يمكنك أن تتوقع بصورة طبيعية أن يعترض الشخص المستغل على مماطلتك لكسب الوقت، فعلى الرغم من كل شيء، فأنت تتعامل مع أستاذ من الطراز الأول في الاستغلال وممارسة الضغوط وإجبار الآخرين ولكن لأنك تسيطر على هذا الاعتراض أو التحدي، فسوف تكون مستعدا للتعامل معه بدون تقديم أي أسباب أو مبررات وبدون استسلام. من المهم للغاية ألا تنخرط في حوار مع هذا الشخص عن سبب حاجتك إلى الوقت، أو عن الشيء الذي سوف تفكر فيه بعمق، أو عن الوقت بالتحديد الذي سوف تكون فيه جاهزا للرد عليه وفعل ما يريده منك. إنك إن تم جرك إلى هذا الفخ فسوف تفقد السيطرة على الموقف. سوف يعمد هذا الشخص إلى إثارة الكثير من الاعتراضات، وهذا لأنه يتوقع أن ينجح من خلال ذلك في إثنائك عن موقفك ودفعك إلى ما عهده عنك من خضوع، ولكنك الآن أكثر وعياً من أن تنخدع بهذه الحيلة، ومع ذلك، فسوف تكون بحاجة إلى استجابة معينة لأنه من المرجح أن يقوم هذا الشخص المستغل بتصعيد الموقف ويبدأ في استخدام أساليب الضغط حتى يستعيد خضوعك وإذعانـــك له!!!. ويُطلق على الطريقة التي سوف تستخدمها في الاستجابة لهذا الموقف اســـم "الاسطوانة المشروخة"، وهي طريقة بسيطة ولكنها فعالة للثبات على موقفك، وتتألف هذه الطريقة من عنصرين اثنين: أولا: تظهر بوضوح أنك تنصت إلى ما يقوله هذا الشخص وتفهمه، وذلك بأن تحدد وتصف على وجه الدقة "الإحساس" أو "الشعور" الذي يعبر عن تفاعلك لما سمعته منه. بعد ذلك ، تكرر نفس العبارة التي قلتها والتي كنت تهدف منها إلى المماطلة وكسب الوقت، وتفعل ذلك وتكرره تماما كالاسطوانة المشروخة. هذه هي الطريقة بكل ببساطة، وكما ترى، فأنت بذلك لن تتطرق إلى تقديم تفسيرات أو توضيحات، أو تضطر إلى الرد على أسئلته، أو إلى الدخول في مناقشة حول مضمون ما يقوله هذا الشخص، تذكر أنك إذا أكثرت من الكلام فسوف تفقد السيطرة، وأن هدفك هنا هو المقاومة وليس الدفاع عن موقفك مهما كنت تشعر بعدالته وبأنك على حق. ولكن يجب أن تضع في ذهنك أن لديك الحق تماما في أن تقرر أنك تريد أن تفكر قبل أن تُقدِم على الفعل، إن الشخص الذي يستغلك ويسيطر عليك ربما كان يحرك خيوطك منذ فترة طويلة، ولكنك لست دمية ماريونيت يحركها كيفما يشاء، أنت إنسان حر الإرادة و مؤكد لذاتك، وقادر على تقرير مصيرك، وقد قررت الآن أن تقطع هذه الخيوط. وإليك ما يبدو عليه طريقة "الاسطوانة المشروخة"، النص التالي مأخوذ بالفعل عن إحدى مريضاتي، وكانت قد استخدمته بنجاح مع صديقة حميمة لها، كانت هذه الصديقة باستمرار تقوم باستغلالها حتى تقوم بمساعدة ابنتها في فهم بعض دروس اللغة الفرنسية، وهذا النص يوضح لك كيف تقوم بتوظيف العنصرين السابقين ومزجهما معا حتى تقاوم وتتجنب بنجاح الضغوط التي تمارس عليك للخضوع والإذعان. المستغلة أنت بارعة للغاية في التدريس، ولذلك فقد قررت أن أترك لك