كتبه/ سعيد السواح
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد،
لا تغمض عينيك، ماذا عملت لهذا الدين؟
أيها المسلم الحبيب..لا تغمض عينيك ولا تخفض رأسك. فماذا عملت أنت لدين الله -تعالى-؟! فديننا يشكو منا إلى ربنا، فما أنت قائل؟
فنقول لك أيها الحبيب:
هل فينا من يقوم ويقول: أنا لهذا الدين؟
هل فينا من يردد ويهتف ويقول: أنا..أنا.. أنا لهذا الدين.
إن الداء العضال الذي أصيب به أبناء الإسلام: الانهزامية.. الهزيمة النفسية!!.
ولم يعلم أبناء هذا الدين أن علاج هذا الداء موصوف في كتاب الله -تعالى-، فما هو إلا أن نمد أيدينا لتناوله.
فلقد قال الله -تعالى-: ﴿وَلا تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ (آل عمران139).
وقال - تعالى-: ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ . وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إلا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾(آل عمران: 146-147).
وهذا إبراهيم -عليه السلام- يصف لنا الدواء عندما قال لقومه: ﴿يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ . إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾(الأنعام: 78، 79).
فعندما حاجوه وخوفوه من آلهتهم الضالة المزعومة أنها سوف تفعل به وتفعل، فعند ذلك كان الدواء والعلاج. ﴿قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ . وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا﴾(الأنعام: 80، 81).
فقولوا لي بربكم:﴿فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بالأمن إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾(الأنعام: 81).
لاشك، بل لا يشك في ذلك عاقل. ﴿الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾(الأنعام: 82).
فيا أيها المسلم الحبيب، لنستعرض سويا صوراً ونماذج أقامها الله -تعالى- بين أيدينا، لكي نتعلم من خلالها أن تحمل مسئولية هذا الدين واجبة على كل مسلم، فنحن لا نعجز أن نتمثل بصورة من هذه الصور التي صورها الله لنا، وكانت صوراً مشاهدة من واقع الحياة، فهي نماذج عملية واقعية، وليست بنماذج خيالية.
الصورة الأولى: صاحب ياسين:
فلقد قص الله -تعالى- علينا من حكايته: ﴿وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ . اتَّبِعُوا مَنْ لاَ يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ . وَمَا لِيَ لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ . أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لاَ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلا يُنْقِذُونِ . إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ . إِنِّي آَمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ﴾(يس: 20- 25).
فهل تعرف أيها الحبيب ما اسمه وما سمعته وما هي حرفته، فالقرآن قال لنا بأنه رجل؟
فهل تراه تقاعس أن يقوم بواجبه في الدعوة لدين الله -تعالى- وتحمل مسئوليته تجاه ذلك الدين؟
هل تراه قال من أنا أمام رسل الله -تعالى-، الذين بعثهم إلى هؤلاء القوم؟! وما تأثير كلامي أمام كلامهم، وهم مؤيدون من قبل الله -تعالى-؟
هل تراه قال مثل ذلك؟! لا والله، إنه علم أن عليه مسئولية أمام هذا الدين، فقام وأدى الواجب الذي عليه.
ولتعلم أيها المسلم الحبيب أن قومه ما تركوه، ولكن قاموا بقتله، فما حمل في قلبه البغضاء ولا الحقد على قومه، ما حمل لهم في قلبه إلا الرأفة والشفقة. ﴿قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ . بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ ﴾(يس: 26، 27).
إن لسان حال هذا الرجل لينطق ويقول: أنا مسئول عن هذا الدين.
الصورة الثانية: مؤمن آل فرعون:
فهذا الرجل المسلم كان في عهد موسى -عليه السلام-، ولكنه والله ما تقاعس عن تحمل مسئولية هذا الدين، وما ألقى بها على موسى وقال من أنا، فهذا موسى -عليه السلام- رسول مبعوث من قبل الله، ومؤيد من الله -تعالى-، ولكنه والله قام وأدى الواجب الذي عليه، وقام في وجه أعتى طاغية عُرف على وجه التاريخ.
وقف في وجه هذا الطاغية مُعلناً ومردداً لكلمة الحق لما سمع فرعون يقول:
﴿وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ﴾ (غافر: 26).
فلم يتحمل هذه السخافات والسفاهات، فنادى في قومه: ﴿أَتَقْتُلُونَ رَجُلا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ . يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الأرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا﴾ (غافر: 28، 29).
فرد فرعون في سفاهة وعجرفة وفي جهالة وغباء:﴿مَا أُرِيكُمْ إِلا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلا سَبِيلَ الرَّشَادِ﴾ (غافر: 29).
