الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسل الله أجمعين، عليهم وعلى نبينا أفضل الصلاة وأزكى التسليم، وبعد: دين النصارى دين مليء بالغرائب والتناقضات ، وليس أقل تلك الغرائب البدعة التي اخترعها النصارى فيما يتعلق بصلب المسيح - عليه السلام -وليست الغرابة في دعوى صلبه - فقد قتل قبله أنبياء كثيرون - لكن الغرابة في فلسفة تلك الحادثة المخترعة التي تحولت في نظر النصارى من مصدر للألم ، إلى مصدر للفرح والسرور ، إذ يعتقد النصارى أن المسيح - عليه السلام - ابن لله عز وجل وهو في ذات الوقت إله مساو لله أو دونه - على خلاف بينهم في ذلك - وهنا مصدر الإشكال ، إذ كيف لابن الإله أن يصلب ، ويهان ، ويعلق على خشبة ، ويبصق في وجهه في مشهد تتفطر له الأكباد ؟!! فلأي شيء يترك الإله ابنه ، بل كيف للابن - الذي له صفات الإله في نظرهم - أن يترك حفنة من اليهود التعساء تفعل به هذه المهانة ، بل وتسخر منه أمام الملأ قائلة : يا من يدعي أنه يبني الهيكل في ثلاث ، كيف لا تستطيع أن تخلص نفسك ، كل ذلك وابن الإله " الإله " عاجز عن دفع الضر عن نفسه فضلاً عن أن يوقع الضرَّ بغيره ممن صلبه . ويذكر النصارى في أناجيلهم أن المسيح صاح جزعا : "إيلي، إيلي، لَمّا شَبَقتاني؟ " أي : "إلهي، إلهي ، لماذا تركتني؟"( متى الإصحاح (27) رقم (46-47) ، ويجيب النصارى على هذه التساؤلات الجوهرية - التي تبين فساد وبطلان معتقدهم - بقولهم : إن الخلق ومنذ أن أكل آدم - عليه السلام - من الشجرة وهم يعيشون تحت وطأة الخطيئة ، فالمولود يولد مخطئاً ويعيش مخطئا بعيدا عن الله عز وجل جراء تلك الخطيئة الأولى ، فلما أراد الله أن يغفر لهم أخرج ابنه وأسكنه في بطن مريم العذراء - عليها السلام - يتغذى مما في بطنها، ثم أخرجه مولوداً ، وترعرع كما يترعرع الصبيان ، حتى إذا شبَّ وكبر ، سلمه لأعدائه ليصلبوه ، فيكون ذلك كفارة عن خطيئة آدم - عليه السلام - التي لحقت سائر الناس ، ويذهب النصارى إلى أبعد من ذلك في تفسير حادثة صلب الإله - في نظرهم - إذ يعتقدون أن المسيح - ويسمونه المخلص - لم يخلصهم من خطيئة آدم الأولى فحسب ، بل خلصهم من جميع الخطايا التي ارتكبوها والتي سيرتكبونها ، إذ يكفي - في نظرهم - أن يؤمن النصراني بالمسيح لينال رضا الله ، وليفعل بعد ذلك ما يشاء . هذه هي فلسفة النصارى فيما يفسرون به قصة صلب إلههم ، ونحن على يقين أن الناقد لن يكون بحاجة إلى معرفة الحقائق الإسلامية عن حياة عيسى عليه السلام لينقض هذا الهراء المتهافت ، ذلك أن ما يزعمه النصارى مناقض للعقول المستقيمة، ولأجل ذلك أصبحت تلك المعتقدات الكنسية عرضة لهجوم تيارات كثيرة كالعلمانية والملاحدة ، ولعل أول ما يرد على النصارى في عقيدة الفداء هو اتهامهم لله عز وجل بالظلم من جهة ، وبالعجز من جهة أخرى ، أما الظلم فلأن الله قد قضى : { أَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى } ( النجم:38 ) وليس هذا الأمر مقرراً في القرآن وحده بل هو منصوص عليه في التوراة أيضاً فقد جاء في "سفر التثنية":- " لا يُقتل الآباء عن الأولاد، ولا يُقتل الأولاد عن الآباء، كل إنسان بخطيئته يقتل"أه ، فهذا نص توراتي صريح يؤيد النص القرآني بألا يتحمل أحد جريرة أحد ، فما بال النصارى يريدون أن يحملوا البشرية جميعاً خطأ آدم عليه السلام ، أليس مقتضى العدل أن يتحمل آدم - عليه السلام - وزر خطيئته وحده دون غيره ، مع العلم أننا نعتقد كما أخبرنا القرآن أن آدم عليه السلام تاب إلى الله عز وجل فتاب الله عليه وانتهت القضية عند ذلك ، وما نرى دعوى النصارى في عقيدة الفداء إلا اختراع اخترعوه ليبرروا قولهم بأن الإله صلب ، وهو أمر باطل من أساسه ، وما بني على الباطل فهو باطل . إننى فى هذا البحث أحاول أن أخلع بعض الغمام من الآفاق ، ذلك الغمام الذى تم تثبيته بمسامير الوهم , ليخفى وجه الحقيقة الملائكى . من خلال بيان كلا من:- 1- عقيدة المسلمين فى الخطيئة الأولى 2-نقض فلسفة وراثة الذنب بإثبات براءة الكثيرين من الخطيئة الأصلية 3- إبطال صلب المسيح بنبوءات التوراة والأنجيل 4- ثبات التناقضات فى قصة الصلب والقيامية 5- كيفية نجاة المسيح من المؤامرة ولنبدأ اذا هذا البحث ولله المستعان وعليه التوفيق أنتفاءالصلب نفي للمسيحية: " إن وفاة عيسى على الصليب هي عصب كل العقيدة المسيحية . إن كل النظريات المسيحية عن الله ، وعن الخليقة ، وعن الخطيئة ، وعن الموت ، تستمد مِحْوَرَها من المسيح المصلوب . وكل النظريات المسيحية عن التاريخ ، وعن الكنيسة ، وعن الإيمان ، وعن التطهر ، وعن المستقبل ، وعن الأمل إنما تنبع من " المسيح المصلوب " فيما يقول البروفيسور جوردن مولتمان في كتابه عن" الإله المصلوب " وهذا ما أكد عليه بولس حين ألغى دور الناموس معتمداً على أن المسيح صلب مكفراً بصلبه الخطيئة، فافتدانا بذلك من لعنة الناموس، فيقول: " وإن لم يكن المسيح قد قام، فباطل كرازتنا، وباطل أيضاً إيمانكم " ( كورنثوس (1) 15/14). فلسفة النصارى لمسألة الخطيئة والكفارة يقول عوض سمعان في كتابه " فلسفة الغفران في المسيحية ": وبما أن آدم الذي ولد منه البشر جميعاً كان قد فقد بعصيانه حياة الاستقامة التي خلقه الله عليها، وأصبح خاطئاً قبل أن ينجب نسلاً، إذن كان أمراً بدهياً أن يولد أبناؤه جميعاً خطاة بطبيعتهم نظيره، لأننا مهما جُلنا بأبصارنا في الكون لا نجد لسنة الله تبديلاً أو تحويلاً، ولذلك قال الوحي: " بإنسان واحد دخلت الخطيئة إلى العالم ( رومية 5/12-21) ويشبه كالوني (أحد علماء البروتستانت) انتقال الخطيئة من آدم إلى بنيه بانتقال الوباء، فيقول: " حينما يقال: إننا استحققنا العذاب الإلهي من أجل خطيئة آدم، فليس يعني ذلك أننا بدورنا كنا معصومين أبرياء، وقد حملنا ظلماً ذنب آدم .... الحقيقة أننا لم نتوارث من آدم العقاب فقط، بل الحق أن وباء الخطيئة مستقر في أعماقنا، على سبيل الإنصاف الكامل، وكذلك الطفل الرضيع تضعه أمه مستحقاً للعقاب، وهذا العقاب يرجع إلى ذنبه هو، وليس من ذنب أحد غيرة. وشعر علماء النصرانية بما تحويه عقيدة وراثة الخطيئة من ظلم للإنسانية، فعلموا على تبريرها وتحسين صورتها، لتقبلها العقول وعقوبتها من دون اعتراض ولا إحساس بالظلم، فيقول ندرة اليازجي: " آدم هو مثال الإنسان، الإنسان الذي وجد في حالة النعمة وسقط، إذن سقوط آدم من النعمة هو سقوط كل إنسان، إذن خطيئة آدم هي خطيئة كل إنسان، فليس المقصود أن الخطيئة تنتقل بالتوارث والتسلسل لأنها ليست تركة أو ميراثاً. إنما المقصود أن آدم الإنسان قد أخطأ، فأخطأ آدم الجميع إذن، كل واحد قد أخطأ، وذلك لأنه انسان. عقيدة المسلمين فى الخطيئة الأولى:- لقد عالج الإسلام الخطيئة بدون صلب أو قتل أو إراقة دم . نعم لقد أغوى الشيطان آدم وزوجته فأكلا من الشجرة التي نهاهما الله عن الأكل منها تحدثت النصوص القرآنية عن آدم وتكريم الله له، فهو خليفة عن الله في أرضه وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة (البقرة: 30). وذكرت الآيات تكريم الله له ولذريته من بعده ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً (الإسراء: 70). ولعل أبرز مظاهر تكريم لآدم أن الله أسجد له ملائكته الكرام ولقد خلقناكم ثم صورنكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا (الأعراف: 11). لكن هذا التكريم والاصطفاء لا يعني خروج آدم عن طبيعته البشرية إلى حالة ملائكية، فقد أخطأ عليه السلام، ووقع في إغواء الشيطان له، لكنه سرعان ما تخلص من ذنبه بتوبته التي قبلها الله غافر الذنب وقابل التوب وعصى آدم ربه فغوى ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى (طه: 121- 122). وتوبة آدم قبلها الله كما يقبل توبة سائر من عصاه، ولو عظم ذنبه، فعفو الله أعظم من آثامنا وذنوبنا قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم (الزمر: 53). إن ذنباً واحداً لا يغفره الله، ما لم يتب منه العبد، وهو الشرك بالله الواحد الأحد إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء (النساء: 116). وأنزل الله آدم من جنته، وجعله في الأرض التي خلقه منها ولها، وطلب منه وذريته عمارتها، وأعطاهم قدرة تامة وإرادة كاملة على فعل الخير والشر طالما امتدت به الحياة، ثم يرد كل واحد منا إلى ربه فيجازى عما قدم وأسلف قلنا اهبطوا منها جميعاً فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولاهم يحزنون والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون (البقرة: 38 - 39). وأكدت النصوص القرآنية مسئولية الإنسان عن عمله وكسبه إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري إن الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى (طه: 14 - 15)، وقال: وكل إنسان ألزمنه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتاباً يلقاه منشوراً اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً (الإسراء: 13-14). وهكذا فإن كل ما يصنعه الإنسان في حياته الدنيا مسجل محفوظ ، ولسوف يراه المرء في يوم لا تخفى على الله منه خافية فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره (الزلزلة:6-7) وهذه المسئولية للإنسان عن عمله لا تمنع رحمة الله إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر والله خير وأبقى (طه: 73). وأما مسألة وراثة الذنب فهي مرفوضة عند المسلمين نقلاً وعقلاً، والقرآن بصراحة ووضوح يبين بطلان هذا المبدأ الظالم الذي تتابعت الرسالات السابقة على إنكاره والتأكيد على ضده أم لم ينبأ بما في صحف موسى وإبراهيم الذي وفى ألا تزر وازرة وزر أخرى وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يرى ثم يجزاه الجزاء الأوفى (النجم: 35 - 40). وقد أعلم الله موسى عليه السلام في توراته التي أنزلها عليه بهذا المبدأ العادل، فقال: قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى بل تؤثرون الحياة الدنيا والآخرة خير وأبقى إن هذا لفي الصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى (الأعلى: 14-19). وأخيراً: ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءً يجز به ولا يجد له من دون الله ولياً ولا نصيراً (النساء: 123). وهذه النصوص القرآنية قبس من آيات عظيمة في كتاب الله تكاثرت على ذكر هذه المعاني بجلاء ووضوح، ذكرناها كمدخل لنقض عقيدة الفداء، والتي لن نحتج في إبطالها بهذه النصوص الكريمة من كلام الله، وذلك مضياً على النهج الذي انتهجناه في هذه السلسلة، وهو نقض مسائل النصرانية من خلال العقل والنظر الصحيح إضافة إلى النصوص المقدسة عند النصارى. نقض فلسفة وراثة الخطيئة الأصلية وهذه التبريرات المتهافتة والتشبيهات المتكلفة ما كان لها أن تقنع أحداً ممن يرى في وراثة الذنب ظلماً يتنزه الله عنه. فتشبيههم لوراثة الذنب بعدوى المرض باطل، لأن المرض شيء غير اختياري، فلا يقاس الذنب عليه، كما أن المرض لا يعاقب عليه الإنسان. وفصلُ أكونياس بين الروح والجسد، وقوله بأن الخطيئة تسري من الروح للجوارح خطأ، لأن الخطأ عندما يقع فيه الإنسان، فإنما يقع فيه بروحه وجسده، فالإنسان مركب منهما، ويمارس حياته من خلالهما معاً. أما آدم فهو غير مركب من آدم وأبنائه. لذا نصر على اعتبار وراثة الذنب نوعاً من الظلم لا يليق نسبته إلى الله عز وجل. وهذا المعتقد الممجوج عقلاً لا دليل عليه في التوراة، بل الدليل قام على خلافه، إذ جاءت النصوص تنفي وراثة الذنب، وتؤكد على مسئولية كل إنسان عن عمله، ومنها: -سفر حزقيال الإصحاح 18 : 20- 22 " الابن لا يحمل من إثم الأب والأب لا يحمل من إثم الابن. بر البار عليه يكون وشر الشرير عليه يكون فإذا رجع الشرير عن جميع خطاياه التي فعلها وحفظ كل فرائضي وفعل حقاً وعدلاً فحيوة يحيا " -سفر التكوين الإصحاح 18 : 23 " أفتهلك البار مع الأثيم " -سفر العدد الإصحاح 16 : 22 " هل يخطىء رجل واحد فتسخط على كل الجماعة " -سفر التثنية الإصحاح 24 : 16 " كل إنسان بخطيئته يُقتل " -أخبار الأيام الثاني الإصحاح 7 : 14 " فإذا تواضع شعبي الذين دعي اسمي عليهم وصلوا وطلبوا وجهي ورجعوا عن طرقهم الردية فإنني أسمع من السماء وأغفر خطيتهم " -سفر إشعياء الإصحاح 55 : 7 " ليترك الشرير طريقه ورجل الإثم أفكاره وليتب إلى الرب فيرحمه وإلى إلهنا لأنه يكثر الغفران " -سفر