مناطق التجارة الحرة.. مدخل النمو والتكامل
حسن القمحاوي
ظهرت منطقة التجارة الحرة كصورة من صور التكامل بعد أن غابت الصورة الفردية في التعاملات الاقتصادية الدولية، وحلت محلها الصورة الجماعية أو الكيانات الكبرى، وتعرف منطقة التجارة الحرة بأنها صورة من صور التكتل بين دولتين أو أكثر، وتهدف إلى إزالة كافة القيود الجمركية وغير الجمركية على التجارة في السلع والخدمات فيما بينها؛ لزيادة حجم التبادل التجاري ورفع معدلات النمو الاقتصادي.
ويصف البعض منطقة التجارة الحرة بأنها المدخل التجاري للتكامل الاقتصادي الذي يعبر بدوره عن مصالح واضحة وفورية لكافة الأطراف، ويمكن النظر إليها على أنها نقطة البداية لتحريك المدخل الإنتاجي للتكامل الذي يرتكز على سوق كبيرة من أجل الاستفادة من المزايا المباشرة وغير المباشرة للتكامل الاقتصادي، وفي ظل آليات السوق الحرة وباعتبار أن زيادة التجارة تعني في النهاية زيادة الإنتاج، وعادة ما يتم تحديد فترة زمنية لتنفيذ منطقة التجارة، يتم خلالها إزالة العقبات كما هو الحال في منطقة التجارة الأوروبية الحرة، وقد تبلغ 15عامًا كما هو الحال في تكتل "النافتا" NAFTA.
أهمية المناطق التجارية الحرة
ترجع أهمية تلك المناطق إلى أنها تستجيب للمتغيرات الإقليمية والعالمية الجديدة التي تعلي من شأن المنافسة الاقتصادية والعولمة، بعد أن أصبح من المسلَّم به أنه لا تستطيع دول بمفردها مهما بلغت قوتها أن تعيش بمعزل عما يجري بها من أحداث وتغيرات متلاحقة جعلت السمكة الكبيرة تأكل السمكة الصغيرة، وتزداد أهمية تكتل المناطق في عالم تسود فيه التكتلات الكبرى مثل الاتحاد الأوروبي والآسيان والنافتا والأبيك، ومن ثم فإن الدولة التي يفوتها قطار التكامل الاقتصادي في أبسط عرباته وهي منطقة التجارة الحرة تتحول إلى سوق هامشي. وقد أوضحت الدراسات القياسية أن هذه المناطق ترتب عليها زيادة ملموسة في إنتاجية عناصر الإنتاج وحجم الاستثمار والتجارة البينية فضلاً عن تنوع النشاط الاقتصادي وزيادة معدل نمو الدخل القومي، ويرى البعض أنه إذا كان لهذه المناطق أثر إيجابي على حجم التجارة فإن لها أثرًا سلبيًّا على تنوع التجارة، إلا أنه تبين من دراسات أخرى أن هذا الشكل من التكامل أدى إلى تنوع التجارة في حالة دول أمريكا الجنوبية والوسطى وشرق أفريقيا، أما تأثيرها على التجارة العالمية؛ فلا يوجد عليه دليل قاطع حتى الآن نظرًا لضآلة حجم التجارة النسبي لهذه الدول مقارنة بحجم التجارة العالمية، وفيما يتعلق بأثرها على الرفاهية أوضحت الدراسات أنه يتراوح في حالة المجموعة الأوروبية بين 0.2% من الناتج المحلي الإجمالي في ألمانيا، و2.9% في دول المجموعة الأوروبية الجنوبية في الأجل الطويل.
