مفهوم الوديعة المصرفية عند جماعية العربية تعرّف الوديعة بأنها: ما يحفظه الإنسان عند غيره. وعند جماعة الإصلاح الشرعي: هي المال المدفوع إلى من يحفظه بلا عوض. وعند جماعة القانون: هي العقد الذي يتمّ بين المصرف ومن يعهد إليه بالنقود أو بغيرها. أهم أنواع الودائع المصرفية:يمكن تقسيمها تبعاً لمساهمتها في النشاط الاستثماري للمصرف إلى قسمين: 1 ـ الودائع التي لا تساهم في النشاط الاستثماري للمصرف: ولهذه أنواع ثلاثة، هي: أ- الوديعة المستندية: وهي أن يقوم شخص بدفع صكوكه أو أوراقه المالية إلى المصرف الذي يلتزم بطبيعة عمله بحفظ هذه الصكوك أو المستندات، ثم يردّها عينا، وعندئذٍ لا يحق للمصرف التصّرف فيها إلا بإذن صاحبها، علماً أن المصرف يتقاضى لقاء ذلك أجراً بسيطاً مع ضمانه لها حال الهلاك أو الفقدان، وهي من الناحية الفقهية تعتبر وديعة بأجر لا إشكال في ذلك أبداً. ب- الوديعة المخصصة لغرض معيّن: وهي أن يدفع شخص مبلغاً من النقود إلى مصرف، ويكلّفه بشراء أوراق مالية، أو فاء قيمة كمبيالة، أو القيام بعمل معيّن لغرض معيّن. ولقاء تلك الخدمة يأخذ المصرف أجراً محدّداً، وبالتالي يعتبر هذا العمل ـ من الناحية الفقهية ـ جائز لأنه يشبه تماماً الوكالة بالأجر، حيث الموكل هو المودع، والمصرف هو الوكيل، والنقود هي الوديعة. ج- ـ وديعة الخزائن الحديديّة: تقوم المصارف ـ الإسلامية والتجارية ـ بتأجير خزائن حديدية لديها للراغبين في إيداع أوراقهم المهمة أو الأشياء الثمينة لديهم، كالسبائك الذهبية مثلاً، ولكل خزانة مفتاحان، يسلّم أحدهما للعميل والثاني يُحفظ لدى المصرف. ويتم الاتفاق بين العميل والمصرف على أجر معيّن أخذه المصرف في نهاية كل سنة، وبالمقابل يُسمح للعميل بالدخول إلى الخزانة التي استأجرها في مواعيد العمل الرسمية للمصرف، ووضع ما يريد حفظه بشرط ألا يكون هذا الشيء الموضوع فيها مضرّ أو لا يتجوز حيازته قانوناً، وكذلك له الحق في سحب ما يريد منها في أيّ وقتٍ يشاء ضمن مواعيد العمل الرسمية للمصرف. وبالتالي، فهو عقد على أمرين: -1 الانتفاع الدائم بالخزانة طوال فترة العقد. -2 حفظ الوديعة عندما توضع في الخزانة، ولذلك يأخذ حكم الإجارة على الانتفاع بشيءٍ من العمل. -3 الودائع التي تساهم في النشاط الاستثماري للمصرف: ولهذه أنواع أربعة، هي: أ- الوديعة التجارية: وهي المبالغ النقدية التي يودعها أصحابها لدى المصرف، بحيث يلتزم المصرف بدفعها لهم وقت الطلب، وهذا النوع من الودائع هو الذي ينشئ الحساب الجاري، حيث يسلّم المصرف للعميل المودع دفتر شيكات ويسمح له بالسحب متى شاء من حسابه، ويدفع العميل للمصرف مقابل تلك الخدمة مصاريف بسيطة. وتؤكدّ الوقائع على أهمية هذا النوع من الودائع، بحيث تشكلّ المصدر الأساسي للسيولة في النشاط المصرفي، إذ تكّون الجزء الأكبر من موارده الخارجية، أما في المصارف الإسلامية فيكون التركيز على الوديعة الاستثمارية، لذلك لا يدفع المصرف الإسلامي أية أرباح عن المبالغ المودعة في الودائع تحت الطلب، ولا يدفع العملاء أية مصاريف إدارية لهذا الحساب. ب- الوديعة لأجل: وهي المبالغ النقدية التي يودعها أصحابها في المصرف لأجلٍ معيّن، ولا يحقّ لهم سحبها أو سحب جزء منها، ولا يلزم المصرف بردّها إلّا بعد انقضاء أجلها، ويعطى المصرف عادةً فائدةً ربوية لأصحاب هذه الودائع، تتزايد كلما زادت مدة الأجل. وتأتي أهمية هذا النوع من الودائع من كونها توفّر استقراراً أكبر لعمليات المصرف التجاري، إذ بإمكانه التصّرف باطمئنان في أموال هذه الودائع. أما المصارف الإسلامية فتستثمر الودائع الاستثمارية مع رأسمالها المعدّ لذلك في المشروعات الإنتاجية المختلفة، سواء بطريق مباشر أو بطريق تمويل مشروعات الغير على أساس عقد المضاربة الشرعية أو المشاركات بأنواعها المختلفة، بحيث تتشارك الودائع الاستثمارية في ناتج أعمال المصرف الإسلامي غُنماً أو غُرماً. ج- ـ الوديعة الإدخارية ـ حساب التوفير ـ : وهي المبالغ النقدية التي تقتطعها الأفراد من دخولهم ويدفعونها إلى المصرف ليفتح لهم بها حساباً أو ادّخاريّاً، يحقّ لهم سحبه أو سحب أي جزء منه في أي وقت، وعادة ما يعطي المصرف أصحاب هذه الودائع دفاتر تقيّد فيها دفعات الإيداع والسّحب، كما ويدفع المصرف الربوي فائدة ضئيلة لحساب العميل الموفر على أساس أدنى رصيد في حساب التوفير خلال الشهر. وتؤكد الوقائع أن المصرف الربوي لا يعتمد على هذا النوع من الودائع، بينما المصرف الإسلامي يعطيها أهمية كبرى، وذلك بهدف ضبط الإسراف والتبذير والإنفاق، ولهذا لا يعطي عليها أرباحاً، إنما يقتطع من كل وديعة ادخارية نسبة معيّنة ويحتفظ بها كسائلٍ نقديّ لمواجهة السحب منها ولا يدخلها في مجال المضاربة والاستثمار. د- شهادات الاستثمار: هي الورقة التي تثبت الحق في المبلغ المودع لدى المصرف، والتي تخضع لنظام القرض، وللنظم والقوانين المتزايدة: ومدتها عشر سنوات وتستحق فوائد كل ستة أشهر وتضاف الفوائد إلى أصل قيمة الشهادة ليأخذ المودع في نهاية المدة الفوائد المركبة مع قيمة الشهادة. - شهادات ذات عائد جار: مدتها عشر سنوات، لكن المدخر يأخذ الفوائد المستحقة كل ستة أشهر. - شهادات ذات جوائز: مدخراتها قليلة وبدون فوائد دورية، وإنما تعطى الفائدة المستحقة على جملة رصيد المدخرات الموظفة في هذا النوع كل ربع سنة مثلاً، بحيث يجري سحب علني بالقرعة على أرقام الشهادات، ويصرف لأصحاب الشهادات الفائزة جوائز سنحيّة. تأثير الودائع المصرفية في النشاط الاقتصادي: تعتبر الودائع المصرفية النقدية المورد الرئيسي الذي يمكّن المصارف التجارية من مباشرة منح الائتمان، بحيث يتمثّل الائتمان المصرفي في خلق ما يسمّى بالنقود المصرفية، وذلك بغرض اكتساب الفائدة من المقترضين لهذه النقود. مما يُعطي المشروعات المقترضة العاملة في قطاعات النشاط الاقتصادي المختلفة مبالغ نقدية سائلة وهذا يؤدي إلى تيسير المبادلات، لكن المشكلة هنا أن هذا النوع من الاقتراض عادة ما يؤدي إلى غلاء أسعار السلع، وذلك لأن المنتج يضيف فوائد القروض إلى تكاليف إنتاج السلع، مما ينعكس سلبياً على المستهلكين، وهذا لا يُجيزه الإسلام، فكان البديل الشرعي هو المشاركة في ناتج العمل، سواءً كان ربحاً أو خسارة، وهذا ما يُطلق عليه في المصارف الإسلامية (نظام الاستثمار بالمشاركة) وعلى أرض الواقع فقد استخدمت المصارف الإسلامية لاستثمار الأموال المتجمعة عدة أساليب، منها: أ- بيع المرابحة للآمر بالشراء: ومن صورها أن يقول شخص ما لمصرف إسلامي: اشتر لي سلعةً معيّنة ومبيّنة بالوصف الذي يريده، ووعده بشرائها منه على ما قامت عليه وزيادة ربح بواقع (10%) أو بربح كذا على أن يكون الثمن الذي يدفعه للمصرف مثلاً مقسّطاً على اثني عشر شهراً. ويستخدم بيع المرابحة هذا في مجالات استثمارية مختلفة، كتمويل شراء السلع التجارية من الداخل والخارج، وفي حصول الأفراد على بعض الاحتياجات الغالية كالسيارة ونحو ذلك. ب- ـ شركة العنان: وهي عقد بين اثنين فأكثر، على أن يكون المال والعمل من كل منهما بقصد الربح وتمارس المصارف الإسلامية هذا النوع من المشاركة بصور مختلفة منها: شراء أسهم في شركات أخرى، والمشاركة المتناقصة والمنتهية بالتمليك. ج- ـ المضاربة أو القراض: وهي شركة بمال يدفع من أحد الشريكين، وعمل من الآخر على أن يكون الربح بينهما، لكن لها ضوابط، كأن يكون المال معلوماً، وأن يُسلّم رأس المال إلى المضارب، وأن يكون الربح متفقّاً عليه، وعلى أرض الواقع فقد نجحت المصارف الإسلامية في استخدام هذه الأساليب.. د ـ البيع بالأجل، ومعناه أن يدخل التأجيل في أحد العوضين، أي: المبيع أو الثمن. ومن الاستخدامات المعاصرة في البنوك الإسلامية السلّم، ومعناه: بيع موصوف في الذمة مؤجل بثمن مقبوض في مجلس العقد، مثلاً يقوم بنك دبي الإسلامي ببيع السلع كأساس لممارسة بعض أنشطته التجارية كأن يشتري سلعة مؤجلة التسليم ويدفع ثمنها فوراً، أو يبيع سلعة مؤجلة التسليم ويقبض ثمنها فوراً، أي بيع آجل بعاجل. كل هذا يعود بنا إلى التساؤل الرئيسي: ما هو تأثير الودائع المصرفية في النشاط الاقتصادي؟ لابدّ لكل عملية تنمية اقتصادية من توفير الموارد المالية الكافية، وبالتالي لكي تنمو الدولة أو تتطوّر فلابدّ لها من أن تحقق نموّاً في عملية تكوين رأس المال، ويكون ذلك من خلال توفير تمويل موارد خارجية أو داخلية، كإدخارات الأفراد الاختيارية، والتي تتحوّل مع الزمن إلى مشاريع إنتاجية وسلع استثمار. وهكذا، كلما ازدادت المدخرات وتمّ توجيهها إلى الاستثمار المنتج، ازداد معدّل تكوين رأس المال، ولذلك لابدّ من توفير قنوات ووسائل يمكن من خلالها تسهيل تدفّق الأموال الفائضة لدى الفئات المدخرة، ومن أهم هذه الوسائل الجهاز المصرفي، لكن ذلك لا يحدث في البلدان النامية! وذلك لأن المصارف التجارية في تلكم البلدان ركزّت جهودها في منح القروض التجارية القصيرة الأجل، مع إهمالها جانب التمويل الصناعي والزراعي طويل الأجل، علماً أن هذا الجانب المهمل هو الأساس الرئيسي والمهم في عملية التنمية الاقتصادية. وبالتالي، فإنتاج المشروع لا يهمّ المصرف الربوي المقرض، إنما يهمّ المصرف تعظيم الربح، وذلك من خلال الحصول على فوائد القروض التي يمنحها للمستثمرين، وهذا بحق موقف سلبي. ، والبديل الشرعي عن الفائدة هو نظام المشاركة الشرعية، بحيث يصبح ربح رأس المال متوقفاً على الإنتاج الحقيقي للمشروع، مما يجعل المصارف الإسلامية تقوم بدراسة الجدوى الاقتصادية للمشاريع وللبحث على أفضل الاستثمارات، مما يؤدي إلى تنظيم الإنتاج، والذي يوصل إلى الاستخدام الأمثل لرأسمال المصارف الإسلامية، ليعود بالنفع على النشاط الاقتصادي كله. كل هذا يحسّن من التنمية الاجتماعية ويحقّق مبدأ التكافل الاجتماعي، خاصة من خلال المساهمة في تقديم القروض الحسنة للمحتاجين، مما يحفز (ينميّ) في الأفراد والجماعات روح التعاون والمحبة وما إلى هنالك.