أرسلت نورة (20سنة، طالبة جامعية، مصر) تقول: فين بقية الموضوع؟!! الموضوع جميل واكتر من رائع، يا ليت يا دكتور تكمله بالله عليك لان الحالة التي ذكرتها تمثلني. تعليق الأستاذ الدكتور مصطفى السعدني: ابنتي العزيزة نورة، أظن أنني أكملت هذا الموضوع فقلت: [أمثلة عن الإلحاح في طلب العدالة: البحث عن المساواة في المعاملة سلوك منتشر وواضح في جميع مجالات الحياة، ولو ألقيت نظرة جادة على بعض سلوكياتك للاحظت أنك تمارس بعضا من تلك التصرفات، وفيما يلي بعض هذه التصرفات الشائعة: الشكوى من أن بعض الناس يحصلون على مبالغ من المال أكثر مما تحصل عليه أنت علما بأنهم يقومون بنفس العمل الذي تقوم به أو حتى أقل!. الغيرة من المشاهير الذين يحصلون على مبالغ طائلة وتتصور أنت أنهم لا يقومون بما يستحق تلك المكاسب!. تندب حظك لأن رجل الشرطة أوقفك لقيامك بمخالفة مرورية وأرغمك على دفع مخالفة أو قسيمة تقصم الظهر، علما بأن بعض أصدقائك يمارسون نفس المخالفة مراراً وتكراراً، ورغم ذلك لم يتعرض لهم رجال المرور!!. ترديد جملة "هل من المعقول أن أعاملك بمثل هذه المعاملة السيئة التي تعاملني بها"؛ حيث تعني هذه الجملة بطريقة غير مباشرة: "أن كثيرا من الناس لابد وأن يكونوا مثلك". محاولة القيام بنفس العمل الذي يؤديه لك أي شخص مثل "إذا دعوتنا للعشاء فأنا مدين لك بوليمة"، طبعا هذا التصرف يعني الأدب واللباقة، ولكن البعض يقوم به فقط لئلا يقال أن فلانا فعل كذا لفلان، والكريم فعلاً هو من يبادر بفعل الخير دون انتظار شيء بالمقابل. الإصرار على أن تكون تصرفات الناس على منوال واحد، وهذا يندرج تحت المقولة العظيمة لراميرسون: "توقع استمرار تصرف الآخرين بنفس الطريقة التي عُرِف عنهم بأنهم كانوا يتصرفون بها ليس إلا أمل صغار العقول". الإصرار على أن يكون في المناقشة رابح وخاسر أو منتصر ومهزوم، والإصرار على إعلان واعتراف الخاسر بخسارته، واعتراف الرابح بربحه. تكرار كلمة "هذا ليس عدلا" للأطفال وللوالدين أو للجيران، وذلك عند قيامك بأعمال لا ترغب أنت في القيام بها!، ولكنك تضطر للقيام بأدائها، وبدلا من لوم الأهل والجيران على عدم وجود العدالة لماذا لا تحتسب أجر القيام بعمل هذه الأشياء عند الله عز وجل؟!؛ فذلك أجدى من إضاعة وقتك في التفكير بأنك مظلوم، يقول طرفة بن العبد: وظلم ذوي القربى أشدُّ مضاضة على النفس من وقع الحسام المهند حيلة نفسية قد يستخدمها البعض؛ ألا وهي:"إذا هو استطاع عملها، فلا بد أنني أستطيع عملها أيضا" حيث تقيس الأشياء بواسطة سلوك شخص آخر لا يصلح أن يكون قدوة حسنة، وهذا يُعتبر تصرفا مرضيا "عصابيا"، وتلك الحيلة قد يستغلها البعض لتبرير ممارسة بعض الانحرافات مثل الغش والسرقة والتزوير والكذب والتأخر عن العمل، أو أي تصرف آخر لا ترضى به إذا ما قسته بمعيار القيم والأخلاق لديك. شراء هدية بنفس سعر الهدية التي قدمها لك