القبول بدفع ثمن التنمية أو المواجهة الدامية

الناقل : elmasry | الكاتب الأصلى : ac008 | المصدر : www.startimes2.com

أو المواجهة الدامية

img182/3659/king2sp8.gif



تشتهى الحاجة او الخالة نورة كما يحلو لاهلها تسميتها -وهى التى عاشت مراحل التهجير من حلفا القديمة الى الجديدة - ان تعود بها الايام لتجلس على دكة منزلها الذى غطته المياه وتسترجع ذكريات عمرها الباكر، تحمل نورة التى التقيتها قبل عدة سنوات فى احدى المناسبات التى دعيت لحضورها فى واحدة من قرى حلفا الجديدة فى يدها على الدوام بعضاً من بقايا صور فوتوغرافية التقطت لها فى ذلكم المنزل الفسيح الذى طمرته المياه بالكامل. وهى تقول فى لغة خليط بين النوبية والعربية (اى شئ استفدناه من هذه الرحلة العذاب غير الانقطاع عن جذورنا وارضنا التى نشأنا فيها ) .

استعادت ذاكرتى صورة الحاجة نورة بجرجارها الاسود وطرحتها التى يزيد عدد ثقوب الزمن عليها، عن الخيوط التى نسجت منها، والاحداث تتوالى فى امرى ومن بعدها المناصير والآن كجبار والنيل الابيض، ولعل فى حديث الحاجة نورة اجابة شافية على الاسئلة التى تتبادر الى الذهن وفى مقدمتها لماذا تجابه مشروعات تنموية بهذه القوة والصلابة التى تصل الى حد الموت .

والكلمة الاخيرة من الفقرة السابقة كشرت عن انيابها فى منطقة كجبار الآن فيما لايزال شبحها يظلل مناطق المناصير الذين يناهضون سد مروى، وبعض قرى النيل الابيض المهددة بالتهجير لصالح مشروع السكر المقترح فى المنطقة بعد ان غرزتها من قبل فى امرى . وتبرر الحكومة مواقفها تجاه الصدامات كل هذه المناطق التى تمتد من اقصى الشمال الى الوسط إلى النيل الابيض بعبارة: (الحفاظ على المصلحة العامة). شرعية تنتزع بها السلطات ـ او تحاول ـ بعضاً من التعاطف المفقود بينها والمواطن الذى يفترض ان قيام من اجل خدمته وحماية أمنه وحقوقه، وتعين بها طرق الوصول للتنمية المفروضة، وبصورة تبدو في بعض الاحيان انها لا تترك للمواطنين اي سبيل امامهم سوى القبول بسداد دين التنمية هذا أو المواجهة الدامية .

فدين التنمية المحروس بقوة تلك المشروعات بات يهدد كل شاب اراد ان يستفسرعن آليات ظهرت

فى منطقته لتشق ترعة أو تعبد طريقا ، و كل ام باتت تخشى منه على ابنائها ان هم ارادوا تعويضا عن غربة سينفون اليها وارض سيبقون فيها دون تاريخ او بعض من ذكريات يغالبون بها شظف العيش ومسغبته ويتركون ارضهم لكونسورتيوم رأس المال. اذ بلغ عدد الضحايا من الرافضين لسدى كجبار ومروى مالايقل عن سبعة اشخاص حتى الآن وعشرات الجرحى والمعتقلين الذين امضوا واسرهم شهوراً من القلق والترقب والخوف.

كم غصة ادخلتها هذه المشروعات فى الحلوق، وكم طفل له معها ثأر شخصى. ليفرض سؤال محورى نفسه (التنمية لمن، للانسان ام انها للمستثمر)؟!

المحتجون في امري ظهيرة الثاني والعشرين من ابريل العالم الماضي، الذين دخلوا في مواجهات دامية مع السلطة كان احتجاجهم لم يكن رفضاً للوعد الحكومى، بتحقيق طفرة للمنطقة والبلاد كافة عبر توفير مزيد من الطاقة الكهربائية تصل فى تقديراتها الى (1250) ميغاواط تضاف إلى (1080) ميغاواط هى الرصيد السابق للبلاد من الطاقة التى تستهلك الخرطوم مايفوق الـ (70%) وبافتراض ان مايتولد من تيار فى مروى سيسهم فى معالجة هذا الوضع الشائه الذى يهزم الفلسفة الرئيسة للاستفادة من الطاقة الكهربائية بالنظر للسياسة المعلنة، ان طاقة مروى الاضافية سيستخدم جلها بالمناطق الزراعية ، اذاً المحرك لمقاومة التنمية بهذه الصلابة هو التخوف من ضياع الجذور وفقدان المصالح .

