: ( فذلكم مثلي ومثلكم أنا آخذٌ بحُجَزِكُم عن النار هَلُمَّ عن النار هلم عن النار فتغلبوني تَقَحَّمُون فيها ) [متفق عليه البخاري (6483) ومسلم (2285)] .
وعن أنس رضي الله عنه قال: ( ما رأيت أحداً أرحمَ بالعيال من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ) [مسلم فضائل (2316)] .
وعن عائشة رضي الله عنها:( قالت قَدم ناس من الأعراب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالوا أَتُقَبِّلُون صِبيَانَكُم ؟ فقالوا:نعم، فقالوا:لَكِنَّا والله ما نُقَبِّل، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ( ومَا أمْلِكُ إن كان الله نَزَعَ مِنكم الرحمة ))([13] ) [مسلم 2317]
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ الأقرعَ بنَ حابس أبصر النبي -صلى الله عليه وسلم- يُقَبِّلُ الحسن فقال: إنَّ لي عشرةً مِن الولد ما قبَّلْتُ واحداً منهم فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّه من لا يرحم لا يُرحم) [مسلم 2318] .
وعن جرير بن عبد الله قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ( من لا يرحم الناس لا يرحمه الله عزّ وجلّ )([14] ) [البخاري (6941) و مسلم (2319)] .

([1]) أي: النصرة والغلبة .
([2]) هذه الأمور تقتضي محبَّته وترفع مكانته في نفوس المؤمنين : فهو أفضل الناس نَسباً وأحسن الناس خَلقاً وأحسن الناس خُلُقاً –صلى الله عليه وسلم- وهذا من مقتضيات تقديره واحترامه ومحبَّته –صلى الله عليه وسلم- .
([3]) لأنَّ الكفار كانوا رماةً وكمنوا للمسلمين في الجبال فما فاجئوهم إلا بالسِّهام فرجع بعض الناس ثم عطفوا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وإلا فهم شجعان أبطال-رضي الله عنهم- .
([4]) هم الذين بايعوه في الحديبية تحت الشجرة -رضي الله عنهم- .
([5]) لأنَّ الله يحبُّ أن تُأتى رخصُه كما يَكره أن تُؤتَى معصيته فالتشدد والتنطع يبغضه رسول الله صلى الله عليه وسلم وغضِبَ لهذا صلى الله عليه وسلم .
([6]) حتى ولو كان متأولاً فهو مأجور في اجتهاده ,لكن للعالم والناصح أن يُنكر عليه .
([7]) فرسول الله صلى الله عليه وسلم أقرب الناس إلى الله عزَّ وجلَّ .
([8]) وهي الشجر ذات الشوك .
([9]) أي مسلولاً .
([10]) أي أغمده .
([11]) شبَّه نفسه صلى الله عليه وسلم بالنَّذير العريان الحريص على سلامة أمَّته صلى الله عليه وسلم .
([12]) هذا فعل العصاة من أمته صلى الله عليه وسلم وليست كل الأمَّة هكذا والحمد لله .
([13]) إنكاراً منه صلى الله عليه وسلم عليهم .
([14]) الجزاء من جنس العمل . فتراحموا فيما بينكم أيها المسلمون وتعاطفوا كما أمركم الله تعالى بذلك وإيَّاكم والقسوة والشدَّة