ظاهرة الوحام في النساء وعلاقتها بالعَقْعَـقة

الناقل : mahmoud | الكاتب الأصلى : د وائل أبو هندي | المصدر : www.maganin.com

يذكرُ مختارُ الصحاح تحتَ مادةِ وحم ما يلي: الوحام بفتح الواو وكسرها، هوَ شهوةُ (الحُبْلَى) خاصةً، وقد وَحِمَتْ بالكسر، تَوْحَمُ (وَحَمًا) بفتْحتين، وهيَ امرأةٌ (وَحْمَى) وَنِسْوَةٌ (وَحامَى)، وفي المثل وَحْمَى ولا حبل! وقد (وَحَّمَها توْحيمَا) أطعمها ما تشتهيه(محمود خاطر)، ويذكرُ القاموس المحيط (مجدا الدين الفيروزاباذي،1938) أن الوحمَ محركةً: شدةُ شهوةِ الحُبْلى لمأكلٍ-وكأنهُ يحددُ نوعَ الشهوةِ المقصود-، ويضيفُ القاموس المحيطُ أيضًا أن الوحمَ اسمٌ لما يشتهى فيجعلُ الوحمَ اسمًا بعد أن كان فعلاً تشتقُ منهُ الأسماء، ويضيفُ أيضًا أن الوحم- شهوةُ النكاحِ والشهوةُ في كل شيء وكأنهُ يُـمَـوِّهُ نوعَ الشهوةِ المقصود مرةً أخرى- وحفيفُ الطير، والتوحيمُ الذبحُ وإطعامُ ما يشتهى، إذن فهذه هيَ المعاني الموجودةُ للوحم في اللغة العربية، فهل لذلك علاقةٌ بالمفاهيم الثقافية الشائعة في مجتمعنا العربي؟

والبحث عن مفهوم الوحام لابد يقودنا إلى ما يقوله أطباءُ النساء في هذا الموضوع أولاً، وما يقولونهُ باختصارٍ شديد هوَ: إن أسباب ما يصاحب الحمل من تغيرات الشهية (التي تظهرُ في صورة الاجتناب القهري لبعض الأطعمة المعتادة بالنسبة للمرأة نفسها قبل الحمل Food Aversions أو في صورة التوقِ -المُـلِح- Food Cravings لتناول طعام معين أو توليفةٍ غريبةٍ من الأطعمة)، ما تزالُ غيرُ مفهومةٍ علميا بشكلٍ كامل، وهناكَ من يرجعونَ السبب إلى تغيرات الهرمونات أثناءَ الحمل، وهناكَ من يرجعونه إلى التغيرات التي تطرأ على حركية الجهاز الهضمي، وهناكَ من يرجعونه إلى تغيراتٍ تطرأ على حاسة الشم وحاسة التذوق، وهناكَ من يرجعونه إلى احتياجات الجسد إلى عناصر غذائيةٍ معينةٍ، ولكن خبرةَ المرأة الحامل ما تزال بعيدةً عن الفهم الكامل خاصةً وأن الشكل الذي تأخذهُ تغيرات الشهية تختلف اختلافات شاسعة بين امرأةٍ وأخرى وأحيانًا في المرأة نفسها ما بينَ حمل وآخر، ولكن تغيرات الشهية تلك نادرًا ما تؤدي إلى مشكلاتٍ تستحقُّ الاهتمام الطبي لأن معظم الأطعمة التي يشملها التوق الملح (الوحام) Craving هيَ الحلويات ومنتجات الألبان (وإن كانت دراسةٌ حديثةٌ قد بينت وجود نسبةٍ من النساء الحوامل يشتهين أشياءً غريبةً كأحذية الأطفال، أو توليفات غريبةٍ كأيس كريم بالجنمبري أو آيس كريم بالمخلل)، ومعظم الأطعمة التي يشملها الاجتناب القهري هي الكحوليات والمنبهات المحتوية على الكافيين واللحوم المختلفة (Goldberg , 2000)

الواضح إذن مما سبقَ أن العَقْعَقة شيءٌ مختلفٌ عن الوحام وإن كانَ المقصود بالوحام نفسه بهذا الشكل ما يزالُ غير واضح، فهل العَقْعَقة نوعٌ متطرفٌ من الوحام الطبيعي في النساء الحوامل أم هيَ شيءٌ مختلف؟ إن قاموسَ المورد (منير البعلبكي ،2001) يترجمُ الكلمة الإنجليزية Pica بالوحم للطعام غير الطبيعي، فهل يعني ذلك أن الوحام ظاهرةٌ طبيعيةٌ ما دامت في حدود الطعام المتفق عليه في مجتمع أو ثقافةٍ بعينها بينما العَقْعَـقة هيَ انحرافُ هذا الوحام باشتهاءِ ما لا يؤكلُ عادةً، من الواضح أن اختلاطًا كبيرًا ما يزالُ يكتنفُ المفاهيم المتعلقةَ بكل من الوحام والعَقْعَـقة، لأنه كما بينت في تاريخ وتطور المفاهيم والأسباب المفترضة للعقعقةِ ليسَ هناكَ اتفاقٌ بين الباحثين على ما يعتبرُ عقعقةً وما لا يعتبر.

وعندما بحثتُ على شبكة الإنترنت عن الصفحات العربية التي تردُ فيها لفظةُ الوحم أو الوحام وجدتُ من بين ما وجدت صفحةً على موقع منتديات الكثيري تحت عنوان ظاهرةٌ لها وقفة (منتديات الكثيري نت، 2002)، تعبرُ أصدقَ تعبيرٍ عن ما يدور من أحاديثَ بين الناس على الإنترنت في مجتمعٍ عربي، حيثُ تظهرُ ظاهرةُ الوحام في تفاعلها مع المجتمع وشخصية المرأةِ العربية والكثير من خصوصيات ذلك المجتمع، ولكي لا نبتعد عن موضوعنا الأصلي ألخصُ لكم ما يدور على ألسنة متصفحي الإنترنت من العرب في أنها ظاهرةٌ تتأرجحُ الآراءُ من إنكارها إلى وجوب التصديق بها وهناك من يعتبرونها وسيلةً قد تستغلها المرأةُ العربيةُ أحيانًا في توجيه علاقتها بزوجها أو اختبار تلك العلاقة، وهناك من يضفونَ صفاتٍ غيبيةٍ عليها مثل كونها (كرغبةٍ ملحةٍ تجتاحُ المرأةَ الحاملَ) واجبةَ التنفيذ وإلا ظهرت العواقبُ في جسد الطفل المولود، ومثل أن الوحامَ قد يتعلقُ بفستانٍ جديدٍ أو خاتمٍ جديد، أو أن المرأةَ قد تتوحمُ على زوجها أو أخيها مثلاً فيجيءُ المولود شبيها له، وهكذا العديدُ مما يمثلُ في رأي أطباء النساء والتوليد ابتعادًا بالظاهرة عن حقيقتها.

وجاءَ على موقع جريدة الجزيرة (جريدةُ الجزيرة،2000) تحت عنوان الطبُّ يؤكدُ: لا علاقة بين الوحم و نوع المولود فهوَ ما يلي:"لكثير من النساء الوحم شر لابد منه فقد مررن به وخبرن مظاهره في الأشهر الأولى من الحمل لذا انطبعت تلك الخبرات في أذهانهن، وتحولت إلى إرث اجتماعي كثيراً ما تتبادله الألسنة وتخرجه من مكمنه كلما حدث حمل عند صديقة أو جارة, وهنا تكمن المشكلة! إذ أن عارض الوحم هذا يأتي ضمن الأمور التي عالها غبار وغطتها المفاهيم الخاطئة، وألقيت على كاهلها مسئوليات جسام, وهي منها براء كما يكتشف علمياً يوماً بعد يوم.

فالوحم منذ عقود طوال ارتبط في كثير من الأذهان بأنه مسئول عن الوحمات أو تلك العلامات التي قد تظهر على جسم المولود بزعم أن الأم قد فشلت في إشباع شهيتها بأكل ما تاقت إليه نفسها في الأشهر الأولى لحملها حتى لو كان هذا الشيء حفنة من تراب أو قطعة من الصابون!! بل وقرت تلك المفاهيم الخاطئة في الأذهان لدرجة أن هناك من يعتقد أن للوحم ودرجة استجابة الحامل لرغبتها الجامحة الدور الفاصل في تحديد نوع المولود وفي محاولة لتعرية تلك المفاهيم وتفنيدها بما يساعد الحامل على التعرف على الوحم في صورته الصحيحة.

تحدثنا الدكتورة ميسون الأدهم الاستشارية المشاركة بقسم النساء والولادة بمستشفى الملك فهد للحرس الوطني قائلة:

إن كثيراً من النساء الحوامل يعانين من أعراض الحمل، وقد تكون هذه الأعراض مزعجة لهن مثل كثرة النعاس والخمول وكثرة التبول أو الغثيان أو القيء, والوحم بتعريفه العلمي هو الميل الشديد إلى نوع من أنواع الطعام أو الرائحة وقد يظهر هذا العارض أثناء فترة الحمل الأولى فقط ثم يختفي أثناء بقية شهور الحمل وقد يتكرر في الحمل الذي يليه وقد لا يتكرر, ومن الناحية العلمية والكلام للدكتورة ميسون فقد فشلت كل الجهود حتى الآن لمعرفة ما هو كنه هذا العارض، لكن هناك نظريات تؤكد احتمال وجود علاقة بين ارتفاع هرمون الحمل P.L.H أو H.C.G وهذا العارض.

ولكن هذه الهرمونات ترتفع عند كل الحوامل وليس بالضرورة أن يكون لديهن جميعاً الوحم أو ما يشابهه، وتشير الدكتورة ميسون إلى كثرة الاعتقادات الخاطئة اجتماعياً حول الوحم حيث يعتقد الكثيرون أن المرأة الحامل التي تتوحم على شيء ما مثل نوع من أنواع الفاكهة أو على نوع غريب من الأطعمة يجب أن تأكله فوراً وإلا ظهر عيب خلقي في جسم الجنين لأن المرأة الحامل لم تستطع تلبية تلك الرغبة الجامحة في أكل ذلك النوع من الطعام في حينه أو أكل شيء غريب مثل الصابون أو التراب! فرأي الطب في هذا الصدد يعارض تماماً هذه الفكرة السائدة ولا يوجد ما يثبت صحة ما يقال أبداً وقد تكون مصادفة فقط ليس أكثر أن تشتهي المرأة أكل الكرز مثلاً ثم يولد الطفل وفي يده أو على وجهه علامة مثل الشامة لونها احمر! كما أن الطب يؤكد أنه لا ضرر أبدا من تلبية الرغبة في أكل أية مأكولات صحية مناسبة بل على العكس يشجع الحامل على الاستجابة لرغبة الشهية عندها حسبما تطلب نفسها وذلك من أجل راحتها النفسية ليس إلا.

وفي ختام حديثها د. ميسون تقول أن الوحم لا يقتصر على المرأة الحامل فقط فكثيراً من النساء يعانين من نفس الظاهرة قبل موعد الدورة الشهرية بيومين أو ثلاثة عندما يكون الهرمون البرجستون هو المرتفع بينما يكون هرمونH.C.GوH.P.L متدنياً كما تلاحظ بعض النساء هذه الظاهرة عند استعمال حبوب منع الحمل والتي يكون فيها هرمون الاستروجين هو السائد, بل والأدهى من ذلك أن بعض الرجال والكلام -للدكتورة ميسون- أن بعض الرجال يتعرضون لهذه الظاهرة بين حين وآخر! وحتى الآن لم يتوصل العلم إلى العامل المشترك في جميع الحالات السابقة.

ومنَ الواضحِ أن المفاهيم مختلطةٌ بشكلٍ كبيرٍ في أذهان الناس إذن خاصةً كما يتضحُ من المثال الأخير من ركن الأخوات، فالوحمُ الذي يقصدونهُ يكادُ يكونُ كلَّ تغيرٍ يطرأ على عمل الجهاز الهضمي والحواس، وهذا غير صحيحٍ من الناحية العلمية، كما أنهم يخلطونَ بينَ القيء في شهور الحمل (غالبًا الأولى) وبينَ الوحام، وهذا بالطبع حالُ الكثيرين في مجتمعاتنا، وبالرغم من ذلك فإن المفهوم غير واضحٍ حتى بينَ الأطباء، وإن كان هناك نوعٌ من التفريق غير مكتمل الوضوح علميا بينَ تغيرات الشهية Appetite Changes (التي تظهرُ في صورة التجنب القهري لبعض الأطعمة المعتادة بالنسبة للمرأة نفسها قبل الحمل Food Aversions أو في صورة التوقِ المُلِح Food Cravings لتناول طعام معين أو توليفةٍ غريبةٍ من الأطعمة) وبينَ العقعقة، والقراءَةُ في المعطيات الغربية لا تجيبُ على هذه الأسئلة بشكلٍ قاطع.

المراجع:
1. محمود خاطر مختار الصحاح للشيخ الإمام ؛ محمد بن أبي بكر عبد القادر الرازي ؛ ترتيب محمود خاطر . دار الحديث.
2. مجد الدين الفيروزَباذي (1938) : القاموس المحيط ؛ الطبعة الرابعة ؛ القاهرة ، المكتبة التجارية الكبرى ؛ دار المأمون .
3. Goldberg ,G. R. (2000) : Nutrition in Pregnancy. Nutrition in Practice. Volume I (2) November2000.
4. منير البعلبكي (2001) : المورد ؛ دار العلم للملايين ؛ بيروت لبنان.
5. منتديات الكثيري نت : (2002) : ظاهرةٌ لها وقفه، عن http://www.topforums.net/showthread.php3?threadid=7539
6. جريدةُ الجزيرة ، (2000) : الطب يؤكدُ 18 ,شوال/1420ع9979. ،عن
http://www.suhuf.net.sa/2000jaz/jan/24/tb1.htm