أشكال متعددة وأبعاد مختلفة
تختلف منطقة التجارة الحرة عن الاتحاد الجمركي، فالمنطقة الحرة كما سبق تعريفها تتوحد فيها المعاملة الجمركية بين الدول الأعضاء فقط ومثال ذلك منطقة التجارة الحرة لدول مجلس التعاون الخليجي. أما الاتحاد الجمركي فتتوحد فيه المعاملة للدول الأعضاء عند تعاملها مع الدول الأخرى غير الأعضاء، وتختلف كذلك منطقة التجارة الحرة عن المنطقة الحرة متعددة الأغراض ( FreeZone) التي تقوم بوظائف التخزين والتصنيع والتجهيز والتصدير وإعادة التصدير وغيرها من الأنشطة التي تزيد الاستثمار والصادرات وتجلب التكنولوجيا المتقدمة وعندما تأخذ المنطقة الحرة شكل إقامة مشروعات مشتركة متعددة الأغراض ويشترك في إقامتها عدة دول فإنها تسمى في هذه الحالة بمنطقة حرة إقليمية. وهناك بعض مناطق التجارة الحرة الأحادية التي تقتصر على نوع معين من السلع كالسلع الزراعية بحيث يسرى عليها الإعفاء أو التخفيض الجمركي دون غيرها من السلع والخدمات، وعادة ما يطلق عليها اتفاقيات تنمية وتيسير التبادل التجاري، وخير مثال على ذلك الاتفاقية الموقعة بين الدول العربية عام 1981، والتي تضمنت التحرير الفوري والمباشر لتبادل المنتجات الزراعية والحيوانية.
مقومات إقامة مناطق التجارة الحرة
يرى الخبراء والاقتصاديون ضرورة توافر عدد من المقومات الأساسية لإنشاء مناطق التجارة الحرة من أهمها حرية انتقال السلع والخدمات والملكية الفكرية وتحريرها من كافة القيود الجمركية والإجرائية، وتنوع اقتصاديات الدول الأعضاء؛ وذلك عن طريق بناء قدرات ذاتية تكنولوجية في إطار تصور إقليمي يقوم على اعتبار أن الإنتاج هو محرك التجارة مثلما يحدث في منطقة التجارة الحرة لدول أوروبا "الإفتا" EFTAوهي تضم كلًا من: ايسلاندا وليتشتنستن والنرويج وسويسرا . ومن بين المقومات أيضًا رفع المستوى الاقتصادي للدول الأقل تقدمًا لمواجهة الضرر المترتب على تحرير التجارة العالمية نتيجة إعادة تقسيم العمل، وذلك عن طريق اتخاذ إجراءات تصحيحية لإعادة تأهيل العمال والنهوض بالمناطق الأقل تقدمًا وهو ما حدث بالفعل في منطقة "الإفتا" الأوروبية بالنسبة لكل من أيرلندا والبرتغال وجنوب إيطاليا وأسبانيا، ويضيف الاقتصاديون مقومات أخرى من بينها تحرير التنقل وترتيب وتطوير المواني والمطارات؛ لتسهيل حركة السلع والخدمات ووجود آلية للتمويل والمقاصة وتسوية المدفوعات وخلق برنامج تمويل التجارة البينية مثلما فعلت دول أمريكا اللاتينية عندما أنشأت بنك "بلادكس"، وكذلك ترشيد العلاقات السياسية بين الدول الأعضاء، بحيث يكون القرار السياسي في صندوق المصالح الاقتصادية، وأن تكون التجارة البينية بعيدة عن الصراعات السياسية وتقلب أنظمة الحكم وأخيرًا توافر شبكة معلومات إقليمية تجمع وتخزن وتوفر المعلومات التجارية، وتسهل الاتصال بين العملاء.
أهم مناطق التجارة في العالم
تتوزع مناطق التجارة الحرة في أنحاء العالم، ومن أهم هذه المناطق منطقة التجارة الحرة المعروفة باسم الإفتا أما منطقة التجارة الحرة لدول جنوب شرق آسيا "أفتا" AFTAفقد أنشئت عام 1960، ومنطقة التجارة الحرة لأمريكا الشمالية "نافتا" والتي تضم كلًا من الولايات المتحدة الأمريكية وكندا و المكسيك. أما منطقة التجارة الحرة لدول جنوب شرق آسيا "أفتا" فقد أنشئت عام 1992 عندما اتفقت الدول الأعضاء في الآسيان على زيادة حجم المعاملات والتعاون الاقتصادي عن طريق إقامة منطقة تجارة حرة اعتبارًا من أول يناير 1993 وتضم هذه المنطقة كلًا من إندونيسيا وماليزيا وتايلاند والفلبين وسنغافورة وبروناي