ويجلى ذلكم الخوف ويذكيه الخلط الواضح مابين العام والخاص فى كثير من المشروعات التنموية التى تقوم عليها بعض الشركات الكبرى، وعدم الفصل بين حق الدولة وحق المستثمر، مما اوجد نقلة بائنة فى فرضية الاحتجاج على هذه المشروعات الذى كان فى السابق بالنظر الى الاحتجاجات التى تمت على مشروع السد العالى فى الخرطوم باعتبارها مركز الدولة، الآن

انتقل الاحتجاج ليتم فى مواقع المشروعات متخذا طابع العنف والتهديد.

ولعل مايعضد الفرضية السابقة ان بعض الشركات التى لها فوائد مباشرة من سد مروى بينها من لُقب عالميا بـ (وحوش المال)، لها ممارسات لافتة للانتباه، ومنها من اتهم بتورطه فى قضايا الجاسوسية والتجسس لصالح الكيان الصهيونى. راجع مجلة آخر ساعة المصرية العدد (3450 ) الصادر فى السادس من شهر ديسمبر العام (2000) اعترافات الجاسوس المصرى ' المهندس شريف فوزي' وحديثه عن شركة( لاماير إنترناشيونال الألمانية) التى اسندت لها مهمة إدارة تنفيذ مشروع سد مروى. والمعلومات المهمة التى كشف فوزى ان لاماير تعكف على جمعها عن البلدان العربية وكيف اسهم مسؤول كبير فيها لتجنيده لصالح الموساد الاسرائيلى، بينما تقوم شركة آلستوم الفرنسية بتوريد التجهيزات والآليات الكهربائية والميكانيكية لسد مروى، وهى ذات الشركة التى تنفذ بجانب رصيفة لها، انشاء خط ترام بين القدس الغربية والمستوطنات الاسرائيلية، وصفته مجلة اللوموند ديبلوماتيك الفرنسية بانه ترام التمييز العنصرى ـ راجع عددها الصادر فى فبراير 2007 م ـ والخط بحسب المجلة الفرنسية يحاصر القدس الشرقية و يسهل عملية ضمها لاسرائيل. اما شركة آ.ب.ب. السويسرية التى حصلت فى مروى على عقد بناء محطات التحويل الكهربائي، فهى عملاق مالى سويسرى غزا السوق الصينية بكثافة محاولا ابتلاع التنين الناهض.

يبقى ان نقول ان الرصاص والعنف الذى انطلق واضعا منطقة- عرفت على مر تاريخها بالهدوء- فى بؤرة التوتر ودائرة وكالات الاخبار العالمية، يمضى فى اتجاه الفرضية القائلة بأن ذات اليد التى وجدت مرتعا خصبا فى تناقضات دارفور العرقية والسياسية وفجرتها بالكيفية التى تجرى حاليا تعبث الآن بالشمال الاقصى مستخدمة فى ذلك معادلة التنمية. وبالعودة الى تاريخ الشركات المنفذة لسد مروى استنا دا إلى (تقرير شبكة الأنهار

الدولية آي.آر.ان الصادر فى فبراير 2003 ) والمشروعات التى قامت عليها فى بعض بلدان العالم نجد ان هناك امثلة مشابهة او تكاد تكون متطابقة مع الذى يجرى الآن فى مروى وكجبار. فسيرة لاماير تثبت أنها تنجذب بشدة إلى مشاريع السدود المثيرة للجدل في العالم الثالث بحسب افادات الباحث والكاتب د. مجدى الجزولى لـ (الرأي العام). فلاماير لها دور بارز في كل من سدى أواش بـ (اثيوبيا)، وشولاك (غواتيمالا)، فأواش الذى لعبت لاماير فيه دور المستشار الهندسي، اعتبره الأهالي عقوبة إلهية إذ أن المشروع تسبب في تدمير مراعٍ وغابات لما يزيد على (150) ألفاً من السكان الرعاة، وقاد تحويل الأراضي القابلة للري لزراعة القصب والقطن إلى تشريد (20) ألفاً من المواطنين يعتمدون اليوم في غذائهم على الإغاثة.وفي غواتيمالا تقول ورقة للباحث مجدى الجزولى نتيجة بناء سد شيكسوي الذي تصدت له لاماير إنترناشيونال على رأس كونسورتيوم ثلاثي أن فقد حوالى (4) آلاف من السكان الأصليين مواطنهم أو أرواحهم فداء لبحيرة السد، حيث شنت قوى الأمن في غواتيمالا حملات متتالية لتطهير القرى الواقعة في محيط السد من أهلها. في نوفمبر من العام 1999 وجهت السلطات في جنوب إفريقيا تهماً بالفساد والرشوة إلى لاماير و(12) شركة أخري متعددة الجنسية جميعها ذات صلة بمشروع أعالي ليسوتو للتنمية المسائية، أثبتت المحكمة العام 2002 إدانة مدير المشروع المعزول السيد ماسوبا سول بقبول رشاوى من عدة شركات إحداها لاماير إنترناشيونال.