منهج اللغة الفرنسية الخاص بابنتي هذا العام بأكمله!!. الهـدف "مريضتي" إنني مضطرة إلى أن أضعك على الانتظار للحظة واحدة، أستميحك عذرا. (تأخذ وقفة قصيرة وتتدرب بسرعة على عبارات المماطلة لكسب الوقت). الهـدف (تعود إلى المكالمة)، أشكرك على الانتظار، أنت تعرفين أنني بحاجة إلى بعض الوقت للتفكير في هذا الأمر، سوف أقوم بالرد عليكي بأسرع ما يمكنني. المستغلة (وقد بدت عليها ملامح الشك)، تفكير في ماذا؟!، هل تقولين لي أنك لن تقومي بمساعدة ابنتي في دروس اللغة الفرنسية هذا العام؟!. الهـدف أدرك أنك تشعرين بالدهشة والاستغراب (تعترف بالإحساس الذي يبدو على الطرف الآخر)، ولكنني أحتاج إلى أن أفكر في الأمر، وسوف أوافيك بالرد. المستغلة حسنا، ولكنني لا أستطيع الانتظار طويلا، فالحقيقة هي أنه قد اقتربت امتحانات الشهر وليس هناك ما يكفي من الوقت!!، وهذا هو سبب رغبتي في أن تقومي أنت بتدريس المواضيع والقواعد الصعبة لابنتي، أريد إجابة الآن!!، (تبدو عصبية ومتوترة). الهـدف أدرك أنك تشعرين بالقلق، ولكنني بحاجة إلى بعض الوقت للتفكير في الأمر. سوف أخبرك بردي بمجرد أن أتمكن من ذلك. المستغلة (أصبحت غاضبة الآن، وأصبح صوتها مرتفعا)، أنت غير معقولة تماما كعادتك. إنني بحاجة إلى مساعدتك حقا، وأنت تتخلين عني!. ماذا دهاك؟!، ما الذي تحتاجين إلى التفكير بشأنه؟!، أريد أن أعرف؟!!!. الهـدف (تأخذ نفسا عميقة حتى تهدأ)، أدرك أنك تشعرين بالإحباط ولكنني مضطرة إلى الرد عليك بخصوص هذه المسألة في وقت لاحق. المستغلة (أصبحت تصرخ الآن)، هل ستظلين ترددين نفس هذه الجملة الغبية؟!. الهـدف أدرك أنك غاضبة، ولكنني بالفعل بحاجة إلى وقت للتفكير في الأمر. المستغلة (لم تعد تحتمل كلاما أكثر)، حسنا. فكري إذن، ووافيني بردك، وأخبريني أنك سوف تقومين بالجلوس مع ابنتي لتفهم المواضيع الصعبة عليها في اللغة الفرنسية، فلا جدوى من الكلام أكثر من ذلك، إلى اللقاء. الهـدف إلى اللقاء يذكرني هذا الحوار ببيتين للشاعر الكبير أبي العلاء المعري هما: وجدت الفتى يرمي سواه بدائه ويشكو إليه الظلم وهو ظلوم فإن كان شيطان له يستفــزه فأيهما عند القياس تلـــوم ومعناه: لقد رأيت أن الفتى يتهم غيره بعيوبه, ويشكو للآخرين من الظلم، وهو نفسه شديد الظلم لغيره (وكأنه يُسقِط ظلمه واستغلاله على الآخرين), فإن كان له شيطاناً يحثه على الشر فهل سيلوم هذا الشخص الشياطين على ظلمهم إياه أيضاً؟!، وفي هذا استهزاء من الشاعر بالظالمين. إن طريقة الاسطوانة المشروخة ستعمل بنجاح حتى مع الشخص المستغل الذي يتسم بالعزم والتصميم، كما حدث في هذه الحالة، في نهاية المحادثة الهاتفية السابقة، لاحظ أن الضحية المستهدفة –مريضتي– لم تستسلم لرغبتها في الاعتذار عن إغضابها لمحدثتها!، وكذلك لم تقم بالرد على أي من تساؤلاتها!!!