ولكنه، والله ما ارتجف قلبه أمام جبروت فرعون وطغيانه، وما خاف من بطشه وعدوانه، فنادى في قومه مذكراً إياهم: ﴿يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الأَْحْزَابِ . مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ . وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ . يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَاد ﴾ (غافر30-33).
ثم نادى عليهم أن يسلكوا طريق الرشاد: ﴿يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ . يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الآَخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ﴾(غافر: 38، 39).
ولما اختاروا واتبعوا سبيل فرعون نادى فيهم ولم ييأس، ولم يكن للانهزامية مسلك إليه: ﴿وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ . تَدْعُونَنِي لأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ﴾ (غافر: 41، 42).
حتى قال لهم:﴿فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ﴾ (غافر: 44).
فكانت الخاتمة﴿ فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآَلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ ﴾(غافر: 45).
فهذا والله ما تنصل عن تحمل مسئولية هذا الدين، وما ألقاها بالكلية على موسى -عليه السلام-، فهذا بلسان الحال قال: أنا لها، أنا مسئول عن دين الله -تعالى-.
أفتعجز أيها الحبيب أن تكون مثله؟
الصورة الثالثة:
ليست صورة من بني آدم ولكنها من الجن، فلسان حالهم قال: أنا مسئول عن دين الله، وعن الهتاف بهذا الدين، لنُسمع كل الدنيا.
﴿وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآَنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ . قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ . يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآَمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾(الأحقاف29-31).
فهل تراهم أيها الحبيب انتظروا لكي يأذن لهم في الدعوة لدين الله وتبليغ ما سمعوه من -النبي صلى الله عليه وسلم -أم أن الشعور بالمسئولية عن دين الله تحرك في داخلهم، فأدوا الواجب الذي عليهم لقومهم، وكأنهم سمعوا أن النبي-صلى الله عليه وسلم- قال: (بلغوا عني ولو آية)(رواه البخاري ومسلم)، فقاموا بالامتثال بمجرد أن استمعوا إلى الأيات التي تلاها النبي -صلى الله عليه وسلم-
فلسان حالهم يقول: نحن لهذا الدين، نحن نتحمل مسئولية هذا الدين، فأدوا ذلك الواجب الذي عليهم .
أفتعجز أيها الحبيب أن تكون كهؤلاء، أكانت لديهم مقومات مفقودة عندك، أم هو التقصير والخمول وموات القلوب؟
الصورة الرابعة:
هذا الطائر الذي أنقذ الله به أمة، إنه الهدهد.
فبعد عودة هذا الهدهد من غيابه طرح هذه القضية على سليمان -عليه السلام- تلك القضية أقلقت الهدهد وأفزعته، فأصيب بالهلع والفزع عندما رأى هذه المملكة تتوجه في عبادتها لغير الله -تعالى-، فقال لسليمان -عليه السلام-:
﴿وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ . إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ . وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ . أَلاَّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ . اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ﴾ (النمل22-26).
فكانت مكاتبة سليمان -عليه السلام- إلى هذه المملكة، حتى أتت هذه الملكة وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين: ﴿قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ (النمل: 44).
أتعجز أيها الحبيب أن تكون كهذا الطائر الذي أنقذ الله به أمة، وكأن لسان حال هذا الهدهد بقول: أنا لهذا الدين أنا مسئول عن دين الله، فلم يقر للهدهد بالٌ عندما رآهم يسجدون للشمس من دون الله.
فهل أنقذت أنت أحداً، هل كنت سبباً في إخراج أحد من الظلمات إلى النور.
أيها المسلم الحبيب..قم وردد بصوت عال، وقل لكل الدنيا، قل للشجر والحجر والدواب وناد في الخلق: " أنا لهذا الدين".
أيها الحبيب !
إن أهل الباطل لا يستحيون من أن يرفعوا أصواتهم بالباطل، فنقول لك: ألست على الحق؟ فلماذا تًنادي على هذا الحق بصوت خافت؟
لا تطوينَّ الصفحات إلا وقد تحرك داخلك الشعور بأنك مسئول عن هذا الدين، فإن لم يكن هذا الشعور قد أتاك فكرر القراءة مرات ومرات وتدبر حتى تستجلبه، فإن هذا الشعور ما ينبغي أن يغيب عن المؤمن صاحب العقيدة الصحيحة الصافية، وصاحب القلب السليم.
فلا تطوينَّ الصفحات..إلا بعدما تجد هذا الشعور يسري في داخلك لتردد كل ذرة وكل قطرة من دمائك وتقول:
" أنا لهذا الدين"