مدرسة النبوة بمخرجاتها... والنبي صلى الله عليه وسلم بصحابته

الناقل : heba | الكاتب الأصلى : نظمي خليل أبو العطا | المصدر : 55a.net

مدرسة النبوة بمخرجاتها... والنبي صلى الله عليه وسلم بصحابته
 
 

 

 بقلم الدكتور: نظمي خليل أبو العطا

 ـ إذا أردنا تقييم أداء مدرسة قيمنا مخرجاتها البشرية التربوية، فإذا تميزوا كانت المدرسة متميزة، وإذا لم يتميزوا فالمدرسة غير متميزة، وعلى قدر بعد الطلاب وقُربهم من درجة التميز يكون مقدار فشل المدرسة ونجاحها في تحقيق أهدافها.

 

ـ وإذا أردنا أن نعلم مدى نجاح المعلم نقيم مدى تعلُّم تلاميذه، فإن كانوا من المتميزين فالمعلم من المتميزين، وإن كانوا من غير المتميزين نعلَم أن المعلم لم يؤد الأمانة، ولم ينصح لطلابه خاصة إذا سكت عنهم طوال فترة الدراسة والتعليم، ولم يكشف تدني مستوى طلابه، ولم يكتشف هذا التدني إلا بعد انقضاء فترة التعليم، فالمعلم المتميز والمجتهد لا يكذب تلاميذه ومجتمعه ولا يغشهم، وينصح لهم.

ـ والمعلم المجتهد يتميز السواد الأعظم من طلابه وقياداتهم المقربة منه بالتميز، ومن براعته وحسن تربيته وإعداده أن يراعي الفروق الفردية، ويستغل القدرات الشخصية، ويختار تلاميذه من النابهين في المجتمع...

ـ والمدارس المتميزة والجامعات العريقة لا تضم إلى صفوفها ومنتسبيها إلاَّ الصفوة والمتميزين، ولا تقبل أحداً في صفوفها إلا إذا نال درجات عالية في اختبارات القبول فيها، ولذلك فهي مسؤولة مسؤولية كاملة عن نتائجهم النهائية وأدائهم، وعن سلوكهم.

وبناءً على نجاحهم في الحياة العملية، والجوانب التطبيقية يتأكد نجاح المدرسة والجامعة في أداء رسالتها.

والناس يفتخرون بانتسابهم إلى الجامعات المتميزة، وأنهم من خريجي تلك المدرسة والجامعة المتميزة، ويفتخرون أنهم تعلموا على بذل العلم والمعلم الفلاني، وهم من تلاميذه الذين أجازهم وزكّاهم وشهد لهم بالتميز ووثق لهم ذلك في سجلات المدرسة.

ـ والطعن في مستوى أداء خريجي المدرسة هو طعن في مناهجها وفي أمانة إدارتها والعاملين فيها، والمسؤولين عن سير العمل فيها.

ـ وهذه كلها مسلمات عقلية، وعلمية، وتربوية، وواقعية، لا يختلف معها عاقلٌ وهي محطات اختبار حقيقية لأداء المدرسة.

ـ وقد شاء الله سبحانه وتعالى إخراج المدرسة الإسلامية للبشرية، واصطفى لها خير المعلمين، وهو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، واختار هذا المعلم المتميز خير المتعلمين، ورباهم وزكاهم، وقال عن تلاميذه: ( فوالذي نفسي بيده: لو أنفق أحدكم مثل أحدٍ ذهباً ما بلغ مُدَّ أحدهم أو نصيفه ) رواه البخاري.

ـ وقد زكّى الله سبحانه وتعالى مخرجات المدرسة النبوية الإسلامية، ومنَّ على طلابها بأرفع الدرجات والأوسمة العلمية والخلقية القرآنية التي اعتمدها سبحانه وتعالى، ووثقها في خير المصادر والمراجع والوثائق القرآن الكريم، وكفى بالله شهيداً.

ـ فنالوا شهادة المؤمنين حقّاً والتي قال الله تعالى فيها: ) والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله وآووا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقّاً لهم مغفرة ورزقٌ كريم ([الأنفال: 47].

ـ ونالوا شهادة الرضا والفوز العظيم، والتي قال الله تعالى فيها: ) والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسانٍ رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعدّ لهم جنّات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم ([التوبة: 100].

ـ ونالوا شهادة الإغاظة للكافرين والتي قال الله تعالى فيها: ) محمّد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركّعاً سجّداً يبتغون فضلاً من الله ورضواناً سيماهم في وجوههم من أثر السجود، ذلك مثلهم في التوراة، ومثلهم في الإنجيل كزرعٍ أخرج شطأه فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزرّاع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجراً عظيماً ([الفتح: 129].