، لقد اتبعت فحسب هذه الصيغة: (أدرك أنك تشعرين بكذا أو كذا من المشاعر)، حيث أن مريضتي في البداية قد حددت وبكل دقة ممكنة ما كان يبدو على صديقتها من أحاسيس ومشاعر، وبعد ذلك، عمدت إلى تكرار العبارة التي تهدف من ورائها إلى المماطلة وكسب الوقت، تماما كالاسطوانة المشروخة. وأفضل طريقة للتحضير لاستخدام طريقة الاسطوانة المشروخة هي أن تقوم بالتدريب على بعض النصوص التي تقوم أنت بكتابتها، سوف تجد أن كتابة نصوص تلائم طبيعة وحقيقة الشخص الذي يقوم باستغلالك سوف تساعدك بشكل كبير على الاستعداد وسوف تزيد من إحساسك بالسيطرة، فعن طريق التنبؤ بما يحتمل أن يصدر عنه من ردود مختلفة –الأمر الذي تستطيعه أنت لأنك قد تعاملت مع أساليبه لمرات كثيرة– سوف تكون مسلحا وجاهزا باستجاباتك وفقا للطريقة السابقة. حاول أن تطلب مساعدة أحد أصدقائك المقربين أو فرد من أفراد الأسرة أو معالج، على أن يقوم أي من هؤلاء بتمثيل الموقف معك، يمكنك أن تستخدم النصوص التي قمت بكتابتها، ويمكنك أن ترتجل مع الشخص الذي تختاره لتمثيل الموقف معك والقيام بدور الشخص المستغل، اطلب منه أن يحاول بالفعل دفعك إلى الخضوع والاستسلام، وكلما تدربت أكثر على استخدام طريقة الاسطوانة المشروخة لمقاومة الضغوط التي تمارس عليك بهدف استغلالك أصبحت أفضل استعدادا للموقف الفعلي. وأثناء التدريب، اطلب من الشخص الذي يقوم بتمثيل طور الطرف المستغل أن يعطيك تقييما بخصوص وضعية جسدك أثناء الكلام، وأسلوبك في الاتصال بالعين، واستقرار نبرة صوتك وحجمه، ومظهرك ككل. أعمل على أن تكتسب طريقة في الأداء تعطي للطرف الآخر عنك انطباعا بالقوة والثقة المستمرة. ومرة ثانية، لا تقلق بشأن ما تشعر به في داخلك، فهدفك الآن هو أن تقوم بتنقيح سلوكك فيما يتعلق بالإلقاء والتعبير وبالتالي تستطيع أن تتصرف كما لو كنت واثقا من نفسك ومركزا على تحقيق أهدافك في المقاومة. وهناك فائدة أخرى من التدريب على أساليب المقاومة؛ وهي أنك بتعريض نفسك لمواقف مختلفة أثناء التدريب تُعوِد نفسك على الضغوط التي من المحتمل أن يولدها بداخلك التفاعل الحقيقي مع الشخص المستغل، وكلما كان السيناريو الذي تتدرب عليه أكثر واقعية كان تأثيره أكبر في توليد الضغوط بداخلك وفي تعودك على تحملها وضبط مستوياتها. ولكن لا يجب أن تتوقع التخلص من هذه الضغوط نهائيا؛ فالقيام بذلك لن يكون أمرا خاليا من الواقعية فحسب، ولكنه سوف يحدث نتائج عكسية كذلك. إن ما ستتدرب عليه من محادثات سوف يساعدك على التكيف بطريقة أفضل بكثير مع الضغوط الموجودة بداخلك بالفعل عندما تتكلم مع الشخص المستغل مباشرة. من المفترض إذن أن الخبرة التي ستكتسبها من التدريب سوف تساعدك على أن تبقى في حالة تكفي لإثارتك وتحفيزك. وفي نفس الوقت تُعودك على التحكم في مستويات الضغوط بداخلك. بالتدريب إذن، سوف تصبح أكثر قدرة في التغلب على ضغوط المستغلين