إرمياء الإصحاح 31 : 29 - 30 " لا يقولون بعد الآباء أكلوا حصرماً وأسنان الأبناء ضرست . بل كل واحد يموت بذنبه كل إنسان يأكل الحصرم تضرس أسنانه " بطلان وراثة الخطيئة بإثبات براءة الكثيرين من الخطيئة الأصلية:- تشهد الكتب المقدسة عند النصارى لكثيرين بالخيرية، وتثني عليهم، ولو كانوا مسربلين بالخطيئة الأصلية لما استحقوا هذا الثناء، ومن هؤلاء الأطفال الذين قال فيهم المسيح في إحدى وصاياه: "الحق أقول لكم، إن لم ترجعوا وتصيروا مثل الأولاد فلن تدخلوا ملكوت السماوات، فمن وضع نفسه مثل هذا الولد، فهو الأعظم في ملكوت السماوات " ( متى 18/3 - 4 )، (وانظر مرقس 10/13/16 ). وعندها نهر تلاميذه أطفالاً قال: "دعوا الأولاد يأتون إليّ ولا تمنعوهم، لأن لمثل هؤلاء ملكوت السماوات ( متى 19/13 - 14 ) فيفهم من هذين النصين طهرة الأطفال من الخطيئة الأصلية، لذلك جعلهم مثلاً للأبرار الذين يدخلون الجنة. لكن القديس أوغسطينوس كان يحكم بالهلاك على جميع الأطفال غير المعمدين، وكان يفتي بأنهم يحرقون في نار جهنم، ولن يتمتعوا برؤية ملكوت الرب والأبرار أيضاً لم يحملوا هذه الخطيئة، فهؤلاء الأبرار ذكرتهم نصوص التوراة وأثنت عليهم ولم تتحدث عن هلاكهم أو تأثرهم بالخطيئة الموروثة "كان كلام الرب إليّ قائلاً: ما لكم أنتم تضربون هذا المثل على أرض إسرائيل قائلين: الآباء أكلوا الحصرم، وأسنان الأبناء ضرست، حي يقول السيد الرب... الإنسان الذي كان باراً وفعل حقاً وعدلاً، لم يأكل على الجبال، ولم يرفع عينيه إلى أصنام بيت إسرائيل، ولم ينجس امرأة قريبه، ولم يقرب طامثاً، ولم يظلم إنساناً... فهو بار، حياة يحيا يقول السيد الرب" ( حزقيال 18/19 - 23)، فكل من يعمل الصالحات يكون باراً، ولا تؤثر فيه خطية آدم أو غيره. ومن هؤلاء الأبرار الذين لم تكبلهم الخطيئة، وأثنت عليهم التوراة، الأنبياء، ولو كانوا حاملين للخطيئة لما كانوا أهلاً لهداية الناس، فإن قيل عفي عنهم، فلم تراه لم يُعفَ عن بقية العالمين - من غير دم - كما عفي عن الأنبياء الذين اختار الله منهم كليماً وخليلاً. ومن الأنبياء الذين أثنت عليهم التوراة أخنوخ " وسار أخنوخ مع الله، ولم يوجد لأن الله أخذه" ( التكوين 5/24 )، وقد قال عنه بولس: " بالإيمان نقل أخنوخ لكي لا يرى الموت، ولم يوجد لأن الله نقله، إذ قبل نقله شهد له بأنه قد أرضى الله" (عبرانيين 11/5). وأيضاً نوح عليه السلام تقول عنه التوراة: " وكان نوح رجلاً باراً كاملاً في أجياله، وسار نوح مع الله " ( التكوين 6/9). وأيضاً إبراهيم فقد قيل له: " لا تخف يا إبرام أنا ترس لك، أجرك كثير جداً " ( التكوين 11/1)، وقيل عنه: " بارك الرب إبراهيم في كل شيء " ( التكوين 24/1). ومن هؤلاء الأبرار أيوب، وقد أخبر عن نفسه أنه بريء من كل ذنب وإثم، وأنه كان باراً مطيعاً لأقوال الله: "قد قلتَ في مسامعي، وصوت أقوالك سمعتُ. قلت: أنا بريء بلا ذنب، زكي أنا ولا إثم لي" (أيوب 33/8-9). ورغم هذه المزايا الفريدة لأيوب، فإن يوحنا المعمدان أعظم منه، كما قال المسيح: " الحق أقول لكم: لم يقم بين المولودين من النساء أعظم من يوحنا المعمدان " ( متى 11/11)، ويقول عنه لوقا: "لأنه يكون عظيماً أمام الرب، وخمراً ومسكراً لا يشرب" (لوقا 1/15)، فهؤلاء جميعاً لم يرثوا الخطيئة، ولم تؤثر فيهم مع أنهم من ذرية آدم، والكتاب يعلن صلاحهم وعدم احتياجهم إلى الخلاص بدم المسيح أو غيره.. كما أثنت التوراة على أشخاص من غير الأنبياء ووصفتهم بالصلاح والبر، فدل ذلك على عدم حملهم للخطيئة الأصلية. منهم هابيل بن آدم الذي تقبل الله منه ذبيحته لصلاحه، ولم يقبلها من أخيه، فلم تمنعه خطيئة أبيه من أن يكون عند الله مقبولاً ( انظر التكوين 4/4)، وقد قال عنه الكاتب المجهول لرسالة العبرانيين: "بالإيمان قدم هابيل للّه ذبيحة أفضل من قايين، فبه شهد له أنه بار، إذ شهد الله لقرابينه" (عبرانيين 11/4). وكذلك الناجون مع نوح كانوا جميعاً أبراراً، فأنجاهم الله من الطوفان " ورأى الله الأرض، فإذا هي فسدت، إذ كان كل بشر قد أفسد طريقه على الأرض فقال الله لنوح: نهاية كل بشر أتت أمامي ... وتبقى نوح والذين معه في الفلك فقط" ( التكوين 6/12- 7/23 ). ولو كانت الخطيئة موروثة لكان الجميع خاطئين، ولما كان ثمة مبرر لهذا التفريق بين الناجين والمغرقين. ومن الأبرار أيضاً لاوي بن يعقوب، والذي اختص وسبطه بالكهانة، حيث قال الله عنه: "عهدي معه للحياة والسلام، وأعطيته إياهما للتقوى، فاتقاني، ومن اسمي ارتاع هو، شريعة الحق كانت في فِيه، وإثم لم يوجد في شفتيه، سلك معي في السلام والاستقامة، وأرجع كثيرين عن الإثم، لأن شفتي الكاهن تحفظان معرفة، ومن فمه يطلبون الشريعة، لأنه رسول رب الجنود" (ملاخي 2/5-7). كذا خاطب الرب أورشليم محدثاً إياها عن البقية المؤمنة في بني إسرائيل، فقال: "وأبقي في وسطكِ شعباً بائساً ومسكيناً، فيتوكلون على اسم الرب، بقيةُ إسرائيل لا يفعلون إثماً، ولا يتكلمون بالكذب، ولا يوجد في أفواههم لسان غش، لأنهم يرعون ويربضون " (صفنيا 3/12-13)، فهؤلاء اليهود الباقون في أورشليم منزهون عن الإثم والخطية. وأيضاً شهد المسيح بنجاة لعازر، وقد مات قبل الصلب المزعوم للمسيح " فمات المسكين وحملته الملائكة إلى حضن إبراهيم، ومات الفتى أيضاً، ودفن، فرفع عينيه في الهاوية وهو في العذاب ورأى إبراهيم من بعيد ولعازر في حضنه، فنادى وقال: يا أبي إبراهيم، ارحمني.... " ( لوقا 16/21 -24)، فلعازر نجا وقد مات قبل الصلب المزعوم للمسيح. ويجزم المسيح بخلاص تلميذه زكا الذي أنفق نصف ماله في سبيل الله من غير أن يحتاج لدم يخلصه أو فادٍ يصلب عنه " فوقف زكا وقال للرب: ها أنا يا رب أعطي نصف أموالي للمساكين، وإن كنت قد وشيت بأحد أرد أربعة أضعاف. فقال له يسوع: اليوم حصل خلاص لهذا البيت، إذ هو أيضاً ابن إبراهيم" (لوقا 19/8-9)، لقد نال الخلاص بالبر والعمل الصالح. إبطال صلب المسيح بنبوءات التوراة :- تحتل النبوءات في الفكر المسيحي مكانة سامقة، جعلت بعض النصارى يشترطون لصحة النبوة أن يسبقها نبوءة. وحادثة صلب المسيح - كما يعتبرها النصارى - أحد أهم أحداث المعمورة، فكان لابد وأن يتحدث عنها الأنبياء في أسفارهم، وأن يذكرها المسيح لتلاميذه. فهل أخبرت الأنبياء بصلب المسيح وقيامته ؟ وهل أخبر المسيح تلاميذه بذلك؟ والإجابة النصرانية عن هذه التساؤلات : نعم، وأن ذلك في مواضع كثيرة من الأناجيل والرسائل والأسفار التوراتية. ولعل من نافلة القول أن نذكر بأن النصارى يعتبرون أسفار التوراة جزءً مقدساً كتابهم المقدس، كيف لا والأناجيل ما فتئت تحيل إلى هذه الأسفار، تستمد منها تنبؤاتها المستقبلية، التي تحققت في شخص المسيح في حياته أو حين صلبه . وقد أكد عيسى عليه السلام لتلاميذه ضرورة أن تتحقق فيه النبوءات التوراتية بقوله: "لابد أن يتم جميع ما هو مكتوب عني في ناموس موسى والأنبياء والمزامير" ( لوقا 26/44 )، وقد قال لهم: " فتشوا الكتب …. وهي التي تشهد لي " ( يوحنا 5/39 ). ولسوف نستعرض في هذه العجالة بعض نبوءات التوارة المزمور الثاني وفيه: " لماذا ارتجت الأمم، وتفكر الشعوب في الباطل، قام ملوك الأرض، وتآمر الرؤساء معاً على الرب، وعلى مسيحه، قائلين: لنقطع قيودها ولنطرح عنا رُبُطهما. الساكن في السماوات يضحك، الرب يستهزئ بهم، حينئذ يتكلم عليهم بغضبه، ويرجفهم بغيظه " ( المزمور 2/1 - 5 ). والمزمور الثاني يراه العلماء النصارى نبوءة بالمسيح الموعود. يقول د.هاني رزق في كتابه "يسوع المسيح ناسوته وألوهيته " عن هذا المزمور: " وقد تحققت هذه النبوءة في أحداث العهد الجديد، إن هذه النبوءة تشير إلى تآمر وقيام ملوك ورؤساء الشعب على يسوع المسيح لقتله وقطعه من الشعب، وهذا ما تحقق في أحداث العهد الجديد في فترتين، في زمان وجود يسوع المسيح له المجد في العالم " ويقصد تآمر هيرودس في طفولة المسيح، ثم تأمر رؤساء الكهنة لصلب المسيح. ووافقه "فخري عطية" في كتابه "دراسات في سفر المزامير" و"حبيب سعيد" في "من وحي القيثارة " وويفل كوبر في كتابه "مسيا عمله الفدائي" وياسين منصور في كتابه "الصليب في جميع الأديان "، فيرى هؤلاء جميعاً أن المزمور نبوءة بالمسيح المصلوب. وقولهم بأن النص نبوءة بالمسيح تصديق لما ورد في سفر أعمال الرسل: " فلما سمعوا رفعوا بنفس واحدة صوتاً إلى الله وقالوا: أيها السيد، أنت هو الإله صانع السماء والأرض والبحر وكل ما فيها. القائل بفم داود فتاك: لماذا ارتجّت الأمم وتفكر الشعوب بالباطل. قامت ملوك الأرض، واجتمع الرؤساء معا على الرب وعلى مسيحه. لأنه بالحقيقة اجتمع على فتاك القدوس الذي مسحته هيرودس وبيلاطس البنطي مع أمم وشعوب إسرائيل، ليفعلوا كل ما سبقت فعيّنت يدك ومشورتك أن يكون" (أعمال 4/24-31). ولا نرى مانعاً في موافقتهم بأن المزمور نبوءة عن المسيح، فالمزمور يتحدث عن مؤامرات اليهود عليه، وهذا لا خلاف عليه بين المسلمين والنصارى، وإنما الخلاف: هل نجحوا أم لا؟ فبماذا يجيب النص؟ يجيب المزمور بأن الله ضحك منهم واستهزأ بهم، وأنه حينئذ، أي في تلك اللحظة أرجف المتآمرين بغيظه وغضبه. فهل يكون ذلك دليل نجاحهم في صلب المسيح، أم أن الرب يضحك لنجاة عبده المسيح من بين أيديهم، ووقوعهم في شر أعمالهم؟ ويفسر المزمور السابع والثلاثون سبب ضحك الرب واستهزائه، فيقول: "الشرير يتفكر ضد الصدّيق، ويحرق عليه أسنانه، الرب يضحك به، لأنه رأى أن يومه آت، الأشرار قد سلّوا السيف، ومدوا قوسهم لرمي المسكين والفقير، لقتل المستقيمِ طريقُهم، سيفهم يدخل في قلبهم، وقسيّهم تنكسر" (المزمور 37/12-15)، لقد ضحك الرب لفشل المؤامرة، وعودها على أصحابها، فقد وقعوا في الحفرة التي حفروها للمسيح الذي نجاه الله بقوته. المزمور العشرون وفيه: " ليستجب لك الرب في يوم الضيق. ليرفعك اسم إله يعقوب، ليرسل لك عوناً من قدسه، ومن صهيون ليعضدك، ليذكر كل تقدماتك، وليستسمن محرقاتك، سلاه، ليعطك حسب قلبك، ويتمم كل رأيك، نترنم بخلاصك، وباسم إلهنا نرفع رايتنا، ليكمل الرب كل سؤلك. الآن عرفت أن الرب مخلص مسيحه، يستجيبه من سماء قدسه، بجبروت خلاص يمينه، هؤلاء بالمركبات وهؤلاء بالخيل، أما نحن: فاسم الرب إلهنا نذكره. هم جثوا وسقطوا، أما نحن فقمنا وانتصبنا، يارب خلص، ليستجيب لنا الملك في يوم دعائنا" (المزمور 20/1 - 9). يقول هاني رزق في كتابه " يسوع المسيح في ناسوته ولاهوته ": " تنبأ داود النبي (1056 ق.م)، و(حبقوق النبي 726 ق. م)، بأن الرب هو المسيح المخلص، نبوءة داود النبي، مزمور 20/9 " الآن عرفت أن الرب مخلص مسيحه.... " . وفي كتاب " دراسات في سفر المزامير" يؤكد فخري عطية هذا، ويقول عن الفقرة التاسعة من هذا المزمور: " في هذا العدد تعبير يشير في الكتب النبوية إلى ربنا يسوع المسيح نفسه، تعبير يستخدمه الشعب الأرضي عن المخلص العتيد ". ولكن القراءة المتأنية لهذا المزمور ترينا أن داود صاحب المزمور يدعو الله طالباً أن يستجيب لوليه الضعيف، داود يدعو الله أن ينجي المسيح، وأن يرفعه للسماء لما صنع من بر وخير (تقدمات ومحرقات)، ويبتهل صاحب المزمور طالباً النجاة له في يوم الضيق، وليس من يوم مرّ على المسيح أضيق من ذلك اليوم الذي دعا فيه طويلاً، طالباً من الله أن يصرف عنه هذا الكأس " وإذ كان في جهاد؛ كان يصلي بأشد لجاجة، وصار عرقه كقطرات دم نازلة على الأرض " ( لوقا 22/44 ). ويطلب داود من الله إجابة دعاء المسكين وإعطاءه ملتمس شفتيه وسؤله وكل مراده " ليعطك حسب قلبك، ويتمم كل رأيك... ليكمل الرب كل سؤلك". وهذا العون والنجاء يطلبه له داود لما سبق وتقدم به المسيح من أعمال صالحة " ليذكر كل تقدماتك، وليستسمن محرقاتك". وينص المزمور على اسم المسيح، وأن الله خلصه من الموت في فقرة ظاهرة لا تخفى حتى على أعمى، فقد عرف داود نتيجة دعائه " الآن عرفت أن الرب مخلص مسيحه، يستجيبه من سماء قدسه بجبروت خلاص "، فالمزمور يذكر المسيح بالاسم، ويتحدث عن خلاصه، أن الله رفعه، وأنه أرسل له ملائكة يحفظونه " ليرفعك اسم إله يعقوب، ليرسل لك عوناً من قدسه". ويبتهج المزمور لهذه النهاية السعيدة "نترنم بخلاصك، وباسم إلهنا نرفع رايتنا". ويتحدث المزمور أيضاً عن تلك اللحظة العظيمة، لحظة الخلاص التي نجا فيها المسيح " هم جثوا وسقطوا، أما نحن فقمنا وانتصبنا "، فهو يتحدث عن لحظة وقوع الجند كما في يوحنا " فلما قال