طفلك والسرقة

الناقل : mahmoud | الكاتب الأصلى : داليا رشوان | المصدر : www.alameron.com

في عقد الخمسينيات كان مصروفي اليومي وانا في سن الثامنة (10 فلوس).. ابتاع بها سندويجاً من حانوت المدرسة.. أو قطع الحلوى من عم ابراهيم.. الذي كان يضع بسطيته بجانب السور.. وذات يوم رأيت احد تلاميذ الصف الذي يسبقني فيه.. وهو يتناول ما لذ وطاب من المأكولات والحلوى والمشروبات الغازية والمثلجات فغالباً ما كان جيب بنطاله مليئاً بقطع النقود.
وذات يوم رأيت عمي في البيت وكان صاحب دكان وهو يعد النقود المعدنية والورقية ويضعها في كيس فوق احد رفوف المكتبة.. وما ان خلد الى النوم.. تسللت الى ذلك المكان وامتدت يدي الى الكيس وسحبت منه قطعة نقدية ذات (الخمسين فلساً).. اخفيتها بين طيات الكتاب الذي كنت احمله معي.. وفي صباح اليوم التالي ذهبت الى مدرستي وبدأت بشراء ما كنت أتمناه.. كان لا بد لي أن اقوم بذات العمل يومياً حتى تجاوز المبلغ ذات يوم عن ورقة نقدية ذات فئة (دينار).. وهنا كان "الفخ" الذي وقعت فيه.. عندما وصلت الى الكيس فلم اجده، بل وجدت عمي ورائي وهو يقول لي.. هل تبحث عن شيء.. فأدركني الخوف وأنا ارتجف رعباً من عقابه الصارم.. وبكلام متعلثم اجبته اني ابحث عن قلمي الذي فقدته.. لكنه نظر الي شزراً.. قلمك في يدك.. وكان قوله كالصاعقة التي سقطت من السماء فمادت بي الارض.. وانا احاول ان اسيطر على نفسي.. فمسكني برفق وسار بي الى غرفة الضيوف بعيداً عن اعين اسرتي فأدركت حينها أني سأنال علقة ساخنة لن انساها ابداً.
ولكن المفاجأة كانت عندما اجلسني بجانبه.. وقال لدي سؤال اريدك ان تجيب عليه بصراحة.. ماذا نطلق على من يأخذ نقود غيره.. فأجبته فوراً "حرامي" وتابع معي وهو يبتسم مما اضفى علي حالة من الشعور بالاطمئنان.. وما عقابه فرددت عليه "السجن".. قال وماذا بعد ذلك.. اجبته يدخل النار.. صفق بيديه واطلق صوتاً مدوياً.. عظيم لقد نجحت في الامتحان.. أي أنك تدرك جيداً ان ما فعلته كان عملاً شائناً لا يرضي اسرتك ولا يرضي الله.. اصفر وجهي حتى شعرت ان الارض تلف من حولي.. لكنه واصل كلامه برقة.. هل ترضى ان يشير الناس اليك بقولهم هذا "حرامي".. هززت رأسي سلباً.. اذن ما اقترضته مني اعده هدية نجاحك.. وان رسبت كان ديناً في عنقك ترده لي.. تجلى أمامي هذا المشهد بكل معانيه.. فقد وصل عمي الى غايته وباعترافي غير المباشر.. بأنني سارق نقوده.. ساعتها طأطأت رأسي الى الارض وسالت مني دمعة ندم على فعلتي.. فقمت اليه اطلب العفو.. وقلت له بصدق لا شائبة فيه ان ما حصل لن يتكرر ما حييت.. قبلني وهمس في اذني سأضاعف المصروف الذي يعطيك اياه والدك.. فهل يكفي.. انه كثير مع القناعة.
تعلمت الدرس عن ظاهرة السرقة لدى الاطفال واساليب مواجهتها ليس بالعقاب الرادع وحده يمكن تقويم من تمتد يده الى ما يخص الآخرين والتي ينتج عنها في الغالب أنهم يفتقدون الشيء الذي يقدمون على سرقته ولان ذويهم لا يوفرونه لهم.. ومع ذلك تكون تربية الطفل هي الاساس الذي يحصنه مما يقدم عليه من افعال سيئة.. وهذه الظاهرة غالباً ما تبدأ لدى بعض الاطفال في المدارس ولذا توجهنا بالسؤال الى المعلمة "رغد" عن هذه الظاهرة فقالت.. انها تتكرر بصورة مستمرة وهي مثيرة للجدل فقد لاحظنا بين اوساط التلاميذ خصوصاً الصغار منهم وبصورة واضحة وقد تم ضبطهم وهم يقومون بعملية السرقة وعادة ما تكون اقلاماً أو دفاتر أو في حالات نادرة نقوداً.
