حفظ النفس من الضروريات الخمس التي أمرت الشريعة بحفظها وهي الدين والنفس والنسل والعقل والمال، ومن حفظها السعي للتداوي وقد حث النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم على ذلك فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « ما أنزل الله داءً إلا أنزل له شفاء » رواه البخاري، وفي رواية « من داء ». وعن أسامة بن شريك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « تداووا يا عباد الله فإن الله لم يضع داءً إلا وضع له شفاء إلا داءً واحداً الهرم» أخرجه أحمد والأربعة وصححه الترمذي. وعن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لكل داءٍ دواء فإذا أصيب دواء الداء برأ بإذن الله تعالى » رواه مسلم.
وعن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « ما خلق الله من داء إلا وجعل له شفاء علمه وجهله إلا السّام، والسّام الموت » رواه ابن ماجة. فالتداوي واجب عندما يخاف المريض ان يقعده المرض عن القيام بواجباته الدينية أو الدنيوية أو إذا خاف على نفسه الهلاك، ومن المعلوم ان كلفة الطبابة في هذا العصر أصبحت مرتفعة لا يمكن للأفراد تحملها في حال لم تكن الدولة تكفل الطبابة المجانية أو كانت الموارد التي اتاحتها الدولة غير قادرة على الاستجابة في كل الأوقات لمتطلبات الأفراد العلاجية، ومن هذا الباب سعت الكثير من المجتمعات والدول لتوفير وسائل تمكن الأفراد من تحمل هذه الكلفة الباهظة بسعر مقبول وذلك عن طريق تفتيت المخاطر وهو ما يعرف بالتأمين الطبي حيث يقوم الشخص بشراء بوليصة تأمين له ولمن يعول من إحدى شركات التأمين يستحق بموجب هذه البوليصة تغطية طبية تتراوح بين تغطية جزئية أو كلية مرتبطة بما تم دفعه قيمة لهذه البوليصة. والحقيقة ان التأمين الطبي شأنه شأن أي نوع من أنواع التأمين الأخرى من حيث ورود نوعي التأمين عليه، فمنه ما يكون تأمينا تعاونيا إسلاميا قائما على مبدأ التكافل والتعاون فيكون مباحا ومنه ما يكون تأمينا تجاريا قائما على المتاجرة ببوالص التأمين فيكون حراما، لا كما ذكر بعض الفضلاء ممن يحرم التأمين التجاري في بحث له حيث أباح التأمين الصحي على إطلاقه ظنا منه ان من يبيع بوليصة التأمين هو المستشفى وبالتالي فهو يبيع خدمته مقابل ما اخذ من المال فليس في الأمر متاجرة مال بمال ولا يدخل في باب الميسر والقمار. والحقيقة ان من يبيع بوليصة التأمين الطبي هي شركة تأمين قد تكون متخصصة في التأمين الطبي وقد تكون من شركات التأمين العامة التي تقدم جميع أنواع التأمين وأما المستشفى فهو يبيع خدمته على شركة التأمين وليس على المريض وبالتالي فإن التأمين الطبي لا يختلف عن أي نوع من أنواع التأمين من حيث الحل والحرمة، وقد فطنت المملكة العربية السعودية في الآونة الأخيرة لأهمية هذا النوع من التأمين في توفير الرعاية الصحية الملائمة للمجتمع السعودي فأنشأت مجلس الضمان الصحي الذي أناطت به مسؤولية تنظيم هذا القطاع والذي يقوم بدور طيب في هذا المجال حيث بدأ في وضع الضوابط والمعايير لعمل شركات التأمين الطبي والمؤسسات الطبية المؤهلة وصياغة القواعد والإجراءات لهذه الصناعة، إلا أنني أرى انه لا يمكن ان يحقق المجلس النتائج المرجوة منه إلا بتوفير المتطلبات التالية: 1- حيث أننا مجتمع مسلم متمسك بدينه ولله الحمد فإن الشريعة الإسلامية وأحكامها تعتبر سلطة عليا تهيمن على قرارات الفرد في مجتمعنا وبالتالي فإن عدم اتساق التأمين الطبي مع أحكام الشريعة الإسلامية سيؤدي إلى عزوف الناس عنه ولذا أرى انه يجب إلزام شركات التأمين الطبي بان تكون شركات تأمين تعاوني إسلامي وهذا ما نص عليه قرار مجلس الوزراء بشأن شركات التأمين على وجه العموم. 2- إيجاد محاكم للفصل في قضايا التأمين على وجه السرعة حيث ان الكثيرين يمتنعون من التأمين لقناعتهم بعدم جدوى التأمين حيث يتعذر عليهم في كثير من الأحيان الحصول مع توفير المعلومات الكافية للجمهور لإجراءات الشكاوى والتقاضي. 3- إيجاد بوليصة تأمين موحدة تتوازن فيها الحقوق والواجبات بين أطراف العقد، تقوم بصياغتها جهة محايدة وهي مجلس الضمان الصحي. 4- إلزام شركات التأمين الطبي بحد أدنى للتغطية يضمن لكل مشترك الحصول على الحد المعقول من الطبابة وفق المعايير الدولية. 5- نشر الوعي لدى المجتمع بأهمية التأمين الطبي وذلك عن طريق المؤتمرات والندوات والرسائل الإعلامية الموجهة والإعلانات الهادفة. * نقلا عن جريدة "الشرق الأوسط" اللندنية.