قنوت النوازل

الناقل : elmasry | الكاتب الأصلى : عبد المنعم الشحات | المصدر : www.salafvoice.com

قنوت النوازل

كتبه/ عبد المنعم الشحات

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،

القنوت من معانيه لغة: الدعاء، واصطلاحاً عند الفقهاء دعاء مخصوص في بعض الصلوات، وقد ورد في مواضع منها في الوتر كما في حديث الحسن بن علي -رضي الله عنهما- (علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم هؤلاء الكلمات في الوتر)(رواه أبو داود والترمذي وصححه الألباني)، وهذا عام في كل العام على الراجح ويترك أحياناً، ويتأكد في النصف الأخير من رمضان لمواظبة السلف عليه، ومنها القنوت في النوازل وهو ما سنتناوله بشيء من التفصيل.

وأشهر وقائعه في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- قنوته في حادثة بئر معونة، وهل أثبت النبي -صلى الله عليه وسلم- القنوت في الفجر بعدها فيصير نوعا ثالثاً أم لا؟ بالأول قال الشافعية والمالكية، وبالثاني قال الأحناف و الحنابلة، وتوسط ابن القيم -رحمه الله- فقال "إن النبي -صلى الله عليه وسلم- حافظ على طول القيام قبل الركوع وبعده بغير الدعاء المعهود".

 و كانت أشهر وقائع قنوت النوازل في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- بمناسبة نازلتين وهما حادثة بئر معونة وفاجعة الرجيع فقنت النبي -صلى الله عليه وسلم- شهراً، ووردت أصل القصة في الصحيحين ووردت روايات أخرى أكثر تفصيلاً، منها حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- (قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهراً متتابعاً في الظهر والعصر والمغرب والعشاء الصبح في دبر كل صلاة إذا قال سمع الله لمن حمده في الركعة الآخرة يدعو على أحياء من بني سليم على رعل وذكوان وعصية ويؤمن من خلفه)(رواه أبو داود وقال النووي في المجموع إسناده صحيح أو حسن وحسنه الألباني)، ويؤخذ من هذا الحديث عدة أحكام:

1- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قنت شهراً لنازلة، والقنوت يكون حتى تزول أو تستقر وإلا لأفضى إلى القنوت طول العام.      

2- أن القنوت للنوازل يكون في الصلوات الخمس، وإن كان بعض العلماء يرون اقتصار قنوت النوازل على صلاة الفجر، أو الفجر والمغرب، أو الصلوات الجهرية والحديث حجة عليهم، والصحيح أنه بجمع الطرق يتبين أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قنت أحياناً في الفجر، وأحياناً في الفجر والظهر والعصر والعشاء، وأحياناً في الفجر والمغرب، وأحياناً في الصلوات الخمس.

3- أن القنوت في النوازل يكون جهراً سواء كانت الصلاة سرية أو جهرية.

4- أن الإمام يدعو في النوازل بحسب مقتضى الحال إن كان استنصاراً لله على أقوام أو كان لدفع بلاء أو نحوه وقد صح عن عمر -رضي الله عنه- أنه قنت في نازلة بسورتي أُبَيّ مع الدعاء على الكفار وسيأتي إن شاء الله.

5- أن الإمام يدعو والمأموم يؤمن، ومن المعلوم أن "آمين" معناها اللهم استجب وهذا في جمل الدعاء، وأما جمل الثناء فقد قال فيها النووي -رحمه الله- في المجموع: "وأما الثناء وهو قوله فإنك تقضي ولا يُقضى عليك إلى آخره... فيشاركه في قوله أو يسكت والمشاركة أولى، لأنه ثناء ولا يليق فيه التأمين" أ. هـ، وأما المواظبة على ما اعتاده الناس من قول "حقاً" في الثناء فهو مما يدخل في نطاق البدع.

6- أن وضع القنوت بعد الركوع، وقد ورد في الوتر روايات تفيد أنه قبله لعل الأمر على التخيير، وإن كان الأولى في النوازل أن يكون بعده.

7- لم تتعرض هذه الرواية لمسألة رفع اليدين، وقد وردت في رواية البيهقي عن أنس -رضي الله-، قال النووي في المجموع: "واحتج له البيهقي -أي لاستحباب رفع اليدين في القنوت- بما رواه بإسناد له صحيح أو حسن عن أنس -رضي الله عنه- في قصة القراء الذين قُتِلوا -رضي الله عنهم- قال لقد رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كلما صلى الغداة يرفع يديه يدعو عليهم -يعني على الذين قتلوهم-" أ.هـ.

8- وأما مسألة مسح الوجه بعد الدعاء فوردت فيها أحاديث ضعيفة لا تقوم بها حجة، فلا يشرع هذا في الصلاة ولا في خارجها والأمر في الصلاة أغلظ لكونه فعل زائد في الصلاة، ولذلك تشدد بعض العلماء في مسح الوجه في الصلاة وتسامح فيه خارجها استئناساً بما ورد فيه من أحاديث ضعيفة ولورود ذلك عن بعض السلف وإن كان الصواب المنع منه مطلقاً.

9- وفي رواية لقنوت الحسن -رضي الله عنه- عند النسائي أنه ختم بقوله وصلى الله على النبي وقال النووي: "وإسنادها صحيح أو حسن" ومنه يؤخذ استحباب الختم بالصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- إن قنت بغيره، هذا وقد روى البيهقي قنوت نوازل عن عمر -رضي الله عنه- وصححه كما حكاه عنه النووي في المجموع، وهو عن عبد الله بن عمر أنه قنت بعد الركوع فقال: "اللهم اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات وألف بين قلوبهم وأصلح ذات بينهم وانصرهم على عدوك وعدوهم، اللهم اللعن كفرة أهل الكتاب الذين يصدون عن سبيلك ويكذبون رسلك ويقاتلون أولياءك اللهم خالف ببن كلمتهم وزلزل أقدامهم وأنزل بهم بأسك الذي لا ترده عن القوم المجرمين، بسم الله الرحمن الرحيم اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك، بسم الله الرحمن الرحيم اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد نخشى عذابك ونرجوا رحمتك إن عذابك الجد بالكفار ملحق".

و فى هذا الجمع بين الاستنصار  فى قوله "اللهم اغفر لنا " و قد ورد هذا الجزء من قنوت عمر رضى الله عنه مرفوعا عن النبى -صلى الله عليه و سلم- عند انصرافه من أحد

بالاضافة الى سورتى أُبَيّ "اللهم إنا نستعينك ...."  و "اللهم إياك نعبد....." و كان أُبَيّ -رضي الله عنه- يثبتهما في آخر مصحفه لشدة حرصه على الدعاء بهما حتى عرفا بسورتى أبى.