الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه. أما بعد: فقد اطلعت على ما نشرته صحيفة (الندوة) في عددها الصادر في 24/5/1387هـ بقلم الأخ صالح محمد جمال تحت عنوان: (الآثار الإسلامية) فألفيت الكاتب المذكور يدعو في مقاله المنوه عنه إلى تعظيم الآثار الإسلامية، والعناية بها، يخشى أن تندثر ويجهلها الناس، ويمضي الكاتب فيقول: (والذين يزورون الآن بيت شكسبير في بريطانيا، ومسكن بتهوفن في ألمانيا لا يزورونها بدافع التعبد والتأليه، ولكن بروح التقدير والإعجاب لما قدمه الشاعر الإنجليزي والموسيقي الألماني لبلادهما وقومهما مما يستحق التقدير فأين هذه البيوت التافهة من بيت محمد ودار الأرقم بن أبي الأرقم وغار ثور وغار حراء وموقع بيعة الرضوان وصلح الحديبية، إلى أن قال: ومنذ سنوات قليلة عمدت مصر إلى تسجيل تاريخ (أبو الهول) ومجد الفراعنة، وراحت ترسلها أصواتا تحدث وتصور مفاخر الآباء والأجداد، وجاء السواح من كل مكان يستمعون إلى ذلك الكلام الفارغ إذا ما قيست بمجد الإسلام، وتاريخ الإسلام ورجال الإسلام في مختلف المجالات ويريد الكاتب من هذا الكلام أن المسلمين أولى بتعظيم الآثار الإسلامية كغار حراء وغار ثور، وما ذكره الكاتب معهما آنفا من تعظيم الإنجليز والألمان للفنانين المذكورين، ومن تعظيم المصريين لآثار الفراعنة. ثم يقترح الكاتب أن تقوم وزارة الحج والأوقاف بالتعاون مع وزارة المعارف على صيانة هذه الآثار والاستفادة منها بالوسائل التالية: 1- كتابة تاريخ هذه الآثار بأسلوب عصري معبر عما تحمله هذه الآثار من ذكريات الإسلام ومجده عبر القرون إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. 2- رسم خريطة أو خرائط لمواقع الآثار في كل من مكة المكرمة والمدينة المنورة. 3- إعادة بناء ما تهدم من هذه الآثار على شكل يغاير الأشكال القديمة، وتحلية البناء بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية على لوحة كبرى يسجل بها تاريخ موجز للأثر وذكرياته بمختلف اللغات. 4- إصلاح الطرق إلى هذه الآثار، وخاصة منها الجبلية كغار ثور وغار حراء، وتسهيل الصعود إليها بمصاعد كهربائية كالتي يصعد بها إلى جبال الأرز في لبنان مثلا مقابل أجر معقول. 5- تعيين قيم أو مرشد لكل أثر من طلبة العلم يتولى شرح تاريخ الأثر للزائرين، والمعاني السامية التي يمكن استلهامها منه بعيدا عن الخرافات والبدع، أو الاستعانة بتسجيل ذلك على شريط يدار كلما لزمت الحاجة إليه. 6- إدراج تاريخ هذه الآثار ضمن المقررات المدرسية على مختلف المراحل) انتهى نقل المقصود من كلامه. ولما كان تعظيم الآثار الإسلامية بالوسائل التي ذكرها الكاتب يخالف الأدلة الشرعية وما درج عليه سلف الأمة وأئمتها من عهد الصحابة رضي الله عنهم إلى أن مضت القرون المفضلة، ويترتب عليه مشابهة الكفار في تعظيم آثار عظمائهم، وغلو الجهال في هذه الآثار، وإنفاق الأموال في غير وجهها ظنا من المنفق أن زيارة هذه الآثار من الأمور الشرعية، وهي في الحقيقة من البدع المحدثة، ومن وسائل الشرك، ومن مشابهة اليهود والنصارى في تعظيم آثار أنبيائهم وصالحيهم واتخاذها معابد، ومزارات. رأيت أن أعلق على هذا المقال بما يوضح الحق ويكشف اللبس بالأدلة الشرعية والآثار السلفية، وأن أفصل القول فيما يحتاج إلى تفصيل، لأن التفصيل في مقام الاشتباه من أهم المهمات، ومن خير الوسائل لإيضاح الحق، عملا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((الدين النصيحة)) قيل: لمن يا رسول الله، قال: ((لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم)) فأقول والله المستعان ولا حول ولا قوة إلا به. قد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)) أخرجه الشيخان وفي لفظ لمسلم: ((من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد)) وفي صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته يوم الجمعة: ((أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل بدع ضلالة)). والأحاديث في هذا المعنى كثيرة. وهذه الآثار التي ذكرها الكاتب كغار حراء وغار ثور وبيت النبي صلى الله عليه وسلم ودار الأرقم بن أبي الأرقم ومحل بيعة الرضوان وأشباهها إذا عظمت وعبدت طرقها وعملت لها المصاعد واللوحات لا تزار كما تزار آثار الفراعنة، وآثار عظماء الكفرة، وإنما تزار للتعبد والتقرب إلى الله بذلك. وبذلك نكون بهذه الإجراءات قد أحدثنا في الدين ما ليس منه، وشرعنا للناس ما لم يأذن به الله وهذا هو نفس المنكر الذي حذر الله عز وجل منه في قوله سبحانه: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ}[1]، وحذر منه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)) وبقوله صلى الله عليه وسلم: ((لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه)) قالوا يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال ((فمن)) متفق على صحته. ولو كان تعظيم الآثار بالوسائل التي ذكرها الكاتب وأشباهها مما يحبه الله ورسوله لأمر به صلى الله عليه وسلم أو فعله، أو فعله أصحابه الكرام رضي الله عنهم، فلما لم يقع شيء من ذلك علم أنه ليس من الدين بل هو من المحدثات التي حذر منها النبي صلى الله عليه وسلم وحذر منها أصحابه رضي الله عنهم. وقد ثبت عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه أنكر تتبع آثار الأنبياء، وأمر بقطع الشجرة التي بويع النبي صلى الله عليه وسلم تحتها في الحديبية لما قيل له إن بعض الناس يقصدها؛ حماية لجناب التوحيد وحسماً لوسائل الشرك والبدع والخرافات الجاهلية، وأنا أنقل لك أيها القارئ ما ذكره بعض أهل العلم في هذا الباب لتكون على بينة من الأمر: قال الإمام أبو بكر محمد بن الوليد الطرطوشي في كتابه (الحوادث والبدع) صفحة (135): (فصل في جوامع البدع) ثم قال: وقال المعرور بن سويد خرجنا حجاجاً مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه فلقينا مسجداً فجعل الناس يصلون فيه قال عمر: (أيها الناس إنما هلك من كان قبلكم باتباع مثل هذا حتى اتخذوها بيعا فمن عرضت له فيها صلاة فليصل ومن لم تعرض له صلاة فليمض) ثم نقل في صفحة (141) عن محمد بن وضاح أن عمر بن الخطاب أمر بقطع الشجرة التي بويع تحتها النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن الناس كانوا يذهبون تحتها فخاف عمر الفتنة عليهم. ثم قال ابن وضاح: (وكان مالك وغيره من علماء المدينة يكرهون إتيان تلك المساجد وتلك الآثار التي بالمدينة ما عدا قباء وأحد، ودخل سفيان بيت المقدس وصلى فيه ولم يتبع تلك الآثار ولا الصلاة فيها، وكذلك فعل غيره أيضا ممن يقتدى به، ثم قال ابن وضاح : فكم من أمر هو اليوم معروف عند كثير من الناس كان منكراً عند من مضى، وكم من متحبب إلى الله بما يبغضه الله عليه ومتقرب إلى الله بما يبعده منه). انتهى كلامه رحمه الله. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في صفحة (133) من جزء (26) من مجموع الفتاوى ما نصه: (وأما صعود الجبل الذي بعرفة ويسمى جبل الرحمة فليس سنة، وكذلك القبة التي فوقه التي يقال لها: قبة آدم لا يستحب دخولها ولا الصلاة فيها، والطواف بها من الكبائر وكذلك المساجد التي عند الجمرات لا يستحب دخول شيء منها ولا الصلاة فيها، وأما الطواف بها أو بالصخرة أو بحجرة النبي صلى الله عليه وسلم وما كان غير البيت العتيق فهو من أعظم البدع المحرمة). وقال في صفحة (144) من الجزء المذكور: (وأما زيارة المساجد التي بنيت بمكة غير المسجد الحرام كالمسجد الذي تحت الصفا وما في سفح أبي قبيس ونحو ذلك من المساجد التي بنيت على آثار النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كمسجد المولد وغيره فليس قصد شيء من ذلك من السنة، ولا استحبه أحد من الأئمة، وإنما المشروع إتيان المسجد الحرام خاصة، والمشاعر عرفة ومزدلفة ومنى والصفا والمروة، وكذلك قصد الجبال والبقاع التي حول مكة غير المشاعر عرفة ومزدلفة ومنى، مثل جبل حراء والجبل الذي عند منى الذي يقال إنه كان فيه قبة الفداء ونحو ذلك فإنه ليس من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم زيارة شيء من ذلك بل هو بدعة. وكذلك ما يوجد في الطرقات من المساجد المبنية على الآثار والبقاع التي يقال إنها من الآثار لم يشرع النبي صلى الله عليه وسلم زيارة شيء من ذلك)، وقال في صفحة (134) من الجزء (27) من المجموع المذكور: (فصل: وأما قول السائل هل يجوز تعظيم مكان فيه خلوق وزعفران لكون النبي صلى الله عليه وسلم رئي عنده؟ فيقال بل تعظيم مثل هذه الأمكنة واتخاذها مساجد ومزارات لأجل ذلك هو من أعمال أهل الكتاب الذين نهينا عن التشبه بهم فيها، وقد ثبت أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان في السفر فرأى قوما يبتدرون مكانا فقال: ما هذا؟ فقالوا: مكان صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ومكان صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم أتريدون أن تتخذوا آثار أنبيائكم مساجد؟ من أدركته فيه الصلاة فليصل وإلا فليمض، وهذا قاله عمر بحضرة من الصحابة رضي الله عنهم، ومن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي في أسفاره في مواضع، وكان المؤمنون يرونه في المنام في مواضع، وما اتخذ السلف شيئا من ذلك مسجدا ولا مزارا، ولو فتح هذا الباب لصار كثير من ديار المسلمين أو أكثرها مساجد ومزارات فإنهم لا يزالون يرون النبي صلى الله عليه وسلم في المنام وقد جاء إلى بيوتهم، ومنهم من يراه مرارا كثيرة، وتخليق هذه الأمكنة بدعة مكروهة إلى أن قال: ولم يأمر الله أن يتخذ مقام نبي من الأنبياء مصلى إلا مقام إبراهيم بقوله: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى}[2] كما أنه لم يأمر بالاستلام والتقبيل لحجر من الحجارة إلا الحجر الأسود، ولا بالصلاة إلى بيت إلا البيت الحرام، ولا يجوز أن يقاس غير ذلك عليه باتفاق المسلمين بل ذلك بمنزلة من جعل للناس حجا إلى غير البيت العتيق، أو صيام شهر مفروض غير صيام رمضان، وأمثال ذلك. ثم قال: وقد تبين الجواب في سائر المسائل المذكورة بأن قصد الصلاة والدعاء عندما يقال أنه قدم نبي أو أثر نبي أو قبر بعض الصحابة أو بعض الشيوخ أو بعض أهل البيت أو الأبراج أو الغيران من البدع المحدثة المنكرة في الإسلام لم يشرع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا كان السابقون الأولون والتابعون لهم بإحسان يفعلونه، ولا استحبه أحد من