د. عبد الوهاب القحطاني
التصدير والغلاء
لا شك أن تلبية الاحتياجات الاقتصادية المحلية هي الأولى فوق الاحتياجات الخارجية حتى لا يكون هناك نقص في السلع والمواد، لكننا نواجه مشكلة معقدة تتمثل في تصدير الشركات السعودية للسلع والمواد الرئيسة خارج المملكة لتتصاعد الأسعار إلى الأعلى ما يزيد من الغلاء والتضخم. ومن المواد التي تصدر خارج المملكة الحديد والاسمنت اللذان يعدان من المواد التي ارتفعت أسعارها إلى مستويات مخيفة تشير إلى توقف الكثير من المشاريع العمرانية الكبيرة والصغيرة بما فيها مساكن المواطنين، حيث ترى الكثير منها عند تجولك في المدن والقرى متوقفة تنتظر الفرج من الله ثم القرار القيادي الصارم لمنع تصدير الحديد والأسمنت قبل تلبية الاحتياجات المحلية منه. شاهدنا وسمعنا خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز يدعو الله سبحانه ليرخص الحديد، وذلك عند تدشينه لبعض المشاريع في مدينة الجبيل الصناعية، ما يشير إلى أنه حفظه الله على علم بما يحصل للمواطن من معاناة جراء تفاقم أسعاره بدرجة كبيرة أثرت سلباً على الحركة الاقتصادية العمرانية في المملكة. إننا بحاجة إلى تشريعات وقرارات صارمة تمنع منعاً باتاً تصدير السلع الغذائية والمواد الأساسية للتشييد والبناء لنلجم التضخم الذي يضرب المواطن بقوة جعلته غير قادر على تلبية احتياجاته الأساسية. إننا بحاجة لدعم القيادة لمواجهة التضخم وغلاء المعيشة، وذلك بإصدار قرارات سامية رادعة تمنع التصدير قبل الاكتفاء المحلي، ناهيك عن أهمية تشكيل لجنة وزارية على مستوى عال تراقب المنافذ الحدودية والموانئ وغيرها حتى يصبح القرار فاعلاً. عندما تأثرت صناعة الحديد والصلب في الولايات المتحدة الأمريكية من المنافسة الأجنبية تدخل الرئيس بوش الابن شخصياً بوضع ضوابط تحمي الاقتصاد الأمريكي من المنافسة الأجنبية حتى تستعيد هذه الصناعة الأمريكية التقليدية قوتها في السوق الأمريكية، حيث نراها اليوم بعد حوالي ثلاث سنوات من قراره الداعم لصناعة الحديد والصلب أفضل بكثير مما كانت عليه قبل خمس سنوات. وإنني على ثقة بالله ثم بالقيادة الرشيدة للجم التضخم المالي وغلاء الأسعار في الحديد والأسمنت من خلال أنظمة تصدير صارمة تمنع الشركات المحلية من تصدير سلعها إلى الخارج في وقت نحن بحاجة شديدة لها. والمثير للسخرية أن بعض هذه الشركات تبيع سلعها في الأسواق الخارجية بأسعار أقل منها في المملكة ما يشير إلى أنها تحاول التحكم في أسعارها بالمملكة عن طريق تقليص العرض في حالة طلب متزايد، وبالتالي تستفيد الأسواق الخارجية على حساب المواطن السعودي. التضخم سيزيد إذا استمرت الشركات الوطنية وغيرها في المملكة في تصدير منتجاتها إلى الخارج قبل سد الاحتياجات في المملكة لأن العرض سيكون أقل بكثير من الطلب وبالتالي ترتفع الأسعار وتؤثر على الاقتصاد الوطني. وما لم تصدر القيادة الحكيمة توجيهات صارمة في هذا الشأن فإننا سنرى المزيد من المشاريع متوقفة إلى جانب تلك التي نراها اليوم. ولا يمكننا معالجة التضخم من جانب وتركه من جانب آخر في قطاع التشييد والبناء إذا استمر تصدير الحديد والأسمنت وغيرها من دعائم الاقتصاد الوطني. وقد يكون تصريح الأمير سعود بن ثنيان آل سعود مثيراً للجدل عندما قال مضى عليه أربعون يوماً لم يجد حديداً لبناء منزله، لكن بلا شك هذا التصريح مؤشر قوي وخطير على سوء سلوك الشركات السعودية للاستفادة على حساب الوطن والمواطن عندما تخفي الحديد في المستودعات أو تصدره إلى الخارج ليزيد سعره بدرجة جنونية في المملكة.