وعن الاجراءات التي تتخذ في مثل هذه الحالات تقول.. عادة ما نقوم باستدعاء اولياء امورهم كي يطلعوا على ما اقترفه ابناءهم وكي يكونوا على بينة بما سيتخذونه من عقاب بدورنا كتربويين لا نقوم بالتشهير بذلك الطفل.. كي لا يؤثر سلباً على حالته النفسية بل على العكس  نقوم بتقديم كل النصائح له وتعريفه وتوعيته بنظرة المجتمع السلبية للسارق.. وكذلك نوضح له حجم الخطأ الذي اقدم عليه وبلغة بسيطة ومنطق مفهوم.. وذلك عن طريق التنبيه الى ان مثل هذه الاعمال لا يقبل بها افراد اسرته ولا سائر الناس.. وان الله سيغضب منه.. وقد وضع الله للسارق عقوبة قاسية.. ويمكن لنا ايضاً ان نشرح له كيف ان حياة الناس تغدو صعبة اذا انتعشت ظاهرة السرقة وصار كل واحد يسرق مال الآخر.. وكم سيلحق بنا من الضرر نحن شخصياً اذا ما تعرضنا للسرقة.. وعندها نقوم بمتابعة ذلك الشخص وغالباً ما يبتعد عن هكذا افعال.
الشارع والاعمال التي لا تتناسب وعمر الطفل وترك المدرسة هي أهم الاسباب التي تخلق طفلاً سارقاً.. هذا ما يقوله الباحث الاجتماعي الدكتور "علي سلام".. ويؤكد ان اهم الاسباب المباشرة التي تدفع الطفل الى الهاوية هي ممارسته اعمالاً لا تتناسب وصغر سنه مثل اعمال التصليح وبيع العتيق والخردة وغيرها.. التي ينتج عنها قضاء الطفل لساعات طوال في الشارع بعيداً عن اعين ذويه.. الامر الذي يدفعه احياناً الى ممارسته السرقة والتي تكون ناتجة عن تعرفه على اقران له قد مارسوا مثل هذه الاشياء وتمرسوا عليها.
الامر الذي يعزز ذلك بالطفل هو بعد الاهل عنه وعدم مراقبته وسؤاله عن مصدر الاموال التي يملكها أو الاغراض التي يأتي بها.. وكذلك الامر الآخر الذي يولد مثل هؤلاء الاطفال هو تسربهم من المدرسة ذلك الحقل الكبير الذي يخلق اشخاصاً وأعين الذي يبصرهم بمدى خطورة السرقة.
ويضيف ان هؤلاء الاطفال قد حرموا من العطف الابوي والحنان الاسري الامر الذي ولد منهم اطفالاً غير اسوياء لذا الاجدر بجميع العوائل ان تبادر الى طرح الاسئلة على ابنائها اذا ما وجدت لديهم اموالاً أو اغراضاً تشك بمصدرها.. وان تبادر الى معاقبتهم اذا ما ثبت انها ليست لهم.
الدكتورة "هند عبد الله" توضح ان دراسة العلل والاسباب وسد النواقص المادية واشباع الطفل بالعطف والحنان والاصلاح النفسي وتوفير الاجواء المناسبة هي أهم النقاط التي يجب اتباعها لمعالجة هذه الظاهرة في حياة الطفل.. ولابد من تقصي الدوافع والاسباب التي تؤدي الى ارتكاب السرقة وهذا ما يوجب على الاباء متابعته.. والوقوف عليه وملاحظة ما اذا كان الطفل قد تعرض في فترة ما الى الحرمان والقلقل واضطراب وعلاقات ومواقف عاطفية وما هي الظروف التي مر بها والقدوات التي تاثر بهم في حياته وكذلك وجوب توفير الحد الادنى من الحاجات المادية للطفل سواء كانت هي السبب في نشوء عادة السرقة أم لا.

المصدر