أئمة المسلمين بل هو من أسباب الشرك وذرائعه) والكلام على هذا مبسوط في غير هذا الجواب، ثم قال في صفحة (500) من الجزء المذكور: (ولم يكن أحد من الصحابة بعد الإسلام يذهب إلى غار ولا يتحرى مثل ذلك فإنه لا يشرع لنا بعد الإسلام أن نقصد غيران الجبال ولا نتخلى فيها.. إلى أن قال: وأما قصد التخلي في كهوف الجبال وغيرانها، والسفر إلى الجبل للبركة مثل جبل الطور وجبل حراء وجبل ثور أو نحو ذلك فهذا ليس بمشروع لنا بل قد قال صلى الله عليه وسلم: ((لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد)) انتهى كلامه رحمه الله. وقال ابن القيم رحمه الله في (إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان) صفحة (204) بعد كلام له سبق في التحذير من قصد القبور للتبرك بها، والدعاء عندها: (وقد أنكر الصحابة ما هو دون هذا بكثير فروى غير واحد عن المعرور بن سويد قال صليت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه في طريق مكة صلاة الصبح ثم رأى الناس يذهبون مذاهب فقال أين يذهب هؤلاء؟ فقيل يا أمير المؤمنين مسجد صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم فهم يصلون فيه فقال إنما هلك من كان قبلكم بمثل هذا كانوا يتبعون آثار أنبيائهم ويتخذونها كنائس وبيعا فمن أدركته الصلاة منكم في هذه المساجد فليصل ومن لا فليمش ولا يتعمدها وكذلك أرسل عمر رضي الله عنه أيضا فقطع الشجرة التي بايع تحتها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم) انتهى كلامه رحمه الله. وكلام أهل العلم في هذا الباب كثير لا نحب أن نطيل على القارئ بنقله، ولعل فيما نقلناه كفاية ومقنعا لطالب الحق.. إذا عرفت ما تقدم من الأدلة الشرعية وكلام أهل العلم في هذا الباب علمت أن ما دعا إليه الكاتب المذكور من تعظيم الآثار الإسلامية كغار ثور ومحل بيعة الرضوان وأشباهها وتعمير ما تهدم منها والدعوة إلى تعبيد الطرق إليها، واتخاذ المصاعد لما كان مرتفعا منها كالغارين المذكورين واتخاذ الجميع مزارات ووضع لوحات عليها، وتعيين مرشدين للزائرين- كل ذلك مخالف للشريعة الإسلامية التي جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها، وسد ذرائع الشرك والبدع وحسم الوسائل المفضية إليها. وعرفت أيضا أن البدع وذرائع الشرك يجب النهي عنها ولو حسن قصد فاعلها أو الداعي إليها لما تفضي إليه من الفساد العظيم وتغيير معالم الدين وإحداث معابد ومزارات وعبادات لم يشرعها الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم وقد قال الله عز وجل: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِينًا}[3] فكل شيء لم يكن مشروعاً في عهده صلى الله عليه وسلم وعهد أصحابه رضي الله عنهم لا يمكن أن يكون مشروعا بعد ذلك، ولو فتح هذا الباب لفسد أمر الدين ودخل فيه ما ليس منه، وأشبه المسلمون في ذلك ما كان عليه اليهود والنصارى من التلاعب بالأديان وتغييرها على حسب أهوائهم واستحساناتهم وأغراضهم المتنوعة، ولهذا قال الإمام مالك بن أنس إمام دار الهجرة في زمانه رحمه الله كلمة عظيمة وافقه عليها أهل العلم قاطبة، وهي قوله: (لن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها)، ومراده بذلك أن الذي أصلح أولها هو التمسك بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والسير على تعاليمهما، والحذر مما خالفهما، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا هذا الأمر الذي صلح به أولها، ولقد