عزيزي د. وائل أبو هندي.. أتابع منذ فترة سلسلة مقالاتك واستشاراتك الرائعة حول وهم الصورة المثلى، ولا تحضرني الآن الكلمات الكافية للتعبير عن إعجابي بأفكارك وأسلوبك في الكتابة، وفقك الله إلى ما فيه خير هذه الأمة. في يوم واحد....... صباحا: أقرأ متابعة ليلى العربية لمقالك هل عبادة الصورة شرك(ولقد قلت الله طبعا بعد قراءته)، ومساء: أشاهد هذا البرنامج الأمريكي Swan (الإوزة)!!! لمن لم يشاهد البرنامج أحب أن أعطيكم فكرة عنه، هو أحد برامج مسابقات الجمال ولكن بأسلوب جديد، فالفكرة الرئيسية في البرنامج أن أي امرأة ببعض عمليات التجميل وقليل من الصبر والمثابرة (ثلاثة أشهر على الأقل). يمكنها أن تتحول من امرأة قبيحة إلى إوزة، بيضاء، ممشوقة، ناعمة، ويعرض البرنامج حالات الفشل الاجتماعي والعاطفي لهؤلاء النسوة بسبب إحساسهن بالقبح، ونجد بالطبع أن رغبات الزوج وتطلعاته لها الأهمية الكبرى لدفع هؤلاء النسوة لتغيير أنفسهن. ورحت أسأل نفسي، إذا كان كل شبر في جسد المرأة له معيار (الجبين، الحاجبان، الأنف، الصدر، الخصر، الساقان، الأرداف) وأنا أعني كل شبر بمعنى الكلمة، فإذا كان لكل شبر مقياس ومعيار، وإذا كان الجراح يطبق نفس المقاييس على كل امرأة، فأين تميز كل واحدة عن الأخرى؟ لقد(عصرت على نفسي ليمونة) وشاهدت40 دقيقة من العرض، وبالفعل رحت أتساءل أين الجمال؟ كل الوجوه مشدودة، كل النهود منفوخة، كل الأرداف مشفوطة وعذرا على ألفاظي، ولكن أين الجمال؟ لقد ذكرني العرض بالفرق بين الفراولة البلدي (الصغيرة، المهرية نوعا، سريعة العطب، ذات الرائحة النفاذة) وبين فراولة الجيل الجديد المهجنة (كبيرة الحجم، تعيش مدة أطول ولكنها غير ذات طعم ولا رائحة) دعني أروي لك تجربتي الشخصية مع عبادة الصورة، منذ بدأت سنين مراهقتي أدركت أنني ممتلئة بعض الشيء (لست سمينة) لم يكن يضايقني في ذلك إلا الإحراج الذي أشعر به كلما همت بشراء قطعة ملابس ولا أجد مقاسي (نصفي العلوي ممتلئا قليلا عن السفلي). حتى تخرجي من الجامعة كنت أشعر بالرضا عن نفسي لأنني أدرك جمال شخصيتي وروحي، فأنا محبوبة من كل من يعرفني ومحل تقدير لهم، إلا أنه في نفس الوقت تعديت عامي الواحد و العشرين ولم يطرق بابي أحد، هنا ركزت أمي جل اهتمامها على شكلي وفي كل زمان ومكان تكيل لي الكلمات عن الرشاقة وعن رغبات العرسان ونظرتهم للفتاة... الخ الخ أحب فقط أن أوضح أن طولي 163 ووزني 74 كجم، وشكلي العام مقبول. وكم دخلت في حوارات مريرة طويلة مع أمي أن من سيتزوجني لأن شكلي جميل وجسمي حلو فإنني لا أريده، وكان الرد الأبدي(كل اللي على كيفك لكن البس اللي على كيف الناس)، حتى جاء اليوم الذي(لبست فيه على كيف الناس)، عريس أعجبته وأعجبني ولكن أتت ملحوظته(أني كده كويسة لكن بما أني أكيد هتخن بعد الجواز يبقى لازم أخس دلوقتي شوية) قلت لنفسي وماله؟ هو ما بيطلبش حاجة غلط، جربي. ودخلت التجربة يا سيدي لمدة 16 يوم فقط، انخفض وزني فيهم 5 كجم ولكنني لم أصمد أكثر من ذلك فاضطرابات الهضم التي أصابتني لم تمكنِّي من المواصلة، هذا بالإضافة إلى أن الخطبة لم تتم!!