مشاركة العقول
الناقل :
mahmoud
| الكاتب الأصلى :
عمر سالم المطوع
| المصدر :
www.alnoor-world.com
إن كثرة المسؤوليات وزحمة الأعمال في الحقل الدعوى الإسلامي قد يكون لها الأثر الكبير في غياب ذلك المفهوم الأصيل عن نظر قيادة المؤسسة الدعوية والعمل الإسلامى في الممارسة العملية . وقد يكون من أسباب ذلك طبيعة التفرد والرأي الواحد لبعض الدعاة إلى الله وتكون طبيعة المشاورة فقط لأجل الاستئناس بالرأي وقد قيل في السابق "إن من الإفلاس الاستئناس بآراء الناس " .
قال الله تعالى
: {
وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّاللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ
}
(آل عمران 159)
يقول الإمام النووي رحمه الله : "وتغنى هذه الآية عن كل شيء ، فإنه إذا أمرا لله سبحانه وتعالى في كتابه نصاً جليا نبيه صلى الله عليه وسلم بالمشاورة مع إنه أكمل الخلق فما الظن بغيره ؟ " قال الحسن وسفيان بن عيينة " إنما أمر بذلك – أي أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بالمشاورة – ليقتدي به غيره في المشاروة ويصير سنة في أمته " .
"ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم كثير المشاورة لأصحابه ، شاورهم يوم بدر في قتال المشركين وشاروهم يوم أحد أيبقى في المدينة أم يخرج إلى العدو ، وشاور السعدين يوم الخندق فأشارا عليه بترك مصالحة العدو على بعض ثمار المدينة مقابل انصرافهم عنها فقبل رأيهما . وهكذا كان رسول صلى الله عليه وسلم كثير المشاورة لأصحابه على جلالة قدره وعظيم شأنه . والمتتبع لسيرة النبي صلى الله عليه وسلم يجد ذلك واضحا وجليا في العديد من المواقف والمشاهد ، قال العلماء : ( لم يكن أحد أكثر مشورة لأصحابه من رسول الله صلى الله عليه وسلم )" .
إن الاستبداد بالرأي والتعصب له والتفرد به له نتائج وخيمة على العمل الإسلامي ، فكم من المؤسسات الدعوية التي لها الأثر المفيد على المجتمع توقف نشاطها وضعف تأثيرها بسبب تلك القرارات الغير المدروسة والتي يغلب عليها الطابع الشخصي والنظرة الضيقة ، وقد نجد في المؤسسة الدعوية من يبرر ذلك التعصب بحجة المصلحة الدعوية والرؤية المستقبلية للمؤسسة التي تتطلب ذلك القرار وذلك التغيير.
إن ما أدعوا إليه هو توسيع دائرة المشاروة والحوار ، لاسيما في المواضيع التخصصية التي تمارسها المؤسسة الدعوية فلا يصح أن يفتى في قضايا تربية الشباب والنشء داعية شغله الشاغل العمل النقابي والسياسي وعلى هذا المنوال ، لذا يجب أن نحترم التخصص وأن يكون للقرارات الموصى عليها بعد جلسات المشاورة والحوار أليه عمل واضحة وتاريخ تنفيذ محدد وان يحاسب المقصر في ذلك فإن لم يكن ذلك فسوف تكون جلسات الحوار والمشاورة جلسات تهدئة وتنفيس.
يقول الإمام النووي رحمه الله : "واعلم أنه يستحب لمن هم بأمر أن يشاور فيه من يثق بدينه وخبرته وحذقه ونصيحته وورعه وشفقته، ويستحب أن يشاور جماعة بالصفة المذكورة ويستكثر منهم ويعرفهم مقصودة من ذلك الأمر ويبين لهم مافيه من مصلحة ومفسدة إن علم شيئاً من ذلك ، ثم فائدة المشاورة القبول من المستشار إذا كان بالصفة المذكورة ، ولم تظهر المفسدة فيما أشاربه وعلى المستشار بذل الوسع في النصيحة وإعمال الفكر في ذلك" .
لذا يجب علي قيادة المؤسسة الدعوية أن تهيؤ الأجواء الصحيحة للمشاروة والحوار، فيتم إبلاغ المعنيين بأمر المشاروة بالموضوع مبكرا حتى يتسنى لهم البحث فيه ومعرفة تفاصيله ويحبذ أن تحدد بعض المراجع العلمية للرجوع إليها وذلك حتى تكون جلسة المشاروة مستوعبة لكل تفاصيل الموضوع الذي سوف يتخذ القرار لأجله.
يقول سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه: " من استبد برأيه هلك ومن شاور الرجال شاركها في عقولها" ياليته هلك وحده بل قد يكون اهلك منابع الخير والنور التي استفاد منها عشرات الأجيال ، لذا فلنتقي الله بقراراتنا فو الله إن مسئوليه الدعوة أمرها ثقيل ومتعب فجزى الله خير من تحملها وضحى بدنياه في سبيل نشر دعوة الله .
وأود أن أختم مقالتي بوقفة مع أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز والتابعي الجليل عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أحد فقاء المدينة السبعة المتوفى سنة102هـ ، قال عمر بن عبد العزيز : لأن يكون لي مجلس من عبيد الله أحب إلي من الدنيا وما فيها . وقال أيضا : والله إني لأشترى ليلة من ليالي عبيد الله بألف دينار من بيت المال فقالوا : يا أمير المؤمنين تقول هذا مع تحريك وشدة تحفظك؟ فقال : أين يذهب بكم ؟ والله إني لأعود برأيه وبنصيحته وبهدايته على بيت مال المسلمين بألوف وألوف ، إن في المحادثة – يعنى له ولمثله – تلقيحا للعقل وترويحا للقلب ، وتسريحا للهم وتنقيحا للأدب "
.
في الختام أسأل الله تعالى أن يوفقنا إلى مافيه الرشد والصلاح وان يجعلنا هداة مهتدين . وصلى اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين