(6) الشخص الذي يعاني من معوقات معينة: أنت تَعْرفُ ما يَجِبُ عليك أَنْ تَفعَله، ولديَكَ المهارةُ لإنْجازه، لكن مخاوفَك مِن رفضِ الآخرين لك، أو غضبهم عليك، أو تفحصهم لما بداخلك، أو نقدهم لك، أو قربهم منك، فيمنعك كل ذلك أو بعضه مِن تَنفيذ العملِ. أ- تَمتلكُ أفكاراَ خاطئةَ: فقد تكون غير متَفْهماً للاختلافَ بين العدوانِ وتأكيد الذاتِ؛ على الرغم من أن مَعْرفُة الاختلاف بين العدوان و تأكيد الذات أمر يُعد في غاية الأهمية. وعليك أن تعمل على تأكيد ذاتك مع تجنب العدوان تماما على الآخرين. وفي القصة التالية تجد دروس وعبر عن كيفية تحويل عدوان الغير عليك، وظلمهم لك إلى معاني سامية تؤيد الضعيف المظلوم وتنصره على الظالم المستبد وبدون أي عدوان على حقوق الآخرين، فهيا بنا نقرأ قصة تلك الكاتبة الفاضلة معاً: التسامي والتواصي بالحق وتحرير العبيد في شخصية كاتبة في المجتمع الأمريكي وفي حوالي سنة 1827 كانت العلاقات العاطفية محل استنكار خاصة إذا كانت بين المراهقين، لذا فقد تلقت "هارييت" ذات السادسة عشرة صفعة من أختها والتي وجدت بعض الوريقات فيها من المشاعر الخاصة ما فيها، وقد ظنت أختها الكبرى أن هارييت على علاقة بأحد الشباب أو الرجال، وقد كانت تلك الفتاة بريئة من ذلك حيث أنها كتبت ما كتبت تعبيرا عن نفسها حيث كانت لا تشعر بالثقة في نفسها وكانت تعرف أنها ليست ذات جمال ساحر أو جاذبية نادرة. لذا فقد كانت تدرب نفسها على الرضا بنصيبها المتواضع من الجمال وبحياتها البسيطة مع أبيها الذي كان يعمل قسيسا. وصلت هارييت إلى السابعة والعشرين فتعرفت على أستاذ في علم اللاهوت وأصبحت صديقة حميمة لزوجته التي ماتت بمرض مفاجئ. وبعد فترة تقدم لها ذلك الأستاذ عندما أحس بصدقها وإخلاصها وسلامة نفسها وأخلاقها الرفيعة. وكانت مثالا للزوجة المحبة والمطيعة والمحافظة على بيتها وأنجبت له ستة أطفال، فزادت مسئوليتها تجاه البيت، لذا فقد كانت تكتب الأشعار والمقالات في الأوقات القليلة من فراغها وترسلها للصحف المحلية فتنشرها لها بين الحين والحين. عندما بلغت السابعة والثلاثين من العمر أرسلت لأبيها تقول: لقد كبرت وعندي ستة من الأبناء، فماذا بقي في الحياة؟ لاشيء!!! كان في داخلها شيء يتحرك ويثير الكثير من الغضب والقلق. حيث كانت أمريكا تعتبر نظام الرق في ذلك الوقت نظاما مشروعا، وكان العبيد من الزنوج يعيشون في ظروف بالغة المهانة والقسوة، وكانت تسمع عن قصص وحكايات مأساوية، لذا لم تسترح ولم يهدأ بالها قط. لذا فقد شعرت أن من واجبها فعل شيء فكتبت روايتها والتي أصبحت من أشهر الروايات في أدب العالم كله وهي "كوخ العم توم". وبدأت ترسلها على حلقات إلى إحدى الصحف فبدأ الناس يتهافتون على شراء تلك الصحيفة. وعندما أعلنت تلك الصحيفة عن أن الكاتبة سوف تتوقف عن نشر باقي الرواية، خرجت مظاهرة مكونة من أكثر من عشرة آلاف قارئ وقارئة لتقتحم مبنى الصحيفة وتطالب باستمرار نشر حلقات الرواية كاملة. لذا فقد كان لزاما أن تنشر تلك الرواية في كتاب من جزأين نفذ منها ثلاث طبعات خلال الثلاثة أشهر الأولى، ووصل مقدار ما وزع منها ما يقرب من أربعين ألف نسخة، وكان ذلك في هذا العهد شيء غير طبيعي. مما حدا بدور النشر إلى القيام بترجمتها في مختلف أنحاء أوروبا ونشرها، وعاد ذلك على هارييت بثروة هائلة نقلتها من الكوخ الصغير إلى حياة البذخ والشهرة الواسعة. وأصبح الزنوج يعتبرونها قديسة فيقبلون يديها ويتزاحمون حولها لمجرد لمس ثيابها، على أن الصورة في الناحية الأخرى كانت شديدة القتامة، فقد كان أنصار الرق والعبودية يشعرون بالسخط الشديد عليها وعلى روايتها التي فتحت عيون الزنوج وحرضتهم على المطالبة بالحرية. مما دفع حكام بعض الولايات في جنوب أمريكا إلى أن يصدروا قرارا رسميا بمصادرة الرواية واعتبار المواطن الذي يملك نسخة منها خارجا على القانون، وتلقت تلك الكاتبة الموهوبة رسائل تهديد بالقتل!!. وفي خلال تسع سنوات من إصدار الرواية اشتعلت الحرب الأهلية الأمريكية بين الشمال والجنوب وكان موضوع هذه الحرب هو الدعوة إلى خلق أمريكا جديدة واحدة خالية من عار الرق والعبودية. فقام الرئيس الأمريكي إبراهام لينكولن بتحرير العبيد في كل الولايات الأمريكية وواصل الحرب حتى تحقق الهدف النبيل ويصبح كل الزنوج أحرارا وتتوقف مأساة الرق بصورة نهائية. وقد تلقت هارييت دعوة من الرئيس الأمريكي لزيارته في البيت الأبيض، وقال قولته الشهيرة: "إذن فهذه هي المرأة الصغيرة التي أشعلت الحرب الأهلية في البلاد". وفي تقييم لرواية أو روايات تلك الكاتبة، والتي زادت خلال فترات طباعتها إلى ما يزيد على أربعين مليون نسخة تقريبا "وهو رقم غاية في الضخامة بالنسبة لتوزيع الكتب في ذلك الوقت"، يقول المؤرخون: استطاعت تلك الكاتبة بأدبها الخالد وصدقه أن تقضي على أسوأ شرور الإنسانية في تاريخ الإنسان، وهو نظام الرق، وبالرغم من أن هدف الرواية في جانبها الاجتماعي قد تحقق بأكمله فإن الرواية لم تفقد شيئا من قيمتها الأدبية والفنية فبقيت أغنية رائعة تتعلق بها القلوب جيلا بعد جيل. هذه السيدة التي حولت معاناتها وآلامها إلى مناصرة للعبيد من الزنوج ليس بالتظاهرات ولا بالهتافات ولكن بكتابة ما يعانيه العبيد من الزنوج من الذل والهوان على يد المستعمرين البيض، فكانت كتاباتها سبباً في انتفاضة واستيقاظ أصحاب الضمائر النائمة من البيض والسود على السواء، وهنا كانت الكتابة المنصفة في مضمونها، والمليئة بالمشاعر الإيجابية نحو طائفة مظلومة من العبيد الزنوج في المجتمع الأمريكي في ذلك الوقت سببا في تحرير العبيد بأمريكا، ثم في العالم كله بعد ذلك، فهل هناك تأكيد للذات أفضل من ذلك؟! ب- لديك مفهوم خاطيْء عِنْ الحقيقةِ الاجتماعيةِ: أنت لا تتَفْهمُ بأنّ هناك أنواعا مختلفة