الداعية والبيئة والمجتمع

الناقل : mahmoud | الكاتب الأصلى : : د. هشام طالب، | المصدر : www.alnoor-world.com

 

على المسلم الحق أن يتفاعل بإخلاص وحيوية مع بيئته ومجتمعه ليحدث التغيير المنشود. فالمسلم لا يعيش في فراغ، وإنما يتواصل مع من حوله باستمرار، يهتم بهم ويهتمون به. لذا لا تعد الصلاة والصيام والتسبيح والذكر المعيار الوحيد لتقييم صلاح المسلم، وإنما المعيار هو مدى نفع المرء ليغيره من الناس، عملا بالقول المأثور: "من لا يهتم بأمر المسلمين فليس منهم".
 ليقوم الداعية بهذا الدور عليه أن يتحلى بالمعرفة حول أمور أربع . هي: الأمور الغيبية، الأمور الكونية، الأمور العالمية، الأمور المحلية. 
أولا: الأمور الغيبية:
وتشمل الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره. وهذا الإيمان يجنب العقل البشري الخوض في الأمور التي تتجاوز حدود الإدراك البشري. وهو أيضا لا يتغير بتغير الزمان أو المكان أو الأفراد، فهو ثابت في كل الظروف.
 ثانيا: الأمور الكونية:
يجب أن يتحلى الداعية بمعرفة عن آيات الله في الكون وسننه الطبيعية، وأن يعلم أن هذا الكون مسخر له ليستفيد منه. وهذه المعارف أيضا من المعارف المشتركة بين جميع الناس لكن قد تتطور مع الزمن.
 ثالثا: الأمور العالمية:
على الداعية أن يكون لديه حد أدنى من المعرفة عن الشعوب والأمم. كما يجب أن ينظر للمسلمين كإخوة أينما كانوا، لا تفصل بينهم الحدود السياسية بين البلدان، فيدافع عن الحق وينكر الباطل أينما وجد.
 رابعا: الأمور المحلية:
إن المجتمع الذي يعيش فيه الداعية هو ساحة عمله الرئيسية. لذا عليه أن يقوم بالمهام التالية:
1- على الداعية أن يكون على وعي كامل بواقعه ومعرفة جيدة بالظروف الاجتماعية (نسبة الذكور، والإناث، والبطالة، والأغنياء، والفقراء ... الخ) والاقتصادية (معدل الناتج القومي، والدخل الفردي، والصادرات، والواردات ... الخ) والسياسية (الأحزاب، والقوانين ... الخ) والتعليمية (الأمية، المناهج ... الخ) والدينية (الأديان، المذاهب، الفرق ... الخ) للبلد الذي يعيش فيه.
2- على الداعية أن يشغل نفسه بمشكلات مجتمعه، ولا يتخذ منها موفقا سلبيا. ليكن الداعية كالطبيب، الذي يسعى لعلاج مرضاه، بالرغم من أنه غير مسؤول عن إصابتهم بالمرض. وحتى إن لم يجد الحل الأمثل، عليه أن يسعى لتخفيف الآلام والمعاناة عنهم. على الداعية أن يضع الحلول العملية من وجهة النظر الإسلامية، فمن السهل انتقاد الأنظمة الحاكمة، لكن الأهم من ذلك هو إيجاد الحلول لتصحيح الوضع القائم.
 ولزيادة ثقة المجتمع في الداعية، لابد له أن يقدم الخدمة والمساعدة لمن حوله في المجتمع. فعندما يشعر الناس بأن هؤلاء الدعاة يسعون لخدمتهم وحل مشكلاتهم ورعاية مصالحهم، ستزيد الثقة بهم وسيفتحون لهم قلوبهم.
 وأختم حديثي هذا بنادرة حول الدعوة بين النظرية وتطبيق:
 قام شيخ جليل بتعليم طلابه أساليب الدعوة ومفاهيمها لمدة ستة شهور، ومن ثم عزم على إعطائهم الجانب التطبيقي في ثلاثة شهور أخرى. إلا أن أحد طلبته الذين تفوقوا في الجزء النظري اكتفى بذلك وقرر أن يعتمد على قدراته في الجزء العملي. فحذره الشيخ من ذلك، إلا إنه لم يصغ إليه.
 اتجه الطالب لقرية بعيدة لممارسة الدعوة هنالك. وفي خطبة الجمعة سمع من الإمام خطبة مليئة بالأكاذيب على الله ورسوله، فما كان منه إلا أن صرخ بالمصلين "إن الإمام كاذب فلا الله سبحانه وتعالى ولا النبي عليه السلام قالا ما ذكره الإمام". فرد الإمام "إن هذا الشاب كافر ويستحق العقاب". فانقض المصلون على الشاب وضربوه ضربا مبرحا.
 عاد الشاب لشيخه وعظامه محطمة وروى له الحكاية. فقال له الشيخ دعني أريك مثالا جيدا للدعوة العملية. وفي الجمعة التالية ذهبا معا إلى المسجد ذاته، حيث ألقى الإمام خطبة مماثلة. وبعد أن استمع الشيخ للخطبة نهض وقال "إن إمامكم رجل من أهل الجنة وكل من يأخذ شعرة واحدة من لحيته سيدخل الجنة". وعلى الفور، هجم الناس على الإمام ينزعون شعره بقوة، حتى تركوه مدمى الوجه منتوف اللحية. عندئذ همس الشيخ في أذن الإمام "هل ستتوقف عن قول الأكاذيب على الله ورسوله؟ أم تريد عقابا أكثر؟" فندم الإمام على ما فعل.
 أدرك الطالب خطأه وطلب من الشيخ إعطاءه الدروس العملية. فالهوة بين النظرية والتطبيق واسعة!
المرجع: د. هشام طالب، دليل التدريب القيادي