الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
"من ليس معنا فهو علينا" شعار يردده البعض بلسان مقاله، ويردده البعض بلسان حاله. ومن أشهر من ردده بلسان مقاله: الرئيس الأمريكي عندما أعلن عن الحرب الصليبية الجديدة على ديار الإسلام بحجة تتبع ابن لادن تارة، وبحجة إسقاط صدام تارة أخرى رغم البون الشاسع بين الرجلين، وبحجة مساندة المضطهدين في دارفور تارة ثالثة وهلم جراً، لأن الرجل أراد مساندة من أطراف متعددة فقد بدا له أن يجعلها "حرباً عالمية على الإرهاب"، وأطلق عبارته المشهورة: "من ليس معنا فهو علينا". أي: إما أن تكون مع العالم المتحضر تحت قيادة أمريكا طبعاً! وإما أن تكون مع الإرهاب، ورفضك للأولى يعني تماماً دخولك في الحلف الثاني.
وفي واقع الأمر: إن ثقافة "من ليس معنا فهو علينا" هي الأكثر شيوعاً الآن رغم محاولة كل طرف التبرؤ منها.
وفي الوقت الذي مارس فيه المجتمع الدولي جهوداً مضنية لترويض الإسلاميين لكي يتخلوا عن هذا الشعار حتى تخلت بالفعل كثير من فصائلهم عنه، وصاروا يظهرون درجة من قبول الآخر شملت أولاً من أسموهم بأسماء الديانات السماوية، ثم تعدتهم إلى البوذيين وإلى الملاحدة.
وفي داخل الصف الإسلامي شملت المذاهب الفقهية، ثم المذاهب العقدية حتى مع شدة انحراف بعضها كالشيعة، ثم شملت العلمانيين المسلمين الذين يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض.
وبعد أن رضي هؤلاء الإسلاميون بهذه الصورة إذا بالجميع يرفع في وجوههم شعار: "من ليس معنا فهو علينا"، وما واقعة زيارة الدكتور عبد المنعم أبوالفتوح لنجيب محفوظ قبل وفاته عنا ببعيد، وكيف اجتمع عليه تلاميذ محفوظ ليهاجموه على مبدأ زيارة نجيب محفوظ رغم أنهم كاتجاه ضد حرية الإبداع، فما كان من الدكتور عبد المنعم أبوالفتوح -هداه الله- إلا أن أظهر أنه مع حرية الإبداع، بل وتَنَّفل بمطالبة نجيب محفوظ بنشر أولاد حارتنا قبل موافقة الأزهر، وزاد الطين بلة بمهاجمته لسيد قطب -رحمه الله- رداً على مهاجمته للأدباء.
وفي أزمة الحجاب الأخيرة هاجم المهاجمون المرأة المحجبة، ووصف أحد الممثلين متزلفاً لوزير الثقافة المرأة المحجبة بأنها معاقة، وقامت الدنيا ثم قعدت على أن جميع هؤلاء المهاجمين للحجاب لم يقصدوا الهجوم، وأنهم يحترمون المحجبة والمتبرجة سواء بسواء، وهدأت العاصفة.
لقد أصبحت الدنيا بأسرها ترفع شعار "من ليس معنا فهو علينا" إلا نحن معشر الإسلاميين فقد أصبحت أسمى أمانينا أن يكفوا عن التمييز العنصري ضدنا فأقصى ما يطالب به المسلمون في المحافل الدولية أن يعتبروا الإسلام دين يحترم كاليهودية والنصرانية، وأقصى ما يطالب به الإسلاميون في الداخل ألا تؤذى محجبة من أجل حجابها، وكثير منهم يرى أن المنقبة كالأشباح لا داعي للتورط في الدفاع عنها.
يا قوم: إن من يتكلم بمستند من الوحي البين "وليس بالاجتهاد حتى لا يتشنج متشنج" هم أولى الناس بأن يرفعوا شعار "من ليس معنا فهو علينا"
أليس الله يقول: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإسلام )(آل عمران: من الآية19)؟ ويقول: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ )(آل عمران: من الآية85)، ويقول: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ )(الأحزاب: من الآية59)
أليس من حقنا أن نقول: إن من تبرجت فقد خالفت سبيل نساء المؤمنين؟! وإن لم يلزم من ذلك خروجها من الإيمان بالكلية كما يحلو لهؤلاء البعض أن يصوروا الأمر.
أليس النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: (صنفان من أهل النار لم أرهما...وفيه: نساء كاسيات عاريات)؟
أليس من مقتضى ذلك أن المتبرجة تعرض نفسها لأن تتخلف ركب المؤمنين إلى الجنة؟ ولا يُدرى كم تمكث في النار قبل أن تلحق بهم.
والناس عندنا قسمان: مؤمن تقي وكافر شقي. أما الكافر فلا حاجة لنا في أن نعرف موقفه من الحجاب. وأما المؤمن فلا يسعه بمقتضى إيمانه إلا أن يكون مع الحجاب مدحاً له ترغيبا فيه، وأن يكون ضد التبرج ذماً له وتنفيراً منه، وكذلك المؤمنة لا يسعها إلا ذلك، وحتى المتبرجة فمع اعترافها على نفسها بالذنب والذم والتقصير هي عرضة لعذاب الله، وأما إذا ما جحدت أو عاندت فأمر الجاحد للمعلوم من الدين بالضرورة معروف لكل أحد.