الإنسان مخلوق اجتماعي بطبعه، والاجتماعيات هي التي بنت الحضارات الإنسانية على مر العصور والأزمان، فهل ترى حضارة فردية قامت على كتف شخص واحد؟!؛ بالتأكيد لا؛ فحضارة أي شعب تقوم على توحد مجموعات من الأسر أو القبائل المتعاونة والمتآزرة، ويوم يحدث التنافر والتنازع بين أبناء أمة متقدمة تنهار حضارتهم وينفرط عقدهم، ويصبحون لقمة سائغة لشعب أو أمة فتية موحدة طموحة متعاونة على تحقيق هدف ما؛ وذلك من خلال نهضة أبناء هذه الأمة بأمتهم، وهذه هي سنة الله في خلقه منذ أن جعلنا على الأرض شعوبا وقبائل لنتعارف!!؛ لذا عندما تختلف مع زملائك، تعامل مع الموقف الراهن ولا تنبش في الماضي. وقد أسهب الشعراء والقادة المسلمون في صياغة هذا المعنى الهام الحساس والدقيق، ألا وهو تجميع أبناء الأمة على كلمة سواء، إن وحدة أمتنا ضرورة ماسة وحاجة ملحة لكل أبناء الأمة، وإليكم تلك الأبيات الداعية إلى دعم التجمع والتآزر بين أبناء وطبقات الأمة الواحدة: اغْرَقْ مَعَ الشَّعْبِ أَوْ سِرْ فـي سَفِـينَتِهِ فَقَدْ تَكُونُ لِهَذَا الشَّعْبِ رُبَّانَا إِذَا العِبْءُ الثَّقِـيلُ تَتَوَزَعَنْهُ أَكُفُّ القَوْم خَفَّ علـى الرِّقَابِ السَّرِيّ الرَّفَّاء كُونُوا جَمِيعًا يا بَنِـيَّ إِذَا اعْتَرَى خطْبٌ ولا تَتَفَرَّقُوا أَفْرادَا تَأْبَى العِصِيُّ إِذا اجْتَمَعْنَ تَكَسُّرًا وإِذا افْتَرَقْنَ تَكَسَّرَتْ آحَادَا معن بن زائدة إن وحدة أمتنا ضرورة ملحة كضرورة الماء والهواء لكل شخص يعيش على أراضي البلاد الإسلامية، فلا نهضة لأمتنا الإسلامية بدون إخلاص من أبناء هذه الأمة في تحقيق هذا الهدف، والبديل عن تحقيق هذا الهدف هو عودة الاحتلال الذي هو موجود في بلادنا حالياً بصور مختلفة، مثل الاستعمار الثقافي والاقتصادي وأحيانا العسكري. الخلاصة: لا تحكم على نفسك بأنك (أقل من أي شخص) حين تبحث عن الدعم، جميعنا نشعر بالضغط أو الغضب أو الإحباط أو الخوف أحيانا، ومن الخطأ أن نحتفظ بكل تلك الأحاسيس داخلنا، ولا تعني المعاناة من المشاكل أنك ضعيف بل تؤكد على أنك إنسان فحسب، فالاتحاد والتعاون بين الأشخاص قوة، والتجمع دائما مصحوب بالخير على عكس التفرق والتشتت، وكلما زادت دائرة المعارف كلما قلت الضغوط الواقعة علينا، فالكل يشارك عند وقوع أي خطب، أحدهم يساعد بالدعم المادي وآخر يساعد بالدعم المعنوي، وثالث عليه المواصلات ورابع يقوم بتدريس الأولاد، وخامس يساعد بإحضار المواد الغذائية للأسرة المنكوبة، وسادس يقوم بطلب المساعدة من الحكومة وسابع يتولى رعاية المرضى في الأسرة المصابة، وهلم جرا..... الجميع يساعدون ويشاركون في حل الأزمة، ومحاولة التخفيف من الكارثة التي حلت بأسرة ما، كل على قدر طاقته. يقول المثل العربي: "فِي الاتِّحادُ قُوَّة". وبنفس المعنى ينطق المثل الأرمني قائلا: "الكِلاَبُ الَّتِي تَتَقَاتَلُ فِيمَا بَيْنهَا، تَتَّحِدُ أَمَامَ الذِّئْب"، أما المثل الزنجي فيقول: "الاتِّحَادُ بَينَ أَعْضَاءِ القَطِيعِ يُجْبِرُ الأَسَدَ عَلَى النَّوْمِ جَائِعا". واسمحوا لي هنا أن أضيف أبياتاً أخرى من شعر الأدباء العرب في القرن الماضي، والذين عانوا -كما نعاني نحن- من تفتت وتشتت أبناء الأمة الواحدة لدويلات صغيرة متناحرة ومتنازعة ومتفرقة -كإمارات ملوك الطوائف بالأندلس- وذلك بعد أن اتفقت الدول الغربية الاستعمارية على تفتيت الأمة الواحدة من منطلق المبدأ المعروف: "فرق تسد". لقد أدرك هؤلاء الأدباء المأزق التاريخي وأبعاده لأبناء وأجيال الأمة وأهمية توحد هؤلاء الأبناء كي تنهض أمتنا الواحدة وتستعيد دورها التاريخي بين شعوب وأمم العالم، وعلينا ألا ننسى أنه: "لا صديق كالأخ، ولا عدو كالأخ"، ويقول المثل أيضاً: "لا تشعل النار لإحراق أخيك، فربما حرقتك قبله". يقول شوقي: نَصَحْتُ وَنَـحْنُ مُخْتَلِفُونَ دارًا وَلَكِنْ كُلُّنَا فِـي الهَمِّ شَرْقُ ويَجْمَعُنَا إِذَا اخْتَلَفَتْ بِلادٌ بَـيَانٌ غَيْرُ مُخْتَلِفٍ ونُطْق ويقول إبراهيم اليازجي: خَـلُّوا التَّعَصُّبَ عَنْكُمْ وَاَسْتَوُوا عُصُبًا عَلَـى الوِئَام لِدَفْعِ الظُّلْم تَعْتَصِبُ هَذَا الَّذِي قَدْ رَمَى بِالضُّعْفِ قُوَّتَكُمْ وَغَادَر الشَّمْلَ مِنْكُمْ وَهْوَ مُنْشَعِبُ ويقول معروف الرصافـي: خابَ قَوْمٌ أَتَوْا وَغَى العَيْشِ عُزْلا مِنْ سِلاحَيْ تَعَاوُنٍ واتِّـحادِ ويقول أيضا: وَإِذَا نظَرْتَ إِلَـى قُلُوبِ رِجَالِهِ انْظُرْ مَدِيدَ الطَّرْفِ غَيْرَ كَلِـيلِهِ تَـجِدِ الرِّجَالَ قُلُوبُهَا شَتَّـى الهَوَى مَدَّ الشِّقَاقُ بِهَا حِبَالَةَ غُولِهِ مُتَنَاكِرِينَ لَدَى الـخُطُوبِ تَنَاكُرًا يَعْيَا لِسَانُ الشِّعْرِ عَنْ تَمْثِـيلِهِ ويقول أنيس المقدسي: أَيَا وَطَنِـي أَرُومُ لَكَ الـمَعَالِـي وعَيْشًا مُسْتَقِلا وَانْتِظَامَا وَلَكِنْ أَيْنَ هَذَا مِنْ بلادٍ أَبَتْ إِلا انْشِقَاقًا وَانْقِسَامَا