، ماذا جنيت بعد الرجيم؟ أعترف أنني كنت سعيدة بتعليق كل من يراني (ايه ده!! إنت خسيت كده ازاي) حتى من لا تربطني بهم صلة تسمح بمثل هذا التعليق، إلا أنني من ناحية أخرى أنَّبت نفسي بعض الشيء، كيف سمحت لهذا الشخص أن يعلق على جسدي ومظهري؟ كيف لم أنتبه إلى هذه الإهانة؟ أنا الآن عدت إلى وزني القديم بالطبع وعادت أمي إلى حواراتها، إلا أنني عاهدت نفسي ألا أسمح لأحد أن يوقعني في فخ عبادة الصورة مرة أخرى، وأن من سيتزوجني فإنه سيتزوج روحا وليس (مانيكان)، إذا كان يريد (مانيكانا) فهو يعرف من أين يمكن الحصول عليه. شكرا على القراءة يارا 13/10/2004 الأخت العزيزة أهلا وسهلا بك، بل الشكر واجبٌ على مجانين، لأن خبرتك التي تصفينها تدلُّ على وعيٍ ونضج نتمنى أن يتوفر لكثيرات، منسب كتلة جسدك يقع في حدود 28 كجم/متر مربع، أي أنك حسب التصنيف الشائع تقعين في فئة زائدات الوزن عن المقاس النموذج/المأخوذ عن صورة، كل هذا لا يعني شيئا، وإنما يعنينا رأيك أنت في جسدك ومدى لياقته وصلاحيته في الاستخدام فيما خلق له، هذا هو ما أنت مأمورة شرعا بالحفاظ عليه لأن المرء مجبولٌ على صيانة نفسه، ولأن لأجسادنا علينا حقوقا من أهمها صيانة تلك الأجساد، إذن فليس المهم هو كم تساوي كتلة جسدك وإنما المهم هو كيف تعيشين روحا وعقلا في هذا الجسد!، ولهذا فأنا معك في موقفك المعرفي السلوكي وأعتبرك واحدة من المجاهدات ضد وثنية القرن العشرين في عبادة الصورة.
وأما ما يحدثُ في ذلك البرنامج الأمريكي، فقد حكى لي أحد أصحابي عنه، وفاجأته بأن الصورة فخٌّ وكذبةٌ لأنها لا تنقل لك شيئا أعمق من شكل صاحبتها (البرَّاني) وربما بعض ما يستنتج من حالة نفسية (قد تكون مفتعلةً -بدليل ابتسم وأنت أمام الكاميرا-) لكنها وإن نقلت شيئا من(الجُوَّاني) فإنه سكوني لحظي لا يتكررُ في حياة صاحبة الصورة، ولا يلبثُ البراني أيضًا أن يتغير لأن شيئا لا يدوم في حقيقة الأمر على حاله بعد جراحات التجميل، فكان أن صاح بي: يعني الصورة حرام! فقلت لا ليس بعد، فنحن لم ندرك الفخ بأبعاده بعدُ ولنقصر الكلام على الصورة التي تتخذُ معيارا كما بينت في مقالي هل اتخاذ الصورة معيارًا شرك؟، ودعوته إلى زيارة مجانين ليقرأه، وأعد بأن أكتب مقالا عن جراحات التجميل وأبعادها النفسية المعرفية العقدية الفادحة، وإن شاء الله أسميه: "فداحة الصورة......قبل....و......بعد" وأما قولك:(ورحت أسأل نفسي، إذا كان كل شبر في جسد المرأة له معيار (الجبين، الحاجبان، الأنف، الصدر، الخصر، الساقان، الأرداف) وأنا أعني كل شبر بمعنى الكلمة، فإذا كان لكل شبر مقياس ومعيار، وإذا كان الجراح يطبق نفس المقاييس على كل امرأة، فأين تميز كل واحدة عن الأخرى؟) وكذلك قولك:(كيف سمحت لهذا الشخص أن يعلق على جسدي ومظهري؟ كيف لم أنتبه إلى هذه الإهانة؟) فلا تعليق عليهما غير لا فضَّ فوك، بارك الله فيك وكثَّرَ من مثيلاتك.