لهم: إني أنا هو ؛ رجعوا إلى الوراء، وسقطوا على الأرض " ( يوحنا 18/6 ). وهذه اللحظة العظيمة، لحظة الخلاص يسجلها أيضاً المزمور التاسع، فهي إحدى آيات الله وأعاجيبه في خلقه، "أحمد الرب بكل قلبي، أحدث بجميع عجائبك، افرح وابتهج بك، أرنم لاسمك أيها العلي، عند رجوع أعدائي إلى خلف يسقطون، ويهلكون من قدام وجهك، لأنك أقمت حقي ودعواي، جلست على الكرسي قاضياً عادلاً، انتهرت الأمم، أهلكت الشرير، محوت اسمهم إلى الدهر والأبد" (المزمور 9/1-5). فالقاضي العادل أهلك الشرير، عندما رجع المبطلون إلى خلف وسقطوا، لتتحقق الأعجوبة وينجو العبد البار، فيحمد الله لأنه " رافعي من أبواب الموت" (المزمور 9/13)، لقد انتشله من فم الموت، ونجاه. كما سجل المزمور السابع والعشرون هذه اللحظة العظيمة فقال: "عندما اقترب إليّ الأشرار ليأكلوا لحمي، مضايقي وأعدائي عثروا وسقطوا ... لأنه يخبئني في مظلته في يوم الشر، يسترني بستر خيمته" (المزمور 27/2-5). فدلالة هذا المزمور على نجاة المسيح أوضح من الشمس في رابعة النهار. المزمور التاسع بعد المائة ، وفيه: " يا إله تسبيحي، لا تسكت ؛ لأنه قد انفتح علّى فم الشرير، وفم الغش. تكلموا معي بلسان كذب. بكلام بغض، أحاطوا بي، وقاتلوني بلا سبب. بدل محبتي يخاصمونني. أما أنا فصلوة. وضعوا علّي شراً بدل خير، وبُغضاً بدل حبي. فأقم أنت عليه شريراً، وليقف شيطان عن يمينه. إذا حوكم فليخرج مذنباً، وصلاته فلتكن خطية. لتكن أيامه قليلة، ووظيفته ليأخذها آخر. ليكن بنوه أيتاماً، وامرأته أرملة. لِيَتِهْ بنَوُه تَيَهَاناً ويستعطوا. ويلتمسوا خبزاً من خِربهم. ليصطد المرابي كل ما له، ولينهب الغرباء تعبه. لا يكن له باسط رحمة، ولا يكن مُتَرَأّفُ على يتاماه. لتنقرض ذريته. في الجيل القادم ليمح اسمهم. ليذكر إثم آبائه لدى الرب، ولا تمح خطية أمه. لتكن أمام الرب دائماً. وليقرض من الأرض ذِكرهم. من أجل أنه لم يذكر أن يصنع رحمة، بل طرد إنساناً مسكيناً وفقيراً، والمنسحق القلب ليميته. وأحب اللعنة، فأتته، ولم يسر بالبركة، فتباعدت عنه، ولبس اللعنة مثل ثوبه فدخلت، كمياه في حشاه، وكزيت في عظامه. لتكن له كثوب يتعطف به، وكمنطقة يتمنطق بها دائماً. هذه أجرة مبغضي من عند الرب، وأجرة المتكلمين شراً على نفسي. أما أنت يا رب السيد فاصنع معي من أجل اسمك. لأن رحمتك طيبة نجني، فإني فقير، ومسكين أنا، وقلبي مجروح في داخلي. كظل عند ميله ذهبت. انتفضتُ كجرادة. ركبتاي ارتعشتا من الصوم، ولحمي هزل عن سمن. وأنا صرت عاراً عندهم. ينظرون إليّ وينغضون رؤوسهم. أعني يا رب، إلهي. خلصني حسب رحمتك. وليعلموا أن هذه هي يدك، أنت يا رب فعلت هذا، أما هم فيَلعنون. وأما أنت فتُبارك. قاموا وخزوا. أما عبدك فيفرح. ليلبس خصمائي خجلاً وليتعطفوا بخزيهم كالرداء. أحمد الرب جداً بفمي، وفي وسط كثيرين أسبحه، لأنه يقوم عن يمين المسكين، ليخلصه من القاضين على نفسه" ( المزمور 109/1 - 31 ) وهذا المزمور أيضاً يراه النصارى على علاقة بقصة الصلب، وأن المقصود في بعضه يهوذا، وهو قوله: " ووظيفته ليأخذها آخر، ليكن بنوه أيتاماً، وامرأته أرملة .. ويلتمسوا خبزاً من خربهم " وقد أحال عليه كاتب "أعمال الرسل" وهو يتحدث على لسان بطرس، حين قال متحدثاً عن يهوذا: "لأنه مكتوب في سفر المزامير: لتصر داره خراباً، ولا يكن فيها ساكن، وليأخذ وظيفته آخر " (أعمال 1/15 - 26 ). وقد انتخب الحواريون بدلاً من يهوذا تنفيذاً لهذا الأمر يوسف ومتياس، وأقرعوا بينهما، فوقعت القرعة علي متياس، فحسبوه مكملاً للأحد عشر رسولاً. ( انظر أعمال 1/23 - 26 ). إذاً فالنص في هذا المزمور متحدث عن يهوذا ولا ريب، وهذا صحيح، فهو يتحدث عن محاكمته " وإذا حوكم فليخرج مذنباً "، فمتى حوكم يهوذا إذا لم يكن هو المصلوب؟ والنص يتحدث عن محاكمته، وعن نتيجة محاكمته " لتكن أيامه قليلة، ووظيفته ليأخذها آخر ". كما يتحدث المزمور عن وقوفه على الصليب، وعن يمينه شيطان، ذاك الذي كان يستهزأ به، (لوقا 23/39-43)، فمتى وقف شيطان عن يمين يهوذا، ومتى حوكم إن لم يكن ذلك في تلك الواقعة التي تجلى فيها غضب الله عليه؟ ووقوفه هذا هو العار الذي باء به وهو معلق على الصليب يستهزئ به المارة ويبصقون عليه ويضربونه" وأنا صرت عاراً عندهم. ينظرون إليّ وينغضون رؤوسهم". ويصف المزمور استغاثات المصلوب على الصليب، وهو يستمطر رحمات الله " فاصنع معي من أجل اسمك. لأن رحمتك طيبة نجني .. خلصني حسب رحمتك، وليعلموا أن هذه هي يدك"، إذ لا يملك وسيلة للنجاة إلا أن يستغيث برحمة الله التي يلوذ بها الفاجر والتقي، فجعل يصرخ على الصليب: "إلهي إلهي، لماذا تركتني" (متى 27/46). ويتحدث المزمور عن ثوب اللعنة الذي لبسه يهوذا على الصليب " ولبس اللعنة مثل ثوبه فدخلت، كمياه في حشاه، وكزيت في عظامه. لتكن له كثوب يتعطف به، وكمنطقة يتمنطق بها دائماً، هذه أجرة مبغضيّ من عند الرب، وأجرة المتكلمين شراً على نفسي"، لقد كانت اللعنة أجرته على عمله، فقد علق على الصليب، وكل معلق ملعون، كما في سفر التثنية "وإذا كان على إنسان خطية حقها الموت، فقتل، وعلقته على خشبة، فلا تبت جثته على الخشبة، بل تدفنه في ذلك اليوم، لأن المعلّق ملعون من الله" (التثنية 21/22-23). والمزمور - كما رأينا - يتحدث في شطرين على لسان المسيح. ففي الشطر الأول: يتحدث عن الأشرار الذين قاتلوه بلا سبب، ووضعوا عليه الشر بدل الخير. وفي الشطر الثاني: يستمطر الداعي نفسه اللعنات على هذا الشرير، ويسأل الله الخلاص حسب رحمته " أعِني يا رب، إلهي، خلصني حسب رحمتك.. " ويفرح المسيح لخلاصه " لأنه يقوم عن يمين المسكين، ليخلصه من القاضين على نفسه". المزمور الرابع والثلاثون وهذا المزمور أيضاً متحدث عن المسيح عليه الصلاة والسلام، وقد أحال عليه كتاب الأناجيل، واعتبروه نبوءة عن المسيح، ففي الفقرة العشرين منه يقول: " يحفظ جميع عظامه، واحدٌ منها لا ينكسر"، وهي العبارة التي اقتبسها يوحنا، واعتبرها نبوءة عن المسيح، فقال: "لأن هذا كان ليتم الكتاب القائل: عظم منه لا يكسر" (يوحنا 19/36). فبماذا تنبأ المزمور، هل كان يتحدث عن المسيح المصلوب الذي لم يستجب الله دعاءه، أم عن المسيح الناجي الذي لا يكسر منه عظم، فيما تحيق المؤامرة بأعدائه الأشرار، يقول المزمور متحدثاً عن دعاء المسيح الطويل في البستان، وعن استجابة الله له، وعن المدد الذي أمده من الملائكة: "طلبت إلى الرب فاستجاب لي، ومن كل مخاوفي أنقذني، نظروا إليه واستناروا، ووجوههم لم تخجل، هذا المسكين صرخ، والرب استمعه، ومن كل ضيقاته خلصه، ملاك الرب حال حول خائفيه وينجيهم، ذوقوا وانظروا ما أطيب الرب، طوبى للرجل المتوكل عليه، اتقوا الرب يا قديسيه، لأنه ليس عوز لمتقيه، الأشبال احتاجت وجاعت، وأما طالبو الرب فلا يعوزهم شيء من الخير" (المزمور 34/1-10). ويمضي السفر مؤكداً استجابة الله للمسيح، وسلامة جسده، وينتقل للحديث عن أعدائه الذين يصب عليهم غضبه، فيقول: "عينا الرب نحو الصديقين، وأذناه إلى صراخهم، وجه الرب ضد عاملي الشر، ليقطع من الأرض ذكرهم، أولئك صرخوا، والرب سمع، ومن كل شدائدهم أنقذهم، قريب هو الرب من المنكسري القلوب ويخلص المنسحقي الروح، كثيرة هي بلايا الصدّيق، ومن جميعها ينجيه الرب، يحفظ جميع عظامه، واحد منها لا ينكسر، الشر يميت الشرير، ومبغضو الصدّيق يعاقبون، الرب فادي نفوس عبيده، وكل من اتكل عليه لا يعاقب" (المزمور 34/15-22)، فلقد مات الشرير بشره، فيما سلمت جميع عظام المسيح من أن تكسر، وهو ما لم يتحقق في المصلوب الذي كسرت المسامير - ولا ريب - بعض عظام يديه ورجليه " ثقبوا يدي ورجلي " (المزمور 22/16)، فالمسيح الناجي هو فقط من حقق هذه النبوءة ، وهو الذي لم يكسر منه عظم واحد. لقد أنقذ الله المسيح من كل الشدائد، لأنه اتكل عليه "عينا الرب نحو الصديقين، وأذناه إلى صراخهم، أولئك صرخوا، والرب سمع، ومن كل شدائدهم أنقذهم، قريب هو الرب من المنكسري القلوب ويخلص المنسحقي الروح، كثيرة هي بلايا الصدّيق، ومن جميعها ينجيه الرب، يحفظ جميع عظامه، واحد منها لا ينكسر .. وكل من اتكل عليه لا يعاقب" (المزمور 34/15-22). وعاقب الله مبغضي المسيح، وقطع من الأرض ذكرهم، وأماتهم بشرِّهم الذي صنعوه " وجه الرب ضد عاملي الشر، ليقطع من الأرض ذكرهم .. الشر يميت الشرير، ومبغضو الصدّيق يعاقبون" (المزمور 34/16-21). اشعيا 53 .. والوهم الكبير يعتبر الإصحاح 53 من سفر اشعيا أحد الاصحاحات المحببة لدى النصارى ، حتى ان البعض منهم يسميه بالانجيل الخامس لما يرون فيه على حد زعمهم من نبوءة تتعلق بالمسيح المصلوب ، واليك - أخي القارىء - نص الاصحاح بحسب ترجمة الفانديك ثم يليه الرد : " 13هُوَذَا عَبْدِي يَعْقِلُ يَتَعَالَى وَيَرْتَقِي وَيَتَسَامَى جِدّاً. 14كَمَا انْدَهَشَ مِنْكَ كَثِيرُونَ. كَانَ مَنْظَرُهُ كَذَا مُفْسَداً أَكْثَرَ مِنَ الرَّجُلِ وَصُورَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ بَنِي آدَمَ. 15هَكَذَا يَنْضِحُ أُمَماً كَثِيرِينَ. مِنْ أَجْلِهِ يَسُدُّ مُلُوكٌ أَفْوَاهَهُمْ لأَنَّهُمْ قَدْ أَبْصَرُوا مَا لَمْ يُخْبَرُوا بِهِ وَمَا لَمْ يَسْمَعُوهُ فَهِمُوهُ. " ( هذه الاعداد الثلاثة الأخيرة من اشعياء 52 وهي ضمن الاصحاح 53 بحسب التراجم الأخرى كالمشتركة والكاثوليكية ) " 1مَنْ صَدَّقَ خَبَرَنَا وَلِمَنِ اسْتُعْلِنَتْ ذِرَاعُ الرَّبِّ؟ 2نَبَتَ قُدَّامَهُ كَفَرْخٍ وَكَعِرْقٍ مِنْ أَرْضٍ يَابِسَةٍ لاَ صُورَةَ لَهُ وَلاَ جَمَالَ فَنَنْظُرَ إِلَيْهِ وَلاَ مَنْظَرَ فَنَشْتَهِيهِ. 3مُحْتَقَرٌ وَمَخْذُولٌ مِنَ النَّاسِ رَجُلُ أَوْجَاعٍ وَمُخْتَبِرُ الْحُزْنِ وَكَمُسَتَّرٍ عَنْهُ وُجُوهُنَا مُحْتَقَرٌ فَلَمْ نَعْتَدَّ بِهِ. 4لَكِنَّ أَحْزَانَنَا حَمَلَهَا وَأَوْجَاعَنَا تَحَمَّلَهَا. وَنَحْنُ حَسِبْنَاهُ مُصَاباً مَضْرُوباً مِنَ اللَّهِ وَمَذْلُولاً. 5وَهُوَ مَجْرُوحٌ لأَجْلِ مَعَاصِينَا مَسْحُوقٌ لأَجْلِ آثَامِنَا. تَأْدِيبُ سَلاَمِنَا عَلَيْهِ وَبِحُبُرِهِ شُفِينَا. 6كُلُّنَا كَغَنَمٍ ضَلَلْنَا. مِلْنَا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى طَرِيقِهِ وَالرَّبُّ وَضَعَ عَلَيْهِ إِثْمَ جَمِيعِنَا. 7ظُلِمَ أَمَّا هُوَ فَتَذَلَّلَ وَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ كَشَاةٍ تُسَاقُ إِلَى الذَّبْحِ وَكَنَعْجَةٍ صَامِتَةٍ أَمَامَ جَازِّيهَا فَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ. 8مِنَ الضُّغْطَةِ وَمِنَ الدَّيْنُونَةِ أُخِذَ. وَفِي جِيلِهِ مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنَّهُ قُطِعَ مِنْ أَرْضِ الأَحْيَاءِ أَنَّهُ ضُرِبَ مِنْ أَجْلِ ذَنْبِ شَعْبِي؟ 9وَجُعِلَ مَعَ الأَشْرَارِ قَبْرُهُ وَمَعَ غَنِيٍّ عِنْدَ مَوْتِهِ. عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ ظُلْماً وَلَمْ يَكُنْ فِي فَمِهِ غِشٌّ. 10أَمَّا الرَّبُّ فَسُرَّ بِأَنْ يَسْحَقَهُ بِالْحُزْنِ. إِنْ جَعَلَ نَفْسَهُ ذَبِيحَةَ إِثْمٍ يَرَى نَسْلاً تَطُولُ أَيَّامُهُ وَمَسَرَّةُ الرَّبِّ بِيَدِهِ تَنْجَحُ. 