د. محمد دودح
الباحث العلمي بالهيئة العالمية للإعجاز العلمي
في القرآن والسـنة برابطة العالم الإسـلامي
مكة المكرمة المملكة العربيـة السـعودية
mdoudah@hotmail.com
ملخص البحث
انتهت الدراسات النفسية إلى وجود علاقة وثيقة بين وظائف المخ وبين المشاعر والسلوك الإنساني وفق نظم وآليات بتقدير مسبق يؤيد مبدأ الخلق في الدين مثلها في ذلك كمثل الفلك والفيزياء وبقية العلوم الطبيعية, والمدهش أن تحقق تلك الدراسات النفسية رغم حداثة عهدها السبق على العلوم الطبيعية بتقديمها شواهد في مجال النفس على العلاقة بين الإيمان والوظائف البدنية خاصة مع الاكتشاف المذهل لمراكز بالمخ تنشط بالإيمان والعبادة لتستعيد توازن وظائف النفس والبدن مقرةً لمبدأ الخلق بأن الإيمان فطرة مغروسة بالنفس وفي نشاطها شفاء للنفوس والأبدان بآليات تبدو وشيكة الاكتشاف, والاستشفاء بالقرآن الكريم إذن ليس مجرد ترديد كلمات فحسب بلا وعي وإنما هو تحفيز لعوامل الشفاء الذاتي وإصلاح شامل للنفوس والأبدان فيقتضى تدبر معانيه والعمل بتعاليمه وإقامة أركانه باعتباره منهج حياة أو نظام تشغيل لكافة البرامج.
وقد ثبت أن للقرآن الكريم قوة شفائية بالتجارب المعملية في مؤسسة العلوم الطبية الإسلامية في مدينة بنما سيتي بأمريكا؛ قال د. أحمد القاضي: (أثبتت التجارب أن له أثرا مهدئا خفف درجة توتر الجهاز العصبي في 97% من الحالات)"[1],
ولكن مع إجراء تلك التجارب على غير مسلمين وغير ناطقين بالعربية يمكن القول أنها لا تتعلق بدراسة التأثير الإيماني واستنهاض عوامل الشفاء الذاتي وإنما ترجع لتأثيرات مهدئة ثانوية محدودة الأجل مثل الاسترخاء والإيحاء والإيقاع, واحتمال التأثير السحري للقرآن الكريم غير وارد مع إجماع علماء الإسلام على إنكار "الصرفة" كتأثير صارف عن استجابة العرب لتحديه, ولذا كان هذا البحث كتجربة ميدانية في البيئة الإسلامية لرصد أي تأثير طويل الأمد يمكن نسبته إلى التحفيز الإيماني واستنهاض عوامل الشفاء الذاتي خاصة مع قصر الشفاء في القرآن الكريم على المؤمنين وحدهم؛ قال تعالى:
{وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ} الإسراء 82، وقال تعالى: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء} فصلت 44,والاستغاثة بمفرج الكروب وتلاوة آيات الكتاب العزيز أو استماعه فتطمئن قلوبهم راضين بالقدر ويسلموا من الانهيار, فينبغي إذن النظر إلى الرقية الشرعية كدعاء يلزمه اليقين بلا تفريط في العمل بالأسباب لا أن تكتب الآيات بالزعفران مقطعة الحروف لتعلَّق كحجاب وتشرب وترش بالأركان مذابة في الماء لإبعاد النحس.
ومع اتفاق الجميع أطباء ورقاة بالقوة الشفائية للقرآن الكريم ينحصر الخلاف في تفسير الحالات بالجان وطرق المعالجة, فقد نسبت الأمراض العضوية والوبائية كالطاعون إلى الجان قبل عصر الاكتشاف مع تعذر معرفة الأسباب الحقيقية, ولكن مع التقدم الطبي وتطور تقنيات الفحص تراجع التفسير الغيبي, وإذا علمنا بحداثة تصنيفات علم النفس Psychiatry بحيث لا تتجاوز بضعة عقود أدركنا لماذا ظلت نسبة الأمراض النفسية والعقلية للجان مسيطرة في الثقافة الشعبية حتى انتشرت سريعا مع التغير الاجتماعي الحاد عيادات شعبية للمعالجة من تأثيرات الجان وابتدعت أساليب غير الرقية الشرعية, وشملت هذه الدراسة 200 حالة من رواد العيادات الشعبية بفحص كل حالة تفصيليا وإرشاد نخبة دينيا للتغيير ذاتيا, ومع تجنب التفسير بالجان بغير دليل يُعني هذا البحث بملاحظة التأثير الشفائي للقرآن الكريم مع رصد الأساليب المبتدعة بغرض تقنين ممارسة المعالجين الشعبيين, وباستعراض آراء العلماء والأطباء يتناول العرض عشرة محاور على النحو التالي: الإيمان شفاء للنفوس والأبدان, الاستشفاء بالقرآن في منظور الشريعة الإسلامية, الاستشفاء بالقرآن في منظور الطب الحديث, الإيحاء وسيلة المعوذين, خطر المشعوذين, ظواهر نفسية معلومة في الطب, اجتهادات للعلماء استغلها المعوذون, مغالاة الرقاة ودجل المعوذين في منظور الشريعة, مغالاة الرقاة ودجل المعوذين في المنظور الطبي, محصلة الدراسة الميدانية, ويرتكز المنهج العلمي لبلوغ الحقيقة على أساس التفكير التحليلي للتحقق من مصداقية الدليل وحيادية الإدعاء ومدى تطابقه مع الواقع وخلوه من الغرض وسلامته من التحريض الضمني والاستغلال العاطفي وبذلك يسلم الإنسان من الوقوع فريسة للدجل والخرافة, ولا شك أن إمكان عزو جميع الحالات المدروسة بعناية إلى أمراض أو ظواهر نفسية مصاحبة لمشاكل طبية أو اجتماعية لا يحتاج معه إلى تفسير غيبي, وليس هذا إنكارا لوجود الجن وإنما تمسكا بالمنهج العلمي في التوقف عن قبول ادعاء بغير دليل, وإذا ثبت أن النبي عليه الصلاة والسلام قد قام بتشخيص حالات شبيهة وعلاجها فمن يدعي أنه مثل الموصول بالوحي يعوزه الدليل, وأيدت النتائج أن للاستشفاء بالقرآن الكريم تأثير طويل الأمد في الشخصية الإسلامية الواعية يستبعد معه الإيحاء ويقوم على التحفيز الإيماني واستنهاض عوامل الشفاء الذاتي وإصلاح شامل للسلوك ومحاولة إيجاد حلول عملية لجذور المشكلات الحياتية لا التهرب بتفسيرها غيبيا والاكتفاء براحة وهمية بالإيحاء بطرد الجن, بينما الأساليب الإيحائية للمعوذين والرقاة تأثيرها وقتي طالما أنها لم تعالج جذور المشكلات وتستنهض النوازع الإيمانية وتسترد التوازن النفسي بالمساندة الطبية, والتوصية هي اعتماد الاستشفاء بالقرآن الكريم كأسلوب علاجي مساند للعلاج الطبي؛ خاصة إذا لم تتوفر معالجة تحليلية ولا يجد الطبيب النفسي في عيادته الخاصة وقتا كافيا لتفهم صراعات المريض ومشكلاته, مع ضرورة التزام الرقاة بحدود الشريعة وبالتثقف الصحي في مجال الأمراض النفسية حمايةً للمجتمع من الدجل والخرافة.
البحث مفصلاً لمن أحب التوسع
المحور الأول
اكتشاف مذهل
الإيمان شفاء للنفوس والأبدان
قبل الثورة المحمومة في مجال العلوم التجريبية خاصة في القرون الثلاثة الأخيرة وتوفر الأدوات اللازمة لم يكن لبشر المعرفة بآلية الوظائف العقلية العليا التي تميز الإنسان عن الحيوان وتحديد مواقعها بالمخ, وشيئا فشيئا اكتُشفت المناطق المتعلقة بالحواس والكلام والحركة وبدأت تتضح معالم المنظومة العاطفية ومنظومة الأنشطة اللاإرادية والأساس الكيميائي للنشاط العصبي وأصبح في الإمكان تسجيل كهربية المخ من الخارج باستخدام جهاز رسم المخ وتمييز مختلف الأنشطة الذهنية والتصوير الإشعاعي لكشف تراكيبه وعرفت بعض الفوارق التشريحية والوظيفية مع الحيوان وأمكن تصور آلية بعض الوظائف العليا كالتذكر والتعلم, واليوم ونحن في مستهل قرن جديد يبشر بغزو مجاهل الدماغ واكتشاف إمكانات المخ في التوجيه الفطري تفاجئنا تلك الأبحاث العلمية باكتشاف مذهل يجعل الإيمان بالله تعالى وعبادته نزوع فطري وملكة مغروسة بالمخ لها آلياتها ومراكزها, وإذا لم يحسن الإنسان توظيفها فقد أهم ما يميزه عن الحيوان وتعرض لفقدان التوازن النفسي والبدني, والعجيب أن توظيف تلك الآليات يتفق مع التوجيهات الدينية ممثلة في أتم وأشمل وأنقى صورها بالإسلام بالإضافة إلى تضمن القرآن الكريم لكثير من الحقائق المكتشفة التي لم تبدأ معرفتها إلا منذ أقل من نصف قرن.
وقد اهتم علماء النفس بتحديد العلاقة بين نفس وجسم الإنسان وتأثير كل منهما على الآخر, وأصبح من المعلوم حاليا أن الكثير من الأمراض الجسمية يمكن أن تصاحبها مضاعفات نفسية أو تكون لها جذور نفسية، فنشأ فرع الأمراض النفس جسمانية Psychosomatic Disorders، قال د. بدر الأنصاري: "يفترض بعض الباحثين أن التشاؤم Pessimism يزيد من احتمالات إصابة الإنسان بالأمراض العضوية مثل السرطان, كما يرتبط التشاؤم بعديد من الاضطرابات النفسية كالاكتئاب واليأس والميل إلى الانتحار والوجدان السلبي والفشل في حل المشكلات والنظرة السلبية إلى صدمات الحياة والشعور بالوحدة وارتفاع معدل النبض ومعدل ضغط الدم الانقباضي Systole, وقد بينت بعض الدراسات التي أجريت على مرضى السرطان وجود علاقة ايجابية بين التشاؤم وسرعة انتشار مرض السرطان (Weismen, Warden & Sobell 1980; Morrow & Fetting 1983; Temoshok et. al, 1985; Diclemente & Temoshok 1985; Peterson & Bossio 1991; Scheier, Weirtraub & Carver, 1986), وقد يؤدى الشعور باليأس إلى سرعة انتشار السرطان في الجسم"[2], وفي المقابل قد يفتح ذلك بابا واسعا لبحوث تؤكد التأثير العضوي للإيمان والخشوع والرضا بالقدر مما قد يفسر ظواهر كالشفاء الذاتي في بعض حالات السرطان, ومن البشائر كشف مركز بالمخ ينشط بالتأمل Meditation المصاحب للعبادة ويعيد الوظائف الجسمية الأساسية إلى حالة الاسترخاء Rest State مؤيدا فطرية الإيمان وتأثيره العضوي.
وخلاصة الأبحاث العلمية التي نشرت للمرة الأولى عام 2001 وأجريت على المخ بتقنية جديدة للأشعة السينية[3] وقام بها فريق علمي على رأسه د. أندرو نيوبيرج Andrew Newberg أستاذ علم الأشعة Radiology بكلية الطب بجامعة بنسلفانيا في فيلادلفيا بالولايات المتحدة الأمريكية هي أن: "الإيمان بالله تصميم داخلي built-in Design داخل المخ"[4], وبهذا لا يمكن لأحد التخلص منه إلا تعاميا عن الفطرة السوية التي جعلت الإنسان ينزع للتدين على طول التاريخ وتعطيلا لقدرات هائلة وإمكانات بالغة التعقيد والتطور تمكنه من إدراك قدرة الله تعالى بالتفكر والاستقراء للخلق والتحليل والاستنتاج, ويمكن وصف الإنسان وفق عبارات د. نيوبيرج نفسه بأنه: "موجه بقوة نحو التدين hard-wired for Religion" وأن: "التجربة العملية لا يمكنها أن تخبرنا بطريقة مباشرة عن ذات الله ولكنها تخبرنا كيف خلق الإنسانَ لكي يعرفه ويعبده", وهي تخبرنا أن: "عبادة الله وظيفة والإيمان به مطلب طبيعي يماثل الطعام والشراب", وأن: "المخ البشري ليس معدا تشريحيا ووظيفيا فحسب للإيمان بالله وعبادته وإنما هو أيضا مهيأ عند قيامه بوظيفة العبادة لحفظ سلامة النفس والبدن بتوجيه العمليات الحيوية خلال منظومة عصبية وهرمونية متشابكة", وبهذا نزداد يقينا في وجود الله تعالى وقدرته وإلا فلا فائدة من الملكات الهائلة الممنوحة للإنسان والتي ميزته عن كافة الأحياء الأخرى في الأرض, وهكذا لم يعد الإيمان بالله تعالى في الدراسات العملية الحديثة ضربا من الفلسفة والخيال الشعبي كما كان يردد الملاحدة بلا مستند في أوائل القرن العشرين, فقد خاب ظنهم أن الإنسان قد صنع ديانته بعدما تأكد أن: "الله قد خلقه متدينا بطبيعته ومؤهلا بقدرات كي يعرفه ويعبده".
وكما يصبح الإنسان نظيفا إذا مارس الوضوء حتى ولو لم يكن مسلما كذلك يناله الخير إذا مارس سلوكيات العبادة كالتفكر والخشوع والتأمل Meditation لأنها توظف مراكز أشبه ما تكون بمراكز الإيمان داخل المخ تعمل على الارتخاء والتخلص من المشاعر السلبية مثل الخوف والقلق والاكتئاب, وينتقل الإنسان من حالة الاستنفار والتوتر إلى حالة الراحة والسكينة حتى ولو لم يكن لصاحبها نصيب في ثواب الآخرة, وبإعلان مراكز الإيمان عن نفسها يمكن كشفها إذا وجدت التقنية المناسبة, وباستخدام تقنية خاصة في التصوير بالأشعة السينية تجعل في الإمكان معاينة التغير في نشاط مختلف المناطق الوظيفية بالمخ أمكن تحديد مناطق تختص بالتركيز الفكري بالفص الجبهي (الناصية) يزداد نشاطها أثناء تلك الخبرة التأملية, ولكن تغير النشاط في منطقة الفص الصدغي التي تجعل الإنسان يدرك وجهته بالفراغ كان ملفتا للنظر, ويفترض نيوبيرج أن تغير نشاط تلك المنطقة يفسر إحساس الزهاد الذين بلغوا في صلواتهم درجة استغراق عميقة بانتقالهم بعيدا عن العالم الفيزيائي حولهم إلى حالة روحية لا يدركها غيرهم إلا بمعايشة نفس التجربة, وهم خلال تلك الحالة من التحليق الروحي والتسامي الإيماني يشعرون خلال أداء الأذكار والصلوات بعدم الاهتمام بالعالم الفيزيائي المحيط وأنهم في حضرة جلال أسمى ومعية ذات عليا قاهرة تأسر الفؤاد وتملك الوجدان يتضاءل معها كل شيء ويفقد أهميته.
وهكذا تأكد أن الاستغراق في العبادة يفتح آفاقا من الشعور بالتسامي ويقدم عونا على التخلص من آلام ومعاناة النفس والشفاء من الاضطراب كالقلق والتوتر والكآبة وتأثيراتهم البدنية, وتكرر الممارسة بانتظام يجدد القدرات بالانتقال إلى عالم تسترخي فيه النفس وتستريح من الضغوط, وفي تلك الحالة يُفقد الاهتمام بالعالم الخارجي رغم تزايد التنبه والوعي والجلاء أو تزايد الشعور به بل ربما عند درجة ما تزداد القدرة على احتمال الألم العضوي, قال د. لورنس ميكيني عميد المؤسسة الأمريكية لعلاج الاضطرابات الذهنية: "إن ممارسة التأمل العميق باعتباره صوره من الخشوع قد يساعد في حد ذاته على التغلب على الشعور بالألم النفسي والإحباط ويعيد التوازن في توزيع النشاط في مراكز المخ ويفرغ شحنات الشعور بالتعاسة وفقدان الأمل حتى عند غير المؤمنين", وما يهمنا نحن المسلمون هو أن الشريعة الغراء قد سبقت في الحث على ذكر الله وإقامة الصلاة ونوهت بدور الإيمان والخشوع في راحة النفس؛ قال تعالى: "الّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنّ الْقُلُوبُ. الّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ طُوبَىَ لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ" الرعد 28و29, ومن توجيهات القرآن الكريم أن الخشوع في العبادة مفتاح السعادة؛ قال تعالى: "قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ. الّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ" المؤمنون 1و2, وفي الأثر قول النبي محمد عليه الصلاة والسلام آمرا بالأذان: "أرحنا بها يا بلال"[5] , ولنا أبلغ الأثر في قصة التابعي عروة بن الزبير عندما أصيبت قدمه بمرض يستلزم بترها أيام الخليفة الوليد بن عبد الملك فطلب ألا يقطعوها إلا أثناء الصلاة تجنبا للألم[6].
نشرت عدة كتب علمية تبين كيف أن الإيمان بالله فطرة مغروسة في النفس البشرية وتوظيف آلياتها بالعبادة طريق إلى الصحة والسعادة, منها كتاب "الإيمان بالله مغروس بقوة داخل جيناتنا" للمؤلف ديان همر 2005, وكتاب "الإيمان والصحة" لجيف ليفن ولاري دوسي, وكتاب "الإيمان صحة وفلاح" لأندرو بريمان.