للعلاقات، وفقا لما تَجِدهُ مَع أناس مختلفين، في مواقف مختلفة ، فمثلا قد يَعتقدُ البعض أنه من المُفتَرَض مُعَاملََة الغريب نفس معاملة الصديق. لذا فعلينا أن نتعلم معاملة الغريب كغريب، والصديق كصديق. على سبيل المثال: مريض جديد أعلنَ "أنا لا أَئتمنُ أي شخص،" واستطلاعات الرأي أوضحتَ بأنّ هناك بعض الناسِ يمكنك أن تأتمنهم على المال، بينما هناك آخرون يمكنك أن تأتمنهم على الأسرارِ الشخصيةِ، وما زالَ هناك آخرون يقدمون لك أفضل النصائحِ المتعلقة بالعمل. ولذا فهنا وقفة هامة ألا وهي: عليك أن تعتقد بأنك لا تَستطيعُ أَن تَأتمنَ أي شخصَ على كُلّ شيءِ، ولكن لا يُعقل أنك لا تَستطيعُ أَنْ تَأتمنَ أي شخص؛ فعِنْدئذ قد تحتاج إلى مساعدة طبيب نفسي كي تتخلص من شكوكك وعدم ثقتك بالآخرين. في أحيان أخرى قد يكون الشخص قلقا متلهفا مستعجلا في تنفيذ كل ما يفكر فيه وبسرعة، والقلق لديه يحتاج إلى رد الفعل الملائم. رجل واحد جاءَ يصَفِّ لي بعض مشاكله، لقد ماتَ أبوه فجأة، وزوجته مَرّتْ بجراحة لسرطانِ الثدي؛ لذا فَقد شغله خوفه على حياة ابنه وأثار قلقه بل رعبه من أن يفقده فجأة كما فقد أباه من قبل؛ أو يصيب ابنه مرض خطير كالذي أصاب زوجته، وبما أن هذا الشخص كان لديه قدر كبير من السمات العصابية، فقد تفاقم ليس فقط القلق لديه، ولكن الاكتئاب أيضا، والذي أدى إلى حرمانه من النوم والأكل، ونتيجة لذلك بدأ الهزال وفقدان الوزن يظهران عليه، مع نقص شديد في التركيز والانتباه، وبدأ من حوله يطالبونه بالذهاب إلى الطبيب النفسي لعلاج حالته النفسية. والقصة التالية توضح بجلاء اضطراب بعض المقاييس في فهم بعض العلاقات الاجتماعية بين أقرب الناس، وأقصد هنا بين الزوجة وزوجها، فقد تشعر الزوجة أنها أنانية ومقصرة وهي ليست كذلك، وقد يتصور الزوج أنه على صواب في تصرفاته وقراراته الحياتية الزوجية، بينما الأخطاء تحيط بتصرفاته من كل اتجاه!!، فتعالوا نناقش بعض تلك التصرفات والقرارات: الإنسان أكثر تعاسة: يورد الروائي الفرنسي أندريه مالرو قصة قسيس ريفي كان قد قضى عشرات السنين في سماع الاعترافات، أوجز بعدها ما تعلمه من الطبيعة البشرية بجملتين: "البشر أولا أكثر تعاسة مما نتصور، والثاني أنه ليس هناك شخص ناضج" هاتان الملاحظتان مترابطتان ترابطا وثيقا، إن لم نقل إنهما تشكلان ملاحظة واحدة: فالأشخاص الذين لم يصلوا بعد لمرحلة النضوج لا يستطيعون صقل أرواحهم ونفوسهم، وبالتالي فهم يظلون عرضة للتعاسة. كانت إحدى الفنانات تشعر بتعاسة كبيرة فهي تعيسة بسبب الرجال الذين كانت قد اختارتهم والذين كانوا جميعا يريدون تغييرها، وهي تعيسة بسبب عائلتها التي تأخذ دون أن تعرف الشبع، لكن أكثر ما يشعرها بالشقاء هو ما أصبحت عليه حيث باتت تشعر بأنه ما كان لها أن تأتي في هذه الدنيا أو تتمنى لو خلقت حيوانا أو ما شابه حتى أنها كانت تشعر بانسجام تام مع قطتها. بالرغم مما تبدو عليه أمام النساء من أنها سيدة مرحة متفائلة، ولكن الناس لا تعرف الجانب الكئيب في شخصيتها. ذهبت هذه الفنانة إلى أحد الأطباء والذي سألها كيف وصلت إلى تلك المرحلة من الإحساس بالتعاسة؟!!