أفكار اقتصادية متناثرة. دوت.كـوم.. ومن الضجيج مـا قتل!!!...

الناقل : elmasry | الكاتب الأصلى : البيك السوري | المصدر : www.startimes2.com

 

 

أفكار اقتصادية متناثرة. دوت.كـوم.. ومن الضجيج مـا قتل!!!...

 


الاستشاري سعـد بساطـة
يرتبط الاقتصاد بأذهان البعـض بأنـّه عـلم ٌ صارمٌ جاد بعـيد ٌ عـن تقدير الجمال، وهذا خطأ جسيم، فكل ما يعـمل ـ وفق منظومة ما ـ فهو جميل، وكل ما داخلـَه خلل فهو القـُبـح ويحتاج لمعـالجة..

 

 

أكتب هذه السطور بعـد استمتاعـي بعـرض «كسارة البندق» ، وهي باليه من ثلاثة مشاهد وفصلين، فيها يهجم القبح عـلى المدينة ممثـّلا ً بالجرذان الرمادية القذرة محاولين الاستيلاء عـلى التاج الذي يرمز لاستقلالية أهلها... ‏

 

ينتصر الحق في النهاية، مع ألحان طيـّب الذكر «تشايكوفسكي »، وهناك مفارقة طريفة تؤكـّد الكلمات التي عـرضتها في البداية، حول ارتباط الجمال الشكلي بالأداء الوظيفي، فلدى سؤالي الموسوعـة عـن كساّرة البندق، تحدثت عـن الباليه الشهيرة، و بنفس الوقت وصفت الآلة المستخدمة لكسر البندق وعـرّفتها بأنـّها أداة ميكانيكية تعـمل بمبدأ العـتلة وفق دافعـة أرخميدس للعـزوم. ‏

 

يغـزونا تلويث البيئة كتلك الجرذان، ويحوّل حياتنا إلى جحيم، ويهدّد مستقبل أولادنا ولكن أي ّ نوع ٍ من التلويث أقصده ؟ إنـّه نوع ٌ يتجاوز الفضلات الجافة، وتلك السائلة، أو الغـازية.. هو تلويث الأجواء بأمواج صوتية تدخل بيتك بلا استئذان، وتخترق طبلة أذنك، وتفسد عـليك تركيزك ، أكنت نائما ً أم تطالع كتابا ً، أو تتأمـّل بملكوت الله. ‏

 

والضجيج بالتعـريف: هو كل صوت غـير متجانس، يفوق بارتفاعـه ال(45) ديسيـبل )هي وحدة لوغـارتمية لقياس شدة الأصوات(. ‏

 

تتسابق المدن لتخفيض التلويث فيها، وهاهو مايكل سلاكمان يقوم بدراسة سوسيواقتصادية حول الدول الممكن بدء استثمارات بها، مسلـّطا ً الضوء فيما نشرته النيويورك تايمز عـن القاهرة بعنوان «مدينة لا تسمع فيها صراخك»، حيث قال إن من الصعب أن يسمعك أحد، فالضجيج الذي يولده حوالي 18 مليون نسمة في العاصمة المصرية يجعل الناس يعمدون للصراخ بدل التكلم. وتابع قوله «هذا الضجيج يدفع للجنون، وهو جد متعب »وفي دراسة علمية، قال الخبراء إن معدل الضجيج في القاهرة صباحاً يبلغ 85 ديسيـبل وهو صوت أعلى من ضجيج قطار قريب !! ‏

 

إن ّ تصاعـد الضجيج فوق الحد المقبول، واستمراره هو أهم أسباب الأمراض الجسدية كالصمم الجزئي والكلي، والعـلل النفسية، فهو يـبعـث عـلى الاكتئاب، ويقلـّل من الانتاجية، ويمنع التركيز بالعـمل. وقد تم تعـريض فئران تجارب مخبرية (كونها تحاكي بردود أفعـالها أقرب الثدييات الإنسان ) إلى ضجيج مستمر، فانهارت بعـد فترة زمنية محدودة. ‏

 

ومادمنا بمعـرض التأثير الاقتصادي، فضجيج الآلة إذا زاد عـن حد ٍ معـيـّن، فهو مؤشر أنها بمسارالخلل المؤدي للعـطل الذي سيقتضي الإصلاح ، وهو مرحلة متأخرة عـن الصيانة التي تبدأ بالمرحلة الاحترازية ‏

 

( Preventive then Corrective maintenance) قبل حصول العـطل وتحسـّبا ً له، وإلا حصل المحظور، بما فيه من وقت وخسارات وهدر. ‏

 

ضمن الأمور التي يتفحـّصها المستثمر قبيل ولوجه لبلد ٍ ما مؤشرات التلويث فيها، وبذا يعـرف مسبقا ً ما الذي ينتظره...وتتسابق الدول منذ عقود زمنية ثلاثة عـلى تحسين صورتها البيئية ، والاهتمام كان يتركز عـلى الفضلات من صناعـية ومنزلية، ولكنـّه مؤخـّرا ً قد انتقل لمعـالجة تلويث الضجيج وبخاصة بعـد مؤتمر «كيوتو» الشهير حول البيئة. ‏

 

كلنا يذكر «الضجة» الإعـلامية التي أحيطت بالمتظاهرين ضــد إنشــاء مدرج ثالث لمطار هيثرو (بالرغـم من التوسـّع الهائل الذي يعـنيه لمطار لندن الشهير )، وهدفهم منع الضجيج عـن مدينتهم. ومازالت في الأذهان صورة المحتجين القاطنين بالمتحلـّق السادس حول باريس الكبرى بسبب ضجيج السيارات التي تسابق الريح، ما حدا بلدية باريس على أن تمنع القيادة فوق سرعـات معـيـّنة للحد من أزيز المحركات المتسابقة. ‏

 

ليست محاربة الضجيج قضية رومانسية ، فهي أمر جوهري من أجل الانتاجية، وصفة ٌ مرغـوبة لجلب السياحة وخصوصا ً من البلاد الغـارقة في زحمة وجلبة الصناعـة. ‏

 

من أهم الملوّثات بعـد الآلات الصناعـية، وأجهزة الصوت ومضخـّماته ، هي السيارات، وهذا أمر ٌ عـجيب ٌ لعـمري، ففي مطلع اختراعـها وُصفت بأفضل اختراع لتخليص البيئة من التلويث (بقايا الجياد والبغـال التي كانت مستخدمة للشحن والنقل)، ولكن الآن وبعـد أن فلت الأمر من العـقال، أضحت أهم مصدر للتـلويث بمكوّناتها الغـازية السامة ، وبالضجيج الذي تصدره. ‏

 

ولعـمري فشرّ البليـّة مايضحك، هل تسمعــــوووونني !!! ‏

أستعرض قياسات لبعـض المؤثرات بحياتنا المعـاصرة(مقدّرة بالديسيـبل): (المدفع½155 ،البندقية½140، طائرة تتجاوز الصوت ـ 120، أداة الحفر الأرضي½110، منشار كهربائي½100، جزارة العشب الكهربائية½90، غرفة الطباعة الكومبيوترية½80، مواصلات ثقيلة أو مطعم مكتظ½70، مكتب هادئ½ 40، همس½30، طنين نحلة½20، حفيف ورقة شجر½10، عتبة السمع أو الهدوء½0