11مِنْ تَعَبِ نَفْسِهِ يَرَى وَيَشْبَعُ وَعَبْدِي الْبَارُّ بِمَعْرِفَتِهِ يُبَرِّرُ كَثِيرِينَ وَآثَامُهُمْ هُوَ يَحْمِلُهَا. 12لِذَلِكَ أَقْسِمُ لَهُ بَيْنَ الأَعِزَّاءِ وَمَعَ الْعُظَمَاءِ يَقْسِمُ غَنِيمَةً مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ سَكَبَ لِلْمَوْتِ نَفْسَهُ وَأُحْصِيَ مَعَ أَثَمَةٍ وَهُوَ حَمَلَ خَطِيَّةَ كَثِيرِينَ وَشَفَعَ فِي الْمُذْنِبِينَ. " ( إشعيا 52/13 - 53/12 ). ويربط النصارى بينه وبين ما جاء في مرقس " فتم الكتاب القائل : " وأحصي مع أثمة " ( مرقس 15/28)، ومقصوده كما لا يخفى ما جاء في إشعيا " سكب للموت نفسه، وأحصي مع أثمة " ومثله في أعمال الرسل ( أعمال 8/22 - 23 ). الرد : يؤكد اليهود وهم اصحاب الكتاب ولغته الأصليين أن لا علاقة بين هذا الإصحاح في إشعيا، وبين حادثة الصلب المزعومة للمسيح عليه السلام ، فالإصحاح يتحدث عن شعب إسرائيل، وسبيه وذلته في بابل ثم نجاته . الأمر الذي كان بسبب معاصيهم ومعاصي سلفهم، فحاق بهم عقاب من الله عم صالحيهم وفجارهم .. وقبل ان ندخل – عزيزي القارىء – في اثبات هذا الأمر ، علينا ان نعرف أن هذا الإصحاح لا يمكن ان ينطبق على شخصية المسيح التي رسمتها الاناجيل والكنيسة وذلك طبقاً للآتي : اولاً : بحسب الإصحاح فإن من حمل خطية وآثام الكثيرين هو عبد من عباد الله : (( 11 عبدي البار بمعرفته يبرر كثيرين وآثامهم هو يحملها )) وهذا يخالف تماماً عقيدة المسيحيون في الصلب والفداء ، فهم يقولون الفادي هو الله لأنه الوحيد القادر على حمل خطايا البشر ، وبالتالي فإن تمسكهم بهذا الإصحاح سيلزمهم بأن يكون الفادي الذي حمل خطايا البشر المزعومة هو عبد لله وليس ابناً لله وهو ما ينسف فكرة التجسد والكفارة . ثانياً : هذا الإصحاح يتحدث عن عبد قد ظلم : (( 7 ظلم أما هو فتذلل ولم يفتح فاه . )) وأن الرب سر بأن يسحقه بالحزن : (( 10 أما الرب فسر بأن يسحقه بالحزن )) وهذا يناقض اساس مبدأ الصلب القائم على عدل الله بحسب الفكر المسيحي . ثالثاً : نلاحظ بأن العدد العاشر بحسب النص العبري من الاصحاح يتحدث عن عبد قد وعد بأن ستكون له ذرية فعلية أو حقيقية ، ذلك لأن عبارة النص العبري هي هكذا : וַיהוָה חָפֵץ דַּכְּאוֹ, הֶחֱלִי--אִם-תָּשִׂים אָשָׁם נַפְשׁוֹ, יִרְאֶה זֶרַע יַאֲרִיךְ יָמִים; וְחֵפֶץ יְהוָה, בְּיָדוֹ יִצְלָח. وهي تترجم انجليزيا هكذا : And the Lord wished to crush him, He made him ill; if his soul makes itself restitution, he shall see children, he shall prolong his days, and God's purpose shall prosper in his hand. وهذا النص يثير مشكلة كبيرة للكنيسة بسبب ان المسيح عليه السلام لم تكن له أي ذرية من صلبه ، ذلك لأن الكلمة العبرية zerah أو zer'a أي الذرية الواردة في هذا العدد لا تشير إلا للذرية التي هي من صلب الرجل أو من نسله الحقيقي ، أما الكلمة العبرية التي تستخدم للإشارة إلى الأولاد مجازاً فهي ben . وكمثال توضيحي للتفريق بين كلمة Zerah وبين كلمة ben في العبرية فلنقرأ تكوين 15 : 3 – 4 : (( وقال ابرام ايضاً : (( إنك لم تعطني نسلاً Zerah ، وهوذا ابن - ben - بيتي وارث لي )) فإذا كلام الرب إليه قائلاً : (( لا يرثك هذا ، بل الذي يخرج من احشائك هو يرثك )). وكأمثلة كتابية أخرى على استعمال الكلمة العبرية Zerah بمعنى النسل الحقيقي والفعلي انظر تكوين 12 : 7 و تكوين 15 : 13 وتكوين 46 : 6 و خروج 28 : 43 . وبمعنى النسل المجازي ben انظر تثنية 14 : 1 . وبالتالي فإن هذا العبد الموعود بنسل حقيقي فعلي بحسب النص لا يمكن أن ينطبق أبداً على المسيح عليه السلام حسب الاعتقاد المسيحي في المسيح . رابعا: ومن الملاحظ أيضاً ان العدد العاشر بحسب الاصل العبري يعطي وعداً للعبد بطول العمر أي ان الرب سيطيل عمره ، فعبارة النص العبري هكذا : וַיהוָה חָפֵץ דַּכְּאוֹ, הֶחֱלִי--אִם-תָּשִׂים אָשָׁם נַפְשׁוֹ, יִרְאֶה זֶרַע יַאֲרִיךְ יָמִים; וְחֵפֶץ יְהוָה, בְּיָדוֹ יִצְלָח. وهي تترجم انجليزيا هكذا : And the Lord wished to crush him, He made him ill; if his soul makes itself restitution, he shall see children, he shall prolong his days, and God's purpose shall prosper in his hand. وهذا ما يثير أيضا مشكلة كبيرة للكنيسة ذلك لأن التعبير الاصطلاحي العبري للحياة الطويلة الواردة في هذه الآية هي : ( ya'arich yamim ) وهذا التعبير لا يعني حياة خالدة أبدية لا نهاية لها ولكنه يعني حياة فانية ستصل إلى نهايتها على الارض وبالتالي فإن هذه الآية لا يمكن ان تنطبق ابداً على أي كائن يمكن أن يعيش للأبد . وكأمثلة من الكتاب المقدس وردت فيها هذا التعبير الذي لا يدل على الخلود انظر على سبيل المثال تثنية 17 : 20 و 25 : 15 والامثال 28 : 16 وسفر الجامعة 8 : 13 . أما التعبير العبري للحياة الابدية الخالدة فهو ( haye'i olam ) انظر دانيال 12 : 2 . ومن جهة أخرى كيف سيتم اطالة عمر شخص من المفترض انه ابن الله الأزلي ؟ وكنتيجة على ذلك كله فإن انطباق هذه الآية على المسيح هو أمر مستحيل بحسب الفكر اللاهوتي المسيحي للمسيح . خامسا : بحسب الأصل العبري للجزء الأخير من العدد الثامن فإن الكاتب قد اعلنها بكل وضوح لأي شخص ملم بالنص العبري للكتاب المقدس بأن الحديث عن العبد المتألم في الاصحاح انما هو حديث عن جماعة من الناس وليس فردا واحداً ، ويتضح ذلك من خلال استخدام الكاتب لصيغة الجمع في كلامه عنهم . فالنص العبري للعدد الثامن هو هكذا : מֵעֹצֶר וּמִמִּשְׁפָּט לֻקָּח, וְאֶת-דּוֹרוֹ מִי יְשׂוֹחֵחַ: כִּי נִגְזַר מֵאֶרֶץ חַיִּים, מִפֶּשַׁע עַמִּי נֶגַע לָמוֹ. وما يهمنا في هذا العدد هو الجزء الأخير منه : (( M’pesha ami nega lamo )) وهو ما يجعل ترجمة الجزء انجليزياً هكذا : " because of the transgression of my people they were wounded " أي : " هم ضربوا من أجل اثم شعبي " أو " من أجل اثم شعبي لحق بهم الأذى " وكتوضيح بسيط لصيغة الجمع هذه الواردة في العدد المذكور نقول : ان الكلمة العبرية الواردة في العدد هي "lamoh " وهي عندما تسخدم في النص العبري للكتاب المقدس تعنى صيغة الجمع ( هم وليس هو ) ، ويمكن ان نجدها على سبيل المثال في المواضع التالية من أسفار الكتاب : تكوين 9 : 26 ، تثنية 32 : 35 و 33 : 2 ، ايوب 6 : 19 و 14 : 21 و 24 : 17 ، المزامير 2 : 4 و 99 : 7 و 78 : 24 و 119 : 165 ، اشعيا 16 : 4 و23 : 1 و 44 : 7 و 48 : 21 ، مراثي أرميا 1 : 19 ، حبقوق 2 : 7 وبإمكانك – أخي القارىء – ان ترجع للنص العبري ان كنت ملماً به لتتأكد من هذا . وبالتأكيد فإنك لو رجعت للتراجم المسيحية المختلفة فإنك لن تجد هذا المعنى ....ذلك لأنهم لم يعتمدوا النص العبري المسوري في هذا الإصحاح . وبالتالي فإنه من الواضح جداً ان هذا العدد أيضاً لا يمكن ان ينطبق على المسيح عليه السلام سادسا : ان العدد السابع يتكلم عن عبد أخذ كنعجة وكخروف : (( ظلم أما هو فتذلل ولم يفتح فاه كشاه تُساق إلى الذبح وكنعجة صامتة أمام جازيها فلم يفتح فاه )) وبحسب الايمان المسيحي وعلى الاخص الأرثوذكسي فإن المسيح هو الله .. فأي عاقل يستسيغ ان يقال عن الله سبحانه أنه كنعجة وكخروف ؟!!! ثم هل كان المسيح صامتاً كالنعجة ولم يفتح فاه اثناء محاكمته المزعومه واثناء ما كان معلقاً على الصليب ؟ الجواب : بحسب الانجيل فإن المسيح كان يصيح بأعلى صوته وهو على الصليب إلهي إلهي لماذا تركتني !! متى 27 : 46 وكان قبل ذلك يصلي لله قائلاً : (( إن امكن يا ابي فلتعبر عني هذه الكأس . )) متى 26 : 39 . ان الادعاء بأن المسيح كان صامتاً لم يفتح فاه عندما واجه المحاكمة والتعذيب ادعاء مردود بقراءة الآتي من نصوص الاناجيل : لقد سأل بيلاطس يسوع : (( أنت ملك اليهود. أجابه يسوع.. مملكتى ليست من هذا العالم. ولو كانت مملكتى من هذا العالم لكان خُدّامى يجاهدون لكيلا أسلم إلى اليهود. ولكن الآن ليست مملكتى من هنا )) (يوحنا 18: 33-37). دفاع مقنع . لم ينكر موقفه الدينى. لكن مملكته كانت مملكة روحية وكانت رياسته لها كى ينقذ أمته من الرذيلة والإنحلال. ولم يكن هذا الإعتبار يهم الحاكم الرومانى. فيمضى بيلاطس إلى اليهود المنتظرين بالخارج ليرد لهم المتهم الذى لم يثبت عليه الإتهام وهو يقول : (( أنا لم أجد له عِلّة واحدة )) يوحنا 18 : 38 فهل تكلم المسيح وهو مغلق الفم وهو يقدم هذا الدفاع المقنع أمام بيلاطس وكبراء اليهود ؟ وعند مثوله أمام رئيس الكهنة نجده يقول للحارس الذى بادره بالضرب : (( إن كنت قد تكلمت ردياً فاشهد على الردى وإن حسنا فلماذا تضربنى ؟! )) يوحنا 18 : 23 وعليه وببساطة فإن ما جاء في العدد السابع لا ينطبق على المسيح عليه السلام وأنه ليس من الصحيح أن يقال عن المسيح عليه السلام بأنه لم يفتح فاه كنعجة صامته . ومن جهة أخرى علينا ان نلاحظ ان صيغة الحديث قد جاءت بالماضي في قوله : (( ظلم أما هو فتذلل ولم يفتح فاه كشاه تُساق إلى الذبح وكنعجة صامتة أمام جازيها فلم يفتح فاه )) أي ان الحديث عن أمر قد تم وحدث في زمن اشعيا أو قبله ، فإن قيل : ان الفعل الماضي قد يعني المستقبل ، قلنا ان معظم فقرات واصحاحات الكتاب المقدس قد صيغت بالماضي ان لم يكن كله ، فما هو المعيار في ضبط ومعرفة النبوءة المستقبلية ؟ سابعاً : يقول الكاتب في العدد التاسع : (( وجعل مع الأشرار قبره، ومع غني عند موته )) ولا يمكن حمل هذه العبارة على المسيح المدفون بحسب الاناجيل وحده في بستان، في قبر جديد، لم يدفن فيه معه لا شرير ولا غني. ثامناً : بحسب العدد الثاني عشر نجد ان الرب يقدم للعبد وعداً هذا نصه : (( لذلك أقسم له بين الأعزاء ومع العظماء يقسم غنيمة )) وبحسب ترجمة الحياة هكذا النص : (( لذلك أهبه نصيباً بين العظماء .. )) والسؤال الذي يطرح نفسه هو إذا كان المسيح هو الاله المتجسد بحسب الفكر المسيحي فهل فكرة الثواب أو المكافأة للمسيح تحمل أي معنى ؟! هل الإله يكافىء نفسه ؟! تاسعاً : يصف الكاتب في العدد الثالث هذا العبد قائلاً : (( محتقر ومخذول من الناس ... محتقر فلم نعتد به )) بينما المسيح عليه السلام بحسب الاناجيل موصوف بعبارات تفضيلية هي مغايرة تماماً لشخص يوصف بالاحتقار .. فعلى سبيل المثال : لقد كانت الجموع العظيمة تسميه بالنبي العظيم : (( قد قام فينا نبي عظيم )) لوقا 7 : 16 وعندما دخل المسيح عليه السلام القدس انطلقت صيحة التهليل من الجموع الكبيرة قائلةً : (( هذا يسوع النبي من ناصرة الجليل !! )) متى 21 : 11 ، 12 . وهو الذي كان يعلم في المجامع ممجداً من الجميع !! (( وكان يعلم في مجامعهم ممجداً من الجميع )) لوقا 4 : 15 لاحظ لفظ ( الجميع ) وهو الرجل الذي ذاع صيته وتبعته جموع كثيرة من الجليل والعشر المدن وأورشليم واليهودية ومن عبر الأردن . متى 4 : 25 وهو الذي كان يلقى بترحيب من الجموع الكبيرة لوقا 8 : 40 وطبقاً للأناجيل فإن الشعبية التي كان يتمتع بها المسيح عليه السلام جعلت من الضروري ان يؤخذ المسيح خلسة للقتل حيث كان رؤساء الكهنة يخشون تظاهرات الناس . مرقس 14 : 2 وحتى عندما سيق للصلب المزعوم بحسب الاناجيل فقد تبعه جمهور كبير من الشعب وكان النساء يلطمن صدورهن وينحن عليه . لوقا 23 : 27 الخلاصة ان محتويات الاناجيل تدل على أن المسيح كان يتمتع بشعبية كبيرة واتباع كثيرين وكنتيجة لذلك فإنه لا يمكن ان ينطبق وصف النبي اشعيا للعبد بأنه : (( محتقر فلم نعتد به )) على المسيح عليه السلام. وكما قد ذكرنا - أخي القاريء - في البداية فإن اصحاح 53 من اشعيا يتحدث عن شعب اسرائيل كأمة آثمة وعن البقية التقية الصالحة من هذا الشعب الذي قد تم سبيه وذلته في بابل ثم نجاته ، فهو أي الاصحاح 53 يعتبر نظرة شاملة مجازية مجسمة لما جرى لهذا الشعب ، ولكي نستطيع فهم ذلك فهناك نقطتين يجب ان نضعهما في عين الاعتبار وهما مما يغفل عنهما الكثيرون : النقطة الأولى : ان هذا الاصحاح هو في الواقع استمرارية للفقرة 13 من الاصحاح 52 بحسب ترجمة الفانديك أي انه اصحاح متصل ومرتبط بالاصحاح الذي قبله كرسالة مستمرة ، وان الاصحاح 52 يعتبر ضمن قصيدة كبيرة ممتدة من الاصحاح 51 حتى 52 : 15 في إحياء أورشليم المسبية وبالتالي فإن اصحاح اشعيا 53 سيصبح مفهوماً بصورة صحيحة فقط إذا ما قرىء ضمن السياق العام لهذه القصيدة الكبيرة . النقطة الثانية : ان كل قارىء جيد للتوراة يعرف انه شاع وكثر فيها الحديث عن شعب اسرائيل بصورة فردية تجسيمية مجازية وكيف ان هذا الشعب خوطب وسمي بالعبد بصيغة مفردة في مواضع كثيرة من التوراة ، فعلى سبيل المثال ورد في ارميا 30 : 10 قول الرب : (( اما انت يا عبدي يعقوب فلا تخف يقول الرب ولا ترتعب يا اسرائيل لاني هانذا اخلصك من بعيد ونسلك من ارض سبيه فيرجع يعقوب ويطمئن ويستريح ولا مزعج .. )) وفي اشعيا 45 : 4 يقول الرب : (( لأجل عبدي يعقوب ، واسرائيل مختاري دعوتك باسمي ... )) وفي إشعيا 43 : 1 – 3 : (( يقول الرب، خالقك يا يعقوب، وجابلك يا إسرائيل..... )) ، ومثله في إشعيا 41 : 8 ، والمقصود من ذلك كله شعب إسرائيل. وانظر ايضاً اشعيا 48 : 20 و اشعيا 49 : 3 و ارميا 46 : 27 و مزمور 136 : 22 و لوقا 1 : 54 .