ووفق ما قاله د. ميكيني قد بدأت "الدراسات النفسية الدينية" في الستينيات من القرن الماضي عندما ذهبت مجموعة من الباحثين الأمريكيين إلى الهند لدراسة الموجات الكهربية للدماغ EEG لممارسي اليوجا, وفي عام 1980 أطلق ميكيني ومساعدوه مصطلح "الدراسات النفسية الدينية Neurotheology" وأخرج عام 1994 كتابه بنفس الاسم, ويقدم هذا العلم الجديد تأييده التام للحقيقة الجوهرية في الدين وهي الإيمان بالله, قال ميكيني : "ويكفي أننا قد أوجدنا طرقا عملية لقياس الأنشطة الفكرية ولم يعد الإيمان بالله والمشاعر خلال الممارسات الدينية نشاطا فكريا غير قابل للتجربة والإثبات, ومن تلك التقنيات الجديدة طريقة التصوير الوظيفي بالرنين المغناطيسي (MRI) functional magnetic resonance imaging وقد أكدت نتائج نيوبيرج بالفعل", وبالمثل أكدت مجموعات طبية أخرى تلك النتائج منها فريق في بوسطن قام بفحص عدة متطوعين باستخدام تقنية الرنين المغناطيسي MRI فأكد وجود النشاط غير العادي خلال فترات الاستغراق التعبدي والخشوع لمناطق التركيز الفكري, واكتشف تغيرات في نشاط مناطق أخرى بالمخ تتعلق بالإثارة excitability, ووجد فريق آخر بقيادة د. دوسيك عميد المعهد الطبي للأبحاث الذهنية تغييرا ملحوظا كذلك في نشاط مراكز بالمخ تتعلق بالذاكرة.
ويقول د. بليتريني من جامعة بيزا في إيطاليا: "إن كل شئ نفعله أو نستشعره من نشاط بسيط كحركة إصبع إلى أعمق الانفعالات العاطفية الخبيئة بالنفس أو البادية مثل الغضب والحب يرسم خريطة مميزة المعالم للمراكز المتأثرة بالمخ ويصاحب كل شعور نموذج محدد يمكن تسجيله وتحليله كالتحاليل الطبية العضوية تماما, وهذا المجال الجديد لاستطلاع دخيلة الإنسان من عواطف ومشاعر وأفكار ومدى تأثره بالاعتقاد الديني ساحر حقا, ويدخل فيه الباحثون اليوم بحذر حريصين على المنهج العلمي في البحث والتحليل كبقية مجالات العلوم التجريبية", ويقول د. مايكل ماكلوف من جامعة دالاس بالولايات المتحدة الأمريكية: "يتأثر الوجدان النفسي الروحي بالعالم الخارجي ويؤثر في الجسد ويمثل الإيمان والعبادة صمام أمان لتلك التأثيرات الطبيعية, وقد أفضت دراسته إلى أن الطبيعة البشرية مصممة بحيث تحفظها العبادة في توازن تام وتقيها الاضطراب" , وفي تحليل شمل 42 دراسة ميدانية واسعة وجد د. ماكلوف أن معدل الوفيات يقل بالاستغراق في الصلوات وبقية العبادات, وهذا التأثير مستقل عن عوامل أخرى مضرة بالصحة كتناول الخمور والتدخين, ولم يفت د. نيوبيرج أن يعلق على تلك النتيجة العجيبة بقوله: "نحن لا ندري حتى الآن على وجه اليقين كيف يؤدي الإيمان العميق والاستغراق في العبادة إلى الحفاظ على سلامة النفس وصحة البدن ومكافحة المرض وإطالة العمر, ولكن معرفتنا لآليات عمل الجسم البشري خاصة المخ تؤهلنا لتلمس آفاقا جديدة من البحث لنثبت يوما ما بحيادية وجود تأثيرات عضوية للإيمان والعبادة ندرك منها اليوم استقرار عدد ضربات القلب وضغط الدم والتغير الهرموني كماً ونوعاً والميل العصبي لتحقيق حالة من الهدوء نتيجة الخشوع والاستغراق, وقد تؤدي تلك العوامل وغيرها إلى تنشيط جهاز المناعة"[7].
والتفكر الإيماني والذكر العميق والعبادة باستغراق خاصة في الصلاة ليست ممارسات خالية من التأثير الإيجابي على النفس كما على الجسد, فقد أثبتت الدراسات صحة المشاعر التي يصفها من عايشها في لحظة انفعال إيماني, ولا نجد تعبيرات عن قمة الشعور الإيماني سوى ألفاظ كالنشوة والرضا والسعادة والبهجة والنعيم وراحة البال, وتلك الحالة لا يرتقي إليها إنسان بطريق آخر كإشباع لرغبة عابرة أو تحقيق أمل بعيد المنال, ولذا طمح د. نيوبيرج رصد حالة الصفاء والهناء تلك بلا كدر وخز الضمير وعبء شعور بالذنب ليخصها بالوصف, ولكن بلوغ تلك الدرجة وإمكان تسجيلها صعب التحقيق ولذا اكتفى د. نيوبيرج بعدد من الحالات التي مارست بعض ذلك الشعور ووصفته بأنه حالة من الارتياح والخفة والصفاء رغم التنبه للمؤثرات الخارجية, ويصاحب حالة النشوة أو التحليق الروحي تلك زيادة الشعور بالعالم أو ما يسمى بالجلاء الروحي الذي يتكامل عند بلوغ الخشوع غايته حيث الطهارة والسمو والرفعة الروحية وأنفس متعة يمكن تحصيلها, ووفق ما سجله د. نيوبيرج كان شعور الذين خضعوا للتجارب لما حولهم أكثر واقعية ووضوح وجلاء عما اعتادوا خلال أداء الأنشطة اليومية, وكان صحيا ونقيا لم يصاحبه أي نوع من الخوف أو تشويش الذهن أو فقدان الشعور بالزمان والمكان أو الوساوس والهلوسة كما يحدث في حالة الإصابة بالأمراض النفسية والعقلية وتعاطي المخدرات والإدمان بالعقاقير, ولم تهدف التجارب في المجال النفسي تلك لتمييز زيف أو صحة الاعتقادات وإنما إلى اكتشاف الآليات حتى عند غير المؤمنين, وهي تبين امتلاك الناس جميعا لأدوات للإيمان تنفعل بالخشوع في العبادة فتحفظ صحة النفس والبدن, وهذه الأدوات تصبح معدومة القيمة ولا عمل لها إذا لم توظفها العبادة مما يؤكد أن الإيمان بالله تعالى فطرة مركوزة في النفس البشرية ويؤيد صدق دعوة الأنبياء جميعا إلى عبادة الله الخالق وحده ويدحض ادعاء المغرضين في أن جوهر الدين في الأصل من ابتداع المخلوقين, وخلاصة تجارب د. نيوبيرج وأمثاله تقول: "إما الرفعة والسعادة والمتعة الحقيقية في العبادة وإما الشقاء والجحيم", ولو تأمل الباحثون في ذلك المجال الجديد لوجدوا أن ما توصلوا إليه ليس إلا بعض ذخائر القرآن الكريم بصفته الكتاب الجامع للتعاليم الأصلية للرسل أجمعين والحاوي الوحيد لشريعة عالمية غير قومية تنسجم مع الفطرة السوية.
المحور الثاني
الاستشفاء بالقرآن في منظور الشريعة الإسلامية
قال د. خالد بن عبد الكريم اللاحم في باب قراءة القرآن بقصد الاستشفاء بكتابه "مفاتح تدبر القرآن والنجاح في الحياة" (ج1ص40): "قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ} يونس 57، وقال تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا} الإسراء 82، وقال تعالى: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ} فصلت 44, فالقرآن شفاء للقلوب من أمراض الشبهات والشهوات والوساوس كلها؛ القهري منها وغيره, وشفاء للأبدان من الأسقام، فمتى استحضر العبد هذا المقصد فإنه يحصل له الشفاءان: الشفاء العلمي المعنوي والشفاء المادي البدني بإذن الله تعالى..، والشفاء بالقرآن يحصل بأمرين: الأول القيام به وخاصة في جوف الليل الآخر مع استحضار نية الشفاء, والثاني الرقية به"[8], وقال السيوطي في الإتقان (ج1ص423): "أخرج البيهقي.. أن رجلاً شكا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وجع.. قال: (عليك بقراءة القرآن)", وفي سنن ابن ماجة (ج10ص326): "عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (خَيْرُ الدَّوَاءِ الْقُرْآنُ)", وفي حاشية السندي على ابن ماجه (ج6ص434) قال: "قَوْله (خَيْر الدَّوَاء الْقُرْآن) إِمَّا لِأَنَّهُ دَوَاء الْقَلْب فَهُوَ خَيْر مِنْ دَوَاء الْجَسَد وَإِمَّا لِأَنَّهُ دَوَاء لِلْجَسَدِ فَتَزْدَاد الْمَزِيَّة.., وشَرْط التَّدَاوِي بِهِ حُسْن الِاعْتِقَاد وَمُرَاعَاة التَّقْوَى", وفي كشف الخفاء (ج2ص95) قال العجلوني: "رواه القضاعي والسجزي عن علي مرفوعا (القرآن هو الدواء) وسنده حسن كما قال المناوي..، وعند سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والطبراني عن ابن مسعود موقوفا, وعند ابن ماجه والحاكم وصححه البيهقي عنه مرفوعا: (عليكم بالشفاءين؛ العسل والقرآن)", وعند ابن حبان (ج13ص464) وفي موارد الظمآن (ج1ص343): "عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها وامرأة تعالجها أو ترقيها فقال: (عالجيها بكتاب الله)", وقد صححه الألباني في السلسلة الصحيحة (رقم 1931).
والاستشفاء بالقرآن إصلاح شامل للنفوس والأبدان فيقتضى تدبر معانيه والعمل بتعاليمه وإقامة أركانه باعتباره منهج حياة خاصة الصلاة, قال د. إبراهيم النقيثان: "الصلاة راحة للمؤمن حيث بها يناجي ربه وخالقه، فرسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فيما رواه النسائي: (وجعلت قرة عيني في الصلاة).., وروى أبو داود عنْ حْذَيْفَةَ قولَه: (كَانَ النّبيّ صلى الله عليه وسلم إذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ صَلّى)، وروى أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: (يا بلال أرحنا بالصلاة), وذلك كما يشير فارس علوان (في كتابه وفي الصلاة وقاية) لما: (تضفيه الصلاة على المسلم من أمن واستقرار نفسي وتوازن عصبي وانسجام عقلي كلها ممزوجة براحة الضمير وشعور بالسعادة والبهجة وإشباع في العاطفة ولذة في الروح لا تعادلها لذة، هذه المعاني السامية يحسبها غير المصلي هراء ويعدها معاني جوفاء فيبقى محروما منها مهما أوتي من مال أو علم أو ترف), وذكر عبد الرؤف المناوي في فيض القدير حين شرحه لحديث (قمْ فَصَلِّ ، فَإِنَّ فِي الصلاةِ شِفَاءً) والذي رواه أحمد وابن ماجة ما نصه: (فإن في الصلاة شفاء من الأمراض القلبية والبدنية والهموم والغموم قال تعالى: {وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ} البقرة 45، ولهذا كان النبي صلى اللّه عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع إليها، والصلاة مجلبة للرزق حافظة للصحة دافعة للأذى مطردة للداء مقوية للقلب مفرحة للنفس مذهبة للكسل منشطة للجوارح ممدة للقوى شارحة للصدر مغذية للروح منورة للقلب مبيضة للوجه حافظة للنعمة دافعة للنقمة جالبة للبركة مبعدة للشيطان مقربة من الرحمن, وبالجملة لها تأثير عجيب في حفظ صحة القلب والبدن وقواهما..، لاسيما إذا وفيت حقها من التكميل)..، وكما يقرر فارس علوان..: (في الصلاة لذة لا يشعر بها إلا من أخلص وجه لله ومتعة لا يتذوقها إلا من استقرت حلاوة الإيمان في قلبه وراحة نفسية قلما توجد إلا عند من خضعت جبهته لله), ويشير محمد نجاتي (في كتابه الحديث وعلم النفس) إلى أثر الصلاة في جانبها النفسي فيقول: (للصلاة تأثير فعَّال في علاج الإنسان من الهم والقلق، فوقوف الإنسان في الصلاة أمام ربه في خشوع واستسلام وفي تجرد كامل عن مشاغل الحياة ومشكلاتها إنما يبعث في نفس الإنسان الهدوء والسكينة والاطمئنان ويقضي على القلق وتوتر الأعصاب الذي أحدثته ضغوط الحياة ومشكلاتها.. ويبعث في النفس الأمل ويقوي فيها العزم والهمة.. وللصلاة تأثير في علاج الشعور بالذنب الذي يسبب القلق.. وعلى الجملة فإن للصلاة فوائد.. تساعد على شفائه من أمراضه البدنية والنفسية وتزوده بالحيوية والنشاط)..، ويؤكد ذلك فارس علوان بقوله: (إن الطمأنينة النفسية والسكينة الروحية وشعور الأمن والاستقرار التي تضفيها الصلاة في قلوب المتقين وألباب الخاشعين تجعل الأمراض النفسية والشعور بالخوف والقلق والغضب والحزن والوحدة القاتلة والأمراض العقلية كالخرف نادرة الحدوث في مجتمع المصلين، قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} النحل 97.., وقال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ} الأنعام 82, وأما عن غيرهم فقد قال تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا} طه 124، هذه بعض الآثار لهذه العبادة العظيمة, ولحكمة يعلمها الله عز وجل جعلها تتكرر في اليوم والليلة خمس مرات"[9].
المحور الثالث
الاستشفاء بالقرآن في منظور الطب الحديث
قال د. رامز طه: "إذا كان البعض يدعى أن الطب النفسي Psychiatry وعلم النفس Psychology لا علاقة لهما بالدين فإنني أؤكد خطأ هذا الادعاء وعدم صحته تماماً خاصة فيما يتعلق بجزئية العلاج النفسي حيث القضية تعديل اعتقادات وأفكار ومفاهيم مرتبطة أشد الارتباط بالأخلاق والعادات والدين, وإن تجاهل الحضارة الغربية لأهمية الجوانب الروحية والدينية وضعها الآن في مأزق وهى تكتشف كل يوم آثار الإيمان والاعتقاد في النشاط النفسي والذهني بل وفى تغيير بيولوجيا الجهاز العصبي وكافة أجهزة الجسم، وعلى سبيل المثال فقد تم التأكد بصورة جازمة على ازدياد قدرة جهاز المناعة على قهر الأمراض المختلفة حتى تلك الأمراض الخبيثة عندما ينجح الإنسان في توظيف طاقات الأيمان الهائلة الموجودة داخله, وقد اعتمد العلاج النفسي على مر العصور على الدين واستعان به للمساعدة على مواجهة لحظات الهزيمة والألم واليأس، وإن إساءة استخدام البعض لهذه الجوانب المشرقة في حياة البشر لا يجعلنا نرفضها وندير ظهرنا لها, وقد أدرك عالم النفس الأمريكي وليم جيمس William James أهمية الأيمان للإنسان لتحقيق التوازن النفسي ومقاومة القلق.., وشكلت الجمعية الأمريكية للطب النفسي فريق من الباحثين لدراسة الجوانب الدينية والروحية وآثارها على الصحة النفسية.. مما يشكل دافعاٌ آخر لنا للاهتمام بالعلاج النفسي الديني وتطويره خاصة مع ضعف النتائج والفشل في علاج بعض الأمراض النفسية في المنطقة العربية خاصة الإدمان والتي أكدتها أكثر من دراسة من منظمة الصحة العالمية WHO", وقد لاحظت من خلال ممارستي الطويلة أن بعض المرضى يعالجون أنفسهم ذاتيا بقراءة القرآن الكريم بعمق وخشوع وتأمل لمعانيه, وأنهم ينجحون غالباً في خفض درجة توترهم والتغلب على مشاعر الخوف والقلق والإحباط والوساوس التي تسيطر على أذهانهم بدرجة كبيرة تساند العلاج الدوائي وأساليب العلاج النفسي الأخرى, ولأن المرض النفسي ذو شقين أحدهما فكري أخلاقي والأخر جسماني فان العلاج يجب أن يتم بمعالجة آلام النفس بالكلمة والمناقشة وتعديل التفكير والسلوك بالإيمان والقيم والأخلاق ومعالجة الجسم الذي أختلت وظائفه بالأساليب الطبية والدواء في علاج تكاملي شامل.., وهكذا لم نبعد كثيراً عما جاء به القرآن الكريم منذ أكثر من ألف سنة, قال تعالى: {وَنُنَزّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَآءٌ وَرَحْمَةٌ لّلْمُؤْمِنِينَ} الإسراء 82, وقال تعالى: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ} فصلت 44"[10].
وقالت الباحثة ناهد عبد العال الخراشي: " هناك تساؤل يطرح نفسه: لماذا تعجز المجتمعات الحديثة بالرغم مما لديها من تطور هائل في التكنولوجيا وفي جميع وسائل الحياة عن أن تخلق مجتمعاً آمناً؟ الجواب هو فقد الإيمان, فبعيداً عن الدين انحدرت الفضائل وضاعت القيم والأخلاق, قال وليم جيمس عالم النفس الأمريكي: إن أعظم علاج للقلق هو الإيمان.., وذكر نهري لينك في كتابه (العودة إلى الإيمان): الذين يترددون على دور العبادة يتمتعون بشخصية أقوى وأفضل ممن لا دين لهم ولا يقومون بالعبادة.., وقال أليكس كاريل في كتابه (دع القلق وأبدأ الحياة): إن أولئك الذين لا يعرفون كيف يتخلصون من القلق يموتون صغار السن.., وقال في مقال منشور: الصلاة هي أقوى شلال للطاقة يستطيع المرء توليده.., وقال توماس هايسلون: إن الصلاة أهم وسيلة عرفت حتى الآن لبث الطمأنينة في النفوس وبث الهدوء في الأعصاب.., فالحياة (إذن) كنز ونفائس وأعظمها الإيمان بالله وطريقها منارة القرآن الكريم, والإيمان إشاعة الأمان, والأمان يبعث الأمل, والأمل يبعث السكينة, والسكينة نبع السعادة حصادها هدوء نفسي, فلا سعادة بلا سكينة نفس، ولا سكينة نفس بغير إيمان, ومما لا شك فيه أن للقرآن الكريم أثر عظيم في تحقيق الأمن النفسي والطمأنينة القلبية والسكينة, والسكينة.. نور يسكن إليه الخائف ويطمئن عنده القلق.., والقرآن الكريم فيه من عطاء الله ما تحبه النفس البشرية وتميل إليه، إنه يخاطب ملكات خفية في النفس.. تنفعل حينما يقرأ الإنسان القرآن, ولذلك حرص الكفار على ألا يسمعه أحد لأن كل من يسمعه سيجد له حلاوة وتأثير قد يجذبه إلى الإيمان, ولا شك أن في القرآن الكريم طاقة روحية هائلة ذات تأثير بالغ الشأن في نفس الإنسان، فهو يهز وجدانه.. ويصقل روحه ويوقظ إدراكه وتفكيره ويجلي بصيرته، فإذا بالإنسان بعد أن يتعرض لتأثير القرآن يصبح إنساناً جديداً, وإن كل من يقرأ تاريخ الإسلام ويتتبع مراحل الدعوة الإسلامية منذ أيامها الأولى ويرى كيف كانت تغير شخصيات الأفراد يستطيع أن يدرك مدى التأثير العظيم الذي أحدثه القرآن الكريم في نفوسهم, وتمدنا دراستنا للتاريخ بأدلة عن نجاح الإيمان بالله في شفاء النفس البشرية من أمراضها وتحقيق الشعور بالأمن بالطمأنينة, وقد بين القرآن ما يحدثه الإيمان من أمن وطمأنينة في نفس المؤمن بقول الله تعالى: "الّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُوَاْ إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَـَئِكَ لَهُمُ الأمْنُ وَهُمْ مّهْتَدُونَ" الأنعام 82, وقوله تعالى: "وَمَن يُؤْمِن بِاللّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ" التغابن 11, وتتحقق للمؤمن سكينة النفس وأمنها وطمأنينتها لأن إيمانه يمده بالأمل والرجاء في عون الله تعالى ورعايته وحمايته فالإيمان هو الذي يقودنا إلى الأمان والطمأنينة والسعادة"[11].
وقال د. وائل أبو هندي: "أنصح كل من يستطيعُ من المرضى أن يقرأ القرآن الكريم بأن يفعل ذلك ما عدا في الحالات الذهانية التي لا يدرك المريض فيها أفعاله، وأما جميع الحالات الأخرى بما في ذلك مرضى الوسواس القهري فإن قراءة القرآن الكريم جزءٌ من علاجهم.., (وأما بخصوص وجود) علاقة بين الأمراض النفسية وضعف الإيمان..، فهذا الاعتقاد الخاطِئ لدى الناس إنما جاء من أمرين: الأول هو عدم إدراك الناس لمعنى المرض النفسي والثاني هو نظرة الناس للأمراض النفسية على أنها مركب نقص، ولبحث هـذا علينا أوَّلا أنْ نفـرّق بين الأعراض النفسية والأمراض النفسية؛ فالأعراض النفسية هي تلك التفاعلات النفسية التي تطرأ على الفرد نتيجة تفاعله مع ظروف الحياة اليومية، وتستمر لفترات قصيرة، وقد لا يلاحظها الآخرون، ولا تؤثر عادة على كفاءة الفرد وإنتاجيته في الحياة، كما لا تؤثر على عقله وقدرته في الحكم على الأمور, وتعد هذه العوارض النفسية جزءا من طبيعة الإنسان التي خلقه الله بها؛ فيبدو عليه الحزن عند حدوث أمر محزن ويدخل في نفسه السرور والبهجة عند حدوث أمر سار, وهذا أمر مشاهَد معلوم لا يحتاج لإثباته دليل ويحدث لكل أحد من الصالحين والطالحين, أمـا الأمراض النفسية فأمرها مختلف وهي لا تقتصر على ما يسميه الناس بالجنون, بل إن معنى المرض النفسي معنى واسع يمتد في أبسط أشكاله من اضطرابات التأقلم مع الأحداث الحياتية إلى أشد أشكاله تقريبا متمثلا في فصام الشخصية أو الذهان الدوري، كما أنه ليس شرطا أنْ تُستخدم العقاقير في علاج ما يسميه الأطباء النفسيون بالأمراض النفسية، بل إن منها ما لا يحتاج إلى علاج دوائي؛ فهي تزول تلقائيا وربما لا يحتاج معها المريض سوى طمأنته كما يحدث عادة في اضطرابات التأقلم البسيطة, ويعتمد الطبيب في تشخيص الاضطراب أو المرض النفسي بشكل كبير على ثلاثة أمور: نوعية الأعراض وشدة الأعراض ومدة بقاء هذه الأعراض, فلتشخيص المرض النفسي يجب أنْ يحدث عند المريض أعراض غريبة أو ربما أعراض غير مألوفة كالضيق والحزن مثلاً، وتستمر لمدة ليست بالطارئة أو القصيرة وبأعراض واضحة تكون كفيلة بتشخيص المرض النفسي في تعريف الأطباء, ولذلك فإن من يحزن لفقد قريب أو عزيز ويتأثر بذلك فإننا لا نصفه بأنه مريض نفسي إلا إذا استمر حزنه لمدة طويلة ربما تصل لعدة أشهر أو بضع سنوات وبدرجة جلية تؤثر على إنتاجية ذلك الفرد..، ولعلي أعجب من البعض الذين يربطون درجة التقوى والإيمان بامتناع الإصابة بالأمراض النفسية دون العضوية فلقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه).., وهذا البيان النبوي شامل لجميع الهموم صغيرها وكبيرها وأيًّا كان نوعها، وفي الأصل فإن الأمراض النفسية مثل غيرها من الأمراض ولا شك وهي نوع من الهم والابتلاء ولذلك فإنها قد تصيب المسلم مهما بلغ صلاحه, كما أنه لم يرد في الكتاب الكريم ولا في السنة المطهرة ما ينفي إمكانية إصابة المسلم التقي بالأمراض النفسية حسب تعريفها الطبي.., وقد ذكر الإمام أبو حامد الغزالي رحمه الله في كتابه (المنقذ من الضلال) وصفا لنوبة الاكتئاب الحادة التي أصابته هو شخصيا وهو المعروف بعلمه وتقواه وورعه..، كما أن انتقال أغلب الأمراض النفسية عبر الوراثة يعكس بوضوح الطبيعة المرضية لتلك الأمراض، وبالرغم من ذلك كله فإن المسلم يتميز.. في أنه يحتسب ما يصيبه عند الله ويستعين بحول الله وقوته على مصائب الدنيا..، مما يخفف من أثر المصائب عليه.., ولذلك فإننا نلاحظ حدوث حالات الانتحار في المجتمعات الغربية تفوق بكثير ما يحدث في المجتمعات الإسلامية"[12],
وقال الدكتور فيصل محمد خير الزراد: "الحياة الإنسانية في مجتمعاتنا المعاصرة تعقدت كثيرا ولم تعد بهذه البساطة التي كانت عليها في السابق, لقد تفاقمت صعوبات الحياة وتعددت مشاكل الإنسان وزادت الأعباء وأصبح من الصعب على الإنسان تحقيق معظم حاجاته وطموحاته أو أن يسلك في الحياة دون معاناة أو ألم، وهذه الظروف الحياتية الصعبة والمتلاحقة بما فيها الظروف المادية الصعبة والتغيرات السريعة التي طرأت على مجتمعاتنا العربية والتحديات التي تواجه هذه المجتمعات والحروب المتلاحقة والعدوان والدمار وغير ذلك زادت من معاناة الإنسان وصراعاته الفكرية والنفسية كما زادت من الضغوط النفسية ومن حالات الإحباط والقلق والحرمان والاكتئاب.. وجعله (ذلك) يفقد توازنه العقلي والنفسي ويعرضه إلى العديد من الاضطرابات النفسية والعقلية والسلوكية ويضعف قدرته على العمل والعطاء والإنجاز كما يؤثر سلبا على صحة الإنسان وبيئته ومجتمعه, وهذا الحال ينطبق على كل إنسان ذكرا أم أنثى صغيرا أو كبيرا، وهنا يكون للطب النفسي الدور الأكبر في مواجهة هذه القضايا النفسية تشخيصها وعلاجها والوقاية منها.. (و)من الأهداف.. نشر الوعي الصحي لدى أفراد المجتمع.. للوقاية من الاضطرابات النفسية والعقلية والسلوكية وفهم طبيعة هذه الأمراض النفسية دون خوف أو مبالغة وأهمية اللجوء إلى الاختصاصيين في هذا المجال بعيدا عن أعمال السحرة والمشعوذين.. وما شابههم, وبعيدا عن أي تفكير خرافي غير علمي أو غير صحيح.. (و)التأهيل للحالات النفسية بما فيها حالات الانحراف والميل إلى الإدمان والانتحار والتواصل مع الاختصاصيين في مجال الطب النفسي وعلم الاجتماع والتربية"[13].
وقال د. عبد الستار أبو غدة: "من أشهر الأمراض النفسية: (1) القلقAnxiety ويعرف بأنه الشعور بالخوف الزائد من شر متوقع والإحساس بالعجز عن مواجهته.. (و)يعبر عنه المختصون بأنه حالة من التوتر الشامل الذي ينشأ خلال صراعات الدوافع ومحاولات الفرد للتكيف، (2) الاكتئاب Depression وهو حالة انفعالية تكون فيها الفاعلية النفسية الجسدية منخفضة وقد يصاحبها شعور باليأس والتفاهة وفقد الاهتمام والعجز عن التركيز, (3) الخورNeurasthenia ويقصد به تقليد شكوى الغير، أو كما يقول الشاعر..: أيها الشاكي وما بك داء.., وهو خلل وظيفي في السلوك يتصف بالشكوى الجسدية غير المستندة لواقع، وعلاج هذا المرض يكمن في التسلي عن المصائب والتذرع بالصبر..، (4) الاستحواذ أو الوسواس القهري Obsession: وهو سيطرة شعور أو فكرة بإلحاح بطريقة غير منطقية يعجز المصاب عن مقاومتها..، (وأما) وسائل العلاج.. فلابد لمنحها الثقة أو حجبها عنها من تحري ما تشتمل عليه.. من تصرفات ليست محل تحفظ شرعي وإلا فما جدوى علاج يشفي عللا ثانوية ويحدث شرخا في أركان الشخصية الإسلامية, فإذا روعيت هذه الضوابط فإن المعالج مطلق اليد في التصرف بحكمة.. ملحوظ فيها كل ما يحقق الحظوة للعليل، فإن المجال هنا مجال النفس في مشاعرها وليس الجسم في عضويته الآلية.. (و)المعيار الأسمى يتمثل في البناء القيمي الديني.. وأسمى قيمة هي الإيمان ليطمئن القلب والوجدان.. وهناك شعار يمكن رفعه في الدعوة إلى رحابة الصدر بهذا العلاج وهو مستمد من قول النبي عليه الصلاة والسلام تعقيبا على استعراضه بعض الرقى وإقرار ما كان منها خاليا من الشوائب المخلة بالعقيدة أو السلوك الإسلامي: (من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل), وإن تسليط الأضواء على هذا النوع من العلاج إتاحة للنفع..، فكما يحتاج المريض إلى عقاقير الدواء يحتاج إلى علاج الفكر.. والعلاج الروحي.. ميسور لمن لديه مبادئ إيمانية, على أننا حين نقرر العلاج الروحي لا نقبل من صوره إلا ما ثبتت شرعيته بالنصوص الصحيحة بعيدا عن الخرافات والأوهام وهو ما كان قائما على أدعية مشروعة تصدر من المريض نفسه أو ممن يتوسم فيه استجابة دعائه بعيدا عن التمائم والأحجبة.. ويدور العلاج الروحي.. على قراءة آية الكرسي والمعوذتين والدعاء والصلاة ونحو ذلك مما يقوي الإيمان ويريح النفس"[14].
المحور الرابع
الإيحاء وسيلة المعوذين
مع التوثيق بالصوت والصورة تبين تجاوز البعض حدود الرقية الشرعية ودخول شيء من الحيل والتخييل, فاستخدم مثلا سلك كهربائي يبدو طرفه موصولا بمصدر التيار ويتصل طرفاه من الجانب الآخر بامرأة لصعق الجني داخلها وفي جو الرهبة والخوف من سيطرة المجهول يبلغ الإيحاء أن تصرخ المرأة أو تتحدث بصوت خشن كأن جنيا يتحدث بلسانها ويشهد جملة نساء حولها بأنهن قد شممن رائحة شياط الجني المحترق بينما الكهرباء غير متصلة بالسلك, ومن وسائل الإيحاء Suggestion لتحقيق الشعور بالراحة بعد الإقناع بطرد غزاة الجسد من الجان الذين نسبت إليهم كل المتاعب وجميع المشكلات استخدام جهاز تدليك يهتز ربما على مناطق حساسة بجسم الأجنبية أو وقوف أحدهم بثقله على بطنها وكلها ممارسات لا تتصل بنسب للرقية الشرعية, وبلغ تأثير الإيحاء أن يروي أحدهم بدهشة كيف أن سيارته قد كسر حامل عجلتها فجأة وكيف أن الشيخ قد اكتشف إصابتها بالجان حتى أنها أصدرت صوتا وبطاريتها منزوعة وبعد إصلاحها وطرد الجان لم يصبها شيء ولكنه لم يلاحظ أن سيارته متهالكة من السبعينيات, وقد أرجعت بعض الحالات المشخصة طبيا سلفًا إلى الجان خاصة الحالات النفسية مع الإيهام بطرده بوسائل متباينة أو التصالح معه, ولم تبين النتائج بعد استشارة المختصين تعذر التفسير الطبي والنفسي أو الضغوط الاجتماعية في أغلب الحالات ليسوغ التفسير الغيبي, وترجع الخطورة إلى أن التحسن الوقتي نتيجة للإيحاء قد يؤدي إلى تأخر المعالجة الطبية فتتفاقم الحالة, ولا يشفع للتجاوزات إضفاء هالة من الشرعية بتلاوة آيات أو التذرع بتحسن يدهش غير المختصين لحالات تبدو صعبة كالشلل الهستيري للجهل بأنه أحد الأمراض النفسية.
وباستعراض طرق عدد من المعوذين تبين اتخاذ بعضهم الرقية مهنة واستثمرها تجارة, وعلى سبيل المثال مثلما يؤسس بعضهم شركة لتطهير البيوت من خطر الفئران أسس أحدهم شركة لتنظيف البيوت من مفاسد الجان, وادعى آخر اكتشاف خلطة أعشاب لعلاج جميع الأمراض مقروء عليها آيات الشفاء وأدعية التحصين من القرآن والسنة والرقية الشرعية.
وقد تبين أن متوسط عدد الحالات التي ترد للرقاة أضعاف ما يرد على العيادات النفسية, وفي دراسة لعدد الرقاة في حي واحد تبين تزايدهم لأكثر من عشرة أغلبهم حرفيين والقليل جامعيين بينما لم يوجد أحد قبل حوالي ربع قرن مما يعكس وجود تغيرات جذرية تتعلق بضغوط اجتماعية ونفسية أدت إلى تسلط المعتقد الشعبي على العقول وإن تذرع بالمعتقد الديني, وممارسة أغلب الرقاة نوع من التطبب الشعبي اختلطت فيها قراءة الآيات والأدعية الشرعية ببدع على خلفية موحدة هي إمكان سيطرة الجان على إرادة الإنسان, وغالبا لا يملك المعوذ طارد الأرواح الشريرة The Exorcist أو الراقي معرفة تمكنه من تشخيص طبي أو نفسي, ولا يوجد مستند شرعي لتوهم استطاعته تشخيص حالة بعينها سحر أو عين أو تلبس بقدرة لم تؤثر عن النبي عليه الصلاة والسلام أو الصحابة والتابعين وإن ادعى معاونة جان مسلمين يستحيل إثباتها, فضلا على أن المغالاة بتجاوز حدود الرقية الشرعية تفتح بابا للمدعين والمغرضين أو لتعليق عواقب سوء التصرفات على مجهول تستحيل ملاحقته فيسود الوهم والخداع وتتعطل المعالجة الحقيقية للمشكلات, وعلى سبيل المثال كانت شكوى إحداهن هي القلق الدائم من هدم زواجها الحالي مدعية وسوسة جان في اليقظة والمنام تهددها بكشف وثيقة زواج عرفي سابق.
المحور الخامس
خطر المشعوذين
المشعوذ دجال قد يخفي غرض الكسب ويقنع بالهدايا بإدعاء عدم طلب الأجر خشية الملاحقة الأمنية, ولكن قد يأمن فيفضح غرضه بإعلانه في وسائل الإعلام مدعيًا قدرات يطلب معها الدفع مقدمًا, وفي أحد المواقع أعلن أحدهم أن لديه: (العلاج للعنوسة وربط الأزواج وما يشفي من كل سحر وحسد ومرض بالعلاج بالقرآن والأعشاب خاصة جميع الأمراض الخبيثة و المستعصية كالسرطان وأمراض الكبد والعقم عند النساء والرجال والعلاج ليس مجاني والدفع مقدما), وغالبا يجد المشعوذ ضالته فيمن بلغ حد اليأس تحت وطأة الضغوط الاجتماعية والمصابين بالأمراض المستعصية؛ الاجتماعية منها والبدنية, كما يستغل جهل المصابين بوهم التلبس بجان أو الوقوع فريسة لسحر, وذوي الحالات الصحية المزمنة كالبرص والسكري والسرطان, وذوي الأغراض المتعلقة بالمحبة والكراهية والانتقام كترهيب الزوج أو تدجينه أو الانتقام منه وتحطيمه أو لجلب السعد لابن عاطل أو لابنة عانس, والشعوذة مستمرة في الانتشار خاصة في الأوساط الشعبية حيث تقل الثقافة والوعي وتنتشر الأمية وتكثر الضغوط الاجتماعية والمشاكل الزوجية والمعاناة الدراسية, وتشكل النساء أغلبية الزبائن وهن يتداولن غالبا روايات مبالغ فيها عن حالات كثيرة "تحقق فيها المقصود"؛ تستوي في ذلك المتعلمات والأميات والشابات والمسنات، ومن خوفهن من الحسد والإصابة بالجان يتملكنهن الوهم ويصبن فعلا بوساوس وكوابيس وصداع وآلام فيندفعن نحو الدجالين ويقعن ضحية الابتزاز, وفي الحقيقة هذه جميعا أعراض نفسية وقد يؤدي تأخير علاجها الحقيقي إلى نتائج وخيمة, وكلما عالج علماء الشريعة المشاكل اليومية ونبهوا للسلوكيات المتجاوزة حد الشريعة كلما قلت الظواهر السلبية إذا لم تنعدم.
المحور السادس
ظواهر نفسية معلومة في الطب
تشير هذه الدراسة إلى وجود تطابق تام بين الأعراض الطبية وتلك التي تنسب للجان وتعالج بالإيحاء بوسائل الطرد كالإيهام بالصعق الكهربائي, فتتشابه الأعراض تماما مع أمراض عضوية ونفسية يجهلها المعوذون فيبسطون الأمر بنسبة كل الحالات إلى الجان, وقد أكدت هذه الدراسة قوة الجانب الديني في البيئة الإسلامية, فإذا استثنينا تأثير الإيحاء نجد الانفعال الديني يفسر كثير من حالات الانفعال والاهتزاز والصراخ التي تصيب بعض المرضى عند سماع القرآن الكريم ويظن الحاضرون أنها أفعال الجني والشخص نفسه غير مسئول حتى لو اتهم آخر بجريمة في تلك الحال فهي شهادة لا ترد من جني بالواقعة, والحالات المرضية مثلا التي يشخصها المعوذون على أنها مس أو سحر تتشابه إلى حد التطابق مع تشخيص الطب النفسي, وقد تجد من المعوذين من يطلب وقف دواء طبي ضروري فتستفحل الحالة, وأكثرهم لا يأبهون بالطب النفسي بل إن منهم من يستهزئ بالأطباء اعتقادا منه أنه يمتلك علاجا لجميع الأمراض المستعصية, وبعضهم قد لا يتحفظ في مس الأجنبيات ومنهم من يقوم بضربهن أو خنقهن أو الضغط على بطونهن بيده ورجله مما قد يضطر بعضهن لمجاراته بالاعتراف الزائف بوجود الجني والتحدث بلسانه والتصريح بالراحة بعد خروجه تهربا من الأذى, والأنثى أكثر ضعفا في القدرة على التكيف والتوازن العقلي والنفسي مما يجعلها أطوع للإيحاء ميالة للمغالاة في قدرات المعوذ خاصة الأميات, وقد يتحدث جني على لسانها مخبرا بحالة عشق أو مس وإن لم يخرج الحديث عن ثقافتها ولغتها, والإحساس بالذنب قد يتضاعف فيؤدي إلى كراهية الذات والوقوع في أسر الوهم مما يجعل المصابة أقرب للتأثر بالإيحاء, ويقلد أكثر الرقاة بعضهم وقد يتحول بعض المرضى إلى رقاة أو معاونين فهي إذن ثقافة شعبية سائدة أكثر منها دعاء بالرقية الشرعية.
وانفصام الشخصية Schizophrenia مثلا هو أحد الأمراض الذهانية (العقلية) ويعاني فيه المصاب من اضطراب في التفكير والوجدان والإدراك والسلوك وضعف الإرادة, فينسحب من المجتمع ويغلق باب حجرته على نفسه كثيراً, ويقع ضحية ضلالات لا يقتنع بعدم صحتها وتشمل ضلالات الاضطهاد والعظمة كأن يعتقد أنه زعيم أو مخترع أو أنه مراقب ومضطهد، وكثيراً ما يعانى من هلاوس غالبا ما تكون سمعية كأن يسمع أصوات غير موجودة في الواقع قد تعقب على تصرفاته أو تأمره, وتتسم أفكاره بالغرابة ويقفز إلى استنتاجات مفاجئة لا علاقة لها بالمقدمات ويتطرف في الآراء ويتحذلق في الحديث ويعاني من عدم اهتمام بالمظهر ويتدهور أدائه ومهاراته الاجتماعية والذهنية والوظيفية مع جمود وبرود في العاطفة والوجدان, وقد يأخذ وضعاً غريبا يظل متجمداً فيه لفترة طويلة مع ذهول أو هياج شديد بدون سبب واضح, وكثيراً ما يقاوم المريض فكرة الذهاب إلى الطبيب النفسي فتطوف به الأسرة على الدجالين والمشعوذين فيتأخر الشفاء وتزداد المضاعفات,
ومرض الاكتئاب Depression هو شعور بالحزن والضيق واليأس وقد يصاحبه شعور بالذنب والتقصير والعجز مع فقدان الاهتمام وصعوبة التركيز وكثرة السرحان واضطراب في النوم كالأرق خاصة عند كبار السن وكثرة الكوابيس واضطراب الشهية وتعذر المتعة بأي شيء، ومن علاماته الكسل والإجهاد لأي نشاط عضلي أو عقلي وربما العصبية الزائدة والهياج لأدنى سبب, وقد يصاحب سن اليأس عند المرأة أو بعض الأمراض العضوية, وقد تزيد نسبته عن 5% من مجموع السكان, وتنشط أفكار سلبية في ذهن المريض تدفعه باستمرار إلى اليأس والحزن والتشاؤم والرغبة في الموت قد تؤدي إلى الانتحار في حوالي 15% من الحالات, وقد يعلن الاكتئاب عن نفسه في صورة أعراض جسمانية مثل آلام في أجزاء مختلفة من الجسم أو فقد القدرة الجنسية أو الشكوى من أعراض أمراض عضوية رغم أن الفحوصات الطبية تثبت عدم وجودها, وفي بعض الحالات الشديدة قد تظهر هلاوس hallucinations مثل سماع أصوات تحقر من شأنه أو تحثه على التخلص من حياته أو ضلالات وأفكار ثابتة خاطئة لا تستجيب إلى الإقناع مثل ضلالات الإحساس بالذنب أو ضلالات اعتلال الصحة, وتلك هي نفس الأعراض التي يتكرر سماعها في العيادات الشعبية للمعوذين ويتكرر نسبتها جميعا لأنشطة الجان في إيذاء الإنس, ولكن تلك الحالات تستجيب غالبا للعقاقير أو الصدمات الكهربية في الحالات الشديدة, وقد ثبت أن الالتزام بالصلاة وقراءة القرآن والصحبة الصالحة والتشاغل بأعمال البر ومعاونة المحتاجين يساعد العديد من الحالات بالسيطرة على الأفكار السلبية ونبذ الشعور باليأس والإحباط مع احتمال استرداد نسبة مادة السيروتونين Serotonin كمؤشر معملي إلى معدلها الطبيعي.
المحور السابع
اجتهادات للعلماء استغلها المعوذون
قال الشيخ فيصل مولوي نائب رئيس المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث: "اختلف العلماء اختلافاً كثيراً في مس الشيطان للإنسان هل يتعدى ذلك إلى البدن فيصيبه بالسقم والمرض والأوجاع والآلام الشديدة حتى يصل إلى حالة الصرع والجنون كما هو متداول بين الناس اليوم بقولهم (فلان قد لبسه شيطان), فذهب بعض العلماء إلى الجواز, وذهب البعض الآخر إلى عدم الجواز معللين بأن الشيطان لا يستطيع ذلك ولا قدرة له عليه ولا يملك إلا الوسوسة, واستندوا إلى أدلة منها قوله تعالى: {إِنّ كَيْدَ الشّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً} النساء 76, وقد استدل المجيزون لإمكان دخول الجن جسم الإنسان إلى أدلة كذلك منها قوله تعالى: {وَاذْكُرْ عَبْدَنَآ أَيّوبَ إِذْ نَادَىَ رَبّهُ أَنّي مَسّنِيَ الشّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ} ص 41, فاعتبروا أن ما أصاب النبي أيوب عليه الصلاة والسلام في بدنه من فعل الشيطان وهو صريح الآية عندهم، ومنه ما أصابه في ماله وولده حيث هلكوا جميعاً, ولكن العلماء الذين منعوا أن يكون ذلك من الشيطان قد فسروا الآية تفسيراً ينسجم مع الآيات الأخرى والأحاديث الصحيحة والتي تبين أن الشيطان لا سبيل له على المؤمنين المخلصين, قال تعالى: {إِنّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاّ مَنِ اتّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} الحجر 42, فمن باب أولى أن لا يتسلط الشيطان على الأنبياء في أبدانهم وأموالهم وأولادهم وهو ما جزم به ابن العربي ونقله عنه القرطبي في الجامع لأحكام القرآن (ج 15ص 209) عند تفسير الآية الكريمة, فمنهم من فسر الآية على أن ما حصل لأيوب عليه الصلاة و السلام من الابتلاء في البدن والمال والولد إنما هو من الله تعالى وأضيف إلى الشيطان تأدباً مع الله سبحانه وتعالى..، كما قال الفخر الرازي (ج26ص213) أن ما أصابه في بدنه وذهاب ماله وولده وذهاب الخيرات عنه ونعيم الدنيا من الله تعالى وحده لكن الشيطان كان يذكره بالنعم التي كانت والآفات التي حصلت وكان هو يعمل على دفع تلك الوساوس الشيطانية فلما قويت في قلبه خاف وتضرع إلى الله قائلا: {أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ}.., وأما قوله تعالى: {إِنّ الّذِينَ اتّقَواْ إِذَا مَسّهُمْ طَائِفٌ مّنَ الشّيْطَانِ تَذَكّرُواْ فَإِذَا هُم مّبْصِرُونَ} الأعراف 201؛ فهو ظاهر في أن وسوسة الشيطان وغوايته عن بعد دون الدخول في أبدانهم كما قال الفخر الرازي (ج15ص98), وقال القرطبي (ج7ص350): (والمعنى أن الذين اتقوا إذا لحقهم شيء تفكروا في قدرة الله عز وجل وفي إنعامه عليهم فتركوا المعصية), وأما قوله تعالى: {الّذِينَ يَأْكُلُونَ الرّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاّ كَمَا يَقُومُ الّذِي يَتَخَبّطُهُ الشّيْطَانُ مِنَ الْمَسّ} البقرة 275؛ فقد نقل الفخر الرازي (ج7ص88) عن الجبائي قوله بأن الصرع إنما يحدث عند وسوسة الشيطان من ضعف الطباع بحيث يخاف الإنسان فيصرع كما يصرع الجبان من الموضع الخالي ولهذا لا يوجد هذا الخبط في الفضلاء الكاملين, وقد أبطل أن يكون للشيطان مدخل على الإنسان إلا من جهة الوسوسة مستشهداً بالمعقول والمنقول, وكذلك أنكر القفال من علماء الشافعية دخول الجن جسم الإنسان وقال بأن الناس إنما يضيفون الصرع إلى الشيطان وإلى الجن فخوطبوا على ما يعرفون كما في قوله تعالى {طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ} الصافات 65؛ فإن من عادتهم أنهم إذا أرادوا تقبيح شيء أن يضيفوه إلى الشيطان, وقال الزمخشري (ج1ص399): (كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان؛ أي المصروع, وتخبط الشيطان من زعمات العرب يزعمون أن الشيطان يخبط الإنسان فيصرعه، والخبط الضرب.. العشواء، فورد على ما كانوا يعتقدون، والمس الجنون, ورجل ممسوس.. أيضاً من زعماتهم أن الجني يمسه فيختلط عقله، وكذلك جن الرجل معناه ضربته الجن.. ولهم في الجن قصص وأخبار وعجائب وإنكار ذلك عندهم كإنكار المشاهدات), وقال أبو السعود (ج1ص399): (وهو وارد على ما يزعمون أن الشيطان يخبط الإنسان فيصرع من المس وهذا أيضاً من زعماتهم أن الجني يمسه فيختلط عقله), بينما قال القرطبي (ج3ص355): (في هذه الآية دليل على فساد إنكار من أنكر الصرع من جهة الجن)، وقال الألوسي: (المرابي في الدنيا لا يقوم يوم القيامة إلا كما يقوم المتخبط المصروع في الدنيا).., ونقل عن ابن عطية أن المراد تشبيه المرابي في حرصه وتحركه في اكتسابه في الدنيا بالمتخبط المصروع كما يقال لمن أسرع بحركات متعجلة في كل اتجاه قد جن, ثم رد عليه بقوله: (ولا يخفى أنه مصادم لما عليه سلف الأمة), واعترض على من أنكر دخول الجن جسم الإنسان بقوله: (قالت المعتزلة والقفال من الشافعية إن كون الصرع والجنون من الشيطان باطل لأنه لا يقدر على ذلك كما قال تعالى حكاية عنه {وما كان لي عليكم من سلطان}.. على ما يزعمه العرب ويعتقدونه من أن الشيطان يخبط الإنسان فيصرع وأن الجني يمسه فيختلط عقله, وليس ماقالوه حقيقة وليس بشيء بل هو من تخبط الشيطان بقائله ومن زعماته المردودة بقواطع الشرع فقد ورد (ما من مولود يولد إلا يمسه الشيطان فيستهل صارخاً), وفي بعض الطرق (إلا طعن الشيطان في خاصرته) ومن ذلك يستهل صارخاً إلا مريم وابنها لقول أمها: (وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم), وقوله عليه الصلاة والسلام: (كفوا صبيانكم أول العشاء فإنه وقت انتشار الشياطين), وقد ورد في حديث المفقود الذي اختطفته الشياطين وردته في زمنه عليه الصلاة والسلام أنه حدث من شأنه معهم فقال: (فجاءني طائر كأنه جمل.. فاحتملني على خافية من خوافيه) إلى غير ذلك من الآثار وفي آكام المرجان في أحكام الجان كثير منها, واعتقاد السلف وأهل السنة أن ما دلت عليه أمور حقيقية واقعة كما أخبر الشرع عنها والتزام تأويلها كلها يستلزم خبطاً طويلاً لا يميل إليه إلا المعتزلة ومن حذا حذوهم, والآية التي ذكروها في معرض الاستدلال على ما ادعوه لا تدل عليه إذ السلطان المنفي فيها إنما القهر والإلجاء إلى متابعته لا التعرض للإيذاء والتصدي لما يحصل بسببه الهلاك, ومن تتبع الأخبار النبوية وجد الكثير منها قطعاً بجواز وقوع ذلك من الشيطان.., وخبر (الطاعون من وخز أعدائكم الجن) صريح في ذلك وقد حمله بعض مشايخنا المتأخرين على نحو ما حملنا عليه"[15].
وقال الشيخ إبراهيم عبد الرحمن الموسى: "شاع بين بعض الرقاة الاستعانة بالجن في تشخيص أو علاج الحالات..، وبعضهم يستند إلى كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله عليه في مشروعية الاستعانة بالجني المسلم في العلاج, وقد فهموا كلام شيخ الإسلام خطأ، فكيف تعرف أيها الراقي أن هذا الجني مسلم أو كافر خاصة أن الجن من عالم الغيبيات فهم يرونا ولا نراهم؟.. فالاستعانة بالجن حتى ولو ادعوا الإسلام لا تجوز, ومما يدل على ذلك عدم ورود الاستعانة بالجن عن النبي صلى الله عليه وسلم.. (و)في الاستعانة بالجن تشبها بالسحرة والمشعوذين..، (و)لو كان شيخ الإسلام قد أفتى بمشروعية الاستعانة بالجن فإنما هو بشر يخطئ ويصيب والعمدة في ذلك بما جاء في الكتاب والسنة وما أجمع عليه سلف الأمة.., (ولكنه) لا يقصد مشروعية الاستعانة بالجن.., قال رحمه الله (أعرف من يخاطبه النبات بما فيها من المنافع وإنما يخاطبه الشيطان الذي دخل فيها ومنهم من يخاطبه الحجر والشجر.. وأعرف منهم من يقصد صيد الطيور فتخاطبه العصافير.. ويكون الشيطان قد دخل فيها كما يدخل في الإنسي).., (و)إذا ذهب المريض إلى الراقي الذي يرقي بالطرق البدعية التي تتضمن استعانة بالشياطين سرعان ما.. يقتنع المريض بهذا الراقي الخرافي ويترك الراقي الشرعي وهذا أعظم مقصود للشيطان.., وفي ذلك أيضاً إضلال للراقي واستدراجه إلى الطرق البدعية والخرافة فتجده يتحول من الرقية الشرعية المشروعة إلى الرقية المحرمة وينتقل من السنة إلى البدعة.. وأعظم من ذلك قد يرتد عن الإسلام لخدمة الشياطين.. حتى.. تساعده.., (و)تجد أكثر من يستعين بالجن ممن قل حظهم في العلم فهم للجهل أقرب.., (و)الراقي الجاهل فإنه وإن نفع الناس في باب إلا أنه يضر نفسه والآخرين بجهله, وقد صدرت فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (برقم: 20361 في: 1441419هـ) تضمنت سؤالاً عن حكم الاستعانة بالجن في معرفة العين أو السحر وكذلك تصديق الجن المتلبس بالمريض بدعوى السحر والعين والبناء على دعواه فأجاب العلماء الفضلاء بما نصه: (لا تجوز الاستعانة بالجن في معرفة نوع الإصابة ونوع علاجها لأن الاستعانة بالجن شرك, قال تعالى: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} الجن 6, وقال تعالى: {وَيَوْمَ يِحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُم مِّنَ الإِنسِ وَقَالَ أَوْلِيَآؤُهُم مِّنَ الإِنسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِيَ أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَليمٌ} الأنعام 128, ومعنى استمتاع بعضهم ببعض أن الإنس عظموا الجن وخضعوا لهم واستعاذوا بهم، والجن خدموهم بما يريدون وأحضروا لهم ما يطلبون، ومن ذلك إخبارهم بنوع المرض وأسبابه مما يطلع عليه الجن دون الإنس وقد يكذبون فإنهم لا يؤمنون ولا يجوز تصديقهم).., (و)أختم بكلام جميل.. (لأحدهم): (أطرح هنا تساؤلا لمن يستعين بالجن قد يزيل الغشاوة..: من أنت حتى تنقاد لك الجن تأمرها وتنهاها تنفذ طلباتك وتسارع إلى مرضاتك؟ هل أنت نبي وهذه معجزتك؟ أو ولي وهذه كرامتك؟ أم ساحر أو كاهن وهذه مخرقتك؟ أم أنك مريض وتحتاج من يعالجك؟.., أخشى أن تكون مريضاً ممسوساً وأنت لا تعلم أو أنه استدراج من الشيطان)"[16].
وفي كتاب (تحذير الداعية من القصص الواهية) في قصة ضرب النبي صلى الله عليه وسلم للمجنون؛ قال الشيخ علي حشيش (ج1ص201): "هذه القصة التي صارت أصلاً لمخالفة عصرية جديدة ألا وهي التعامل مع الجن بضرب المجنون؛ فقد بينت من قبل.. فرية إحضار الجان وبطلان ما نسبوه إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من أن النبي صلى الله عليه وسلم حدّد آيات عند قراءتها في أذن المجنون يحضر الجان وبينت أن القصة واهية.., (و)هذه الأصول الواهية (هي) التي بها احترفت مهنة التعامل مع الجان وانتشرت من جديد العرافة والكهانة بصورة جديدة، وكانت هذه المرة وراء ادعاء العلاج بالقرآن الكريم حتى يظلوا يمارسون هذا التعامل في حماية اسم القرآن الكريم وكي تزداد قوة تأثيرهم في عامة الناس، والعامة لا يفرقون بين الرقى الشرعية الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم وبين هذه المخالفة العصرية.. (و)الرقى الشرعية الثابتة بالكتاب والسنة.. يلجأ الناس (فيها) إلى الله.. لا يلتفتون إلى أشخاص فيحقق الله لهم وعده في قوله تعالى: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون} البقرة 186, وقوله تعالى: }وقال ربكم ادعوني أستجب لكم} غافر 60, (و)متن قصة ضرب النبي صلى الله عليه وسلم للمجنون: (رُوِي عن أُم أبان بنت الوازع عن أبيها أنَّ جدها الزارع انطلق إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فانطلق معه بابن له مجنون أو ابن أخت له، قال جدي: فلما قدمنا على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم المدينة قلت: يا رسول الله إنَّ معي ابنًا لي أو ابن أخت لي مجنون أتيتك به تدعو الله عز وجل له، فقال: (ائتني به), فانطلقت به إليه وهو في الركاب فأطلقت عنه وألقيت عنه ثياب السفر وألبسته ثوبين حسنين وأخذت بيده حتى انتهيت به إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فقال: (ادْنُهُ مِني اجْعَلْ ظَهْرَهُ مِمَّا يَليني), قال: فأخذ بمجامع ثوبه من أعلاه وأسفله فجعل يضرب ظَهْرَهُ حتّى رأيت بياض إبطيه وهو يقول: (اخرج عدو الله), فأقبل ينظر نظر الصحيح ليس بنظره الأول ثم أقعده رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بين يديه فدعا له بماء فمسح وجهه ودعا له فلم يكن في الوفد أحد بعد دعوة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يفضل عليه), (و)الخبر الذي جاءت به هذه القصة أخرجه الطبراني في المعجم الكبير.., (و)هذه القصة واهية والخبر الذي جاءت به لا يصح وهو غريب لا يروى عن الزارع إلا بهذا الإسناد, وعلة هذا الخبر أم أبان بنت الوازع بن زارع, أوردها الإمام الذهبي في الميزان فقال: (تفرد عنها مطر الأعنق).., (وبالمثل) بعد أن أورد الإمام الهيثمي الخبر.. في مجمع الزوائد قال: (أم أبان لم يرو عنها غير مطر).., (إذن) انفرد راو واحد بالرواية عنها.., (ولهذا) أهميته عند علماء أصول الحديث.., قال الحافظ ابن حجر في شرح النخبة: (إن سمى الراوي وانفرد راو واحد بالرواية عنه فهو مجهول العين), (و)بالتحقيق نجد أن أم أبان لم يوثقها أحد من علماء الجرح والتعديل.. (فهي إذن) مجهولة العين لم يوثقها أحد وهذا الخبر الذي جاءت به القصة غريب مردود حكمه عدم القبول.., (وقد) استنباط بعضهم من هذه القصة الواهية دليلاً واهيًا على ضرب المرضى والمجانين, وهذا الاستنباط كان له أثره السيئ حيث تمادى المعالجون ومنهم جهلة قاصرون فاعتبروا كل الأمراض تَلَبُّسًا من الجان واعتبروا أنفع الوسائل هي الضرب المبرح أو الخنق أو إيذاء المريض بحجة أنه يؤذي الجن المتلبس، وقد حدثت مآسٍ بل حالات قتل.. (و)إزهاق النفس التي حرم الله بغير حق فيا ويل هؤلاء القتلة من إثم هذا القتل, ولقد بينت عدم صحة هذه القصة المستخدمة في إحضار الجان وأنها باطلة ومنكرة ولم يعمل بها أحد من الصحابة وهي من الأمور المحدثة..، من أجل هذا عندما سُئل الشيخ الألباني رحمه الله عن التعامل مع الجن.. أجاب قائلاً: (التعامل مع الجن ضلالة عصرية ولا يجوز لمسلم أن يزيد على الرقية الشرعية كما هي ثابتة في الكتاب والسنة وأدعية الرسول صلى الله عليه وسلم)"[17].
المحور الثامن
مغالاة الرقاة ودجل المعوذين في منظور الشريعة
في فتاوى الأزهر (ج8ص10) أجاب الشيخ عطية صقر على السؤال: (هل يجوز أن تكتب بعض آيات القرآن يعلقها المريض أو يمحوها بالماء من أجل الشفاء)؛ فقال: "أما أن القرآن شفاء فذلك أمر لا شك فيه، قال تعالى: {وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين} الإسراء 82، وقال تعالى: {يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما فى الصدور} يونس 57, وقد حمل كثير من العلماء الشفاء على ما يعم الشفاء من الأمراض العقلية والنفسية والخلقية والجسمية، حيث لا يوجد ما يمنع ذلك, فهو يصحح الفكر والعقيدة ويهذب النفس ويمنحها الأمن والطمأنينة ويقوم السلوك بالأخلاق الحميدة ويزيل العلل والأمراض التي تعترى الأجساد, وقد روى البخاري ومسلم حكاية سيد الحي الذي لُدغ ورقاه المسلمون بفاتحة الكتاب فشفاه اللّه وأخذوا على ذلك أجرا أقرهم عليه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله تعالى), والحديث بطوله موجود فى زاد المعاد لابن القيم (ج3ص121), وذكر أن ابن ماجه روى في سننه من حديث على قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (خير الدواء القرآن), ووضح تأثير العلاج بالقرآن توضيحا كبيرا.., وقال بعض العلماء أن المراد بشفاء القرآن هو ما عدا شفاء الأجسام بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن (لكل داء دواء إلا الموت) أو (إلا الهرم) وأمر بالتداوى عند المختصين كالحارث بن كلدة وعالج بالفصد والحجامة وشرب العسل وبغير ذلك مما وضحه ابن القيم فى كتاب الطب النبوى, والحق أن علاج الأمراض البدنية مطلوب عند المختصين والقرآن هو الذي أرشد إلى ذلك بسؤال أهل الذكر وبالأمر بالتعلم والإفادة مع الإيمان بفاعليته في العلاج الفكري والنفسي، وقد ذكر السيوطى في الإتقان (ج2ص163) طرفا من خواص القرآن فى العلاج العام وأورد حديث ابن ماجه عن ابن مسعود (عليكم بالشفاءين العسل والقرآن) وحديث اللديغ سيد الحى وعلاجه بفاتحة الكتاب الذي رواه البخاري ومسلم وذكر حديث الطبراني عن على قال: (لَدَغَتْ النبىَّ صلى الله عليه وسلم عقربٌ فدعا بماء وملح وجعل يمسح عليها ويقرأ: {قل يا أيها الكافرون} والمعوذتين), ثم ذكر السيوطي أن النووي قال في شرح المهذب: (لو كتب – أحدهم - القرآن في إناء ثم غسله وسقاه المريض؛ قال الحسن البصري ومجاهد وأبو قلابة والأوزاعى: لا بأس به وكرهه النخعى..)، قال الزركشى: (وممن صرح بالجواز فى مسألة الإناء العماد النيهى مع تصريحه بأنه لا يجوز ابتلاع ورقة فيها آية، لكن أفتى ابن عبد السلام بالمنع من الشرب أيضا لأنه يلاقى نجاسة الباطن وفيه نظر), هذا ما نقل عن العلماء في جواز العلاج بالقرآن.. فهو نافع إن شاء اللّه تعالى وبخاصة إذا كان القارئ صالحا ترجى بركته أو دعا اللّه بعد قراءة القرآن فقد يستجيب الله الدعاء، وقد رأينا أن النبي صلى الله عليه وسلم في علاج لدغة العقرب أخذ بالوسائل المادية مع قراءة القرآن, ورأينا اختلاف العلماء في كتابة القرآن الكريم ومحوه بالماء وشربه للاستشفاء ما بين مجيز ومانع؛ مع تحرزهم من تعرض القرآن الكريم للنجاسة أو الإهانة"[18].
وسئل فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي: "شاعت في هذا العصر ظاهرة لم تعرف بهذا الوضوح والانتشار في عصر من عصور الإسلام التاريخية وهي ظاهرة المتخصصين في العلاج بالقرآن الذين يزعمون أنهم يستطيعون أن يعالجوا أي مريض يأتيهم عن طريق قراءة آي معينة من القرآن عليه، وقد يستجيب بعض الناس فيشفى بينما آخرون لا يؤثر فيهم هذا العلاج، فما حقيقة هذا الأمر؟ وما وجهة نظركم فيه من الناحية الشرعية؟ نرجو بيان الرأي الصحيح بالأدلة الموثقة"، فأجاب فضيلته قائلا "لا شك أن هذه ظاهرة قد شاعت في كثير من البلدان، وتحدث عنها الخطباء في خطبهم والكتّاب في مقالاتهم، وعرضت لها الإذاعات والتليفزيونات، بل عرضت لها القنوات الفضائية في بعض البرامج, هذه الظاهرة هي ظاهرة العلاج بالقرآن. فهناك أُناس زعموا أنهم متخصصون في العلاج بالقرآن، بل فتحوا عيادات علنية للعلاج بالقرآن، يذهب الناس إليهم في هذه العيادات كي يعالجوهم بالقرآن الكريم, ونحن نؤمن بأن القرآن هدى وشفاء كما قال تعالى: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أَعْجَمِيّاً لَّقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ} فصلت44, وقال تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَاراً} الإسراء82, ولكن ما معنى الشفاء هنا؟ هل هو الشفاء العضوي على معنى أن الإنسان إذا أوجعه بطنه أو أوجعته عينه أو أحس بألم في جسده، فماذا عليه أن يفعل؟ هل يذهب إلى عيادة القرآن أم يذهب إلى الطبيب المختص الخبير في شأن هذا النوع من المرض؟ الذي رأيناه من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وهديه أنه شرع الطب والدواء كما قال صلى الله عليه وسلم: (إنما الشفاء في ثلاث: في شربة عسل أو شرطة محجم أو لذعة بنار), فذكر الأنواع الثلاثة للدواء الذي يتناول عن طريق الفم والجراحة وهي شرطة المحجم أو المشرط والكي وذلك هو العلاج الطبيعي، والنبي صلى الله عليه وسلم تداوى وأمر أصحابه بالتداوي، وكان يقول لبعض أصحابه رضوان الله عليهم أجمعين: "اذهبوا إلى الحارث بن كلدة الثقفي" وهو طبيب مشهور منذ الجاهلية عرفه العرب فكان النبي صلى الله عليه وسلم ينصحهم بالذهاب إليه، بل جاءه رجلان يعرفان الطب من بني أنمار فقال لهما: (أيكما أطب؟)، يعني أيكما أحذق وأمهر في صنعة الطب؟ فأشاروا إلى أحدهما فأمره أن يتولى هو علاج المريض، يعني أن الإنسان يبحث عن أمهر الأطباء وأفضلهم ما استطاع إلى ذلك سبيلاً, وقال أيضًا صلى الله عليه وسلم: (ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء، علمه من علمه وجهله من جهله), وهذا أعطى كل مريض أملاً في أن يجد لدائه علاجًا وأعطى الأطباء أنفسهم أملاً في أن يجدوا لكل داء دواء, فليس هناك داء عضال بمعنى أنه لا علاج له لا في الحال ولا في الاستقبال بل كل مريض له علاج موجود ولكن لم نعثر عليه بعد فإذا أصاب دواء الداء برئ بإذن الله, ولما سُئل صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله أرأيت أدوية نتداوى بها وتُقاة نتقيها؟ هل ترد من قدر الله شيئًا؟ قال: هي من قدر الله), يعني أن الأمراض من قدر الله والأدوية من قدر الله, لماذا إذن نعتبر المرض من قدر الله ولا نعتبر الدواء من قدر الله؟, هذا من قدر الله وهذا من قدر الله فنحن ندفع قدرًا بقدر ونرد قدرًا بقدر, هذه سنة الله أن تدفع الأقدار بعضها البعض، ندفع قدر الجوع بقدر الغذاء وقدر العطش بقدر الشرب وقدر الداء بقدر الدواء هذه هي السنة الإسلامية، ومن أجل هذا شاع الطب بين المسلمين وتقدم الطب تقدمًا هائلاً في الحضارة الإسلامية وكان المسلمون أئمة العالم وأساتذته في الطب وعُرف منهم أسماء لامعة على مستوى العالم مثل أبي بكر الرازي وابن سينا وابن رشد والزهراوي وغيرهم من المسلمين، وكُتب هؤلاء انتشرت في العالم مثل (الحاوي) للرازي و(القانون) لابن سينا و(الكليات) لابن رشد و(التصريف لمن عجز عن التأليف) للزهراوي، بل وجدنا من علماء المسلمين الفقهاء مَن يجيد الطب، فابن رشد نفسه كان فقيهًا ألّف كتابه (بداية المجتهد ونهاية المقتصد) في الفقه المقارن, وفخر الدين الرازي صاحب الكتب الشهيرة في التفسير والأصول وعلم الكلام وغيرها, قالوا: كانت شهرته في علم الطب لا تقل عن شهرته في علوم الدين، وابن النفيس مكتشف الدورة الدموية الصغرى يُعدُّ من فقهاء الشافعية وترجم له تاج الدين السبكي في كتاب (طبقات الشافعية) على أنه أحد فقهاء هذا المذهب, ولأن المسلمين اعتمدوا سنة الله في الكون فقد اعتمدوا الطب ولم يعتمدوا على الشعوذات التي انتشرت بين الأمم من قبلهم ولم يعتمدوا على الأحجبة والتمائم وغيرها التي اعتبرها النبي صلى الله عليه وسلم ضربًا من الشرك, صحيح أن الإسلام شرع لنا الأدوية الروحية مثل الاستعاذة بالله والرقى والدعاء، فالإنسان يرقي نفسه أو يرقي مريضه بقول: (اللهم رب الناس أذهب البأس اشف أنتَ الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقمًا), أو (أرقيك والله يشفيك)، أو كما كان عليه الصلاة والسلام يرقي الأطفال الصغار مثل الحسن والحسين (أعيذك بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامّة), فالرقى والتعاويذ والأذكار والأدعية مشروعة ولكن بجوار الأسباب المادية التي تكملها وتقويمها الأسباب الروحية, ولكن لا يكفي المسلم أن يذهب الإنسان إلى شخص يقول له أقرأ عليك القرآن أو المعوذات أو آية الكرسي ويكتفي بهذا, كيف ذلك إذا كان يعاني من مرض عضوي؟ فلا بد من علاج هذا المرض العضوي وإذا كان مصابًا بفيروس لا بد من علاج هذا الفيروس فهذا هو الذي شرعه الإسلام وعاشه المسلمون، فنحن لم نرَ في الصحابة مَن فتح بيته وقال (أنا متخصص في العلاج بالقرآن)، حتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو سيد المعالجين وسيد أطباء الروح لم يفعل هذا وإنما شرع الطب وشرع التداوي بما يعهده الناس, وقد أشار القرآن الكريم إلى أن بعض الأغذية فيها شفاء ودواء مثل عسل النحل بقوله تعالى: {يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} النحل69, أما هؤلاء الذين فتحوا عيادات كما سمعنا في القاهرة مثلاً أن فلان الفلاني يعالج بالقرآن ويذهب المغفلون والذين يصدقون كل ما يُقال ولا يمتحنون الأمور بعقولهم، أرى هؤلاء يذهبون إليهم زرافات ووحدانا ويدفعون النقود للشيخ وبركة الشيخ الذي يزعم علاج هؤلاء بالقرآن أو بإخراج الجن من أجسادهم، وأحيانًا رأيت مناظر فظيعة مثل شخص يُضرب ضربًا مبرحًا أو أشياء من هذا النوع، وقد نشرت الصحف ووكالات الأنباء أن بعضهم مات من الضرب في يد واحد من هؤلاء وقدم للمحاكمة، كل هذا لا أعتبر أنه من الإسلام الصحيح في شيء, إنما يمكن إذا سحر الإنسان أو نحو ذلك أن نعالجه بالاستعاذة والأذكار والرقى، وهذه الأشياء على أن تكون معروفة ومفهومة, ولذلك اشترطوا في الرقية أن تكون باللغة العربية لا بلغات غير مفهومة أو بحروف مقطعة لا نعرف ماذا فيها وبذكر الله تعالى وصفاته وألا تشتمل على شيء من الشركيات، فهذا هو الذي شرعه الإسلام, أما هذه الظواهر التي ابتدعها الناس فليس هذا من هدي الإسلام ولا من عمل الصحابة ولا من عمل سلف الأمة في خير قرونها وإنما هي بدعة اخترعها الناس في هذا العصر وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار, إن الإسلام شرع لنا أن نذهب في كل أمر إلى خبرائه نسألهم عنه ونستفتيهم فيه سواء أكان في أمور الدين أم أمور الدنيا كما قال تعالى: {ولا ينبئك مثل خبير} فاطر14, وقال عز وجل: {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} النحل43, ففي أمور الهندسة نرجع إلى الخبراء من المهندسين وفي أمور الطب والدواء نرجع إلى الصيادلة والأطباء وإلى كل طبيب في اختصاصه، وفي أمور الدين نرجع إلى علماء الدين الثقات, إذن، فما معنى أن القرآن شفاء؟ وهنا نقول: إن القرآن نفسه قد بين معنى الشفاء المذكور بإطلاق في بعض الآيات فقد قيدته آية أخرى، يقول الله تعالى فيها: {يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين} يونس57, بيَّنت الآية أن القرآن شفاء لما في الصدور من الشك والحيرة والعمى وما فيها من الهم والحزن والخوف والقلق, ولذا كان من أدعية النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم اجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي وغمي), وكل هذه الأمور المدعو لها أمور معنوية لا مادية تتعلق بالقلب والصدر لا بالجسد والأعضاء, إن القرآن الكريم لم ينزله الله تعالى ليعالج الأمراض العضوية وإنما يعالج الناس أمراضهم بحسب السنن التي وضعها الله في الكون والتي بيَّن القرآن أنها سنن لا تتبدل ولا تتحول"[19], وحول دخول الجن جسم الإنسان قال فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي: "هناك ادعاءات كثيرة برؤية الجن والعلاقة بالجن والزواج بالجن وتلبس الجني بالإنسي ومعظم هذه الدعاوى باطلة, وكثير من الناس ممن يدّعي أنه ركبه الجني أو العفريت أو نحو ذلك هم يعانون أمراضا عصبية ونفسية مثل (ازدواج الشخصية) ونحو ذلك ولا علاقة للجن بهذه الموضوعات"[20].
واعتبر د. محمد سيد طنطاوي شيخ الجامع الأزهر أن فتح عيادات تتخصص في العلاج بالقرآن الكريم يعد نوعا من الدجل وأن الكلمة الأخيرة في العلاج تكون للأطباء، وقال في المؤتمر السنوي الرابع عشر لكلية طب الأزهر 2004م: "إن ظاهرة العلاج بالقرآن هي قضية خطيرة لا بد من مناقشتها والوصول فيها إلى ضوابط تحد من تلك الظاهرة خاصة أن هناك عيادات لهذا النوع من العلاج بكثرة.., (و)ما يحدث في عيادات العلاج بالقرآن الكريم من قيام أحد الأشخاص بالكشف على المرأة وهو ليس بطبيب تحت دعوى أنه من أهل الكشف وصاحب ولاية وسيقوم بعلاجها عن طريق قراءة القرآن الكريم عليها هو أمر باطل ونوع من الدجل", وصرح بأنه لا يعلم من العلاج بالقرآن سوى: "الدعاء للمريض وهو ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم"، وقد شدد على أن: "كل ما يتعلق بالطب يجب أن تكون الكلمة الأخيرة فيه للأطباء"[21].
المحور التاسع
مغالاة الرقاة ودجل المعوذين في المنظور الطبي
قال د. لطفي عبد العزيز الشربيني: " يرجع الاهتمام بالعوارض النفسية إلى قرون بعيدة فقد وصفت بردية إيبرس Ebers Papyrus على سبيل المثال بعض الاضطرابات النفسية وطرق علاجها في عهد قدماء المصريين, وقد كان العلاج في مصر القديمة يتم عن طريق الإيحاء بواسطة الكهنة مع اللجوء للترويح والموسيقى واستخدام الأعشاب، أما في العصور الوسطى فقد كان المرضى العقليين يعاملون بقسوة نظراً للاعتقاد بأن أرواحاً شريرة تتلبس أجسادهم فكانوا يتعرضون للضرب والحرق والإغراق، ولم تنشأ المصحات والمستشفيات العقلية إلا حديثا حيث تغيرت أساليب المعاملة وبدأ استخدام الأدوية الحديثة في العلاج, والطب النفسي Psychiatry تخصص حديث لا يزيد عمره عن عقود قليلة أواخر القرن العشرين, وهو يهتم باضطرابات الوظائف العقلية مثل التفكير والسلوك والوجدان, وبخلاف الأمراض العضوية التي امتدت دراستها لفترة أطول واشتهر الكثير من حقائقها بين الناس مازالت الأمراض النفسية تنسب في الأوساط الشعبية إلى المجهول"[22].
وقال د. إسماعيل الدفتار: "إن الله تعالى قد أخبرنا في القرآن الكريم في عدة آيات عن الحسد كما أخبرنا الرسول عليه السلام في عدد من الروايات بأن العين حق, ولكن بعض المعالجين يطلقون الأحكام ويدعون أن هذه حالة عين (حسود) بعينها, فهذا رجم بالغيب لأن العين من العلم الذي لا يعلمه إلا الله تعالى وحده وعلي المعالج أن يرقي أو يقرأ علي الحالة دون تعيين, والسحر أيضا من الغيبيات.. (ولكن) أصبح معظم المعالجين يطلقون كلمة السحر علي كثير من المرضي دون علم, والرسول ذاته عندما سحر (وفق ما ذكره المحدثون) لم يكن يعلم بما هو عليه, ولما جاءه الملكان ووقف أحدهما عند رأسه والآخر عند قدميه, فقال أحدهما لصاحبه: ما بال الرجل؟, فقال مطبوب, فقال من طبه؟ أي من سحره, قال لبيد ابن الأعصم.. في بئر.. وكان الرسول صلي الله عليه وسلم يستمع إليهما فأمر نفرا من الصحابة أن ينزلوا البئر ويخرجوا منه السحر.., فهذا رسول الله الكريم بعث الله له الملائكة لتخبره أنه مسحور فمن يخبر أمثالنا بما حل به من مرض!, أما قضية المس فقد خاض فيها المعالجون وتوسعوا فيها لدرجة أن بعضهم من جهلهم بالرقية الشرعية يعتبر كل ما يلم بالإنسان يكون بسبب الجن وهذا يعد عبثا بالمفاهيم.., ويبدأ المعالج بقراءة القرآن وبطبيعة الحال عندما يسمع المرضي القرآن فإنهم يتأثرون.. (و)هذه الأفعال.. يراها الدين والعقل الواعي دجلا وافتراء وأكاذيب.. (وتذرع) باطل بكتاب الله وسنة رسوله"[23].
وقال د. محمد المهدي: "كثيرا ما يجزم الطبيب بثقة بأن حالة مرضية ما هي نفسية الأصل بينما يتوهم الراقي أنها حالة مس من الجن علاجها القراءة وإخراج الجن ووضع التمائم والتعاويذ.., فإن أنكر الطبيب.. يصطدم بمعتقدات المريض وأهله وإن وافق فهو يثبت نوع من التفكير السحري تضيع في سراديبه الحقائق الطبية والدينية معا..، وقد ثبت أن 70-80% من المرضى النفسيين في المجتمع المصري يترددون على المعالجين الشعبيين طلبا للعلاج، وطبقا لتقارير المركز القومي للبحوث ( سبتمبر 2003 ) فإن في مصر وحدها حوالي مليون مواطن يعتقد أنه ممسوس بالجن وثلاثمائة وخمسون ألف شخص على الأقل يعملون في مجال العلاج بإخراج الجن ويطلق على كل منهم لقب شيخ ابتداء بلا حاجة لدراسة شرعية, ولم يعد الأمر يقتصر على المستويات الشعبية وإنما امتد ليشمل مستويات تعليمية عالية تصل إلى مستوى أساتذة الجامعات خاصة حين يصطبغ العلاج الشعبي بالصبغة الدينية أو يتستر وراءها.., (و)اختلطت الحقيقة بأضعافها من الخيالات والأوهام وعلق كل شيء في عقول العامة ونسبة غير قليلة من الخاصة على الجن والسحر والحسد.. حتى أصبح الإيحاء بالتخليص من الجن وظيفة رائجة.., والجن حقيقة شوهتها الشعوذة, فهذا الكون الذي نعيش فيه قد يحوى الكثير من القوى التي نعجز عن إدراكها..، وقد جاءت الأديان كلها وحدثتنا عن الجن, ومن هنا جاء خوف الإنسان من هذه القوة الخفية التي يمكنها أن تؤثر عليه دون أن يراها أو يملك وسيلة لدفعها، وهذا الخوف قد أحاط موضوع الجن بالكثير من الحكايات والأساطير, فأستغل الدجالون والمشعوذون هذا الخوف وضخموه وأقاموا على أساسه ممارسات أسطورية وسحرية جعلت لهم سلطانا وأحاطوها بمسحة دينية تمنحهم مزيد من المهابة وتقيهم تتبع السلطات, وقد أدت الاكتشافات الطبية الكبيرة في مجال الأمراض النفسية إلى تبين أن ما كان ينسبه الأولون من حالات نفسية إلى الجن أصبحت الآن مفهومة مثل الهستيريا.. وهذه الحالات تصيب الشخصيات غير الناضجة انفعاليا والقابلة للإيحاء.. فيحدث أنه في مواجهة ضغوط معينة كعدم تكيف زوجة في زواجها أن يحدث انشقاق في مستوى الوعي فتحدث حالات الإغماء أو الصرع الهستيري فتتصرف كأنها شخص آخر ويتغير صوتها لتعبر عما لا تستطيع التعبير عنه في الحالات العادية فيقوم المعالج الشعبي ببعض أساليب الإيحاء في جو من الغموض أو يؤلمها بالضرب فتفيق من الانشقاق الهروبي بسرعة تثير دهشة العامة وتزيد من ثقتهم به، ولكن الأعراض ما تلبث أن تعود عند أول ضغط نفسي أو اجتماعي، وقد يتمادى المريض في أعراضه ويطورها بعدما عرف من إيحاءات عن تلبس الجن له فيعود أهل المريض به إلى المعالج توهما بقدرته على الشفاء مستسلمين طائعين لتوجيهاته, قال الشيخ محمد متولي الشعراوى: (يريد الله سبحانه وتعالى أن يزيل خوفنا من أن يصيبنا ضرر من هذه القوى التي ترانا ولا نراها فيطمئننا بأنه جل جلاله يحفظنا ويرعانا.. لا ينام ولا يغفل.. قيوم على كونه.. أي قائم عليه في كل ثانية.. فيقول جل جلاله: "اللّهُ لاَ إِلَـَهَ إِلاّ هُوَ الْحَيّ الْقَيّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ" البقرة 255, ثم يريد الحق تبارك وتعالى أن يزيد اطمئناننا فيقول لنا أنه عز وجل هو خالق السماوات والأرض ولذلك فإنه لا يوجد من خلقه من يستطيع أن يخرج عن مشيئته فالمخلوق خاضع خضوعا تاما للقوانين التي أرادها له الخالق لا يمكنه أن يتمرد عليها وذلك حتى لا نخشى أن يتمرد مخلوق من مخلوقات الله ويفعل شيئا لم يأذن له به خالقه.. فيقول جل جلاله: "لّهُ مَا فِي السّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ" البقرة 255, ونظراً لكثرة الممارسات المؤسفة والخاطئة في هذا المجال فقد أعلن معظم الأطباء استنكارهم لما يحدث, وامتد الاستنكار ليشمل أمورا حقيقية ثابتة في الكتاب والسنة ولكنها أحيطت بأخطاء المشعوذين ومبالغات العامة وأوهامهم.., فقد قال الله تعالى: "الّذِينَ يَأْكُلُونَ الرّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاّ كَمَا يَقُومُ الّذِي يَتَخَبّطُهُ الشّيْطَانُ مِنَ الْمَسّ" البقرة 275, قال ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية ما نصه: أي لا يقومون من قبورهم يوم القيامة إلا كما يقوم المصروع هاله صرعه وتخبط الشيطان له وذلك أنه يقوم قياما منكراً, وقال ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير هذه الآية: آكل الربا يبعث يوم القيامة مجنوناً يخنق, وقال الرسول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح الذي رواه الشيخان عن صفية رضي الله عنها: (إن الشيطان يجرى من ابن آدم مجرى الدم), إذن هذه النصوص تدل على إمكانية تأثير الشيطان في الإنسان مع إعطاء صورة الجنون أو اضطراب الحركة والتصرف), ولكن المدعين العلم بأسرار الجن قد بالغوا في هذا الأمر فادعوا أن كل الأمراض هي مس من الجن أو تأثير سحر إما بقصد أو جهل, وهكذا انتشرت العرافة والكهانة بصورة جديدة تخفى نفسها خلف آيات من كتاب الله يظلون في حمايتها وتزداد قوة تأثيرهم, وقد روى مسلم عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: (لكل داء دواء فإذا أصيب دواء الداء برأ بإذن الله عز وجل)، وفي الحديث علق الرسول عليه الصلاة والسلام البرء بموافقة الداء للدواء وهذا يؤكد فكرة تخصيص العلاجات للأمراض المختلفة فليست كل الأمراض تعالج بنفس الطريقة كما يفعل بعض المعالجين الشعبيين فيتبعون نفس الطرق في كل الحالات, وفى قوله عليه الصلاة والسلام (أنتم أعلم بأمور دنياكم) توجيه إلى إعطاء كل شيء لمن تخصصوا فيه وعلموه بالدراسة والتجربة والتمحيص, وقد روى عمرو بن دينار عن هلال بن يساف قال : دخل رسول الله على مريض يعوده فقال: "أرسلوا إلى طبيب" فقال قائل: وأنت تقول ذلك يا رسول الله؟ قال: " نعم إن الله عز وجل لم ينزل داء إلا أنزل له دواء", وقال ابن القيم في الطب النبوي صفحة 66: "الصرع صرعان: صرع من الأرواح الخبيثة الأرضية وصرع من الأخلاط الرديئة والثاني هو الذي يتكلم فيه الأطباء في سببه وعلاجه", ولكنه رحمه الله لم يذكر كيفية التفريق بين النوعين، وله العذر فلم تكن في عهده وسائل تشخيصية كرسم المخ الكهربائي، ولم يكن موضوع الأعراض الانشقاقية والتحولية (الهستيرية) Conversion (Hysterical) Disorders معروفا في ذلك الوقت.., وقد تمادى الكثيرون ممن لا يعلمون في هذا الأمر شيئا فاعتبروا كل الأمراض تلبس جن واعتبروا أنفع الوسائل هي الضرب المبرح أو الخنق أو الكي أو إيذاء المريض بحجة إيذاء الجن المتلبس وقد حدثت مآسي كثيرة مثل الانتهاك للحرمات أو وفاة بعض المرضى كما حدث لامرأة ضربت حتى ماتت وشاب آخر مات تحت وطأة الضرب بحجة إخراج الجن, ومن خلال عملي في مجال الطب النفسي رأيت مدعى إخراج الجن يعالجون حالات مرضية نفسية وأحياناً عضوية معروفة للمختصين وليس فيها غموض حتى تنسب للجن ومع ذلك يصرون على تلبسها بالجن, وهذه الحالات ساءت كثيرا بسبب ما توهمت من خيالات وصاروا يعانون من اضطرابات نفسية إضافية نظرا لخوفهم من هذه القوى الخفية, وقد استقر في وعي الكثيرين اليوم تسلط القوى الخفية وقوة تأثيرها فنسبوا إليها كل عرض نفسي أو عضوي وراحوا يطلبون العون عليها من ممن لا يملكون حلا لمشاكلهم هم ويحيدون عن كتاب الله لا كبينات تخاطب العقل والوجدان فيستجيب مما أدى إلى نشر التفكير السحري بين الناس وتوقع الحلول السحرية لمشاكل يومية واقعية كانت تحتاج لبذل جهد حقيقي من المريض وأسرته ومعالجة لمشكلات تخص المجتمع بأسره, وقد يستخدمون بعض وسائل ربما تودي بالحياة مثل الخنق والضرب والحرق والصعق بالكهرباء, يقول الشيخ عبد العزيز الحمدان: (إن هناك أساليب خاطئة يتبعها البعض مثل حرق أيدي النساء بالنار أو بجهاز كهربي أو الخنق والضرب بحجة إخراج الجني من الدم وإني أعجب من هذه الأساليب، فهل هذا نقص في الاعتقاد بأن كلام الله ليس كاف في العلاج أم هي رغبة في التأثير على ذلك الجني بالرهبة والضرب، وهنا أقول إنه يكفي كلام الله رهبة ، فلو نزل على جبل لزلزله وتصدع), ومن الضروري الجمع بين أخذ الدواء الذي يصرفه الطبيب المتخصص وبين الدعاء وقراءة القرآن والرقية الشرعية, ولا تزيد المعالجة في إطار الكتاب والسنة عن قراءة المعوذتين وآية الكرسي وباقي أدعية الصباح والمساء وبتقوية العلاقة بين الإنسان وربه دون الحاجة إلى وسيط, وهذه الأدعية يقرؤها المريض نفسه أيا كان نوع مرضه أو يقرؤها عليه أحد أقاربه أو أصدقائه ولا يكون هناك شخص يتولى هذه المهمة ويتخذها وظيفة وإلا أصبحت كهانة صريحة, ولم أجد أجمل من كلمات فضيلة الشيخ الشعراوى رحمه الله لإيجاز هذا الموضوع: (إذا كان إيماننا قويا بالله واتجهنا إليه سبحانه وتعالى نستعيذ به فانه جل جلاله يقينا شر هذا كله, ولكن الذي يبقى فعل هذه الأشياء أننا لا نلجأ إلى الله جل جلاله فإذا أصابنا ضرر فإننا نحاول أن نلجأ إلى قدرات البشر، فإذا أصيب الإنسان بضرر السحر فإنه ينتقل من ساحر إلى ساحر يحاول أن يبطل أثر السحر مع أنه لو اتجه إلى الله تبارك وتعالى بقلب مخلص فإن السحر يبطل فعله وكذلك الحسد), وعلى الجانب الآخر فقد بالغ بعض الأطباء في استنكار ما يحدث وإنكار تأثير الجن والسحر والحسد بالكلية, وقد اعتقد الكثيرون منهم أنه لم يعد هناك شيء بعيد عن البحث والتجربة الملموسة والواقع الحقيقي ولكن مازلت أسباب كثير من الأمراض النفسية في مجال النظريات ومازالت هناك مناطق شديدة الغموض, وفي النهاية أرجو أن يكون الميزان قد اعتدل بين ما هو طب ملموس وبين ما هو غيب نعتقده بعيدا عن الخرافات والأوهام والدجل؛ فالإسلام دين الحقيقة والوسطية والاعتدال"[24].
وقال د. قاسم حسين صالح: "تُعزى حالات الاضطرابات العقلية أو الذهان Psychosis علميا مثل مرض الفصام Schizophrenia إلى تغيرات وظيفية في المخ بينما تسمى في المعتقدات الشعبية بالجنون وتعزى إلى الجن والأرواح الشريرة ولذا يتنافس المعوذون في ابتكار وسائل تعذيب لطردهم, والوهم بتهجم الجن والحاجة للعرافين موروثة في اللاوعي لذا يعمر سوق المعوذين كمؤشر لتزايد الضغوط التي تقدح زناد الاستعداد الوراثي للمرض, ولكنهم يفشلون غالبا في التأثير الإيحائي على مرضى الذهان بينما قد يستجيب مرضى العصاب Neurosis للإيحاء لقناعتهم ابتداءً بإصابتهم بالجن, وأما الرقاة بالقرآن فهم في الحقيقة يمارسون نوعا من العلاج النفسي وإن سميناه بالروحي كان الأولى أن يتم برعاية الدولة تحت إشراف طبي فينحسر نشاط الجهلاء والدجالين المتاجرين باسم الدين, ففيه استنهاض لإرادة المريض وقوى الشفاء الذاتي خاصة مع توجيهه نحو الصلاح وتقوية الإيمان والالتزام الديني ليكون الدافع ذاتي, ومجرد الاستماع إلى شكواه تنفيس Abreaction"[25].
وقال د. وائل أبو هندي أستاذ الأمراض النفسية بجامعة الزقازيق: "العلاج بالقرآن لا يصح إلا عندما نتحدث عن طريق الفهم لما فيه وليس ليكون تعاويذ للتأثير علي الجن.., والقرآن يستطيع أن يمد المسلم بالعديد من المعاني التي تريح القلب والروح وليس للاستخدام في علاج الأمراض التي عرفت أسبابها وطرق علاجها ولابد لأمة المسلمين أن تنتبه إلى ضرورة الفصل بين عالم الغيب وعالم الشهادة.., يجب أن نتعامل من خلال المنطق والمعطيات لدينا, ومثال ذلك إذا قلنا أن أحدهم وهو يجري نظر إليه أحد أصدقائه وقال ما أجمل ساقيه فوقع الشاب وانكسرت ساقه, فمن الممكن أن نفسر هذا تفسيرا غيبيا علي أنه حسد, فهل يكون علاجه بالرقي وقراءة القرآن دون اللجوء إلى طبيب عظام مثلا, والأمثلة عديدة علي هذا المنوال في كافة الأحوال التي نعيشها, إذن نستطيع أن نقول أن حياة المسلمين فيها العلاج الروحي كالعلاج بالقرآن وليست لأمراض بعينها نعرف لها أسبابا, وقد كان الشيخ محمد الغزالي رحمة الله عليه لا يؤمن ببما يدعونه من التداوي بالقرآن وحفز المرضي إلى اللجوء للأطباء.., ومن طبيعة الأمراض النفسية أن تتسم أعراضها بالغرابة, فالمريض لا تظهر عليه علامات المرض الجسدي المعروفة.. ولكنه يسلك سلوكا غريبا فيميل بعض الناس إلي تفسير هذا السلوك غيبيا حسب معتقداتهم"[26].
وقالت د. إجلال حلمي أستاذ الاجتماع بجامعة عين شمس: "السؤال الذي يطرح نفسه هو: ما الذي دفع الناس الآن إلي اللجوء لمثل هذه الأمور بعد أن توصل العلم والطب إلي علاجات متقدمة في حالات مستعصية علي المستوي النفسي والجسدي؟, أري أن الحالة الاقتصادية تتحكم بشكل أساسي في لجوء طوائف عديدة من الناس في المجتمع المصري خاصة والعربي بصفة عامة ونظرا لارتفاع أسعار الأدوية.. إلي من يدعون القدرة من الدجالين علي شفاء كافة الأمراض عن طريق الاستعانة بكلام الله وقرآنه الذين وجدوا في هذه الطريقة مساحة وفرصة سانحة للترويج لتجارتهم التي اعتمدت علي وسائل عديدة بعيدة في مضمونها كل البعد عن الدين, وفي هذا العصر الذي عمت فيه البلوى وطمست الحقائق جاء هؤلاء المعالجون بأدعية لم تكن علي عهد الرسول وعهد الصحابة رضي الله عنهم ولا علي عهد التابعين فتجاوزوا أسلوب الدعاء, كقولهم: اللهم أبطل اليمن وسحر السودان وسحر كذا وكذا.., (و)يتفق المعالج مع بعض العطارين فيقرأ علي الماء بكميات كبيرة ويضعها عند العطار ليبيعها باسمه حتى أصبح لكل شيخ زبائنه الذين يطلبون وصفته.. ومن ثم يتحول الأمر إلي خطر علي العقيدة وليس رقية شرعية, حيث ذكر الرسول عليه أفضل الصلوات: (من تعلق قلبه بشيء فقد أوكل إليه), هذا بالإضافة إلى الممارسات الخاطئة لبعض المعالجين كالمبالغة الشديدة في طريقة الخنق.. مما يعرض حياة المرضي للخطر"[27].
وقال د.محمود جمال أبو العزائم: "يعتبر مرض الصرع Epilepsy من أكثر الأمراض العصبية انتشارا في العالم حيث يصيب 1% من الصغار والكبار، ومن أعراضه حدوث نوبات غياب عن الوعي قد تكون شديدة أو خفيفة وفي حالة النوبة الكبرى يسقط المريض على الأرض في حالة تشنج يهتز لها كل جسده ويغيب عن الوعي نهائيا.., وتتكرر هذه النوبات في أي وقت وفى أي مكان, وقد كان التفسير الشائع لهذه النوبات أنها نتيجة مباشرة لمس الجن.. وظل مرض الصرع موضوعا للكثير من الخرافات والأوهام وتعرض المرضى لكثير من الممارسات غير الطبية ظنا من الناس أن الأرواح والشياطين وراء حدوثه.., (ولكن) الصرع حالة عصبية تُحدث من وقت لآخر اختلال وقتي في النشاط الكهربائي الطبيعي للمخ.., ويكون لهذه الشحنات تأثير على وعى الإنسان وحركة جسمه وأحاسيسه لمدة قصيرة من الزمن.., وقد تحدث نوبات من النشاط الكهربائي غير الطبيعي في منطقة محددة من المخ وتسمى النوبة حينئذ بالنوبة الصرعية الجزئية أو النوبة الصرعية النوعية, وأحيانا يحدث اختلال كهربائي بجميع خلايا المخ وهنا يحدث ما يسمى بالنوبة الصرعية العامة أو الكبرى.., إذن فالصرع لا يختلف عن الأمراض العضوية الأخرى فهو يحدث لأنه يوجد سبب ما في الدماغ يسبب حالة التشنج.. ونستطيع (حاليا) التوصل إلى بعض أسباب المرض باستخدام التحاليل المعملية وأجهزة الفحص الحديثة مثل رسم المخ والأشعة المقطعية والرنين المغناطيسي.. ولا علاقة نهائيا بالجن والشياطين والأرواح الشريرة بهذا المرض كما كان يعتقد من قبل.., وهناك (أيضا) اعتقاد شائع بين الناس أن المرض النفسي يحدث بسبب الجن.. (ولكن) هناك مراكز في المخ لكافة الوظائف النفسية والبيولوجية للإنسان..، فهناك مركز للحركة ومركز للتنفس وكذلك هناك مراكز للذاكرة والسلوك والمزاج والوجدان.. وتتصل الخلايا العصبية بعضها ببعض بواسطة تشابكات عصبية.. تربط بينها كيميائيا, والرسائل تنتقل بين خلية وأخرى بواسطة مواد تسمى الناقلات العصبية، وزيادة أو نقص الناقلات العصبية في المخ مثل السيروتونين.. يؤدى إلى اضطراب الوظائف النفسية للإنسان, فقد وجد مثلا أن اختلاف نسبة السيروتونين يؤدى إلى اضطرابات نفسية مثل الاكتئاب, ومن هنا جاءت فكرة استخدام العقاقير التي تعيد الناقلات العصبية إلى وضعها.. إذن فالمرض النفسي مثله مثل الأمراض العضوية الأخرى له أساس عضوي ولا يحدث بسبب الجن, (ولكن) يقول البعض: لقد رأينا المعوذ وهو يضرب الجني ويكلّمه, وأقول: هناك ما يُعرف في طب النفس بظاهرة الإيحاء.. (و) نجد أن المعالجين الشعبيين وأهل الدجل والشعوذة هم من أكثر الناس قدرة على الإيحاء، ويعينهم على ذلك الضرب المبرح وتسليط صوت المسجل العالي على أُذُنَيّ المريض فيضطر إلى تقمّص شخصية مختلفة أو التكلم بكلام غريب محاولاً الهروب من الضغط الذي يُمارس ضده.., والأغلب (إذا لم يكن المريض متصنعا متمارضا Malingerer) أنه مصاب بحالة تعرف بالتحول الهستيري، حيث يتحول فيها إلى شخص مختلف يقوم بأعمال هستيرية غير راشدة، فتجده يتكلم بلهجة مغايرة فيقول مثلا أنه كافر أو عاشق, وما لا يعلمه كثير من الناس أن الطب النفسي فرع من فروع الطب مثل أمراض القلب وأمراض الجهاز الهضمي, وقد يتخفي المرض النفسي عن طريق اتخاذ صورة مرض عضوي, وهذه بعض الأمراض التي يسببها المرض النفسي: السكر وارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب والشرايين والربو والقولون العصبي وقرحة المعدة وآلام المفاصل واضطرابات الدورة الشهرية وبعض الأمراض الجلدية كسقوط الشعر والإكزيما وكثير من الأمراض التي يجمع الأطباء على أنه لا يمكن شفاؤها إلا من خلال مداواة النفس"[28].
وقال د. محمود أبو دنون: "بعد دراستي للحالات.. أيقنت تماما أن القضية لا علاقة لها بالجن وأنها ذات أسباب وعوامل نفسية محضة, وتلك الحالات في أغلبها تندرج تحت ثلاث مسميات؛ حالات هستيرية وحالات ذهانية وحالات صرعية, ومما رسخ قناعتي تلك وزاد يقيني.. مشهد لأحد القساوسة وهو يعالج ويخرج الجن بالصليب, وكان المريض يستجيب وتنتابه حالات هستيرية من الصراخ والهيجان مما يدل على دور الإيحاء.., (وأما) ما يشاع في أوساط الرقاة من حضور الجني المتلبس ونطقه على لسان الإنسي الملبوس فلا وجود لشخصية أخرى غير شخصية الإنسي, والذي يتكلم وينطق ويخاطب هو العقل الباطن للشخص المريض (إن لم يكن مدعيا), وفي الحقيقة لا يوجد أي دليل على وجود هوية كائن آخر فلا يمكن للمريض أن يقدم في حال تلبسه كما يقولون أية معلومة لا يعرفها الشخص نفسه, وقد تكون تلك المعلومة موجودة ولكنها اختفت وانطمرت في العقل الباطن فيقوم باستدعائها, وذات يوم أحضروا لي مريضة وقالوا إن الجني المتلبس بها يتكلم العبرية مع أنها لا تعرف العبرية مطلقا, وحضرت المريضة نفسها لاحقا واعترفت أنها كانت تتعلم العبرية في كتاب (تعلم العبرية من غير معلم), فكل هذه الأعراض ناتجة عن أمراض نفسية ولا يوجد أي دليل على وجود شخصية أخرى ذات هوية مستقلة أو معرفة متميزة عن معرفة المريض.., ويمكن تصنيف كل تلك الحالات ضمن تصنيفات الطب النفسي ولم أجد حالة واحدة يمكن أن يقال أنها شاذة.., والشخصيات الهستيرية هي أكثر الشخصيات استجابة لتأثير الإيحاء, وأستطيع الجزم بأن الرقاة يمارسون الإيحاء ربما دون أن يعلموا.., والعلماء الشرعيون ليسوا على رأي واحد.. والأدلة التي يوردها المثبتون غير قطعية الدلالة.., وترجع أسباب انتشار الظاهرة بين المسلمين إلى سوء تفسير النصوص الشرعية وضعف الثقافة الطبية, وإذا كانت هناك حالة مرضية فالأصل أن تعرض أولا على الأطباء, ولا بأس حينئذ من بالاستشفاء بالقرآن لتسكين النفس وتقويةً الإرادة واستنفار قوى الشفاء الذاتي مع تدبر معانيه وإتباع تعاليمه باعتباره منهج للحياة"[29].
المحور العاشر
محصلة الدراسة الميدانية
قد ثبت أن للقرآن الكريم قوة شفائية بالتجارب المعملية في مؤسسة العلوم الطبية الإسلامية في مدينة بنما سيتي بأمريكا؛ قال د. أحمد القاضي: (أثبتت التجارب أن له أثرا مهدئا خفف درجة توتر الجهاز العصبي في 97% من الحالات)"[30], ولكن مع إجراء تلك التجارب على غير مسلمين وغير ناطقين بالعربية يمكن القول أنها لا تتعلق بدراسة التأثير الإيماني واستنهاض عوامل الشفاء الذاتي وإنما ترجع لتأثيرات مهدئة ثانوية محدودة الأجل مثل الاسترخاء والإيحاء والإيقاع, واحتمال التأثير السحري للقرآن الكريم غير وارد مع إجماع علماء الإسلام على إنكار "الصرفة" كتأثير صارف عن استجابة العرب لتحديه, ولذا كان هذا البحث كتجربة ميدانية في البيئة الإسلامية لرصد أي تأثير طويل الأمد يمكن نسبته إلى التحفيز الإيماني واستنهاض عوامل الشفاء الذاتي خاصة مع قصر الشفاء في القرآن الكريم على المؤمنين وحدهم؛ قال تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ} الإسراء 82، وقال تعالى: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء} فصلت 44, ,والكرب والمرض عند المؤمنين تذكرة تدفعهم للدعاء والاستغاثة بمفرج الكروب وتلاوة آيات الكتاب العزيز أو استماعه فتطمئن قلوبهم راضين بالقدر ويسلموا من الانهيار, فينبغي إذن النظر إلى الرقية الشرعية كدعاء يلزمه اليقين بلا تفريط في العمل بالأسباب لا أن تكتب الآيات بالزعفران مقطعة الحروف لتعلَّق كحجاب وتشرب وترش بالأركان مذابة في الماء لإبعاد النحس, قال تعالى: {وَقَالَ رَبّكُـمْ ادْعُونِيَ أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنّ الّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنّمَ دَاخِرِينَ} غافر 60, وقال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنّي فَإِنّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلّهُمْ يَرْشُدُونَ} البقرة 186.
نماذج من الحالات والممارسات:
· حالة رقم (1): أنثى تعمل مع زوجها خارج بلدها الأصلي وتترك شقتها مغلقة طول العام وتخاف أن يسكنها جني في غيبتها؛ علاج حالتها هو فتح الراديو على إذاعة القرآن الكريم ليل نهار طول العام حتى عودتها.
· حالة رقم (2): قريبة فني توصيلات تكرر حضورها معه تشتكي من آلام تصاحب الدورة الشهرية فشخصت حالتها انتقام لقتلها طفل من الجان والعلاج هو الصلح مع أسرته, أما قريبها فقد تحول إلى معالج مستقل.
· حالة رقم (3): اتصلت إحداهن شاكرة فاستفسر المعالج إن بقيت شكوى, فأكدت له تحسن حالتها ولكنها تعتب عليه لماذا أخبر زوجها أنه يعرف أنها قد عملت له سحرا ليتعلق بها فطلقها منذ أيام ومعها منه ثلاثة أبناء.
· حالة رقم (4): ادعت إحداهن آلام متنقلة فكان التشخيص عاشق جني يسكن الجسد يطرده شريط قرآن مسجل بوضع سماعات الآذان لساعات على الأيدي والأقدام وكلما انتقل الألم انتقلت السماعة حتى مل الجني وهرب.
· حالة رقم (5): أراد أهل إحداهن أن يزوجوها فتغير حالها فجأة وقالت إنها متزوجة عرفيا من جني رئيس مافيا وتخشى أنها حامل, فقال المعالج لو ثبت الحمل فهو دليل قاطع يؤيد قول بعض العلماء بإمكان الزواج من الجن.
· حالة رقم (6): أخبرت إحداهن أن جنية تدفعها للذهاب للحمام بكثرة حيث يعيش أقاربها, فطلب كاتب هذا البحث إجراء تحليل طبي فتبين إصابتها بمرض البول السكري, ولعل الجنية تمل وتفارقها بعدما يقل ذهابها للحمام.
· حالة رقم (7): طبيبة تشكو أن زوجها نافر فكان علاجها قراءة القسم عدة ساعات على الجان أن يبتعدوا.
· حالة رقم (8): صيدلي تقدم خاطبًا فتاة فرفضته فأيد المعالج شكه في الجن وعليه قراءة القسم لساعات
· حالة رقم (9): خريجة آداب علم نفس غير متزوجة لا تشكو من شيء أرادت اختبار صدق المعالج في التشخيص والعلاج, والشكوى الزائفة هي مشاكل زوجها وعصبيته وتكرر تعطل سيارتهفكان التشخيصجني يعشقها لأنها تكثر الوقوف أمام المرآة وانتقام من زوجها لقتله بسيارته قطة كان يلبسها جان وكان علاج العشق الضرب المبرح ولم يعفها الصراخ حتى ادعت اللبس ونطق الجني على لسانها معترفا بالعشق ومصرحا بقدومه من زيمبابواى, ورغم نجاحها نظير العلقة في استدراج المعالج وكشف زيفه ولكنها استرابت في موضوع العشق.
· حالة رقم (10): جاءت إحداهن للمعالج مرارا منذ سنوات طويلة لشكاوى عديدة متكررة ولاحظت تطور أسلوبه من ضرب المريض بحذاء إلى خرطوم ماء أو خشبة واستخدام جهاز تدليك هزاز, ومن إسماع المريض للقرآن من خلال سماعات الآذان إلى إسماع الجني بوضعها مكان الشكوى حتى لو كان اليد أو القدم, وكانت ترتاح وقتيا وأخيرا تمسكت بالقرآن والتزمت بالصلاة في وقتها وصبرت على البلاء فتطاولت فترات الراحة.
· حالة رقم (11): مريض يعاوده هياج شديد إلى حد تقطيع الملابس علنا شخصت حالته طبيا على أنها اضطراب عقلي أو ذهان Psychosis وعولج بالصدمات الكهربية, ولم يفلح معه جميع الرقاة والمعوذون وصناع الأحجبة والتمائم وفشلت الكنيسة كذلك, ولكنه بإتباع برنامج الاستشفاء القائم على تحفيز الإيمان وتنشيط الإرادة تعود دخول المسجد والحفاظ على الصلوات في أوقاتها خاصة صلاة الفجر وأصبح أكثر قدرة على ضبط الانفعال.
· حالة رقم (12): خريجة كلية دراسات إسلامية أراد أهلها أن يزوجوها باعتبارها الأكبر لشاب تقدم لخطبة أختها فلما رفضت أحضروها للمعالج للاطمئنان على سلامتها من الجن, ولكنها غير مقتنعة أن الله العادل قد نقض حرية الإرادة التي منحها للإنسان بتمكين إرادة سواها لتسيطر على مشاعره وسلوكه وتؤذيه, ولو صح ذلك فلا نملك إلا الدعاء إيمانا بالله وتسليما بقدره خاصة إذا كانت من الغيبيات الواجبة التفويض بلا تعيين, وهذا هو مضمون الرقية الشرعية وما سواها جهل بالدين أو دجل, وقالت أنها قد وافقت على الحضور لمدعي غيب لم يدرس الدين لتهرب من التوبيخ وتتفرج على السذج, ولكنها تستعين بالله على جهل أهلها ولا تضيع صلاة.
الملاحظات والنتائج:
1. الدافع العام لحضور الحالات أو إحضارهن إلى العيادات الشعبية للرقاة والمعوذين هو التوهم بتأثير الجان, والتشخيص وطريقة العلاج لا تعدو تأكيد نسبة الأعراض للجان بتشخيصات محدودة مثل الانتقام لقتل صبي من الجان بصب ماء أو زيت ساخن عليه في عين حوض المطبخ بلا تسمية لتنبيهه ليرحل أو التلبس بعشق أو سحر, والعلاج هو الصلح مع أسرة المقتول من الجان أو طرد الغازي للجسد من الجان بأساليب عديدة مبتكرة من الإيحاء تناسب كل حالة.
2. الإصابة بالشلل أو البكم أو فقد الرؤية عقب مشاكل أسرية حادة علاجه هو الضرب المبرح خاصة إذا كانت الحالة أنثى ولا يعفيها الصراخ حتى تنهض وتشفى وسط ذهول الحضور الذين لا يعرفون أن تلك حالات نفسية معروفة.
3. مجموع الذكور: 49 حالة تتراوح أعمارهم من 8 سنوات إلى 62 سنة ويبلغ عدد الحالات أقصاه حول 35 سنة, وأمكن تصنيف شكاويهم جميعا على النحو التالي:
أ- أمراض أو عوارض نفسية (32 حالة): صداع وفتور وآلام عامة, فقدان التركيز, خوف, اكتئاب, إدمان, وسواس قهري, ذهان, قولون عصبي, عجز جنسي قد تصاحبه عوارض نفسية أو مشاكل زوجية (14 حالة).
ب- عوارض نفسية تصاحب مشاكل عضوية (10 حالات): ضيق في صمام القلب منذ الطفولة, جلطة في القدم, جلطة في الدماغ, ضيق شرايين القلب, بول سكري, ضغط دم مرتفع, ذبحة صدرية, صرع, ربو.
ت- عوارض نفسية تصاحب مشاكل اجتماعية (7 حالات): فشل الخطوبة أو الزواج (4 حالات), مشاكل أسرية, بطالة.
4. مجموع الإناث: 151 حالة تتراوح أعمارهن من 12 سنة إلى 80 سنة ويبلغ عدد الحالات أقصاه حول 27 سنة, وأمكن تصنيف شكاويهن جميعا على النحو التالي:
أ- أمراض أو عوارض نفسية (68 حالة): وسواس قهري, صداع وفتور وآلام عامة, فقدان التركيز, خوف, اكتئاب, قولون عصبي, أحلام بالتزوج, كوابيس, بكم عصبي, وسوسة سمعية, عمى عصبي, شلل عصبي.
ب- عوارض نفسية تصاحب مشاكل عضوية (29 حالة): إصابة الزوج بعجز جنسي أو سرعة القذف, آلام عضوية المنشأ, آلام مع الحمل, عقم, صداع نصفي, الإجهاض خاصة المتكرر, اضطراب الدورة الشهرية, استئصال الرحم, نمش بالوجه, التشنج المهبلي Vaginismus عند التزوج, أورام ليفية بالرحم, عسر هضم, ارتفاع ضغط الدم.
ت- عوارض نفسية تصاحب مشاكل اجتماعية (54 حالة): سفر الزوج للعمل بالخارج لمدة قد تتجاوز سنة (9 حالات), تأخر الخطاب, فشل الخطبة خاصة إذا تكرر, العنوسة, الطلاق, التفات الزوج عن زوجته, المشاكل الأسرية, زواج عرفي سابق تُخشى عواقبه, فرض الأهل على الفتاة زوج لا تريده, زواج الأم بعد وفاة أب الفتاة الوحيدة.
5. شعرت بعض الحالات إيحائيا عند الرقاة بتحسن وقتي بنسبة يصعب تحديدها, واختيرت 14 حالة (10 إناث, 4 ذكور) على درجة من الوعي تكفي لتطبيق برنامج التحفيز الإيماني الذاتي فاستمر التحسن لمدى أطول في 12 حالة (85%).
تحليل النتائج والتوصيات:
باعتبار كثافة السكان اختيرت منطقة دلتا النيل بمصر لدراسة ظاهرة انتشار العيادات الشعبية للرقاة, ونتيجة للخجل الاجتماعي المترسب في الأذهان من استشارة الطبيب النفسي تجنبا للاتهام بالجنون مع الوهم الجماعي بإمكان سيطرة الجان على الإنسان نفسًا وبدنًا وظروفًا وجد أن عدد المرتادين يوميا لعيادات الرقاة يفوق بكثير عدد الحالات في العيادات النفسية, وتتخفى وراء انتشارها ضغوط اجتماعية لا يملك الفرد مواجهتها فيعلق همومه على مجهول وبالاقتناع بطرده ينال الارتياح, فالمشاكل العائلية التي تصاحبها عوارض نفسية قد تكون نتيجة مباشرة للصعوبات الاقتصادية, والعوارض النفسية للزوجة التي يعمل زوجها بالخارج قد ترجع لمنع قوانين عمل زوجها استقدامها وتمنعه من السفر إليها إلا بعد عام أو عامين, وفيما يجب أن يكون عليه المجتمع المسلم لنا عبرة في قصة عمر مع المرأة التي غاب عنها زوجها أشهر قليلة في الحرب, ولذا يمكن الاستنتاج أن ظاهرة انتشار العيادات الشعبية للرقاة والمعوذين مؤشر قوي على الحالة الإيمانية والتكافلية للمجتمع.
ويرتكز المنهج العلمي لبلوغ الحقيقة على أساس التفكير التحليلي للتحقق من مصداقية الدليل وحيادية الإدعاء ومدى تطابقه مع الواقع وخلوه من الغرض وسلامته من التحريض الضمني والاستغلال العاطفي وبذلك يسلم الإنسان من الوقوع فريسة للدجل والخرافة, ولا شك أن إمكان عزو جميع الحالات المدروسة بعناية إلى أمراض أو ظواهر نفسية مصاحبة لمشاكل طبية أو اجتماعية لا يحتاج معه إلى تفسير غيبي, وليس هذا إنكارا لوجود الجن وإنما تمسكا بالمنهج العلمي في التوقف عن قبول ادعاء بغير دليل, وإذا ثبت أن النبي عليه الصلاة والسلام قد قام بتشخيص حالات شبيهة وعلاجها فمن يدعي أنه مثل الموصول بالوحي يعوزه الدليل, وأيدت النتائج أن للاستشفاء بالقرآن الكريم تأثير طويل الأمد في الشخصية الإسلامية الواعية يستبعد معه الإيحاء ويقوم على التحفيز الإيماني واستنهاض عوامل الشفاء الذاتي وإصلاح شامل للسلوك ومحاولة إيجاد حلول عملية لجذور المشكلات الحياتية لا التهرب بتفسيرها غيبيا والاكتفاء براحة وهمية بالإيحاء بطرد الجن, بينما الأساليب الإيحائية للمعوذين والرقاة تأثيرها وقتي طالما أنها لم تعالج جذور المشكلات وتستنهض النوازع الإيمانية وتسترد التوازن النفسي بالمساندة الطبية, والتوصية هي اعتماد الاستشفاء بالقرآن الكريم كأسلوب علاجي مساند للعلاج الطبي؛ خاصة إذا لم تتوفر معالجة تحليلية ولا يجد الطبيب النفسي في عيادته الخاصة وقتا كافيا لتفهم صراعات المريض ومشكلاته, مع ضرورة التزام الرقاة بحدود الشريعة وبالتثقف الصحي في مجال الأمراض النفسية حمايةً للمجتمع من الدجل والخرافة.
ولا شك أن إمكان عزو جميع الحالات إلى أمراض وظواهر نفسية مصاحبة لمشاكل طبية أو اجتماعية لا يحتاج معه إلى تفسير غيبي, وليس هذا إنكارًا لوجود الجن وإنما تمسكا بالمنهج العلمي في التوقف عن قبول ادعاء بغير دليل, وإذا ثبت أن النبي عليه الصلاة والسلام قد قام بتشخيص مثل تلك الحالات فمن يدعي أنه مثل الموصول بالوحي يعوزه الدليل, وقد أيدت النتائج أن للاستشفاء بالقرآن الكريم تأثير فعال طويل الأمد في الشخصية الإسلامية الواعية يقوم على التحفيز الإيماني واستنهاض عوامل الشفاء الذاتي وإصلاح شامل للسلوك ومحاولة إيجاد حلول عملية لجذور المشكلات الحياتية بينما الأساليب الإيحائية للمعوذين والرقاة تأثيرها وقتي طالما أنها لم تعالج جذور المشكلات وتستنهض النوازع الإيمانية وتسترد التوازن النفسي بالمساندة الطبية, والتوصية هي اعتماد الاستشفاء بالقرآن الكريم كأسلوب علاجي مساند للعلاج الطبي؛ خاصة إذا لم تتوفر معالجة تحليلية ولا يجد الطبيب النفسي في عيادته الخاصة وقتا كافيا لتفهم صراعات المريض ومشكلاته, مع ضرورة التزام الرقاة بحدود الشريعة وبالتثقف الصحي في مجال الأمراض النفسية حمايةً للمجتمع من الدجل والخرافة.
وقد بلغت نسبة الذكور 24.5% من مجموع الحالات بينما بلغت نسبة الإناث 75.5% من الحالات أي حوالي ثلاثة أمثال الذكور؛ مما يؤكد أنهن أكثر استعدادا للتأثر بالإيحاء وأقل تحملا للضغوط خاصة في فترة البلوغ ومرحلة التلاؤم في حياة زوجية, وكانت أغزر نسبة في تلك الفترة مما يؤكد وجود فروق نفسية بين الجنسين غير الفروق الجسمانية, وقد بينت الدراسات في البيئة العربية بالفعل وجود فروق بين الجنسين في سمات الشخصية Personality Traits, فالأنثى تميل إلى الخضوع (د. جابر عبد الحميد 1969) والتبعية (د. مصطفى تركي 1980) وهي أكثر قابلية للأمراض النفسية كالقلق والاكتئاب والخوف (د. محمود أبو النيل 1984, د. رشاد موسى 1989, د. أحمد عبد الخالق 1996), بينما يتسم الذكر بالجرأة والاندفاع والجدية والصرامة والنزوع إلى السيطرة والعنف وعدم إظهار الضعف (د. بدر الأنصاري 1997),
وترتبط الفروق النفسية بين الجنسين بالفروق الطبيعية وتأهيل كل منهما لدور متميز في الحياة, وعلى سبيل المثال يصاحب تغيرات المزاج Mood في الحيض تغيرات هرمونية (Ruble 1 977, Tampax 1981)[31], وهنا يتجلى إعجاز القرآن الكريم لمراعاته لتلك الفروق الطبيعية في التشريع برهانًا على أنه الحق من عند العليم بخلقه سبحانه, يقول تعالى: "اللّهُ نَزّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مّتَشَابِهاً مّثَانِيَ تَقْشَعِرّ مِنْهُ جُلُودُ الّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبّهُمْ ثُمّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىَ ذِكْرِ اللّهِ ذَلِكَ هُدَى اللّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَآءُ وَمَن يُضْلِلِ اللّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ" الزمر 23.
المراجع:
[1] "العلاج بالقرآن الكريم" د. أحمد القاضي رئيس المركز الإعلامي بمؤسسة العلوم الطبية الإسلامية في مدينة بنما سيتي بأمريكا.
[2] "الشخصية المستهدفة للإصابة بالسرطان" د. بدر محمد الأنصاري قسم علم النفس كلية العلوم الاجتماعية جامعة الكويت 1996م.
[3] The Effect of Meditation on the Brain activity using a brain imaging technology called single photon emission computed tomography (SPECT).
[4] عدد من المقالات منشورة بالإنجليزية.
[5] مسند أحمد ج5ص364و371
[6] البداية والنهاية ج9ص108.
[7] Religion and the Brain, DR. MICHAEL PERSINGER, Is the Brain a Modem for God? By AMY ELLIS NUTT, The brain at prayer, Anne Blair Gould
[8] "مفاتيح تدبر القرآن والنجاح في الحياة" د. خالد بن عبد الكريم اللاحم أستاذ القرآن وعلومه المساعد بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية, فهرسة مكتبة الملك فهد الوطنية بالرياض ، 1425هـ.
[9] "الصلاة وأثرها على النفس والوجدان" د. إبراهيم بن حمد النقيثان مقال منشور يوم 8101427 هـ.
[10] "العلاج النفسي الذاتي بالقرآن" د. رامز طه مقال منشور بموقعه (أساليب العلاج النفسي الحديثة وتطبيقاتها).
[11] "اثر القرآن في الأمن النفسي" بتصرف قليل من مقال منشور للباحثة في العلوم الإسلامية الأستاذة ناهد عبد العال الخراشي.
[12] د. وائل أبو هندي جواب منشور في موقع إسلام أونلاين محدث الأحد 24 ديسمبر 2006.
[13] مجلة الطب النفسي أبو ظبي Abu Dhabi Bulletin of Psychiatry العدد الثالث والعشرون تموز 2003.
[14] "الأمراض النفسية وعلاجها الروحي في الإسلام" مقال منشور للدكتور عبد الستار أبو غدة.
[15] فضيلة الشيخ فيصل مولوي نائب رئيس المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث في الإجابة على السؤال: "هل يدخل الجن جسم الإنسان؟" في موقع إسلام أون لاين محدث في ديسمبر 2006.
[16]"الرقاة بين الكرامات وخوارق العادات" فتوى لفضيلة الشيخ إبراهيم عبد الرحمن الموسى المرشد بهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالرياض.
[17] "تحذير الداعية من القصص الواهية" فضيلة الشيخ علي حشيش, الموسوعة الشاملة.
[18] فتاوى الأزهر (ج8ص10) إجابة فضيلة الشيخ عطية صقر في مايو 1997.
[19] جواب فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي منشور في موقع إسلام أونلاين ومحدث يوم الاثنين 5 فبراير 2007.
[20] فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي في الإجابة على السؤال: "هل يدخل الجن جسم الإنسان؟" في موقع إسلام أون لاين محدث الأحد 24 ديسمبر 2006.
[21] د.محمد سيد طنطاوي شيخ الجامع الأزهر نقلا عن موقع إسلام أونلاين تحت عنوان "عيادات العلاج بالقرآن دجل" في 412004م.
[22] "دور الأخصائي النفسي مع الطبيب النفسي في الفريق العلاجي" د. لطفي عبد العزيز الشربيني مقال منشور بالشبكة.
[23] "العلاج بالقرآن بين ممارسات المعالجين وأخطاء الدجالين" مقال منشور يوم الأحد 1 أغسطس2004.
[24] د. محمد المهدي "إشكالية الجن و السحر والحسد" مقال تم تحديثه في 24 يناير 2007, مختصر بتصرف قليل.
[25] "العلاج النفسي بين الدين وعلم النفس" د. قاسم حسين صالح رئيس الجمعية النفسية العراقية مقال منشور.
[26] "العلاج بالقرآن بين ممارسات المعالجين وأخطاء الدجالين" مقال نشر يوم الأحد 1 أغسطس2004.
[27] "العلاج بالقرآن بين ممارسات المعالجين وأخطاء الدجالين" مقال نشر يوم الأحد 1 أغسطس2004.
[28] "الجن والمرض النفسي" مقال منشور للدكتور محمود جمال أبو العزائم مستشار الطب النفسي.
[29] مقابلة منشورة بموقع الغد الأردني يوم الثلاثاء في 6 شباط 2007م 18 محرم 1428 هـ مع د. محمود أبو دنون اختصاصي الطب النفسي ومدير عام المستشفى الإسلامي.
[30] "العلاج بالقرآن الكريم" د. أحمد القاضي رئيس المركز الإعلامي بمؤسسة العلوم الطبية الإسلامية في مدينة بنما سيتي بأمريكا.
[31] Gender Differences in Personality Traits Among Kuwaiti Adults, Bader M. Al Ansari بحث مقدم إلى المؤتمر الدولي الرابع لمركز الإرشاد
النفسي بعنوان "الإرشاد النفسي في المجال التربوي" المنعقد في 2 - 4 ديسمبر 1997م.