بسم الله الرحمن الرحيم كثر الكلام عن موضوع الثقافة الجنسية واختلفت مواقف الناس منها ما بين مؤيد ومعارض ليظهر بحث في المجال أن الناس لا تعرف ما هو المقصود بالثقافة الجنسية. بداية يرفضها الكثيرون بحجة أنها من تداعيات الحركات التحررية ولكن لو عرفنا أن الدعوة للاهتمام بالتربية الجنسية يعود إلى توصيات المؤتمر العربي الأول للصحة النفسية عام 1970 حيث ورد بند يؤكد " ضرورة العمل على نشر الثقافة الأسرية بما فيها الثقافة الجنسية منذ سن مبكرة في إطار التقاليد والعادات الخاصة بمجتمعنا لما لهذه الثقافة من آثار بناءة في تكوين الفرد والمجتمع" فالنداء بضرورة الاهتمام بها بدأ من حوالي 34 عام فأين وصلنا؟؟ وهذه واحدة من مشكلات العقل العربي ليس مكانها. التربية الجنسية "نوع من التربية تمد الفرد بمعلومات علمية وخبرات صالحة واتجاهات سليمة إزاء القضايا الجنسية, بقدر ما يسمح به نمو الفرد الجسمي والنفسي والانفعالي والاجتماعي والعقلي في إطار التعاليم الدينية والتقاليد الاجتماعية ومعايير المجتمع الأخلاقية بما يؤهله لحسن التوافق مع حياته ومشكلاته الجنسية بما يحقق له السعادة والصحة النفسية" هل في هذا التعريف ما يسيء؟ أو ما يمكن رفضه؟ هناك أصوات تعلو بالمعارضة فتقول من علم الحيوان, ونجيب بأن الإنسان لا يجوز مقارنته بالحيوان بشكل مبدئي وهذا بعيدا عن مبادئ الرمزية في دراسة الإنسان وذلك لعدة أسباب منها أن الحيوانات مسيرة لا مخيرة وهي تعيش وفق خط مرسوم لها بدقة لتؤدي دورها المسخرة له, ومن ضمن الأدوار ممارسة الجنس بغرض التكاثر فقط فالأمر ليس مهما بالنسبة لها, ولو كان الإنسان سيستخدم الجنس لهذا فقط لما كان للموضوع أهمية كبيرة. ثانيا نعرف أن الإنسان مولود على الفطرة وأن الإسلام دين الفطرة فما الداعي للرسالة والدعوة؟؟ ما الداعي لأن يعلمنا الرسول عليه الصلاة والسلام كيف نصلي, وكما تعرفون أن الصلاة عماد الدين وعنها نقول أن من تركها فقد كفر؟؟ نحن نعرف أن لا حياء في الدين, ومن سبقونا كانوا أكثر وعيا منا فلم يحجروا على نمو أولادهم فكان المراهق من البداية يمكنه أن يعرف وأن يتزوج فيمارس وبالتالي يتعلم من خلال المحاولة والخطأ فأمامه الكثير من الوقت وهذا ليس حالنا, بالإضافة لما للخبرات السلبية التي يمر بها الإنسان أثناء عملية التعلم من آثار مدمرة يمكننا أن نتجاوزها. يبقى إذن دورنا أن نختار كيفية تقديم المعلومات لأولادنا كما نختار لهم المدارس التي يتعلمون بها, والجنس جزء من الحياة ونتذكر أن الوالدين هما أول المعلمين وأهمهم. النمو الجنسي في مراحل العمر المختلفة قبل البلوغ يرى البعض أن الرغبة الجنسية موجودة في الإنسان منذ لحظة ولادته ممثلة في شعوره بالراحة من خلال الدفء والشبع المعتمد على المص( طبعا هذا فرويد وأهل التحليل النفسي, إن لم نقبل كلامهم تماما لا نستطيع أن نكذبه تماما!!) ولندعها فكرة نعرفها فما بهمنا أكثر هو كيف نتعامل مع الأمر, وفي حال وجودها منذ الميلاد فهي لا تعبر عن نفسها ولا مساحة لها إلا من خلال إشباع حاجة الوليد للمص والاحتضان التي هي أساسية بشكل حاسم لنموه النفسي بإعطائه الشعور بالأمان. يكون الوليد قد اعتاد أن يحتويه مكان ضيق ودافئ وهو الرحم ولذا يجد صعوبة في تبديل هذه العادة بسرعة فاحتضان الوليد يعطيه شعور بالدفء والأمان من خلال تمثيل ما تعود عليه منذ لحظة خلقه, وتذكروا أن الأعصاب من أوائل ما يخلق مع العمود الفقري والدماغ. أولا:مرحلة الرضاعة من أسبوعين إلى عامين يظهر في منتصف هذه المرحلة ما قد يعتبر سلوك جنسي من خلال اهتمام الطفل باستكشاف جسده بما فيها الأعضاء التناسلية, وكونها أصلا مناطق مغطاة بالحفاظ وتتميز بالحساسية الشديدة بحكمة الخالق فان عثور الطفل عليها قد يكون متأخر حسب مرحلة التخلص من الحفاظ, وكونها مغطاة لا يعطيه وقت كثير لأن يستكشفها بعيدا عن المراقبة, فهو غالبا سيحاول استكشافها أثناء عملية التنظيف والغيار العادية. إمساك الطفل بأعضائه ليس له محتوى جنسي بالمعنى المألوف لنا بل هو جزء من تعرفه على نفسه, ولو لاحظنا لوجدنا أن الطفل في ما بين الشهر الرابع والسادس يكثر النظر إلى يده وأصابعه ففي هذه المرحلة تزداد قوة أعصاب الأصابع فيزيد إحساس الطفل بها وتزيد قدرتها على أداء حركات تلفت انتباه, وهكذا يجب النظر لاهتمام الطفل بأعضائه التناسلية بعيدا عن الرعب الذي ترويه الأمهات. وكما ذكرنا كونها مغطاة وحساسة بطبيعة الخلق فلمسها يولد لذة وشعور مختلف وإن كان وقتي. يجزع المربون ويضيفون أبعادا على السلوك أكثر مما يحتمل فنرى الزجر والنهي والعقاب وهي أمور تلفت انتباه الطفل إلى ما يفعل بلا وعي منه على الغالب, فيزيد من سلوكه رغبة في العناد الذي يمتاز به في هذه السن. من الأمور التي تزيد من انتباه الطفل لهذه المناطق 1- المبالغة في عملية التنظيف مما يقوي إحساس الطفل بها . 2- ما يصاحب عملية التنظيف من مداعبات بحجة أنه ما زال صغيرا وأي مداعبة تقوي الإحساس بهذه المنطقة بغض النظر عن توقعنا لأدراك الطفل. 3- تحرش الخادمات بالأطفال أثناء عملية التنظيف أكثر انتشارا مما تتخيل الأمهات. 4- وجود بعض الالتهابات تدفع الطفل لحك المنطقة. كيف نتصرف؟؟ 1-يجب إبعاد يدي الطفل بهدوء دون تعليق على الأمر, أو سؤاله إذا كان في مرحلة من النمو اللغوي تؤهله للاجابة عما إذا كان هناك ما يؤلمه. 2- إشغال يدي الطفل بلعبة مختلفة دون لفت انتباهه . 3- تشير بعض الدارسات إلى زيادة اللعب الجنسي عموما مع زيادة درجات القلق والتوتر النفسي, فإذا وجدته على هذه الحال ابحثي عما يضايقه بدل الصراخ أو زيادة المبلة طين بعقابه على ما تظنين أنه خطأ. ثانيا: الطفولة المبكرة من عمر 3-6 يزيد الاهتمام بالمناطق الجنسية في هذه المرحلة مصحوبا بفضول عن كيفية اختلاف الذكر عن الأنثى, ومن أين يأتي الأطفال. يزيد اللعب الجنسي في هذه المرحلة حيث يكون الطفل مدركا لما يثيره ملامسة هذه المناطق من مشاعر مختلفة عن باقي جسمه. يلجأ إلى هذه المشاعر ليعوض الخوف والحرمان الذي يشعر به وتخيلوا نقص الألعاب أو حتى ملل البيئة من حوله وخلوها من المثيرات التي تشغله قد تكون السبب, إن لم يجد ما يشغله سينشغل بنفسه. قد يشترك الأطفال في لعب جماعي في هذه السن بهدف استكشاف الفروقات الجسدية بينهم ومن أشهر الألعاب هي لعبة الطبيب الذي يحق له لمس ورؤية المستور. يجب إجابة أسئلة الطفل بما يتناسب مع مستوى فهمه دون زجر, فالامتناع عن إشباع فضول الطفل يؤدي لواحد من عدة أمور سلبية مثل 1- اللجوء لسؤال الغرباء والذين قد يقدموا له معلومات مغلوطة. 2- حصول الطفل على معلومات خاطئة ومشوهة عن نفسه وعن الجنس تشكل بدايات العقد النفسية. 3- لجوء الطفل إلى مصدر معلومات آخر, وتعرض الطفل للتحرش الجنسي والاعتداء من الغرباء مثل العاملين المؤقتين أو الدائمين. 4- سوء العلاقة مع الوالدين يمنع الطفل أن يبوح لهم بما في نفسه, وتجاهل أسئلته يزيد من توتر العلاقة بينهم. 5- الاعتماد على نفسه من خلال وجوده في أسرة كبيرة العدد يتيح له فرصة تلقط المعلومات من هنا وهناك بغض النظر عن صحتها. 6- زيادة اهتمام الطفل بالموضوع من منطلق أن الأجوبة الناقصة ملحة, وهذا يضع الطفل في الخطر ويزيد من اهتمامه بالجنس عموما. كيف نتصرف 1- إشباع فضول الطفل وإجابة أسئلته بحدود نموه المعرفي 2- شرح أجزاء الجسد الخارجية للأطفال واستخدام الأسماء العلمية, ويساعد استخدام لعبة في شرح أجزاء الجسم. 3- تناول الموضوع بحيادية كي لا نثير اهتماما زائدا بالأمر. 4- إشغال أوقات الأطفال بما هو مفيد. 5- الانتباه لما يعانيه الأطفال من قلق أو ضيق لأي سبب يدفعهم للبحث عن الطمأنينة بطرق غير صحيحة. 6- التعامل مع مواقف اللعب الجنسي بحكمة وهدوء دون انفعا. ثالثا: الطفولة الوسطى من 6- 9 سنوات تتشابه هذه المرحلة بالتي يليها فتسمى مرحلة كمون جنسي, حيث يقل اهتمام الطفل بالجنس وقد يكون نادرا, وتشغل الطفل غالبا في هذه المرحلة قضايا التفوق الدراسي والاجتماعي والحصول على محبة وقبول الناس وتعلم قواعد السلوك المناسب لتحقيق هذه الغاية. إن حسن التعامل مع قضايا النمو الجنسي في المراحل السابقة يضمن مرور هذه المرحلة بسلام, وان لم تشبع المراحل السابقة انعكس هذا على المرحلة الحالية حيث تتحول إلى مرحلة قلق وحيرة ورغبة مستمرة في معرفة ما هو مستور, ويظهر ما يسمى حب الاستطلاع الجنسي حيث يحرص الأطفال على معرفة أجزاء الجسم ووظائفه المختلفة والفروق بين الجنسين. هي مرحلة مناسبة لتدارك ما فاتنا من تقديم معلومات ضرورية للطفل عما يرغب في معرفته, الجهل عدو الإنسان الأول, وجهل الطفل قد يعرضه ليكون ضحية سهلة للتحرش الجنسي إن لم يكن يدرك خصوصية جسمه. رابعا: الطفولة المتأخرة من 9-12 هي مرحلة سابقة لمرحلة البلوغ وتوصف بأنها مرحلة كمون أيضا قد تتجدد فيها الاهتمامات بالأسئلة الجنسية حول كيف يولد الأطفال والجنس والجماع ولكنها أكثر تعقيدا من المرحلة السابقة وتحتاج أجوبة أكثر حنكة. يظهر فيها التجريب الجنسي وغالبا ما يكون نحو وبين نفس الجنس حيث يتم عرض الأعضاء على بعض للتأكد من الفروق أو التشابه( طبعا شيء خاطئ ولكن الأهل مسئولون عنه). قد تبدأ في هذه المرحلة ممارسة العادة السرية بهدف تفريغ التوتر وكون الموضوع مثير للاهتمام.
يجب على الوالدين التعامل مع الاهتمامات الجنسية باعتدال دون اعتبارها قباحة أو أمور منحطة, فبغض النظر عما نقوله للطفل كي ينفر من هذه الاهتمامات ستبقى مهمة بالنسبة له ولكنا نؤذيه من الناحية النفسية عندما يعتقد إن إلحاح أمور منحطة على ذهنه يعني أنه نفسه منحط كذلك. وخلال سنوات قليلة سيكتشف ما يفعل والداه وكل الراشدون من حوله وتضطرب علاقته بوالديه حين يظن أنهم منافقون أو كاذبون أو أنهم لا يعاملونه بنزاهة ولا بد لنا من أن نتجب خلق أزمة ثقة بيننا كوالدين وبين أبنائنا. إذا شعرت في أي وقت أن لا إجابة لديك للموضوع أو إن الموقف غير مناسب للحديث لا بأس بتأجيله بكلمات لطيفة فهم يفهمون. موقف الأهل من التربية الجنسية يتلخص موقف الأهل من التربية الجنسية ما بين الجهل والحرج.يجهل بعض الآباء فعلا كثيرا من الأمور الجنسية أو كيف يعلمون أولادهم ما تعلموه هم بطريقة المصادفة أو بطريقة غير مباشرة من المحاولة والخطأ.ويشعرون بالحرج لأنهم يكشفون عن جانب خاص من أنفسهم مثل موقفهم من الجنس. يصعب على الوالدين أن يتصورا أن للابن( الطفل) حياة جنسية, فالارتباط الشائع على صعيد الذهن والشعور بين الجنس والإثم, يدفع الأهل إلى تجاهل الحياة الجنسية التي يعيشها الابن(الطفل), علماً بأن الجنس لا يبرز فجأة إلى حيز الوجود عند المراهقة مع نضج الغدد والأعضاء التناسلية إنما له تاريخ أعرق وأقدم يبدأ مع بدء الحياة. إن إجاباتنا لن تتسم بطابع الكمال ولا المثالية, غير أنه علينا أن نلتزم الصدق وعدم التمويه. فالابن لا يقتنع بالجواب الكاذب ويكتشف في قراره نفسه زيفه ولو تكلف قبوله احتراماً لسلطة الوالدين. كما أن هناك نتائج تترتب في شخصية الابن وعلاقته بوالديه من أجل معالجة هذا الموضوع, هناك خطوط عريضة ينبغي أن تسير بموجبها مهمة الإعلام الجنسي: منها: 1- الانتباه إلى أسئلة الابن, إذ ينبغي أن يصغي الوالدان إلى الأسئلة التي يطرحها الابن عن الموضوع. وقد تأتي هذه الأسئلة تلقائيا أو تبرز لدى الابن نتيجة سماعه لعبارة لم يفهم معناها أو خبر لم يستوعب مضمونه. المهم أن نوجد المناخ المناسب الذي يسمح للابن بطرح أسئلة, متبعين تطورها ومواكبين لها, بحيث يأتي إعلامنا منسجما في كل مرة مع حاجة الابن وهاجسه. أما طريقة الإجابة, فهي أن ننطلق قدر الإمكان من تصوراته هو, وأن نتعامل مع هذه التصورات لنوضحها ونبلورها ونكملها. فالابن يعرف بالفطرة بعض ما يتعلق بالجنس, وتسمح له ملاحظاته الشخصية واستنتاجاته بإدراك بعض نواحي الموضوع. فيستحسن عندما يطرح الابن سؤاله علينا, أن نسأله بدورنا ماذا يتصور هو عن الموضوع. فإذا أفصح عما يراود ذهنه من تصورات, انطلقنا منها معه مستدرجين إياه إلى مزيد من التفكير والتحليل. 2- ينبغي على الوالدين أن يعتمدا في الإعلام الجنسي النبرة العادية التي يستخدمانها في أي إعلام آخر, وذلك كي يشعر الابن, من خلال لهجتهما نفسها أن مجال الجنس إنما يندرج في واقع الحياة الطبيعية. كما أن الإعلام الجنسي العائلي ينبغي ألا يقتصر على مجرد المعلومات التشريحية والفسيولوجية ففضول الابن يتعدى مجرد الفضول النظري إلى فضول حياتي, كياني. إن التعامل الحر السليم مع الجنس يقتضي أن يتحدث الأهل ببساطة عن الخبرة الانفعالية التي ترافق الجنس وتكون بعدا أساسياً من أبعاده. 3- تقديم المعلومات بالقدر المطلوب حسب اهتمام الطفل تدريجيا وعلى مراحل, فثمة خطأ قد يرتكب بشأن الإعلام الجنسي العائلي, ألا وهو الاعتقاد بأن المعلومات اللازمة تعطى كلها دفعة واحدة وينتهي الأمر. إن هذا التصرف يتجاهل خصائص الابن ومقتضيات نموه وقواعد تعلمه. ينبغي تكرار المعلومات أمام الابن بأشكال متعددة وعلى مستويات متفاوتة كي ترسخ في ذهنه ويتم له تدريجيا حفظها واستيعابها بحيث يتطور إدراكه لها بما يتواكب مع نمو عقله ومعرفته. فعلى الراشد ألا يتوهم أن الشروح التي أعطاها مرة كافية, فما أدركه الابن في هذه المرة يدركه بشكل ناقص ثم ينساه, فعلى الوالدين أن يعيدا الشرح وأن يتابعا باستمرار وضع النقاط على الحروف استنادا إلى ما يلمسانه من حاجة الابن عبر الحوار معه, حيث إن نمو الابن يستدعي في كل مرحلة عودة إلى الموضوع تتناسب مع المستوى الأرقى الذي بلغه عقله. 4- لا يوجد تفضيل علمي واضح لمن يقدم هذه المعلومات, قد تكون الأم أو الأب بغض النظر عن جنس الطفل, وذلك حسب الكفاءة الشخصية للوالد. 5- قد تقدم المعلومات بشكل فردي للطفل عند سؤاله وقد تقدم لمجموعة من الأطفال ضمن الفئة العمرية الواحدة حيث تتشابه اهتماماتهم ومستوى نضجهم. 6- تقديم المعلومات بشكل جماعي يزيد من شجاعة الأطفال من التعبير عن اهتماماتهم. 7-إذا بلغ الطفل السادسة أو السابعة دون أن يسألك أي سؤال حول الموضوع فهذا يعني أن طفلك يستقى معلوماته من مكان آخر, ولا يعني أن لا اهتمام لديه.