وان نحن قرأنا العدد الثالث من اشعيا 49 سنجد انه قد تم تحديد هوية العبد الذي يجري عنه الحديث صراحةً على انه اسرائيل ، فالرب يقول : (( اسمعي لي أيتها الجزائر واصغوا أيها الأمم من بعيد : الرب من البطن دعاني . من أحشاء أمي ذكر أسمي . وجعل فمي كسيف حاد . في ظل يده خبأني وجعلني سهماً مبرياً . في كنانته أخفاني . وقال لي : (( أنت عبدي إسرائيل الذي به اتمجد )) .... والآن قال الرب جابلي من البطن عبداً له .. )) ان قوله : (( أنت عبدي اسرائيل )) وبحسب الترجمة الكاثوليكية : (( انت عبدي يا اسرائيل )) يوضح لنا ان ما ورد من كلام وما سيرد هو تشخيص لمعنى وتجسيم مجازي لإسرائيل . حتى ان العدد الخامس قد وصف هذا العبد بأنه مخلوق : (( جابلي من البطن عبدا له )) ... ومعنى كلمة جابلي أي خالقي ففي رسالة رومية 9 : 20 : (( . ألعل الجبلة تقول لجابلها لماذا صنعتني هكذا. )) وانظر اش 27 : 11 . وبناء على هذه الشواهد وعلى ما قد ذكر فإنه صار من السهل معرفة من هو المقصود بالعبد المتألم في اشعيا 52 : 13 والذي سيعقل ويتعالى ويرتقى ويتسامى جداً بعد سبي وحبس وعبودية في بابل !! ولكي تتجلى لنا الصورة سنذكر ما جاء في الاصحاح 51 و 52 حتى نصل للأصحاح 53 مع بعض التعليقات والتوضيحات : 51 : 9 – 11(( اِسْتَيْقِظِي اسْتَيْقِظِي! الْبِسِي قُوَّةً يَا ذِرَاعَ الرَّبِّ! اسْتَيْقِظِي كَمَا فِي أَيَّامِ الْقِدَمِ كَمَا فِي الأَدْوَارِ الْقَدِيمَةِ. أَلَسْتِ أَنْتِ الْقَاطِعَةَ رَهَبَ الطَّاعِنَةَ التِّنِّينَ؟ 10أَلَسْتِ أَنْتِ هِيَ الْمُنَشِّفَةَ الْبَحْرَ مِيَاهَ الْغَمْرِ الْعَظِيمِ الْجَاعِلَةَ أَعْمَاقَ الْبَحْرِ طَرِيقاً لِعُبُورِ الْمَفْدِيِّينَ؟ 11وَمَفْدِيُّو الرَّبِّ يَرْجِعُونَ وَيَأْتُونَ إِلَى صِهْيَوْنَ بِالتَّرَنُّمِ وَعَلَى رُؤُوسِهِمْ فَرَحٌ أَبَدِيٌّ. ابْتِهَاجٌ وَفَرَحٌ يُدْرِكَانِهِمْ. يَهْرُبُ الْحُزْنُ وَالتَّنَهُّدُ. )) نجد هنا ان الرب سيجدد عجائب الماضي وانتصاره على قوات الخواء الأول وعبور البحر ، ليعيد المسبيين في بابل الي صهيون . ذلك لأن الأمة تصرخ طالبة تدخل الله فتجاب بكلام التعزية والتشجيع كما سيأتي . 51 : 12 ، 13 ( أَنَا أَنَا هُوَ مُعَزِّيكُمْ. مَنْ أَنْتِ حَتَّى تَخَافِي مِنْ إِنْسَانٍ يَمُوتُ وَمِنِ ابْنِ الإِنْسَانِ الَّذِي يُجْعَلُ كَالْعُشْبِ؟ 13وَتَنْسَى الرَّبَّ صَانِعَكَ بَاسِطَ السَّمَاوَاتِ وَمُؤَسِّسَ الأَرْضِ وَتَفْزَعُ دَائِماً كُلَّ يَوْمٍ مِنْ غَضَبِ الْمُضَايِقِ عِنْدَمَا هَيَّأَ لِلإِهْلاَكِ. وَأَيْنَ غَضَبُ الْمُضَايِقِ؟ )) هنا نجد ان الرب يتكلم ليشدد عزيمة اسرائيل المسبية . وكيف انه كان عليهم أن يدركوا أن قوة الله اعظم جداً من قوة بابل 51 : 14 – 16 ( سَرِيعاً يُطْلَقُ الْمُنْحَنِي وَلاَ يَمُوتُ فِي الْجُبِّ وَلاَ يُعْدَمُ خُبْزُهُ. 15وَأَنَا الرَّبُّ إِلَهُكَ مُزْعِجُ الْبَحْرِ فَتَعِجُّ لُجَجُهُ. رَبُّ الْجُنُودِ اسْمُهُ. 16وَقَدْ جَعَلْتُ أَقْوَالِي فِي فَمِكَ وَبِظِلِّ يَدِي سَتَرْتُكَ لِغَرْسِ السَّمَاوَاتِ وَتَأْسِيسِ الأَرْضِ وَلِتَقُولَ لِصِهْيَوْنَ : أَنْتِ شَعْبِي. )) هنا اشارة إلى فك الأسر ورد السبي ، ونجد بوضوح كيف ان شعب اسرائيل يستعار بصورة فردية كأسير محبوس في جب . والذي سيقول عنه الرب كما سنرى بعد قليل عندما ينتهي حبسه وسبيه في 52 : 13 : (( هوذا عبدي يعقل ، يتعالى ويرتقي ويتسامى جداً ... الى آخر الاصحاح الثالث والخمسين . ))51 : 17 – 23 : (( اِنْهَضِي انْهَضِي! قُومِي يَا أُورُشَلِيمُ الَّتِي شَرِبْتِ مِنْ يَدِ الرَّبِّ كَأْسَ غَضَبِهِ. ثُفْلَ كَأْسِ التَّرَنُّحِ شَرِبْتِ. مَصَصْتِ. لَيْسَ لَهَا مَنْ يَقُودُهَا مِنْ جَمِيعِ الْبَنِينَ الَّذِينَ وَلَدَتْهُمْ وَلَيْسَ مَنْ يُمْسِكُ بِيَدِهَا مِنْ جَمِيعِ الْبَنِينَ الَّذِينَ رَبَّتْهُمْ. 19اِثْنَانِ هُمَا مُلاَقِيَاكِ. مَنْ يَرْثِي لَكِ؟ الْخَرَابُ وَالاِنْسِحَاقُ وَالْجُوعُ وَالسَّيْفُ يَرْثِي لَكِ؟ الْخَرَابُ وَالاِنْسِحَاقُ وَالْجُوعُ وَالسَّيْفُ. بِمَنْ أُعَزِّيكِ؟ 20بَنُوكِ قَدْ أَعْيُوا. اضْطَجَعُوا فِي رَأْسِ كُلِّ زُقَاقٍ كَالْوَعْلِ فِي شَبَكَةٍ. الْمَلآنُونَ مِنْ غَضَبِ الرَّبِّ مِنْ زَجْرَةِ إِلَهِكِ. 21لِذَلِكَ اسْمَعِي هَذَا أَيَّتُهَا الْبَائِسَةُ وَالسَّكْرَى وَلَيْسَ بِالْخَمْرِ. 22هَكَذَا قَالَ سَيِّدُكِ الرَّبُّ وَإِلَهُكِ الَّذِي يُحَاكِمُ لِشَعْبِهِ: «هَئَنَذَا قَدْ أَخَذْتُ مِنْ يَدِكِ كَأْسَ التَّرَنُّحِ ثُفْلَ كَأْسِ غَضَبِي. لاَ تَعُودِينَ تَشْرَبِينَهَا فِي مَا بَعْدُ. 23وَأَضَعُهَا فِي يَدِ مُعَذِّبِيكِ الَّذِينَ قَالُوا لِنَفْسِكِ: انْحَنِي لِنَعْبُرَ فَوَضَعْتِ كَالأَرْضِ ظَهْرَكِ وَكَالزُّقَاقِ لِلْعَابِرِينَ». ))هنا نجد ان الرب يظهر لشعبه الآلآم الناجمة عن الخطية ويعدهم بالنجاة ، حيث تؤخذ الكأس من يد اسرائيل المرتجفة ، وتدفع إلى يد معذبيها والمستعلين عليها . اَلأَصْحَاحُ الثَّانِي وَالْخَمْسُونَ : (( اِسْتَيْقِظِي اسْتَيْقِظِي! الْبِسِي عِزَّكِ يَا صِهْيَوْنُ! الْبِسِي ثِيَابَ جَمَالِكِ يَا أُورُشَلِيمُ الْمَدِينَةُ الْمُقَدَّسَةُ لأَنَّهُ لاَ يَعُودُ يَدْخُلُكِ فِي مَا بَعْدُ أَغْلَفُ وَلاَ نَجِسٌ. 2اِنْتَفِضِي مِنَ التُّرَابِ. قُومِي اجْلِسِي يَا أُورُشَلِيمُ. انْحَلِّي مِنْ رُبُطِ عُنُقِكِ أَيَّتُهَا الْمَسْبِيَّةُ ابْنَةُ صِهْيَوْنَ. 3فَإِنَّهُ هَكَذَا قَالَ الرَّبُّ: «مَجَّاناً بُعْتُمْ وَبِلاَ فِضَّةٍ تُفَكُّونَ». 4لأَنَّهُ هَكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: «إِلَى مِصْرَ نَزَلَ شَعْبِي أَوَّلاً لِيَتَغَرَّبَ هُنَاكَ. ثُمَّ ظَلَمَهُ أَشُّورُ بِلاَ سَبَبٍ. 5 فَالآنَ مَاذَا لِي هُنَا يَقُولُ الرَّبُّ حَتَّى أُخِذَ شَعْبِي مَجَّاناً؟ الْمُتَسَلِّطُونَ عَلَيْهِ يَصِيحُونَ يَقُولُ الرَّبُّ وَدَائِماً كُلَّ يَوْمٍ اسْمِي يُهَانُ. وفي الترجمة العربية المشتركة للكتاب المقدس نجد العدد الخامس هكذا : (( والآنَ ماذا لي هُنا في بابِلَ؟ شعبي أُخذَ بغَيرِ ثمَنٍ، وحُكَّامُهُ يُهَلِّلونَ، واَسمي يُهانُ كُلَ يومِ بلا اَنقِطاعِ. )) لِذَلِكَ يَعْرِفُ شَعْبِيَ اسْمِي. لِذَلِكَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ يَعْرِفُونَ أَنِّي أَنَا هُوَ الْمُتَكَلِّمُ. هَئَنَذَا». 7مَا أَجْمَلَ عَلَى الْجِبَالِ قَدَمَيِ الْمُبَشِّرِ الْمُخْبِرِ بِالسَّلاَمِ الْمُبَشِّرِ بِالْخَيْرِ الْمُخْبِرِ بِالْخَلاَصِ الْقَائِلِ لِصِهْيَوْنَ: «قَدْ مَلَكَ إِلَهُكِ!» 8صَوْتُ مُرَاقِبِيكِ. يَرْفَعُونَ صَوْتَهُمْ. يَتَرَنَّمُونَ مَعاً لأَنَّهُمْ يُبْصِرُونَ عَيْناً لِعَيْنٍ عَُِنْدَ رُجُوعِ الرَّبِّ إِلَى صِهْيَوْنَ. 9أَشِيدِي تَرَنَّمِي مَعاً يَا خِرَبَ أُورُشَلِيمَ لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ عَزَّى شَعْبَهُ. فَدَى أُورُشَلِيمَ. 10قَدْ شَمَّرَ الرَّبُّ عَنْ ذِرَاعِ قُدْسِهِ أَمَامَ عُيُونِ كُلِّ الأُمَمِ فَتَرَى كُلُّ أَطْرَافِ الأَرْضِ خَلاَصَ إِلَهِنَا. 11اِعْتَزِلُوا. اعْتَزِلُوا. اخْرُجُوا مِنْ هُنَاكَ. لاَ تَمَسُّوا نَجِساً. اخْرُجُوا مِنْ وَسَطِهَا. تَطَهَّرُوا يَا حَامِلِي آنِيَةِ الرَّبِّ. وفي الترجمة العربية المشتركة للكتاب المقدس نجد العدد الحادي عشر هكذا : ((11سيروا، سيروا. اَخرُجوا ولا تمَسُّوا نجسًا. اَخرُجوا مِنْ بابِلَ وتطَهَّروا يا حامِلي آنيةِ الرّبِّ. )) 12لأَنَّكُمْ لاَ تَخْرُجُونَ بِالْعَجَلَةِ وَلاَ تَذْهَبُونَ هَارِبِينَ. لأَنَّ الرَّبَّ سَائِرٌ أَمَامَكُمْ وَإِلَهَ إِسْرَائِيلَ يَجْمَعُ سَاقَتَكُمْ. 13هُوَذَا عَبْدِي يَعْقِلُ يَتَعَالَى وَيَرْتَقِي وَيَتَسَامَى جِدّاً. 14كَمَا انْدَهَشَ مِنْكَ كَثِيرُونَ. كَانَ مَنْظَرُهُ كَذَا مُفْسَداً أَكْثَرَ مِنَ الرَّجُلِ وَصُورَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ بَنِي آدَمَ. 15هَكَذَا يَنْضِحُ أُمَماً كَثِيرِينَ. مِنْ أَجْلِهِ يَسُدُّ مُلُوكٌ أَفْوَاهَهُمْ لأَنَّهُمْ قَدْ أَبْصَرُوا مَا لَمْ يُخْبَرُوا بِهِ وَمَا لَمْ يَسْمَعُوهُ فَهِمُوهُ. )) والآن عزيزي القارىء من هو هذا العبد الذي يتعالى ويرتقى ويتسامى ؟ أليسوا هم شعب اسرائيل لا سيما البقية التقية الصالحة منهم العائدة من السبي والحبس في بابل ؟؟؟ وان نحن دخلنا في الاصحاح 53 نجد ان العدد الأول يقول : (( من صدق خبرنا ولمن استعلنت ذراع الرب ؟ )) ومن خلال اسفار الكتاب المقدس سنجد ان عبارة : (( ذراع الرب )) دائما ما تشير إلى الأنقاذ أو التحرير الفعلي للشعب اليهودي من اضطهاد الغير لهم . انظر على سبيل المثال : اشعيا 63 : 12 و تثنية 4 : 34 و تثنية 7 : 19 والمزامير 44 : 3 . وهذه الذراع التي قد استعلنت هي التي كان قد تحدث عنها اشعيا قبل قليل في 52 : 9 - 10 : من انها ستعمل على استراداد المسبيين في بابل : (( أَشِيدِي تَرَنَّمِي مَعاً يَا خِرَبَ أُورُشَلِيمَ لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ عَزَّى شَعْبَهُ. فَدَى أُورُشَلِيمَ. 10قَدْ شَمَّرَ الرَّبُّ عَنْ ذِرَاعِ قُدْسِهِ أَمَامَ عُيُونِ كُلِّ الأُمَمِ فَتَرَى كُلُّ أَطْرَافِ الأَرْضِ خَلاَصَ إِلَهِنَا. )) ثم يتحدث اشعيا عن عودة العبد ( اسرائيل ) من أرض السبي فيقول : (( نبت قدامَه كفرخ، وكعرق في أرض يابسة )) فقد عادوا للأرض المقدسة، ونبتوا فيها، من جديد، كما في سفر النبي إرمياء : (( وأجعل عيني عليهم للخير، وأرجعهم إلى هذه الأرض، وأبنيهم ولا أهدمهم، وأغرسهم، ولا أقلعهم )) (إرمياء 24/6)، وقوله : (( وأفرح بهم لأحسن إليهم، وأغرسهم في هذه الأرض بالأمانة بكل قلبي وبكل نفسي )) (إرمياء 32/41). (وانظر إرمياء 31/27-28). وقد تغيرت صورتهم بسبب الذل فكان الشعب : (( محتقر مخذول .. رجل أوجاع ومختبر الحزن )) وقوله : (( لكن أحزاننا حملها ، وأوجاعنا تحملها ونحن حسبناه مصاباً مضروباً من الله ومذلولاً ...)) أي ان العبد ( اسرائيل ) كان في حالة خضوع لعقاب إلهي قد عم الصالح المتبقي من الشعب ، وهو ما تم توضيحه في العدد الثامن بحسب الاصل العبري في صيغة الجمع : (( هم ضربوا من أجل ذنب شعبي )) حيث كانت معاناة العبد ( إسرائيل ) نابعة من إثم هذا الشعب ، فقد شمل البؤس بررة بني إسرائيل وعصاتهم، ولا غرابة في ذلك فربنا سبحانه وتعالى يقول : (( وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (( (الأنفال : 125) ولذلك نجد النص يقول : (( والرب وضع عليه إثم جميعنا )) وهو ما يفسره قول إرميا وقد شاهد الأسر البابلي : (( آباؤنا أخطؤوا، وليسوا بموجودين، ونحن نحمل آثامهم، عبيد حكموا علينا، ليس من يخلص من أيديهم، جلودنا اسودت من جري نيران الجوع )) (المراثي 5/7-10). وقوله : (( ظلم أما هو فتذلل )) كقوله (( ثم ظلمه آشور بلا سبب )) ( إشعيا 52/4 )، وكقوله : (( إن بني إسرائيل وبني يهوذا معاً مظلومون )) ( إرميا 50/33 ). وأما قوله : (( كشاة تساق إلى الذبح.... )) فهو حديث عن ملك بابل، وقد ساق بني إسرائيل، كما تساق الشياه إلى الذبح، كما في قول ارميا : (( أنزلهم كخراف للذبح، وككباش مع أعتدة )) ( إرميا 51/40 ) فمات أكثرهم جوعاً. وقوله : (( وجعل مع الأشرار قبره، ومع غني عند موته )) أي أن دفنهم في بابل كان مع الوثنيين، ولا يمكن حمله على المسيح المدفون وحده في بستان، في قبر جديد، لم يدفن فيه معه لا شرير ولا غني. وقوله : (( فسَّر أن يسحقه بالحزن، أن جعل نفسه ذبيحة إثم، يرى نسلاً تطول أيامه )) وفي النسخة الكاثوليكية يتضح المعنى أكثر : (( والرب رضي أن يسحقه بالعاهات، فإنه إذا جعل نفسه ذبيحة إثم يرى ذرية، وتطول أيامه )) ، فهو إشارة لرجوعهم إلى وطنهم، وتعايشهم وتوالدهم في فلسطين بعد السبي وآلامه وعاهاته وبلاياه. وقوله : (( على أنه لم يعمل ظلماً، ولم يكن في فمه غش )) هو كقوله عن البقية التقية من بني اسرائيل في سفر صفنيا 3 : 13 : (( بقية إسرائيل لا يفعلون إثماً ، ولا يتكلمون بالكذب ، ولا يوجد في أفواههم لسان غش )) وقيل هو حديث عن طهر أولئك الذين يعودون من السبي كما في ارميا : (( يقول الرب : لأني أصفح عن إثمهم، ولا أذكر خطيتهم بعد )) (إرمياء 31/34)، كما قال عنهم : (( وأرد سبي يهوذا وسبي إسرائيل وأبنيهم كالأول، وأطهرهم من كل إثمهم الذي أخطؤوا به إليّ، وأغفر كل ذنوبهم التي أخطؤوا بها إليّ والتي عصوا بها عليّ )) (إرمياء 33/7-8). وأما قوله : (( عبدي البار بمعرفته يبرر كثيرون، وآثامهم هو يحملها )) يتحدث كيف شمل البؤس بررة بني إسرائيل وعصاتهم، كما قال الله : (( وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ )) (الأنفال : 125) وإكراماً لهؤلاء البررة من بني إسرائيل، طهرهم الله من ذنبهم، ورفع عنهم هذه العقوبة، كما في إرميا : (( في تلك الأيام يطلب إثم إسرائيل فلا يكون، وخطية يهوذا فلا توجد، لأني أغفر لمن أبقيه )) (إرميا 50/20)، فقد حملوا خطيئة آبائهم، ثم غفرت ذنوبهم. وقوله : (( أحصي مع أثمة )) يحكى عن وجود بني إسرائيل مع الوثنيين في بابل، ولا يصح أن يقال: الأثمة هما اللصان، إذ قد وعد أحدهما الفردوس، فكيف يوصف بعد ذلك بالآثم ؟! وهكذا فالإصحاح يتحدث بنظرة شاملة مجازية مجسمة عن شعب إسرائيل ، وسبيه، وذلته، ثم نجاته. وهذا هو مفهوم النص عند اليهود وهم أصحاب الكتاب الأصليين.