كثيراً ما نلاحظ أطفالاً يلتصقون بآبائهم عند مقابلة الغرباء ويمتعنون عن السلام عليهم يفسره الآباء على أنه خجل زائد. ويلاحظ أحياناً عند مراقبة الطفل أنه لا يبدأ صداقات مع زملائه بالمدرسة، بالرغم من رغبته ي ذلك، ويمتنع عن شراء الطلبات لوالدته من السوبر ماركت ويبكي عند الضغط عليه، ويتوقع نظرة دونية ممن حوله، ويكره النقد بصورة تصل للبكاء من أقل تعليق، ويشعر أنه محل مراقبة وتقييم مستمر من الناس، ويسأل والديه "أقول إيه للأستاذ بالمدرسة؟" في موقف يستدعي الكلام معه، وطبعاً يستحيل عليه الإعلان لأستاذه عن عدم فهمه للشرح أو الاستفهام عن جزئية معينة لأن ذلك يسبب له قلقاً شديداً. ويتجنب تماماً الإلقاء في الإذاعة المدرسية، ويعجز دائماً عن التعامل مع ما يواجهه من المواقف الجديدة التي تحتاج لكياسة في التصرف. كل ما سبق هو ما يميز اضطراب الرهاب الاجتماعي عند الأطفال؛ وهو مرض نفسي يتسم بالخوف والقلق من المواقف الاجتماعية، يشعر معه الطفل بأنه محل سخرية أقرانه أو المحيطيين به، أو أن أداءه غير لائق فيتعرض للنقد، وهو الأمر -النقد- الذي يحاول تجنبه جاهداً ويكرهه جداً، وبالتالي يتجنب الأمر كليّة وينسحب من المواقف الاجتماعية، فمواجهتها تسبب له الإحساس بعدم الأمان والقلق، وتجنبها يبعده عن ذلك فيتعلم أن تجنب المواقف الاجتماعية هو ما يريحه. إذن ماذا يفعل الأب والأم في هذه المشكلة؟ أولاً: يجب عليهم مساندة الطفل وتقّبل مشكلته والاعتراف بها تمهيداً للتعامل معها. ثانياً: يجب عليهم تحمل أعراض المرض والامتناع عن الإساءة للطفل أو وصفه بالجبن (كأن يقول له أحدهما أنه ليس رجلاً، مثلاً) أو يصفه بالغباء. ثالثاً: أن يراجعا معه المواقف التي يتعرض لها باستمرار ويناقشا معه طرقاً أخرى للتصرف بطريقة حنونة، وأن التعامل في المواقف الاجتماعية ليس بالصعوبة التي يظنها الطفل. رابعاً: يتم اختبار ذلك على أرض الواقع بتعريض الطفل تدريجياً لمواقف مشابهة ومراجعتها معه. خامساً: مسألة الثقة بالنفس وتقدير الذات وكيف نرفع ثقته بذاته: الموضوع بسيط ولا يكلّف الأب أو الأم كثيراً؛ فإذا بدأنا بتشجيع الطفل بدلاً عن نقده، وتجنبنا نقده أمام الآخرين، وشجعنا السلوك المرغوب كالتعامل مع الناس بالمكافآت المادية الصغيرة مثل الألعاب أو الهدايا، ثم أخذنا الطفل معنا بالمناسبات الاجتماعية المختلفة، وأشركناه تدريجياً في تحمل المواقف، فإنه بالتأكيد سيتخطى تلك المشكلة بسهولة. حالة اكلينيكية: "س" بنت في الثالثة عشرة من عمرها، جاءت للعيادة تشتكي من آلام بالساقين ودوخة، مما يعوقها عن الذهاب للمدرسة ومتابعة الدروس الخصوصية. عندما جلست لاحظت الآتي:: تبدو "س" غير مرتاحة في جلستها؛ فتتحرك كثيراً للأمام والخلف، وتعدّل من وضعها كثيراً مع حركات بسيطة مضطربة بالساقين، وتنظر إلى الأرض أثناء الكلام معها، وتقول أنها لا تريد المشي بمفردها في الشارع لأنها تعاني عدم اتزان في الحركة والمشي، وتشعر بدوار من حين لآخر، وتشكو من عدم التأقلم بالمرحلة الإعدادية وقلة أصدقائها وتأخر دراسي. وبسؤال الأهل تبين أن لديها تاريخاً مرضياً سابقاً، حيث عانت من خوف غير مبرر والتصقت في هذه الفترة بأمها كثيراً، استمرت تلك الحالة لشهرين تحسنت مع العلاج النفسي (لا يتذكره الأهل). بعد الكشف الطبي تبين خلوها من أي أمراض عضوية خاصة بالجهاز العصبي، وبالحديث معها تبين أن وصفها للألم بساقيها هو طريقتها للتعبير عن عدم الراحة بالساقين أثناء المشي، وأن عدم اتزانها هو طريقة منها لوصف مشيتها الغريبة قليلاً (كانت تمشي بسرعة مع هزة وحركة غير طبيعية عند الركبتين)، وأنها عند المشي بالشارع تشعر أنها مراقبة من الناس وذلك يزيد من تعثر مشيتها، وأنها تشعر بتدهور في مستواها الدراسي لأنها أخذت المركز الثاني على المدرسة بامتحانات القبول بفرق نصف درجة عن زميلتها التي حصلت على كمبيوتر كمكافأة لها، وتشعر أنها حصلت على مجموع يساوي 80% بسبب قلة ذكائها، كما أنها تحجم عن السؤال أو الإجابة بالفصل. التشخيص: اضطراب الرهاب الاجتماعي لدى الأطفال. التشخيص الفارق: - فرط الحركة وقلة الانتباه. - اضطراب القلق العام. تناول الحالة: تم علاجها باستخدام العلاج المعرفي السلوكي، وتحديد الأفكار المغلوطة الخاصة بتقديرها لذاتها وأدائها الدراسي وكونها محل اهتمام المارة بالشارع، واستخدمت طريقة تعريض المريضة للمواقف التي تتجنبها (السير بالشارع) بمرافقة المعالج أولاً ثم بمرافقة صديقتها ثم بمفردها، إلى جانب العلاج الدوائي حيث حصلت على 50 ملغ فلوفوكسامين و1 ملغ ريسبيريدون، وتحسنّت بصورة ملحوظة وتمكنت من استئناف دراستها