شخص ما؛ بمعنى أن رد كل جميل يقدم لك يكون بنفس المستوى، حتى لو أن ذلك سيترتب عليه متاعب كثيرة لك، بينما كان أمراً يسيرا على من قدم لك تلك الهدية!. بعض المردودات النفسية للإصرار على طلب العدالة: المردودات النفسية لذلك النوع من التصرفات تنطوي على الكثير من إهانة الذات وإحباطها وذلك لأن الفرد يصرف نظره عن الواقع ويتوه في أحلام لا وجود لها، والأسباب الرئيسية للإصرار على أن يكون كل شيء عادل هي : o يشعر الفرد بالاعتداد بنفسه لحصوله على نوع من الشرف الوهمي؛ وهذه طريقة واهية يشعر الشخص من خلالها بالفخر والعزة. o يتخلص الفرد من المسئولية حيث يلقي بها على الأشخاص والحوادث التي يتصور أنها غير عادلة، إنها عملية هروب وعدم مجابهة لبعض الأشياء التي تُشعِر بعدم كفاءتك لها، وطالما أن عدم حصولك على المساواة هو سبب المشكلة فلن تحل مشاكلك ما لم تتخلص من هذا الفخ والشرك. o قد تبرر كل تصرفاتك غير الأخلاقية وغير المعقولة أو غير المناسبة وذلك بأن تلوم الآخرين على تصرفاتهم، وربما وجدت ذلك عذرا مناسبا لتصرفاتك غير المقبولة، والتي قد تكون أسوأ من تصرفات من يحيطون بك. o تتخذ منها عذرا للعيش بطريقة سلبية "إذا لم يعملوا شيئا فلن أعمل أي شيء كذلك"، اعتذار يسير لكونك كسولا أو غير مبال، أو لفصلك من وظيفتك. o قد تستخدمها كمادة جاهزة لمناقشاتك مع الغير وتتفادى التحدث عن نفسك مع من حولك، فأنت تشكو من فقدان العدالة في العالم، وبالطبع لن تحصل على نتيجة إيجابية عدا استهلاكك لوقتك الثمين في أشياء لا طائل من ورائها سوى الهروب من مجابهة مشاكلك بنظرة واقعية وصريحة. o طالما تمسكت بفكرة العدالة في كل شيء فسوف تجد صعوبة في اتخاذ أي قرار حيث لن تقدم على ذلك ما لم تكن عادلا مائة في المائة، وهذا أمر قد لا يتيسر فـــي علاقاتك الاجتماعية، أليس كذلك؟!. o قد تستغل أطفالك بإبلاغهم أن ما يقومون به غير عادل، خصوصا عندما تكون شخصياتهم مختلفة عن شخصيتك أو عندما لا تكون علاقتهم بك علاقة أخذ وعطاء بالميزان!؛ فانتبه إلى أنك تتبع معهم تلك الحيلة: "أن ما يقومون به ليس عدلاً" لإرغامهم على محاولة تغيير تصرفاتهم؛ ليصبحوا في سلوكياتهم صورة طبق الأصل مثلك!، هذا الشعور النرجسي اللذيذ والذي يسعدك وينعشك كونهم يشبِهونك تماما. o قد تستغل إحساسك بعدم المساواة لتبرر حقدك على الآخرين!!، وهي أيضا طريقة سهلة تتخذ منها عذرا لاستغلال الآخرين، كما يحدث لدى أصحاب اضطراب الشخصية النرجسية. هذه هي الأسباب التي تدفع بالفرد إلى التمسك بجملة "كل شيء لا بد وأن يكون عادلا"، ولكن هذه الفكرة ليست مستحيلة التغيير]. ابنتي الغالية نورة؛ إن كنت تريدين إجابة أكثر تفصيلا عن وضعك مع من تحبين، أقول لك: هذا ليس حبا؛ لأن الحب لابد أن يكون متبادلا وواضحا وصريحا من الطرفين، أما أنك تحبين شخصا من طرفك فقط، وهو متعلق بأخرى، فقد يكون ذلك انبهارا أو إعجابا بشخص ما، أو غيرة ممن يحبها، لأنه أعجب بها، وليس معنى ذلك أنها أفضل منك، فالحب مسألة شخصية يدخل فيها الكثير من الدوافع والأسباب، وكثيرا ما نجد شخصا على درجة عالية من الوسامة يرتبط ويتعلق بامرأة متوسطة الجمال قد تكبره في العمر، والعكس صحيح تماما، ومادام هذا الشخص قد عبر عن حبه لأخرى وارتبط بها؛ فلا داعي لأن تتعلقي بحبال الوهم والخيال. كوني يا ابنتي واقعية مؤمنة، وابحثي عمن يبادلك حبا بحب، وغراما بغرام، وإعجابا بإعجاب، وعندئذ يكون ذلك حبا بالفعل، لا تنظرِي ولا تتمنِي يا ابنتي ما هو رزقاً لغيرك، أو لما هو في يد غيرك، وهكذا تتحقق لك السعادة في الحياة؛ بالرضا والقناعة بما أعطاك الله عز وجل، أفرحي يا ابنتي بما أعطاك الله؛ وقد يكون هذا العطاء جمال روح، وقد يكون صحة، وقد يكون درجة من العلم، وقد يكون دينا وحبا لله ورسوله، وكل هذا من الرزق يا ابنتي، فثقي أن الله قد كتب لك من الرزق ما يناسبك ويسعدك، ولا تحاولي أن تختاري أنت بعقلك؛ لأنك لا تعلمين الغيب ولا المستقبل، وكما قال بعض الصالحين: "لو اطلعتم على الغيب لاخترتم الواقع"، وأحداث الحياة تؤكد لنا تلك الحقيقة لمن يفكر ويتأمل في أحداث الحياة اليومية، فكم من غني عزيز حسده الناس على ماله وسلطانه مات خائفا ذليلاً مريضا بائسا، وكم من امرأة حسدها الناس على سحرها وجمالها وفتنتها ماتت بائسة حزينة منتحرة، وكم من صاحب شهرة وثروة تمنى لو تنازل عن كل أمواله في مقابل الاستمتاع بتناول سندوتش من الفول المدمس حرمه المرض من تناوله، فلماذا نَغِيِرْ بعد كل تلك الحقائق من: امرأة جميلة سيأكل جمالها الدود يوما ما في القبر!، أو من صاحب منصب زائل!، أو من صاحب ثروة ضخمة سيستمتع بها وارث يكرهه ويمقته هذا الثري بعد وفاته!، أو من صاحب قوة بدنية قاهرة حوَّله الشلل إلى كومة يحركها أهله يمينا ويسارا وهو تعس بلا حول ولا قوة على فراش المرض!!. هذه يا ابنتي هي طبيعة الحياة من حولنا، علينا أن نرضى فيها بما قسم الله لنا مع الكد والجد والاجتهاد في عمارة هذا الكون وإصلاحه، علينا أن ننبذ الصراع على الفاني في حياتنا الدنيا، علينا أن نُطلِّقَ الغيرة، ونقتل الغل والحسد والحقد في أنفسنا، علينا أن نتقي الله في كل ما نفعله؛ يقول الحطيئة: ولست أرى السعادة جمع مال ولكن التقي هو السعيد وعندما نعمل على إسعاد الآخرين فنحن في الحقيقة نسعى لإسعاد أنفسنا؛ ولكي نحتفظ بسعادتنا فعلينا أن نتقاسمها مع الآخرين، وعندئذ سنسعد ونقنع بما أعطانا الله عز وجل، ونكون على وفاق مع ذاتنا؛ فمشاركة الآخرين بما نقدر عليه هو عطاء مصحوب بالسعادة. ابنتي... أتمنى أن أكون قد زدتك وزدت نفسي في إطار عدم تكرار الشكوى من الظلم تبريرا لتصرفات خاطئة وطمعاً في الدنيا الفانية من جانبنا، مع عدم الإلحاح في طلب ما ليس لنا، وتمني زوال النعمة من أيدي الآخرين غيرة وحسدا من أنفسنا