و) منهم ( في الآية للجنس وليست للتبعيض، أي: من جنسهم، فشملت الصحابة رضوان الله عليهم، فانتبهوا أيها السادة، وتعلموا حتى لا يُلبس عليكم المرجفون دينكم، ويستغلوا عدم معرفتنا للغة العربية للتدليس علينا في ديننا.

ـ ومنَّ الله سبحانه وتعالى على التابعين بمحبة الجيل الأول، والدفعة الأولى في مدرسة الإسلام الربانية فقال تعالى: ) والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاًّ للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم ([الحشر: 10].

ـ هذه شهادات الله سبحانه وتعالى، قيوم السماوات والأرض للصحابة رضوان الله عليهم الدفعة الأولى في مدرسة الإسلام والنبوة والتي تربت على يدي خير الأنام ويرضى رب العباد وبتعلم جبريل عليه السلام لهم.

ـ والطعن في الصحابة رضوان الله عليهم طعن مباشر في معلمهم رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا الطعن لا يتأتّى إلا من الحاقدين على المعلم الأول والوحيد المسؤول عن الصحابة في مدرسة النبوة صلى الله عليه وسلم والمغتاظين من الصحابة.

ـ والطعن في الصحابة طعنٌ في صدق الله، وفي آيات الله الذي أعطى الصحابة تلك الشهادات السابقة وهم لا يستحقونها كما يدعون والعياذ بالله.

ـ والطعن في الصحابة هدم لعدالتهم وهدر لصدقهم وأخلاقهم وتربيتهم وفيما نقلوه إلينا من الدين، وهو طعنٌ واضح لا لبس فيه في القرآن والسنة التي نقلها إلينا الصحابة، والطاعنون في الصحابة لا ينكرون ذلك ويقولون في القرآن أقوالاً عجيبه وفي الصحابة كلام أعجب.

ـ والطعن في الصحابة رضوان الله عليهم هدم للدين وللتوحيد بالكلية.

ـ وهذا ما عمد إليه الطاعنون في الصحابة رضوان الله عليهم، فقد أغاظهم اتباع الصحابة لنبيهم، وإخلاصهم للدين ) يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار (، فعمدوا إلى المؤامرات أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم وفشلوا، وعمدوا إلى الردة عن الإسلام وحاربهم الصحابة رضوان الله عليهم وأدبوهم، وفشلوا في فصل الزكاة عن الصلاة وهدم الدين.

ـ وقتلوا الفاروق وذي النورين وفشلوا في هدم الدين، وعمدوا إلى زرع الفتنة بعد عثمان وفشلوا، وعمدوا إلى قتال الصحابة وفشلوا، وخانوا سيدنا  علي رضي الله عنه،وفشلوا في هدم الدين، وأججوا نار الفتنة بين الصحابة رضوان الله عليهم، وفشلوا في القضاء على الدين، وعمدوا إلى تشويه الدين وتزوير التاريخ وبث الأكاذيب في كتب الأدب وغيرها. وأحدثوا البدع التي لم تكن في عهد المصطفى صلى الله عليه وسلم، وحرّفوا دينهم وادعوا تحريف القرآن، وكذب السنة، وألصقوا بكل مخلص للدين أقذع الأقاويل وسبوا الصحابة، ونساء النبي، ولكن هالهم استمرار التوحيد، وحفظ القرآن، وصدق السنة، فعمدوا إلى الصحابة الذين حفظوا القرآن والسنة يطعنون فيهم، ويطعنون في نجاح المصطفى صلى الله عليه وسلم في تربيتهم وادعوا أنه خاف منهم، واتقى شرهم، وفرط في تبليغ الدين الرضاء لهم، وهذا كله افتراء على مدرسة النبوة، والرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ومخرجات مدرسة النبوة، كل ذلك ليشككونا فيما بين أيدينا من الدين والقرآن والسنة، والسيرة النبوية.

ـ وإذا احتجّ أحدهم باقتتال الصحابة والطعن في دينهم، نقول لهم نحن نعلم أنهم بشرٌ غير معصومين، ونعلم أن المؤمنين قد يختلفون، وقد يقتتلون بنزغ الشيطان، وزرع شياطين الإنس الفتنة بينهم والتأويل وقد نبهنا الله إلى ذلك بقوله: ) وإن طائفتان من المؤمنين افتتلوا فأصلحوا بينهما، فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين. إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون ([الحجرات: 9 ـ 10].

ـ ألم تكن هذه الآيات تقرأ في عهد النبي صلى الله عليه وسلم؟! ولم يعترض عليها أحد؟!.

ـ أعد أخي المسلم قراءة الآية وانظر إلى قوله تعالى: ) من المؤمنين ( فلم ينف عنهم الإيمان وأثبته لهم، ) اقتتلوا ( فالاقتتال بين المؤمنين بنص الآية يجوز ) إنما المؤمنون إخوة ( فالاقتتال لم ينف الأخوة، ) فأصلحوا بين أخويكم ( فالإصلاح هو المطلوب وليس التحزب والطعن والسب واللعن في إحدى الطائفتين، ) واتقوا الله ( فالتقوى في هذه المواقف مطلوبة، ) لعلكم ترحمون ( والرحمة مرجوه.

يالها من كلمات عظيمة، ومن أخلاق حميدة. والله يعلمنا ويقول: ) ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد ([البقرة: 253].

ـ فالله أراد وقدّر أن يحدث الخلاف بين الصحابة لينقسم الناس إلى فسطاطين مميزين فسطاط المؤمنين المحبين للإصلاح بين المؤمنين والكارهين للفتنة الساكتين عن تأجيجها، وفسطاط المرجفين الذين لم يهدأوا ولا يحيون لنار الفتنة أن تهدأ، وجعلوا الفتنة قضيتهم الكبرى، وأوقفوا التاريخ الإسلامي عند الفتنة الكبرى ويشغلونها في كل مناسبة.

ـ والله أراد وقدر أن يحدث الخلاف بين الصحابة رضوان الله عليهم، ليثبت لنا أن الصحابة بشر، يقع لهم ما يقع للبشر، ويسري عليهم نواميس البشر، حتى لا نغلوا فيهم، وترفعهم فوق بشريتهم ونضفي عليهم العصمة، ونجعلهم من المتصرفين في الكون مع الله، وأن السماء خلقت من أجلهم، والأرض تحت تصرفهم، كما يفعل الجهلاء مع الأولياء وعباد الله الصالحين، حيث أشركوهم مع الله في الدعاء، والشقاء وتسيير الكون، هكذا شاء الله هذا الخلاف ليميز الخبيث من الطيب.

ـ ولكن يكفي الصحابة رضوان الله عليهم على ضعفهم وبشريتهم وإمكاناتهم المحدودة، أنهم حاربوا المرتدين، وحملوا إلينا لواء التوحيد والدين، وفتحوا البلدان ونشروا الإسلام حتى وصل إلى الصين، والهند، والسند، واليمن، والمجر، والبوسنى، والهرسك، ومصر، وإفريقية، وإسبانيا، وفتحوا رودس الأبية، وقبرص البحرية، وحاولوا فتح القسطنطينية، وتمنوا فتح رومية (أي روما) وبشرهم المصطفى صلى الله عليه وسلم بفتحها وبفتح القسطنطينية وقد فتحت والحمد لله...

ـ فمن طعن في عدالة الصحابة وإيمانهم فقط طعن في الله عز وجل، وفي كتابه وفي رسوله، وفي الدين، وهذه صفات يتصف بها في عصرنا ومن قيل عصرنا كل طاعن في الصحابة، فادعوا عدم تبليغ الدين كاملاً، واتهموا المصطفى صلى الله عليه وسلم أنه لم يبلغ بعض المطلوب منه، ويدعون أن الصحابة كلهم ارتدوا ما عدا أفراداً لا يتجاوزون أصابع اليدين ويقرون أن مدرسة النبوة فشلت في التربية والتعليم فشلاً ذريعاً كما قال أحدهم والعياذ بالله، ولكن نسي هؤلاء قوله تعالى: ) والله متم نوره ولو كره الكافرون ([الصف: 8]. وقوله تعالى: ) ويأبى الله أن يتم نوره ولو كره الكافرون ([التوبة: 32].

ـ فاختر لنفسك أخي المسلم إما حب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وحبك لصحابته وخاصة الصديق والفاروق وذي النورين وأبي الحسنين، وحمده على إتمام نوره ونعمته، وإما الفتنة والتشكيك في مخرجات مدرسة النبوة وطلابها ومعلمها صلى الله عليه وسلم. والوقوع في دائرة الإزدواجية الباطنية التي تحير الحليم.

ـ والذين يتذرعون بالمنهج العلمي في دراسة حياة الصحابة للطعن فيهم بحجة البحث العلمي، هؤلاء لا يطبقون العلم والمنهج العلمي في معتقداتهم في البشر، والقرآن، وعندهم من اللاَّمعقول وما تنفر منه العقول، هم يتخذون المصطلحات العلمية ذريعة للتغطية على ابتداعهم وطعنهم في الدين والصحابة وغلوهم في البشر، وعيادتهم إياهم والطعن في القرآن والدين وهم أبعد الناس عن العلم والعلمية والمنهج العلمي والدين.