مقصود الشريعة الإسلامية هو تحقيق المصالح التي تقوم على جلب المنافع ودرء المفاسد، وفي ضوء هذا التصور، فإن الإسلام لا يمنع من الاستفادة بالإنترنت في التجارة طالما يتم التعاقد في إطار القواعد الشرعية العامة، خاصة المتعلق منها بالمعاملات المالية.
وتتمثل هذه القواعد في الآتي:
القواعد المتصلة بجلب المنافع(القواعد الإيجابية):
1 - تحقيق المنفعة لطرفي المعاملة، وعلى ذلك فما لا منفعة فيه حسًّا أو شرعًا لا يجوز أن يكون محلاً للمعاملات، مثل: السلع والخدمات المحرمة شرعًا، ومثالها في التجارة الإلكترونية (وغيرها) الخمر والخنزير وكذا المنتجات التي تدخل فيها، ثم الأفلام والصور والكتب التي تحتوي على مواد غير أخلاقية، وللأسف فإن هذه المواد متاحة على الإنترنت ويتم تسليم بعضها إلكترونيًّا، والسبيل الوحيد لتلافيها هو الجدار الناري Fire Wall وهو حاسب موقعه بين الإنترنت من جانب والشبكة المحلية من جانب آخر، ويعمل كأداة لإبعاد الدخلاء والمتطفلين ومنع المواد التي تحرمها الشريعة.
2 - التراضي: بمعنى توفر القصد والإرادة والاختيار الكامل لطرفي المعاملة على قدم المساواة للقيام بالمعاملة من عدمه، ويمكن القول: إنه في التجارة الإلكترونية يتحقق هذا التراضي؛ حيث لا يوجد لأي طرف من المتعاملين أية سلطة لإجبار الآخر على إجراء المعاملة.
3 - المعلومية (الشفافية): بمعنى ضرورة توافر المعلومات الصادقة عن محل المعاملة لكلا الطرفين لكي يتخذ قراره بالقيام بالمعاملة، وهو على علم بآثارها ونتائجها، ويمكن القول: إن التجارة الإلكترونية توفر المعلومات الكاملة عن السلعة والثمن، غير أن مسألة الصدق في هذه المعلومات تتعرض له التجارة الإلكترونية من احتمال بث معلومات غير صادقة من جانب التجار أو العملاء، كما أن عرض السلع إلكترونيًّا على شاشة الكمبيوتر أقل في المعلومية من وجودها في شكل مادي محسوس، ولكن يخفف من ذلك أنه في حالة اكتشاف أي مخالفة في مواصفات السلعة ماديًّا عمَّا تمَّ بثه على الإنترنت يقوم المستخدم ببث ذلك على الإنترنت، فيتعرف عليه الجميع ولا يتعاملون مع من قدم المعلومات المضللة.
4 - العدالة بين طرفي المعاملة: ممثلة في توازن المنفعة والعائد من المعاملة لكل من البائع والمشتري، وهو أمر يتحقق في التجارة الإلكترونية التي يتخذ كل طرف قراره بحرية تامة وبما يحقق مصلحته بشكل يكافئ بين المنفعة والعائد بالنسبة له.
معاملات سلبية ممنوعة
1 - منع الغرر: ويعني به الجهالة التي ترتبط بالعقد بحيث يكون مجهول العاقبة، أو كل ما من شأنه أن يجعل المتعاقد لا يحصل على مقصوده من المعاملة أولاً. كأن يقوم البائع بإخفاء بعض المعلومات عن عيوب في السلعة أو مخاطر تترتب عليها.
والتجارة الإلكترونية لا تنطوي على غرر؛ حيث إنه إذا كان محل المعاملة خدمات تسلم إلكترونيًّا، فإن العملية تتم في نفس المجلس بدفع الثمن بموجب بطاقة الائتمان، ويتم الحصول على الخدمة على شاشة الكمبيوتر.
وإن كانت سلعًا مشتراة بناء على المواصفات الظاهرة على الكمبيوتر فإنه في العادة يتم توصيلها للمشتري في وقت قليل بعد التعاقد.
2 - منع الظلم الذي يقع على أحد المتعاقدين بعدم حصوله على حقه مع الوفاء بالتزاماته أو حصوله على أقل مما تعاقد عليه صفة أو كمية، وفي التجارة الإلكترونية يندر أن يحدث ذلك، وإن حدث فهو كما يحدث في التجارة العادية، غير أن الأمر الجدير بالذكر هنا أنه توجد مشكلة بالتجارة الإلكترونية تتمثل في حق الرجوع على البائع في حالة تسلم الحق ناقصًا؛ ولذا يجب العمل على حل هذه المشكلة.
3 - منع الضرر، ويعني به النهي والامتناع عن كل معاملة يحصل فيها ضرر على أحد المتعاملين (الضرر الخاص) مثل الضرر الناتج عن المعاملات الربوية، أو يقع فيها ضرر على المجتمع (الضرر العام) مثل المعاملات التي تنطوي على إضرار بالعقيدة أو قيم المجتمع وأمنه وتماسكه كالأفلام والصور غير الأخلاقية وبيع المخدرات بأنواعها والكتب الإباحية التي تمس العقيدة الإسلامية، وللأسف كما سبق القول فإن هذا متاح على الإنترنت الذي يعتبر إحدى أدوات العولمة لنقل الثقافات وانتشارها.
وأخيرًا فإن كل ما يؤدي إلى المنازعة ويورث الكره والحقد لدى المتعاملين فهو ممنوع شرعًا.
وفي ضوء ما سبق يمكن القول: إنه إن كانت توجد مخالفات في التجارة الإلكترونية لبعض القواعد الشرعية، فهي مخالفة في الممارسات يمكن أن تحدث في التجارة العادية، ويمكن العمل على تلافيها بالأساليب الفنية والقانونية؛ فهذه المخالفات ليست من طبيعة الإنترنت ذاتها ولكن من الممارسة.