كتبه/ عصام حسنين
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
فقد أظلتنا أيام فاضلة هي أفضل أيام الدنيا؛ لقسم الله -تعالى- بها: (وَالْفَجْرِ . وَلَيَالٍ عَشْرٍ)(الفجر:1-2)، والله -تعالى- لا يقسم إلا بعظيم، وإلا بما ينبغي الانتباه له، ولقوله -صلى الله عليه وسلم-: (أفضل أيام الدنيا أيام العشر) رواه البزار، وصححه الألباني.
فهي أفضل أيام الدنيا باعتبار الأيام -"اليوم من طلوع الفجر إلى غروب الشمس"-، وأما العشر الأواخر من رمضان فهي أفضل باعتبار الليالي -الليلة من غروب الشمس إلى الفجر-، وبذلك تجتمع الأدلة -كما قال الحافظ ابن كثير -رحمه الله-.
- والعمل في هذه الأيام أحب إلى الله -تعالى- من غيرها؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ وَلاَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعَمَلُ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ الْعَشْرِ فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنَ التَّهْلِيلِ وَالتَّحْمِيدِ وَالتَّكْبِيرِ) رواه أحمد، وصححه الشيخ أحمد شاكر.
- والسبب في امتياز هذه العشر هو اجتماع أمهات العبادة فيها، وهي الصلاة والصوم والصدقة والحج، ولا يأتي ذلك في غيره، -قاله الحافظ ابن حجر -رحمه الله-.
- وفي هذه العشر يومُ عرفة ذلكم اليوم العظيم الذي يدنو فيه الله -عز وجل- من الحجاج عشيته يباهي بهم ملائكته.
ويُكثر فيه من عتق الرقاب من النار، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: (مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ وَإِنَّهُ لَيَدْنُو ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمُ الْمَلاَئِكَةَ فَيَقُولُ مَا أَرَادَ هَؤُلاَءِ) رواه مسلم.
وهذا اليوم يستحب صومه، والتعرض فيه لهذه الرحمات بالتوبة والاستغفار والدعاء خاصة العشية، قال الله -تعالى-: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ.. )(الأعراف:156).
وفضل صومه كما قال -صلى الله عليه وسلم-: (صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ) رواه مسلم.
- وفي هذه العشر أفضل يوم من أيام الدنيا، وهو يوم النحر كما قال -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّ أعْظَمَ الأيَّامِ عند الله يومُ النَّحر ثم يومُ القَرِّ) رواه أبو داود، وصححه الألباني، ويوم القـَرِّ هو يوم الحادي عشر الذي يستقر فيه الحجاج بمنى.
فلا ينبغي أن نغفل عن هذا اليوم بما يغفل الناس فيه، وإنما التقرب إلى الله بمراضيه.
- ويستحب صوم الأيام التسع؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يصومها، فعن بعض أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- قالت: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَصُومُ تِسْعَ ذِي الْحِجَّةِ، وَيَوْمَ عَاشُورَاءَ وَثَلاَثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ أَوَّلَ اثْنَيْنِ مِنَ الشَّهْرِ وَالْخَمِيسَ) رواه أبو داود، وصححه الألباني.
وما ورد عن عائشة -رضي الله عنها-: (مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- صَائِمًا فِي الْعَشْرِ قَطُّ) رواه مسلم، فمؤول بأنها لم تره صائما فيها لمرض أصابه أو لسفر ونحوه؛ لأنه لا كراهة في صومها؛ بل هي مستحبة استحبابا شديدا لاسيما التاسع منها، -قاله النووي -رحمه الله-.
- هذا وقد جعل الله -تعالى- في هذه الأيام وغيرها عبادات يبلغ بها العبد ثواب الحج، منها:
1- ذكر الله -تعالى-، فقد سبق الحديث: (فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنَ التَّهْلِيلِ وَالتَّحْمِيدِ وَالتَّكْبِيرِ)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (أَلاَ أُحَدِّثُكُمْ بِأَمْرٍ إِنْ أَخَذْتُمْ بِهِ أَدْرَكْتُمْ مَنْ سَبَقَكُمْ وَلَمْ يُدْرِكْكُمْ أَحَدٌ بَعْدَكُمْ، وَكُنْتُمْ خَيْرَ مَنْ أَنْتُمْ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِ، إِلاَّ مَنْ عَمِلَ مِثْلَهُ تُسَبِّحُونَ وَتَحْمَدُونَ، وَتُكَبِّرُونَ خَلْفَ كُلِّ صَلاَةٍ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ.. ) رواه البخاري.
2- صلاة الصبح في جماعة، والمكث في المصلى حتى طلوع الشمس ثم صلاة ركعتي الضحى، فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ صَلَّى الْغَدَاةَ فِي جَمَاعَةٍ ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ اللَّهَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَانَتْ لَهُ كَأَجْرِ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: تَامَّةٍ تَامَّةٍ تَامَّةٍ) روه الترمذي، وحسنه الألباني.
3- التبكير إلى صلاة الجمعة، قال -صلى الله عليه وسلم-: (مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ ثُمَّ رَاحَ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً، وَمَنْ رَاحَ في السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً، فَإِذَا خَرَجَ الإِمَامُ حَضَرَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ) متفق عليه، والبدنة هي الناقة التي تـُهدى إلى بيت الله الحرام، وقد ذهب بعض السلف إلى أن شهود الجمعة يعدل في الأجر حج النافلة، قال سعيد بن المسيب -رحمه الله-: "هو أحبُّ إليَّ من حج النافلة".
4- التطهر في البيت ثم الذهاب إلى الصلاة في الجماعة، قال -صلى الله عليه وسلم-: (من خرج من بيته متطهرا إلى صلاة مكتوبة فأجره كأجر الحاج المحرم، ومن خرج إلى تسبيح الضحى -أي صلاة الضحى، وكل صلاة تطوع تسبيحة وسبحة- لا ينصبه إلا إياه فأجره كأجر المعتمر وصلاة على أثر صلاة لا لغو بينهما كتاب في عليين) رواه أبو داود، وحسنه الألباني.
وبعد،،
فحريٌّ بنا أن نتعرض لهذه النفحات الطيبات بالجد والاجتهاد خلافا لأهل الغفلات؛ رجاء أن نكون من أهلها كما قال -صلى الله عليه وسلم-: (افْعَلُوا الْخَيْرَ دَهْرَكُمْ، وَتَعَرَّضُوا لِنَفَحَاتِ رَحْمَةِ اللَّهِ، فَإِنَّ لِلَّهِ نَفَحَاتٍ مِنْ رَحْمَتِهِ يُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ، وَسَلُوا اللَّهَ أَنْ يَسْتُرَ عَوْرَاتِكُمْ، وَأَنْ يُؤَمِّنَ رَوْعَاتِكُمْ) رواه الطبراني، وحسنه الألباني.
- كان سعيد بن جبير -رحمه الله- إذا دخل عليه أيام العشر، اجتهد اجتهادا شديدا حتى ما يكاد يقدر عليه.
فالله المستعان وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله.