الأرق المشكلة والعلاج

الناقل : mahmoud | الكاتب الأصلى : د. لطفي الشربيني | المصدر : www.alameron.com

ما  الأسباب العضوية والنفسية للأرق

 وسائل بسيطة للتخلص من الأرق قبل استخدام أدوية النوم
 الأقراص المنومة أكثر العقاقير استخداماً
يعرف الأرق Insomnia في مراجع الطب النفسي علي انه صعوبة الدخول في النوم أو الاستمرار فيه ، ويعاني من مشكلة الأرق أعداد كبيرة من الناس ، وبمراجعة الدراسات المسحية لانتشار الأرق اظهر بعض هذه الدراسات أن ما يقرب من 50% من الناس في منتصف العمر يعانون من مشكلة الأرق لبعض الوقت ، وفي دراسة بسويسرا أجاب 7% من الرجال ، و12% من السيدات بأن نوم الليل لديهم " سيئ للغاية " ، وفي أمريكا تبين من دراسة مسحية أن 6% من الراشدين يعانون من حالة من الأرق بلغت شدتها حداً جعلهم يطلبون المشورة الطبية وأوصى الأطباء بوصف أدوية للنوم في نصف هذه الحالات ، ويزيد انتشار الأرق في النساء اكثر من الرجال ، كما أن الأرق تزيد فرصة حدوثه مع تقدم العمر.
أنواع الأرق :
        يعتبر الأرق من الأعراض الشائعة لكنه ليس مرضاً مستقلاً يتم تشخيصه بمعزل عن العلامات والمظاهر الطبية والنفسية المصاحبة له ، وكقاعدة طبية عامة فإن الأرق لابد أن يكون مصحوباً بحالة مرضية أخري، ويتم تصنيف الأرق إلى النوع الأولي Primary Insomnia حين لا توجد أعراض مصاحبة ، والنوع الثانوي الذي يكون جزءاً من حالة مرضية عضوية أو نفسية ، وهناك ثلاث صور مختلطة من الأرق هي :
 ³صعوبة الدخول في النوم ، وقد يصحب ذلك الاستيقاظ المتكرر ، وفي هذه الحالات يعاني الشخص من البقاء في الفراش لمدة طويلة تصل إلى عدة ساعات انتظاراً للدخول في النوم ، وخلال هذه الفترة يتقلب في الفراش ويتحرك في قلق مع مرور الوقت ، وكلما استمر الشخص في محاولات للدخول في النوم يتزايد شعوره بالقلق والإحباط مما يزيد من صعوبة الاستسلام للنوم .
 ³كثرة الاستيقاظ بالليل أو النوم المتقطع هو صورة ثانية من الأرق ويكون النوم هنا سطحياً مع استيقاظ متكرر يتبعه العودة إلى النعاس مرة بعد مرة .
 ³الاستيقاظ المبكر وارق ساعات الصباح الأولى LateInsomnia حين يصحو الشخص قبل الفجر ويصعب أن ينام بعد ذلك ، وهذا النمط من الأرق له دلالة مرضية إذ يرتبط عادة بمرض الاكتئاب النفسي .
        ومن ملاحظاتنا في العيادة النفسية أن الأشخاص الذين يبالغون في الشكوى من الأرق بالتعبير المعروف :
- " لم تغمض لي عين طول الليل " ..
 
        لا يوجد ما يدل علي صدق هذا الادعاء ، وقد تم التأكد من ذلك في تجارب داخل مختبرات النوم ثبت منها أن هؤلاء ينامون بالفعل عدة ساعات لكن طول المدة التي تسبق النوم وصعوبة الاستمرار فيه كما وصفنا في أنواع الأرق يدفعهم إلى المبالغة .
 أسباب الأرق :
        أسباب الأرق كثيرة ومتنوعة ، وتتراوح بين الانشغال والتفكير في هموم وتوقعات معينة وبين حالات مرضية حقيقية ، وهنا نذكر الأسباب الرئيسية للأرق في الأصحاء والمرضي وهي :
1- أسباب بسيطة للأرق : منها علي سبيل المثال :
   ¨   انشغال التفكير ببعض الهموم ، والترقب لأحداث متوقعة حتى الأمور السارة .
   ¨   ظروف البيئة الخارجية غير الملائمة مثل ازدياد الضوضاء بسبب حركة المرور ، أو غير ذلك .
 ¨حالة الطقس العامة وانخفاض وارتفاع الضغط الجوى ، ودرجة الحرارة، والرطوبة وتغييرات الجو تؤدى إلى الأرق في بعض الناس الذي يستجيبون بحساسية لذلك .
 ¨تغيير المكان المألوف للنوم حتى لو كان المكان الجديد ملائماً لانعدام شعور الألفة والأمان في الأماكن الغريبة علي الشخص .
 ¨الطريقة التي يقضي بها الشخص الساعات التي تسبق النوم في المساء قد تؤدى إلى الأرق حيث يقوم ببذلك جهد ذهني وبدني ثقيل علي غير المعتاد .
 ¨تناول مقادير كبيرة من المشروبات التي تحتوى علي مواد منبهة مثل الشاي والقهوة ، والإفراط في التدخين الذي يؤدى إلى التأثير المنبه للنيكوتين خصوصاً في ساعات المساء .
 ¨قد يحدث الأرق دون وجود أسباب واضحة خصوصاً في كبار السن حين يصحب ذلك تغيير في نمط النوم فيصبح اكثر تقطعاً واقل في المدة .
 2- أسباب طبية للأرق : قد يكون السبب في الأرق الإصابة ببعض المشكلات الصحية ، وهنا قد يكون الأرق في صورة صعوبة الدخول في النوم أو عدم القدرة علي الاستمرار في النوم ، ومن الأسباب الطبية للأرق ما يلي :
 ¯ الألم الناجم عن أي سبب وفي أي منطقة من الجسم .
 ¯ أمراض الجهاز العصبي .
 ¯ توقف واضطراب التنفس أثناء النوم .
 ¯ الاضطرابات التي تحدث أثناء النوم مثل حركة الأرجل القلقة ، والانتفاضات العصبية .
 ¯ أسباب تتعلق بالتغذية واضطراب الهضم والجوع .
 ¯ تناول بعض المواد المؤثرة علي الجهاز العصبي مثل الكحوليات وبعض المواد المخدرة والمنبهة.
 ¯ بعض أمراض الغدد الصماء ، والحمي ، والأورام الخبيثة .
 ¯ الشيخوخة وما يصاحب تقدم السن من تغييرات وظيفية .
 3 - أسباب نفسية للأرق : هناك قائمة من الحالات النفسية التي يكون الأرق ضمن أعراضها الرئيسية منها :
    à    القلق Anxiety وانواعه المختلفة خصوصا نوبات الهلع Panic التي تحدث اثناء الليل .
    à    تغييرات دورة النوم واليقظة مثل حالة تخلف النفاثة Jet Lag مع السفر ، والعمل في ورديات متتابعة .
 à الاكتئاب النفسي خصوصا النوع الذهاني الداخلي يكون مصحوباً في العادة بالأرق المتأخر والاستيقاظ في ساعات الصباح الاولي .
 à اضطراب الضغوط التالية للصدمة PTSD وهي حالة تعقب التعرض للأزمات والحوادث الشديدة ، ويضطرب النوم بشدة فيكون الارق مصحوباً بأحلام مزعجة وكوابيس متكررة .
 à بعض الاضطرابات العقلية الشديدة مثل الفصام العقلي Schizophrenia والبارانويا Paranoia وحالات الهوس mania والذهانات العضوية تكون مصحوبة بالأرق واضطرابات نمط النوم.
 العلاج .. كيف تتخلص من الارق؟
        تشير الاحصائيات الي ان الاقراض المنومة هي اكثر العقاقير استخداماً ، ففي الولايات المتحدة يصل عدد الذين يتعاطون الادوية المنومة الي حوالي 9 ملايين شخص منهم 40% فوق سن 60 سنة ، ومشكلة العقاقير التي تعالج اضطرابات النوم قائمة منذ القدم ، فقد استخدم الكحول وانواع من الاعشاب والافيون الي ان ظهرت الادوية الحديثة التي تساعد النوم في بداية القرن العشرين وتطورت في العقود الاخيرة منه ، وهنا نقدم الاجابة علي بعض التساؤلات حول علاج اضطرابات النوم ، فهل هناك وسائل لعلاج مشكلات النوم دون اللجوء للأدوية ؟.. وما هي الادوية المستخدمة لعلاج اضطرابات النوم ؟ .. وكيف تعمل هذه العقاقير ؟ .. وما هي الآثار الجانبية لاستخدامها ؟
         ولا يوجد ما يدعو للقلق والهم عند مواجهة اضطراب مؤقت في النوم فقد تكون الحالة بسيطة وعابرة ناتجة عن انفعالات ، او انشغال البال ، او تغيير في المكان والظروف ، وفي هذه الحالة يمكن اتباع هذه الارشادات لتحقيق هدف نوم صحي :
   ­   استيقظ من نومك في موعد ثابت كل يوم .
   ­   لا تمكث في الفراش اكثر من المدة المعتادة بالنسبة لك قبل اضطراب النوم .
 ­توقف عن استخدام المواد المؤثرة علي الجهاز العصبي التي تحتوى علي النيكوتين والكافيين والمواد المنبهة مثل الشاى والقهوة والكولا والسجائر .
   ­   تجنب النوم نهاراً حتي يمكن النوم لفترة متواصلة اثناء الليل .
   ­   التدريبات الرياضية والنشاط خلال اليوم يساعد علي نوم جيد ليلاً .
   ­   تجنب الانشطة المثيرة قبل النوم ، ويمكن ان يكون الاستماع والقراءة الخفيفة بديلاً لمشاهدة الافلام المثيرة في المساء .
   ­   الاستحمام بماء دافئ في درجة حرارة الجسم في المساء يساعد علي نوم جيد .
   ­   تناول الطعام في وجبات منتظمة ، وتجنب الوجبات الثقيلة ليلاً .
   ­   ممارسة اسلوب الاسترخاء التدريجي Progressive Relaxation يؤدى الي التخلص من التوتر والدخول في النوم .
 ­الظروف المحيطة ومكان النوم لها اهمية خاصة ، فالمكان الهادئ المظلم جيد التهوية ، والفراش المريح تساعد علي نوم مريح .
         وهذه الارشادات هي خطوات بسيطة يمكن ان تكون كافية للتخلص من بعض اضطرابات النوم دون اللجوء الي استعمال العقاقير المنومة ، وهنا نذكر ان نسبة كبيرة من حالات اضطرابات النوم تستجيب للدواء الوهمي Placebo الذى يقدم في صورة اقراص لا تحتوى علي اية مادة فعالة مع الايحاء بأن هذا الدواء سيحقق نوماً عميقاً ، ويتحسن نوم المريض بالفعل ، وقد تأكد ذلك من خلال تجارب يستخدم فيها دواء حقيقي وآخر وهمي في بعض الحالات ويتم مقارنة نتائج كل منهما .
         ولم تعرف اقراص النوم علي الصورة التي نراها حاليا قبل نحو 100 عام ، وكان علاج الارق واضطرابات النوم يتم بواسطة بعض الاعشاب ، والكحول ، وخلاصة بعض النباتات المخدرة الي ان تطور عليم الادوية Pharmacology وبدأ استخدام العقاقير المنومة
 · مادة كلورال هيدرات Chloral Hydrate ، وبارالدهيد Paraldehyde ، وقد بدأ استخدام هذه المواد قبل اكثر من 100 سنة ، ولايزال لها مكان حتي الآن رغم ان لها طعم غير مستساغ ورائحة غير مقبولة .
الباربتيورات Barbiturates تمثل الجين الأول من عقاقير النوم ، وهي مشتقة من حامض الباربتيوريك ، وتنسب التسمية الي القديســـــة " باربارا " Barbara ، وتم بعد ذلك استخدام 50 من بين 2000 من مشتقات الباربتيورات في اغراض طبية ، وكانت من اكثر ادوية النوم استخداماً ،
         أما الآليات Mechonisms التي تعمل بها ادوية النوم المعروفة فإنها كانت ولا تزال محل دراسة ، وتم التوصل الي مستقبلات Receptors هي مواقع معينة في الخلايا العصبية ترتبط بالعقاقير المنومة مثل البنزوديازبينات ، كما تم اكتشاف الافيونات الداخلية التي يقوم الجسم بانتاجها وهي مواد مهدئة تخفف الألم يطلق عليها الاندورفينات Endorphins والانكفالينات Encephalins ولذلك تم الربط بين عمل هذه المواد الداخلية وبين التأثير المهدئ لمواد مشابهة لها يتناولها الشخص مثل البنزوديازبينات تعمل علي المستقبلات وكأنها تلك المواد الطبيعية المهدئة الداخلية ، ولعل هذا هو تفسير كيفية عمل ادوية النوم .
         وهناك الكثير من المخاطر والأعراض الجانبية والآثار اللاحقة لعقاقير النوم رغم تجاهل ذلك بواسطة المرضي والأطباء ايضا ، فالأدوية المنومة تعمل من خلال تأثيرها علي الجهاز العصبي ، وقد يؤدى استخدامها الي خلل في وظائف المخ الاخرى ، ورغم ان التوصل الي العقاقير الحديثة للنوم يعد احد مظاهر التقدم الطبي الا ان استخدامها ينطوى علي مخاطر الآثار الجانبية.. والكلمة اللأخيرة حول الأرق واضطرابات النوم نتوجة بها إلي الجميع هي أهمية النوم للإنسان وصحتة النفسية والبدنية، وبحكم عملي في مجال الطب النفسي فقد لاحظت أن الناس لا يفكرون في موضوع النوم وأهميتة إلا إذا تعرض الواحد منهم لمشكلة أو إضطراب في النوم، وفيما عدا ذلك فانوم فهو مجرد مسألة تلقائية لا تمثل موضوعاً للتفكير أو التأمل