؛ فأجابت: "بأن زوجها قد هجرها لأنها –على حد قوله– امرأة منحطة أنانية"، وبسبب ذلك فقدت اتزانها بالكامل. وطلب منها الطبيب أن تصف بعض الأمثلة التي توضح أنانيتها –على حد تعبير زوجها – فقالت تلقيت عرضا نادراً لعرض لوحاتي الفنية في معرض عالمي متخصص في مدينة نيويورك وكان العرض لسوء الحظ يتعارض وقته مع إجازة كنا سنقضيها معا وخططنا لها كثيرا، فاضطررت لمناقشة الأمر معه وأوضحت له أهمية العرض بالنسبة لحياتي المهنية وقلت إنه يمكننا تغيير وقت الإجازة. هذا الموقف جعله يعتقد أنني أنانية. سألها الطبيب لماذا تعتقد أن طلب زوجها أن تختار هي ما يوافق رغباته يجعل منه إنسانا أقل منها أنانية، وأوضح لها أن كلاهما أناني. إن حب الذات هو شعور بالتعاطف مع الذات لا يحمل أي ضرر، وهو يختلف عن ذلك الشعور المؤذي بالتمركز حول الذات والذي ندعوه خطأ بالنرجسية. والنرجسية هي أسطورة أحد آلهة الإغريق الذكور يُدعى نرسس وقع في غرام نفسه، حيث كان هذا الفتى "الإله" بالغ الجمال فعلا، وكان محبوبا من الجميع لا من نفسه فقط، وكان هذا الفتى عاجزا عن إقامة علاقة مع أي شخص نظرا لاستغراقه في حب نفسه والاهتمام الكامل بنفسه، وكان أقرب مخلوق إلى نفسه فتاة تدعى الصدى لم تستطع أن تقوم بشيء سوى أن تردد ما تسمعه وأصبحت مجرد صوت يعكس ما يقوله "نرسس". وفي عزلته ووحدته كان يتأمل صورته المنعكسة في الماء ولا يتوق سوى إلى نفسه، وعندما اقترب ليلمس انعكاس الصورة اختفى في لجة مياه النهر العميقة ولم يبق في مكانه سوى زهره ذات بتلات بيضاء تحيط بقلب أصفر، ورغم تفسير هذه الأسطورة عادة أن "نَرْسس" قد غرق في لجة مشاعره المرضية إلا أن القصة تتعلق في واقع الأمر بتدمير النفس نتيجة الانهماك في الاهتمام بالذات، بالإضافة إلى أنها تتعلق بالخلاص النهائي المتأصل حتى في نفس أكثرنا شعورا بالقنوط. إنها قصة تحول من شكل إلى آخر من أشكال الطبيعة، الفتى يتحول إلى زهرة ويصبح الفتى في تحول كهذا جزءا من كل أعظم. وفي حب الذات تكمن نزعة المرء إلى أنه جزء من الكل، وهو بهذا المعنى يولد شعورا بالاتحاد مع بقية الطبيعة. وهنا نتساءل: هل من الأفضل أن يكون الإنسان محبوبا بين جميع أهله ومعارفه؟ ونجيب أيضا: لا فالأفضل أن يحبه الخيرون من أهله ومعارفه وأن يكرهه الأشرار منهم. وهذه الفنانة بالطبع كان لديها جلد للذات، ولوم للنفس لا مبرر لهما، تلك الأحاسيس التي تولدت لديها من جراء عدم فهمها لبعض الحقائق الاجتماعية الهامة مثل: ضرورة توفر المشاركة والمرونة والتفاهم والعطاء المتبادل من كلا الطرفين في الحياة الزوجية وليس من جانب واحد فقط وعلى طول الخط!!.