صدق في ذلك رحمه الله فإن الناس لما غيروا وبدلوا واعتنقوا البدع وأحدثوا الطرق المختلفة تفرقوا في دينهم، والتبس عليهم أمرهم وصار كل حزب بما لديهم فرحون وطمع فيهم الأعداء، واستغلوا فرصة الاختلاف وضعف الدين، واختلاف المقاصد، وتعصب كل طائفة لما أحدثته من الطرق المضلة، والبدع المنكرة حتى آلت حال المسلمين إلى ما هو معلوم الآن من الضعف والاختلاف وتداعي الأمم عليهم، فالواجب على أهل الإسلام جميعا هو الرجوع إلى دينهم والتمسك بتعاليمه السمحة وأحكامه العادلة، وأخذها من منبعها الصافي: الكتاب العزيز والسنة الصحيحة المطهرة، والتواصي بذلك، والتكاتف على تحقيقه في جميع المجالات التشريعية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية وغير ذلك، والحذر كل الحذر من كل ما يخالف ذلك أو يفضي إلى التباسه أو التشكيك فيه، وبذلك ترجع إلى المسلمين عزتهم المسلوبة، ويرجع إليهم مجدهم الأثيل وينصرهم الله على أعدائهم ويمكن لهم في الأرض كما قال عز وجل: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا}[4] وقال سبحانه: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ}[5]. وأما اقتراح الكاتب إدراج تاريخ هذه الآثار ضمن المقررات المدرسية على مختلف المراحل فهذا حق ولا مانع منه إذا كان ذلك على سبيل الدعوة إلى التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أصابه من المشاق والأذى الشديد في سبيل الدعوة إلى الحق، والتذكير بأحواله صلى الله عليه وسلم في بيته، وفي دار الأرقم، وفي غار ثور وحراء، والاستفادة من الآيات والمعجزات التي حصلت في غار ثور، في مكة المكرمة، وفي طريق الهجرة، وفي المدينة المنورة، وكون الله سبحانه حماه من مكايد أعدائه في جميع مراحل الدعوة. لا شك أن التحدث عن هذه الأمور وما فيها من العبر والمعجزات، والدلالة على صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما دعا إليه، والشهادة له بأنه رسول الله حقا، وما أيده الله به من الآيات والمعجزات كل ذلك مما يقوي الإيمان في القلوب، ويشرح صدور المسلمين، ويحفزهم إلى التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم والسير على منهاجه، والصبر على دعوته، وتحمل ما قد يعرض للمسلم ولا سيما الداعية إلى الحق من أنواع المشاق والمتاعب، ولقد أدرك علماء المسلمين هذه المعاني الجليلة، وصنفوا فيها الكتب، والرسائل وذكروها في المقررات المدرسية على اختلاف أنواعها ومراحلها، ولا ريب أنه ينبغي للمسئولين عن التعليم في جميع البلاد الإسلامية أن يعنوا بهذا الأمر، وأن يعطوه ما يستحقه من إيضاح وتفصيل حتى تكون ناشئة المسلمين على غاية من البصيرة بما كان عليه نبيهم وإمامهم سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأخلاق الكريمة، والأعمال الصالحة والجهاد الطويل والصبر العظيم حتى لحق بربه وصار إلى الرفيق الأعلى عليه من ربه أفضل الصلاة والسلام. والله المسئول أن يصلح أحوال المسلمين جميعا، وأن يوفقهم وقادتهم للتمسك بدين الله والاستقامة عليه وتحكيمه، والتحاكم إليه، والسير على منهاجه القويم الذي ارتضاه لعباده وتركهم عليه نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وسار عليه صحابته الكرام، وأتباعهم بإحسان، إنه على كل شيء قدير. وصلى الله وسلم على عبده ورسوله وآله وصحبه.
[1] الشورى الآية 21. [2] البقرة الآية 125. [3] المائدة الآية 3. [4] النور الآية 55. [5] الحج الآيتان 40-41.