إبطال صلب المسيح بنبوءات وأخبار الأناجيل والرسائل هل تنبأ المسيح بصلبه؟ تتحدث الأناجيل الأربعة عن صلب المسيح، كخاتمة لوجوده على الأرض، ولكن: هل تنبأ المسيح بأنه سيصلب ؟ وهل عرف بذلك تلاميذه ؟ لا تخطئ عين الناظر في الأناجيل أن ترى أن الإنجيليين نقلوا عن المسيح تنبؤه بتعرضه لمؤامرة تودي به إلى الموت والصلب، فهل تصح هذه الأقوال في نسبتها إلى السيد المسيح؟ الحقيقة أن خبر تنبؤ المسيح بقتله أو صلبه (انظر متى 17/22 و20/16، 26/2، 26/23)، قول دخيل على الأناجيل، ملحق بها، والأدلة على ذلك تتضح باستقراء عدد من الملاحظات التي يقوي بعضها بعضاً: • أن العبارة في إنجيل متى والتي يخبر فيها المسيح عن مؤامرة يتعرض لها ابن الإنسان وتودي به إلى الموت وردت بلا مقدمة، ولا مناسبة، ولا تعليق عليها من قبل الحواريين، حتى وكأنها تتحدث عن حدث عادي، فلئن صحت، دل ذلك على أن ابن الإنسان المصلوب المسلّم لأيدي الخطاة، هو غير المسيح. • تتحدث المواضع الأربعة – التي ذكرت تنبؤه بالموت - عن تسليم ابن الإنسان، وقتله أو صلبه، ولا تنص على عيسى، لكن اللفظ – وإن تبادر في الذهن إلى المسيح – فإنه يصح أن يطلق على غيره، بدليل أنهم سألوه عن ابن الإنسان مَن هو بقولهم: "كيف تقول أنت: إنه ينبغي أن يرتفع ابن الإنسان؟ من هو هذا ابن الإنسان؟" ( يوحنا 12/34 ) ولو كان هذا اللقب بالمسيح خاصاً لما كان في سؤالهم وجه. • يقترن وصف الأناجيل الثلاثة لردة فعل التلاميذ حيال هذا الخبر بكثير من الغرابة، ففي متى ( 26/1 - 2 ) لم يذكر لهم حساً ولا خبراً، بيد أنه في ( متى 26/23 ) ذكر بأنهم " حزنوا جداً"، ويفهم منه أنهم فهموا مراده فحزنوا، لكن مرقس يقول: " وأما هم فلم يفهموا القول، وخافوا أن يسألوه " ( مرقس 9/32 )، ويؤكد لوقا هذا بقوله: " وأما هم فلم يفهموا من ذلك شيئاً، وكان هذا الأمر مخفياً عنهم، ولم يعلموا ما قيل ". • وإضافة إلى تناقض النصوص، فإن في خوف التلاميذ من المسيح وترددهم في سؤاله ما يدعو للعجب، فقد عرف عليه الصلاة والسلام بدماثة خلقه، وبتحببه لهم، حتى إنه غسل أرجلهم، وكثيراً ما كانوا يسألوه، فِلمْ لم يسألونه في هذا الأمر الخطير؟ • ذكر الإنجيليون الثلاثة الذين ذكروا الخبر بأن المسيح سيقوم في اليوم الثالث ( انظر متى 17/23، مرقس 9/32، لوقا 18/33 )، وهذا لم يحصل، بل مكث ما لا يزيد بحال عن ليلتين ويوم. • ومما يدل على عدم صحة التنبؤ بالصلب والقتل: فرار التلاميذ، وفيهم بطرس الذي قال له المسيح: "طلبت من أجلك لكي لا يفنى إيمانك، وأنت متى رجعت ثبت إخوتك، فقال له: يا رب، إني مستعد أن أمضي معك، حتى إلى السجن، وإلى الموت " ( لوقا 22/32 - 34 )، فدل هذا على معرفتهم بأن المأخوذ غيره، كما قد عرفوا ذلك فهربوا، وقد قال عنهم المسيح: "الذين أعطيتني حفظتهم، ولم يهلك منهم أحد إلا ابن الهلاك " (يوحنا 17/12 ). ثم بعد ذلك ولأن أمر المصلوب لا يهمهم وقد عرفوا بنجاة سيدهم لم يهتموا بمتابعة المصلوب وهو على الصليب، أو في أثناء المحاكمة، إلا ما جاء عن بطرس ويوحنا وبعض النسوة. كما تذكر الأناجيل دليلاً آخر يشهد على عدم صحة هذه النبوءات المتنبئة بصلب المسيح، بل تدلل على أن المسيح تنبأ بنجاته، وأن التلاميذ فهموا منه ذلك قول مرقس أن المسيح قال لتلاميذه: " كلكم تشكون فيَّ في هذه الليلة " ( مرقس 14/27 ). هذا ولا تذكر الأناجيل شيئاً عن شك التلاميذ، سوى ما ذكرته عن بطرس الذي أنكر المأخوذ ثلاث مرات ليلة المحاكمة، وأما الآخرون فصمت مطبق، فكيف شك التلاميذ ؟ لقد شك التلاميذ في المسيح وهم يرون المأخوذ من البستان (يهوذا) وقد قبض عليه، وظنوه المسيح، فوقعوا فيما حذرهم منه المسيح، وهو الشك فيه، لقد كان أخبرهم بنجاته من المؤامرة ثم يرون أنه قد أخذ ولم ينجو. ويوضح العلامة أحمد عبد الوهاب هذه المسألة ، فيقول بأن الشك هو تراجع داخل النفس، ويستشهد لتفسيره بما جاء في غير الترجمة العربية، فالنص في التراجم الأخرى تعريبه هكذا: " كلكم ترتدون عن عقيدتكم وتزلون ". ويفرق بين الإنكار والشك، فالشك عمل قلبي، والإنكار: قد ينكر الإنسان بلسانه ما يعتقده في قلبه، والذي وقع من التلاميذ شك لا إنكار. فلقد آمن التلاميذ بالمسيح، وصدقوه فيما تنبأ به، فإذا رأوا ما اعتبروه مخالفاً لنبوءاته، فسوف يحصل منهم الشك، والردة عن العقيدة. ويورد الأستاذ أحمد عبد الوهاب احتمالين: الأول: أن يكون المسيح قد تنبأ لتلاميذه بأن مؤامرة ستدبر ضده، وستُحدث له ألماً ومعاناة، إلا أنها ستفشل، وسينقذه الله من القتل، كما في قوله: " ستطلبونني ولا تجدونني ". وهذا الذي حصل ولم يشاهده التلاميذ، بل هم قد رأوا ما حسبوه وظنوه نقيضَه، فقد رأوا المسيح مأخوذاً مصلوباً، فوقعوا في الشك فيه، لأن كلامه لم يتحقق، وهذا هو الصحيح. والثاني: أن المسيح تنبأ بأن المؤامرة ستنتهي بقتله، وليس هناك ما يدعو للشك والارتياب حسب هذه الصورة، سواء تحقق قوله أم لم يتحقق، إذ تحققه تصديق لقوله، وتخلُفه إكرام من الله له وحفظ ورعاية. وهذا الفرض خاطئ، ويدحضه العود إلى لحظة القبض على المسيح، حيث نجد أن التلاميذ جميعاً قد هربوا، وتركوا المسيح وحده. ويبدو هنا شكهم واضحاً، لقد حصل أمام التلاميذ ما لم يتوقعوه – فيما يظهر لهم -، أي ما لم يتنبأ به المسيح. فلئن كان أخبرهم بأن سيُقبض عليه وسيقتل، فليس ثمة ما يثير الشك، وإن كان الاحتمال الأول بأنه سينجو، وأن المؤامرة ستفشل، ولكنهم يجدونه - فيما يظهر لهم - قد قبض عليه، ولم تتحقق نبوءته، فحينئذ وقعوا في الشك إذاً فلقد تحقق الشك، حين حسبوا المسيح هو المأخوذ والمصلوب، وقد كان أخبرهم بنجاته، كما قد سمعوا منه مراراً، كما سيأتي تفصيله. وأما سيء الذكر في الأناجيل - بطرس-، فإنه الوحيد من بين التلاميذ الذي ذكر أصحاب الأناجيل شكه، ويتمثل شكه عند النصارى في تنكره للمسيح، قبل أن يصيح الديك صباح تلك الليلة مرة أو مرتين على خلاف بين متى ومرقس. لكن أحمد عبد الوهاب يفرق مرة أخرى بين الشك والإنكار، فما حصل من بطرس في القصة الإنجيلية هو إنكار، وليس بشك، فقد ينكر الإنسان بلسانه ما يعتقده بقلبه، لكن ما وقع فيه بطرس كان شكاً كذاك الذي وقع فيه التلاميذ، لقد سمع من المسيح تنبأه بنجاته، فإذا به يصحو من نومه في البستان، ويراه مأخوذاً، كما خيل له، فوقع منه الشك في المسيح، ثم الإنكار له في مجمع الظلمة. ولو فرضنا جدلاً أن المسيح تنبأ بصلبه وقتله، فإن ذلك لا يمنع بالضرورة أن يصرف الله قضاءه عن المسيح ، فينجيه، ولذا فإن المسيح كان يناجي الله طالباً منه صرف كأس الموت عنه، فدعاؤه الطويل في البستان دليل على يقينه بإمكانية النجاة ، وإلا كان دعاؤه نوعاً من العبث وإضاعة الوقت فيما لا طائل من ورائه. لقد تضرع المسيح ودعا طويلاً في البستان، وطلب من الله أن يصرف كأس الموت والصلب عنه، فهل كان المسيح يجهل أنه سيصلب؟ وإذا كان يعلم أنه سيصلب فما فائدة هذا الدعاء والتضرع؟ أقول: إن قيام المسيح بالدعاء والتضرع لله في البستان دليل على ثقته بأن الله سيستجيب له. وهل يليق أن يقال بأن الله رد المسيح خائباً بعد هذا التضرع والدعاء، فمثل هذا لا يحصل إلا مع عصاة العباد الذين لا يستحقون رحمة الله ومحبته. فاستجابة الله للأنبياء والصالحين حال دعائهم أمر مشهود، فقد وعد رسله بالنجاة ؛ كما في رسالة يعقوب " صلاة الإيمان تشفي المريض، والرب يقيمه … طلبة البار تقتدر كثيراً في فعلها، كان إيليا إنساناً تحت الآلام، ومثلنا صلى صلاة أن لا تمطر، فلم تمطر على الأرض ثلاث سنين وستة أشهر، ثم صلى أيضاً، فأعطت السماء مطراً، وأخرجت الأرض ثمرها " ( يعقوب 5/15 – 18). وقد استجاب الله عز وجل لإبراهيم لما أمره بذبح ابنه، فامتثل لأمر الله، فأنجى الله ابنه واستجاب له طلبه. ويؤكد العلامة ديدات على قرينة وحدة أفعال الله، لإبطال صلب المسيح والحكم بنجاته، فقد نجى الله النبي دانيال، وإبراهيم، والفتية الثلاثة الذين ألقوا في النار. أما نجاة إبراهيم، فقد ذكرت في قوله تعالى: قالوا حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين قلنا يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم فأرادوا به كيداً فجعلناهم الأخسرين (الأنبياء: 68 - 70). وأما دانيال، فقد ألقاه الملك في جُبَّ مع الأُسود، وختم الجب بخاتمه، ثم لما فتحه ناداه "يا دانيال عبد الله الحي، هل إلهك الذي تعبده دائماً قدِر على أن ينجيك من الأسود؟ فتكلم دانيال مع الملك: يا أيها الملك، عش إلى الأبد، إلهي أرسل ملاكه، وسد أفواه الأسود، فلم تضرني، لأني وجدت بريئاً قدامه وقدامك أيضاً.. فأمر الملك، فأحضروا أولئك الرجال الذين اشتكوا على دانيال، وطرحوهم في جب الأسود، هم وأولادهم، ولم يصلوا إلى أسفل الجب حتى بطشت بهم الأُسود، وسحقت كل عظامهم " ( دانيال 6/15 - 24 ). وأما الفتية الثلاثة فقد أُلقوا في النار، ولكن " لم تكن للنار قوة على أجسامهم، وشعرة من رؤوسهم لم تحترق، وسراويلهم لم تتغير، ورائحة النار لم تأت عليهم " ( دانيال 3/27 ). ومما يؤكد استجابة الله للمسيح: ظهور ملاك له ليقويه ( انظر لوقا 22/43 ) فهل كان ذلك الملاك يضحك عليه ويهزأ به، أم يعينه فينجيه؟ وهذا الأخير هو ما يليق بعدل الله ورحمته، فقد استجاب الله للمسيح فأنجاه، وصلب يهوذا الخائن، فهذا أليق بعدل الله وكرمه من القول بعدم استجابته للمسيح، وصلبه وتسليمه إلى مرام أعدائه ومبغضيه. لقد حفظ الله مسيحه، وأمكنه من النجاة ويسّر له سُبلها، كما يسرها لكثيرين دونه في الفضل والمكانة، منهم بطرس الذي دخل ملاك الرب إلى سجنه، وحطم سلاسله وهو نائم، وأمره بالخروج. (انظر أعمال 12/7 ). وكذلك زعم لوقا أن بولس نجا من السجن بأعجوبة، فقد تزلزلت الأرض، وتصدع السجن، وتحطمت القيود. وانفتحت الأبواب، فهرب وصاحبه سِيلا من سجنهما. ( انظر أعمال 16/26 ). كما أن توراة القوم تتحدث عن معونة الله لعدد من القديسين رفعوا إلى السماء، منهم: أخنوخ " وسار أخنوخ مع الله، ولم يوجد لأن الله أخذه " ( التكوين 5/24 ). ومثله النبي إيليا "وفيما هما يسيران ويتكلمان إذا مركبة من نار، وخيل من نار، ففصلت بينهما، فصعد إيليا من العاصفة إلى السماء " ( الملوك (2) 2/11). فِلمَ أمكن هذا لبطرس وبولس وغيرهما، ولم يمكن للمسيح، وهو أولى منهم برعاية الله وحفظه؟! وهكذا، ومن خلال هذه الأمثلة، نرى أن رعاية الله التي أحاطت بالمؤمنين من قبل قد أحاطت بالمسيح، وأنجته من يدي أعدائه، فتحقق ما كان قد تنبأ به بقوله: " والذي أرسلني هو معي، ولم يتركني الأب وحدي، لأني في كل حين أفعل ما يرضيه " ( يوحنا 8/9 ). تنبوءات العهد الجديد بنجاة المسيح إن خبر تنبؤ المسيح بقتله وصلبه – كما يذكر الإنجيليون -، معارَض بنصوص كثيرة، أخبر المسيح تلاميذه فيها بنجاته، بل أعلنها على ملأ اليهود، وتحداهم، وأخبر بأنه غلبهم، وغلب العالم. وقد تجاهل النصارى هذه الروايات، ولم يلتفتوا إلى الأناجيل وهي تنقل - على استحياء - عن المسيح شهادته بنجاته في نصوص عديدة: - ومنها قوله حسب ما جاء في يوحنا: " فأرسل الفريسيون ورؤساء الكهنة خداماً ليمسكوه، فقال لهم يسوع: أنا معكم زماناً يسيراً بعد، ثم أمضي إلى الذي أرسلني، ستطلبونني ولا تجدونني، وحيث أكون أنا لا تقدرون أنتم أن تأتوا " فمتى حقق المسيح هذه النبوءة؟ متى بحث عنه اليهود فلم يجدوه؟ إنه ولا ريب يوم جاءوا للقبض عليه، فنجاه الله وأخذه إلى المكان الذي لا يقدرون عليه، إلى السماوات العلا. وقد فهم منه اليهود أنه أراد نجاته منهم " فقال اليهود فيما بينهم: إلى أين هذا مزمع أن يذهب حتى لا نجده نحن؟ ألعله مزمع أن يذهب إلى شتات اليونانيين، ويعلم اليونانيين؟ ما هذا القول الذي قال: ستطلبونني ولا تجدونني، وحيث أكون أنا لا تقدرون أنتم أن تأتوا؟" ( يوحنا 7/32 – 36 ). - ومرة أخرى، جاهر المسيح بنجاته منهم قائلاً: " أعلم من أين أتيت، وإلى أين أذهب، وأما أنتم، فلا تعلمون من أين آتي، ولا إلى أين أذهب ... قال لهم يسوع أيضاً: أنا أمضي، وستطلبونني وتموتون في خطيتكم، حيث أمضى أنا، لا تقدرون أنتم أن تأتوا. فقال اليهود: ألعله يقتل نفسه حتى يقول: حيث أمضي أنا لا تقدرون أنتم أن تأتوا. فقال لهم: أنتم من أسفل، أما أنا فمن فوق، أنتم من هذا العالم … فقال لهم يسوع: متى رفعتم ابن الإنسان، فحينئذ تفهمون إني أنا هو، ولست أفعل شيئاً من نفسي، بل أتكلم بهذا كما علمني أبي، والذي أرسلني هو معي، ولم يتركني الأب وحدي، لأني في كل حين أفعل ما يرضيه " ( يوحنا 8/21 - 29 ). - ثم مرة أخرى، لما أعطى يهوذا اللقمة قال لتلاميذه: " يا أولادي أنا معكم زماناً قليلاً بعد، ستطلبونني، وكما قلت لليهود: حيث أذهب أنا، لا تقدرون أنتم أن تأتوا، أقول لكم أنتم الآن ..... قال له سمعان بطرس: يا سيد، إلى أين تذهب، أجابه يسوع: حيث أذهب لا تقدر الآن أن تتبعني، ولكنك ستتبعني أخيراً " ( يوحنا 13/32 - 36 )، ولا يمكن أن يكون مقصوده الموت، فإنه مقدور لكل أحد. - ومنها أيضاً قول المصلوب ( يهوذا ) وهو في المحاكمة: " من الآن يكون ابن الإنسان جالساً عن يمين قوة الله " ( لوقا 22/69 ) فقد رأى يهوذا نجاة المسيح بما رآه أو سمعه من المسيح عن نجاته، وما شاهده من نجاة المسيح لحظة ألقي الشبه عليه، وهو يخبر أنه في تلك اللحظة، المسيح في السماء، وقد رفع بقوة الله. - ومن النصوص التي تحدثت أيضاً عن نجاة المسيح قوله: "هو ذا تأتي ساعة وقد أتت الآن، تتفرقون فيها، كل واحد إلى خاصته، وتتركونني وحدي، وأنا لست وحدي، لأن الآب معي، قد كلمتكم بهذا ليكون لكم فيّ سلام، في العالم سيكون لكم ضيق، ولكن ثقوا أنا قد غلبت العالم " (يوحنا 16/32 - 33)، وهكذا كان، فقد هربوا جميعاً وتركوه، لكن الله معه، لذا يطلب منهم أن يثقوا أنه غلب العالم، وأن يثقوا أنه في سلام، فأين هذا من القول بصفع المسيح وصلبه وضربه؟ - ومن النصوص الدالة أيضاً على نجاة المسيح قول يوحنا: " من عند الله خرج، وإلى الله يمضي" ( يوحنا 13/3 ) ولو كان المقصود الموت، فكل الناس إلى الله تمضي، والقول بأن مضيه إنما يكون بعد الدفن ثلاثاً، يحتاج لدليل يثبت ذلك. - ومن النصوص الدالة أيضاً على نجاة المسيح ما جاء في متى " فقال لهم يسوع: هل يستطيع بنو العرس أن ينوحوا مادام العريس معهم ؛ ولكن ستأتي أيام، حين يرفع العريس عنهم، فحينئذ يصومون " ( متى 9/15 )، ومقصده رفعه للسماء. - ومن ذلك أيضاً: أن في أقوال بولس ما يجعل حادثة الصلب قضية غير مسلم أنها حصلت للمسيح، ويُرى ذلك بالإمعان في هذه الأقوال، يقول بولس: "أما نحن فنكرز بالمسيح مصلوباً، شكاً لليهود، وجهالة للأمم " ( كورنثوس (1) 1/ 23). - ويشهد الكاتب المجهول لرسالة العبرانيين بنجاة المسيح من الصلب، حين قال في وصف ملكي صادق: " لأن ملكي صادق هذا ملك ساليم، كاهن الله العلي .. بلا أب، وبلا أم، بلا نسب، لا بداءة أيام له، ولا نهاية حياة، بل هو مشبه بابن الله، هذا يبقى إلى الأبد " ( عبرانيين 7/1 -3 ) فيفهم من قوله هذا، أن ليس للمسيح نهاية أرضية سابقة، كما هو الحال في ملكي صادق! - لكن يبقى أظهر أدلة نجاة المسيح ما قاله كاتب رسالة العبرانيين عن المسيح: " في أيام بشريته قَرب تضرعات واستغاثات، وصراخ شديد، ودموع ذوارف للقادر، الذي بوسعه أن يخلصه من الموت، فاستجاب له من أجل تقواه " ( عبرانيين 5/7 ). فهذا النص، شهادة ناطقة، بأن الله استجاب للمسيح تضرعه في تلك الليلة التي قضاها في بستان جثماني، وصرف عنه ما كان يحذره ويخافه من الصلب والبلاء، وهذا ما تيقنه المسيح من ربه " أيها الآب أشكرك، لأنك سمعت لي، وأنا علمت أنك في كل حين تسمع لي" ( يوحنا 11/40-41 ). وقد رأى المحققون في هذه النصوص نبوءات تتكامل لتؤكد حقيقة واضحة تفيد بنجاة المسيح عليه السلام من يد أعدائه، وأنه سيرفع للسماء، فهو المكان الذي لا يقدرون عليه، ولا يمكن أن يكون مقصده من هذه الأقوال الموت، فإن ذلك أمر يطيقه كل أحد، كما أن أحداً لا يتحدى أعداءه بأنه سيموت وهم لن يستطيعوه. لقد كان المسيح يتحدى أعداءه وهو يقول: " هو ذا بيتكم، يترك لكم خراباً، لأني أقول لكم: إنكم لا ترونني من الآن، حتى تقولوا: مبارك الآتي باسم الرب " ( متى 23/28 - 29 ). وجاء في أنجيل متي أن الفريسين لما طلبوا آية أجابهم المسيح بقوله:- حِينَئِذٍ قَالَ قَوْمٌ مِنَ الْكَتَبَةِ وَالْفَرِّيسِيِّينَ: «يَا مُعَلِّمُ نُرِيدُ أَنْ نَرَى مِنْكَ آيَةً». فَقَالَ لَهُمْ: «جِيلٌ شِرِّيرٌ وَفَاسِقٌ يَطْلُبُ آيَةً وَلاَ تُعْطَى لَهُ آيَةٌ إِلاَّ آيَةَ يُونَانَ النَّبِيِّ. لأَنَّهُ كَمَا كَانَ يُونَانُ فِي بَطْنِ الْحُوتِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاَثَ لَيَالٍ هَكَذَا يَكُونُ ابْنُ الإِنْسَانِ فِي قَلْبِ الأَرْضِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاَثَ لَيَالٍ. ( متى 12 : 38-40 ) . فكما هو واضح هي جملة قالها السيد المسيح عليه السلام عندما طلب منه اليهود آيه تأييدا لما يقول . و قد علق العلامة أحمد ديدات على الجملة السابقة في كتابه ( ماذا كانت أية يونان ؟ ) و الذي نشره عام 1976 باللغة الأنجليزية ، فقال : إن السيد المسيح عليه السلام يريد أن يقول لهم أن حاله في باطن الأرض سيكون كحال يونان في بطن الحوت أي سيظل في باطن الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليالي و سيكون على قيد الحياة كما كان يونان كذلك في باطن الحوت ! و يبدو أن هذا الرأي لم يعجب علماء اللاهوت النصارى الذين يؤكدون أن السيد المسيح عليه السلام كان في عداد الأموات منذ وقت انزاله من على الصليب حتى قيامته حسب معتقداتهم . و خرج منهم العديد و العديد من العلماء للرد على هذا الرأي بل و تفنيده و اظهاره مظهر من يفتي بغير علم . و من أشهر أراء الرد على ديدات خرج جون جلكرايست و الذي أصدر كتابا بعنوان ( صلب المسيح و قيامته ) و قال فيه ما هو ملخصه أن المسيح كان يقصد الفترة الزمنية التي قضاها يونان في باطن الحوت فقط و لا يقصد حالة الحياة أو الموت فهذا شيء لا نقاش فيه ، و كان ذلك أيضا رأي عالم اللاهوت الأمريكي فلويد كلارك الذي أكد على ذلك في مناظرته مع العلامة ديدات بل و دعاه الى المزيد من الدراسة في الكتاب المقدس حيث أنه ينقصه المزيد من المعرفة ! و أعتقد أن حاله حال كل المبشرين النصارى المحترفين ؛ فهم عادة يجتهدون في أن يوهمون الناس أنهم لا يعرفون الكثير من أمور الدين ، و لا يفهمون كلام الله ، و أنه تلزمهم الدراسة و يعوزهم المزيد من الفهم و التعمق ، و من الأفضل لهم أن " يؤمنوا " بهذا الكلام دون فهم أو مناقشة !! و هو طبعا رأي مرفوض ؛ فالمسألة ليست من الغيبيات كالملائكة مثلا الذين نؤمن بهم و بوجودهم دون أن نراهم بل هي آية . فحينما يقدم السيد المسيح عليه السلام أية للناس فهو يقدمها واضحة و صريحة ، و ما يُفهم من حديثه الوارد بإنجيل متى أن المعجزة ستكون مثل معجزة يونان ، و العظمة هنا أنها للمسيح الذي هو أعظم من يونان بحسب رواية متى فهو يقول : رِجَالُ نِينَوَى سَيَقُومُونَ فِي الدِّينِ مَعَ هَذَا الْجِيلِ وَيَدِينُونَهُ لأَنَّهُمْ تَابُوا بِمُنَادَاةِ يُونَانَ وَهُوَذَا أَعْظَمُ مِنْ يُونَانَ هَهُنَا! ( متى 12 : 41 ) ، فالكل يعتبرون أن قيامة المسيح من بين الأموات هي التي تجعلها أعظم مما حدث ليونان ، و يتغاضون عن أن العظمة إذ أنها حدثت لشخص المسيح ذاته عليه السلام . و بالنسبة الى مسألة ( ثلاثة ايام و ثلاث ليالي ) و الذي عرضها العلامة ديدات بطريقة تبين استحالة بقاء المسيح في القبر لهذة المدة نرى أن المدافعون عن الكتاب المقدس يفسرونها بطرق مختلفة فنجد على سبيل المثال جلكرايست يقول أنها اختلاف في حساب الزمن بين العصر الحديث و الحساب المتبع عند اليهود أنذاك ، فيقول : " إن الذين يتكلمون اللغة الإنجليزية في القرن العشرين لا يتكلمون بتاتاً بطريقة " النهار والليل ". فإذا أراد شخص أن يتغيب أسبوعين مثلاً فإنه يقول ( أسبوعين أو أربعة عشر يوماً ) . ولم أسمع أي شخص يتكلم الإنجليزية يقول إنه سيتغيب ( أربعة عشر يوماً وأربع عشرة ليلة ) . ولكن هذا كان أسلوب الحديث باللغة العبرية وقتها. وبناءً على ذلك يجب أن نكون على حذر من البداية ، فإذا كنا لا نستعمل هذا الأسلوب من التعبير، فلا يمكن أن نستنتج أن المعنى في الزمن الغابر يكون هو نفس المعنى الذي نقصده اليوم. يجب إذاً أن نبحث عن معنى نبوّة المسيح في ظل العصر الذي قيلت النبوّة فيه. ويجب أن نشير أيضاً إلى أن أسلوب التعبير كما كان مستعملاً في اللغة العبرية زمن المسيح. فقد كان عدد الأيام عندهم يساوي عدد الليالي. فمثلاً يقول: " وَكَانَ مُوسَى فِي الْجَبَلِ أَرْبَعِينَ نَهَاراً وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً " ( خروج18: 24 ). ويقول: " فَكَانَ يُونَانُ فِي جَوْفِ الْحُوتِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاَثَ لَيَالٍ." ( يونان 17: 1 ) ويقول: " وَقَعَدُوا مَعَهُ عَلَى الأَرْضِ سَبْعَةَ أَيَّامٍ وَسَبْعَ لَيَالٍ " ( أيوب 13: 2 ). " أ ه و هو تفسير معقول إلى حد ما ؛ إذ أن يؤيده جهلنا بطريقة حساب اليهود للزمن في الوقت الغابر ، لولا أن البروفيسور كلارك له رأي أخر فيقول : " أما بالنسبة لمسألة الثلاثة أيام و الثلاث ليالي فإنني أقول أن المسيحيين لم يحتفلوا بالجمعة الحزينة إلا بعد نيفا و ثلاثمائة سنة منذ عهد المسيح ، فبعد مجيء المسيح جدّت عادات كثيرة كان ذلك غريبا على العهد الجديد الذي يعلمنا أن هناك سبتان ؛ السبت الكبير و السبت اللاحق و قد دفن المسيح يوم الخميس و ليس الجمعة و رقد جثمانه بالقبر بعد يومين من السبت ." أ ه فمن الواضح طبعا أنه يغير الحقيقة على ما هي عليه برواية الإنجيل لكي يصحح عامل الزمن ، و ليس كتفسير جلكرايست الذي يقول بفارق حساب الزمن مما يؤدي بنا الى خطأ الإثنين في التفسير ؛ فلو كان احدهما صواب لأيده الأخر، فإن كل منهما يريد أن يدور في فلك الرواية و يؤيد بأي شكل و بأية صورة الرأي القائل بموت المسيح على الصليب ثم دفنه ميتا و قيامته من بين الأموات ! و هذا حال المدافعين عن الكتاب المقدس على الدوام ، لذا كان القصد من هذا النقاش هو بيان مدى الأختلاف بينهم في وسيلة الدفاع ، فكل منهم له يحور الموضوع حسب رأيه الخاص و إن كانوا قد اتفقوا في الهدف النهائي و لكن كون كل منهم يفسر الرواية حسب رؤيته الخاصة قد يذهب بالقارئ الى خطأ المفسرين و خطأ الرواية أيضا ! تناقضات روايات الصلب في الأناجيل وتتحدث الأناجيل الأربعة - وهي المصدر الأساس لقصة الصلب - عن تفاصيل كثيرة في رواية الصلب، والمفروض لو كانت هذه الروايات وحياً كما يدعي النصارى، أن تتكامل روايات الإنجيليين الأربعة وتتطابق. ولكن عند تفحص هذه الروايات نجد كثيراً من التناقضات والاختلافات التي لا يمكن الجمع بينها، ولا جواب عنها إلا التسليم بكذب بعض هذه الروايات، أو تكذيب رواية متى في مسألة، وتكذيب مرقس في أخرى...من هذه التناقضات: هل ذهب رؤساء الكهنة للقبض على المسيح؟ مَن الذي ذهب للقبض على يسوع ؟ يقول متى: " جمع كثير بسيوف وعصي من عند رؤساء الكهنة وشيوخ الشعب " ( متى 26/52 )، وزاد مرقس بأن ذكر أن من الجمع الكتبةَ والشيوخ (انظر مرقس 14/43 )، فيما ذكر يوحنا أن الآتين هم جند الرومان وخدم من عند رؤساءَ الكهنة (انظر يوحنا 18/3 ) ولم يذكر أي من الثلاثة مجيء رؤساء الكهنة، ولو كانوا قد حضروا لما صح إغفال ذكرهم مع الحاضرين، فهم ليسوا أقل أهمية من الكتبة والشيوخ والدهماء. ولكن لوقا ذكر أن رؤساء الكهنة جاءوا بأنفسهم للقبض على المسيح إذ يقول: " قال يسوع لرؤساء الكهنة وقواد جند الهيكل والشيوخ المقبلين عليه " ( لوقا 22/52 ). فالتناقض بين لوقا والباقين ظاهر. كم مرة سيصيح الديك؟ وتبع بطرس المسيح من بعيد ليرى محاكمته، وقد أخبره المسيح بأنه سينكره في تلك الليلة ثلاث مرات قبل أن يصيح الديك مرتين حسب مرقس " قبل أن يصيح الديك مرتين تنكرني ثلاث مرات" (مرقس 14/72 ) ومَرةً حسب الثلاثة، يقول لوقا: " قبل أن يصيح الديك تنكرني ثلاث مرات" (لوقا 22/60) ( انظر: متى 26/74، يوحنا 18/27 ) وقد ذكر الثلاثة خلال القصة صياحاً واحداً فقط، خلافاً لما زعمه مرقس، فقد ذكر صياحين للديك. لماذا حبس بارباس؟ وتختلف الأناجيل في تحديد السبب الذي من أجله حبس باراباس في سجن بيلاطس، فيذكر يوحنا بأنه كان لصاً "وكان باراباس لصاً" (يوحنا 18/40 ). واتفق مرقس ولوقا على أنه صاحب فتنة، وأنه قَتل فيها فاستوجب حبسه، يقول لوقا: "أطلق لنا باراباس، وذاك كان قد طرح في السجن لأجل فتنة حدثت في المدينة وقتل" (لوقا 23/19، وانظر: مرقس 15/7). من الذي حمل الصليب المسيح أم سمعان؟ وصدر حكم بيلاطس بصلب المسيح، وخرج به اليهود لتنفيذ الحكم، وفيما هم خارجون لقيهم رجل يقال له سمعان، فجعلوه يحمل صليب المسيح يقول مرقس: " ثم خرجوا لصلبه، فسخروا رجلا مجتازاً كان آتياً من الحقل، وهو سمعان القيرواني أبو الكسندروس وروفس ليحمل صليبه " (مرقس 15/20 – 22 ) و ( انظر: متى 27/32، لوقا 23/26). لكن يوحنا يخالف الإنجيليين الثلاثة، فيجعل المسيح حاملاً لصليبه بدلاً من سمعان، يقول يوحنا: " فأخذوا يسوع ومضوا به، فخرج وهو حامل صليبه إلى الموضع الذي يقال له: الجمجمة " ( يوحنا 19/17 )، ولم يذكر يوحنا شيئاً عن سمعان القيرواني، فمن الذي حمل الصليب ، سمعان أم المسيح عليه السلام؟ تناقضات قصة القيامة وتتحدث الأناجيل الأربع عن قيامة المسيح بعد دفنه، وتمتلىء قصص القيامة في الأناجيل بالمتناقضات التي تجعل من هذه القصة أضعف قصص الأناجيل. متى أتت الزائرات إلى القبر؟ تتحدث الأناجيل عن زائرات للقبر في يوم الأحد، ويجعله مرقس بعد طلوع الشمس، فيقول: "وباكراً جداً في أول الأسبوع أتين إلى القبر، إذ طلعت الشمس، وكنّ يقلن فيما بينهنّ من يدحرج لنا الحجر عن باب القبر، فتطلعن، ورأين أن الحجر قد دحرج " (مرقس 16/2-3 ). لكن لوقا ومتَّى يجعلون الزيارة عند الفجر، وينصُّ يوحنا على أن الظلام باقٍ، يقول يوحنا: "في أول الأسبوع جاءت مريم المجدلية إلى القبر باكراً، والظلام باق، فنظرت الحجر مرفوعاً عن القبر" (يوحنا 20/1 )، ( انظر: متى 28/1، لوقا 24/1). من زار القبر؟ أما الزائرات والزوار، فهم حسب يوحنا مريم المجدلية وحدها كما في النص السابق " جاءت مريم المجدلية إلى القبر باكراً " (يوحنا 20/1 - 3). وأضاف متى مريمَ أخرى أبهمها " جاءت مريم المجدلية ومريم الأخرى لتنظرا القبر " (متى 28/1). لكن مرقس يخبر قراءه أن الزائرات هن مريم المجدلية وأم يعقوب وسالومة، فيقول: "اشترت مريم المجدلية ومريم أم يعقوب وسالومة حنوطاً ليأتين ويدهنّه " (مرقس 16/1 ). وأما لوقا فيخبر أن القادمات للزيارة كن نساء كثيرات ومعهن أناس، يقول لوقا: "وتبعته نساء كنّ قد أتين معه من الجليل ونظرن القبر وكيف وضع جسده. ثم في أول الأسبوع أول الفجر أتين إلى القبر حاملات الحنوط الذي أعددنه ومعهنّ أناس. فوجدن الحجر مدحرجاً عن القبر" (لوقا 23/ 55 - 24/1). وهذا كله إنما كان في زيارة واحدة. متى دحرج الحجر؟ ثم هل وجد الزوار الحجر الذي يسد القبر مدحرجاً أم دُحرج وقت الزيارة؟ يقول متى: " وإذا زلزلة عظيمة حدثت، لأن ملاك الرب نزل من السماء، جاء ودحرج الحجر عن الباب، وجلس عليه " ( متى 28/2 )، فيفهم منه أن الدحرجة حصلت وقتذاك. بينما يذكر الثلاثة أن الزائرات وجدن الحجر مدحرجاً، يقول لوقا: "أتين إلى القبر حاملات الحنوط الذي أعددنه ومعهنّ أناس. فوجدن الحجر مدحرجاً عن القبر" (لوقا 24/2) ( وانظر: مرقس 16/4، يوحنا 20/1 ). ماذا رأت الزائرات؟ وقد شاهدت الزائرات في القبر شاباً جالساً عن اليمين، لابساً حُلة بيضاء حسب مرقس (انظر: مرقس 16/5)، ومتى جعل الشاب ملاكاً نزل من السماء. ( انظر: متى 28/2 )، ولوقا جعلهما رجلين بثياب براقة. (انظر: لوقا 24/4). وأما يوحنا فقد جعلهما ملَكين بثياب بيضٍ، أحدهما عند الرأس، والآخر عند الرجلين. ( انظر يوحنا 20/12 ). هل أسرت الزائرات الخبر أم أشاعته؟ ويتناقض مرقس مع لوقا في مسألة: هل أخبرت النساء أحداً بما رأين أم لا ؟ فمرقس يقول: "ولم يقلن لأحد شيئاً، لأنهن كن خائفات " ( مرقس 16/8 )، ولوقا يقول: " ورجعن من القبر، وأخبرن الأحد عشر وجميع الباقين بهذا كله " ( لوقا 24/9 ). لمن ظهر المسيح أول مرة؟ وتختلف الأناجيل مرة أخرى في عدد مرات ظهور المسيح لتلاميذه، وفيمن لقيه المسيح في أول ظهور؟ فمرقس ويوحنا يجعلان الظهور الأول لمريم المجدلية. ( انظر: مرقس 16/9، يوحنا 20/14). ويضيف متى: مريم الأخرى. ( انظر: متى 28/9 ). بينما يعتبر لوقا أن أول من ظهر له المسيح هما التلميذان المنطلقان لعمواس ( انظر: لوقا 24/13 ). كم مرة ظهر المسيح؟ وأين؟ ويجعل يوحنا ظهور المسيح للتلاميذ مجتمعين ثلاث مرات. ( انظر: يوحنا 20/19، 26 ) بينما يذكر الثلاثة للمسيح ظهوراً واحداً (انظر: متى 28/16، مرقس 16/14، لوقا 24/36). ويجزم لوقا المتتبع لكل شيء بتدقيق أن المسيح ظهر للتلاميذ مرة واحدة، وقد رُفع في نهاية هذه المقابلة، فيقول: "وفيما هم يتكلمون بهذا وقف يسوع نفسه في وسطهم، وقال لهم: سلام لكم، فجزعوا وخافوا، وظنوا أنهم نظروا روحاً .. وأخرجهم خارجاً إلى بيت عنيا، ورفع يديه وباركهم، وفيما هو يباركهم انفرد عنهم، وأُصعد إلى السماء" ( لوقا 24/36 - 51). وهذا اللقاء الأول والأخير بين المعلم وتلاميذه يرى لوقا أنه قد تم في أورشليم، فيقول: "ورجعا إلى أورشليم، ووجدا الأحد عشر مجتمعين هم والذين معهم، وهم يقولون: إن الرب قام بالحقيقة وظهر لسمعان ... وفيما هم يتكلمون بهذا وقف يسوع نفسه في وسطهم، وقال لهم: سلام لكم" ( لوقا 24/33 - 36). بينما يقول صاحباه (متى ومرقس) بأن ذلك كان في الجليل " أما الأحد عشر تلميذاً، فانطلقوا إلى الجليل إلى الجبل، حيث أمرهم يسوع، ولما رأوه سجدوا له" ( متى 28/10)، ( وانظر مرقس 16/7 )، فهل كان لقاؤهم الأول مع المسيح في الجليل أم في أورشليم؟ إمكانية نجاة المسيح كما تتحدث النصوص الإنجيلية عن بعض ما أوتيه المسيح عليه السلام من تأييد الله له، وهذه الأعاجيب التي أوتيها تجعل نجاته - في تلك الليلة في بستان جثسماني - ممكنة، وذلك لما منحه الله من قدرات مكنته مراراً من الإفلات من كيد اليهود، وهي ما تجعل نجاته يوم جاءوا للقبض عليه أمراً متوقعاً غير مستنكر ولا مستغرب. بل الزعم بتمكن اليهود وجند الرومان منه يثير سؤالاً كبيراً: أين اختفت هذه القدرات وتلك المعونة الإلهية له؟ هل أسلمه الله بعد طول حمايته وتأييده له، فتخلى عنه في أصعب الأيام وأضيقها. فالمسيح - حسب ما ذكرت الأناجيل - قد أعطاه الله عز وجل قدرة على النجاة، والهروب من بين يدي أعدائه، فقد اختفى منهم أكثر من مرة لماّ أرادوا به شراً، فمن الطبيعي والمنطقي أن يهرب منهم يوم جاءوا للقبض عليه. وأمثلة هذه القدرة الباهرة كثيرة منها:- قول لوقا: "فامتلأ غضباً جميع الذين في المجمع حين سمعوا هذا، فقاموا وأخرجوه خارج المدينة، وجاءوا به إلى حافة الجبل الذي كان مدينتهم مبنية عليه، حتى يطرحوه إلى أسفل، أما هو فجاز في وسطهم، وانحدر إلى كفر ناحوم" ( لوقا 4/28 - 31 )، لقد أفلت من أيديهم بطريقة خارقة. - ولما كان في الهيكل، وكثر الجدال بينه وبين اليهود، هموا بقتله " فرفعوا حجارة ليرجموه. أما يسوع فاختفى، وخرج من الهيكل مجتازاً في وسطهم ومضى " ( يوحنا 8/59 ). - وفي مرة أخرى جادلهم " فطلبوا أن يمسكوه، ولم يلق أحدٌ يداً عليه، لأن ساعته لم تكن قد جاءت بعد، فآمن به كثيرون في الجمع، وقالوا: ألعل المسيح متى جاء يعمل أكثر من هذه التي عملها هذا " ( يوحنا 7/30 - 31 )، وقولُ إنجيل يوحنا: " لأن ساعته لم تكن قد جاءت بعد " قولٌ لا يلزمنا فإنه يؤمن بصلب المسيح، ويحاول أن يبرر اختفاء هذه الخاصية عند القبض على المسيح. - وفي يوم العيد حصل مثله " فحدث انشقاق في الجمع لسببه، وكان قوم منهم يريدون أن يمسكوه، ولكن لم يُلق أحد عليه الأيادي " ( يوحنا 7/43 - 44 ). - ولما تمشّى في رواق سليمان، وأسمعهم دعوته " فطلبوا أن يمسكوه فخرج من أيديهم، ومضى أيضاً إلى عبر الأردن " ( يوحنا 10/39 - 40 )، لقد كان يهرب منهم في كل مرة بطريقة تحيرهم، إنها حماية الله وتأييده. - ولما كان في الخزانة في الهيكل، حاولوا إمساكه " ولم يمسكه أحد، لأن ساعته لم تكن قد جاءت بعد " ( يوحنا 8/20 ). ويبقى السؤال أين اختفت هذه الخاصية للمسيح يوم المؤامرة العظمى؟ فلئن استعملها في الهرب من عامة اليهود، فاستعمالها في الهرب من الجند أَوُلَى. في هذه النصوص تصديق لما أخبر الله عز وجل عنه في شأن المسيح، حيث قال وهو يعدد نعمه على المسيح: وإذ كففت بني إسرائيل عنك إذ جئتهم بالبينات فقال الذين كفروا منهم إن هذا إلا سحر مبين (المائدة: 110)، لقد رموه بالسحر بسبب ما أمده الله من المعجزات الباهرة التي أعيتهم. ومما تذكره الأناجيل من قدرات المسيح التي أمده الله بها قدرته على اختراق الحجب، يقول يوحنا: " ولما كان عشية ذلك اليوم وهو أول الأسبوع، وكانت الأبواب مغلقة حيث كان التلاميذ مجتمعين لسبب الخوف من اليهود، جاء يسوع، ووقف في الوسط، وقال لهم: سلام لكم " ( يوحنا 20/19 ). وفي رواية لوقا للقصة ذاتها لم يذكر إغلاق الأبواب، وإن ذكر ما يشعر بوجود أعجوبة "وفيما هم يتكلمون بهذا، وقف يسوع نفسه في وسطهم، وقال لهم: سلام لكم، فجزعوا وخافوا، وظنوا أنهم نظروا روحاً " ( لوقا 24/36 - 37 ). كما ثمة أعجوبة أخرى، تجعل نجاة المسيح وخلاصه من أيدي كائديه ممكناً، ألا وهي ما تذكره الأناجيل من قدرة المسيح على تغيير هيئته وشكله، حتى يعجز المقربون منه عن معرفته، وقد صنع ذلك مراراً. فقد خفي شخصه بعد القيامة على تلاميذه مرات عديدة، فخفي على مريم المجدلية التي هي من أقرب الناس إليه، وظنته البستاني، ولم تعرفه إلا بعد برهة. ( انظر يوحنا 20/14 - 15 ). وكذلك خفي شخصه على التلميذين المنطلقين لعمواس، ولم يعرفاه إلا بعد أن بارك لهما طعامهما. (انظر لوقا 24/13 - 19 ). وخفي أمره أيضاً على التلاميذ مجتمعين، وهم يصيدون في بحيرة طبريا، وكان أول من عرفه بعد وقت طويل يوحنا. ( انظر يوحنا 21/1 - 7 ). كما تقرر الأناجيل تغير شكله في أحداث قبل الصلب، ومن ذلك: ما ذكره لوقا " وفيما هو يصلي صارت هيئة وجهه متغيرة، ولباسه مبيضاً لامعاً، وإذا رجلان يتكلمان معه، وهما موسى وإيلياء " ( لوقا 9/29 ). ويذكر متى أنه أخذ بطرس ويعقوب ويوحنا " وصعد بهم إلى جبل عالٍ منفردين، وتغيرت هيئته قدامهم " ( متى 17/1 - 2 ). فلئن صح أن المسيح يقدر على تغيير شكله حتى يخفى أمره على الخُلَّص من تلاميذه، فهو دليل على قدرته على الخلاص والنجاة من أيدي أعدائه، وهذا لا ريب يلجأ إليه في الشدائد، والمؤامرة الأخيرة عليه من أشدها. وقد رأينا مما سبق اتفاق القرآن مع النصوص التوراتية والإنجيلية، التي تقول وتتنبأ بنجاة المسيح، ورفعه إلى السماء، ورأينا كيف أن هذا الأمر ممكن، وليس غريباً على قدرة الله العظيم. كيفية نجاة المسيح من المؤامرة دعني – أيها القارئ الكريم- أقدم بين يديك موجزاً سريعاً للنقاط التي ناقشناها حتى الآن بما في ذلك أن عيسى ( يسوع ) المسيح عليه السلام لم يقتل ولم يصلب ، كما يزعم المسيحيون واليهود ، ولكنه كان حياً ( في الوقت الذي زعموا موته فيه ) . وتتلخص هذه النقاط فيما يلي : 1) كان عيسى عليه السلام حريصاً ألا يموت ! وكان قد اتخذ ترتيبات للدفاع لدحر اليهود لأنه كان يريد أن يبقى حياً . 2) تضرع عيسى عليه السلام إلى الله كي ينقذه . نعم ، تضرع إلى الله العلي القدير أن يحفظ حياته ليبقى حيّاً . 3) " يسمع " الله دعاءه : وهو ما يعني أن الله قد استجاب لدعائه أن يظل حيّاً . 4) نزل إليه أحد الملائكة ليشد أزره . وكان ذلك بإعطائه الأمل واليقين بأن الله سينقذه ليبقى حيّاً . 5) وصلت الجموع؛ فخرج إليهم المسيح، وقال: من تطلبون ؟ فأجابوه: يسوع الناصري. فقال المسيح: " أنا هو ... فلما قال لهم: إني أنا هو، رجعوا إلى الوراء، وسقطوا على الأرض " (يوحنا 18/5-6 ). 6) حاول بطرس الدفاع، لكنه كان أعجز من ذلك، فهرب وجميع التلاميذ. 7) اقتيد المأخوذ ( وهو غير المسيح) للمحاكمة عند رئيس الكهنة، ثم بيلاطس، وبطرس يتابعه في بعض ذلك، وقد أنكره تلك الليلة ثلاث مرات. 8) في المحاكمة سأل رئيس الكهنة، واستحلف المأخوذ إن كان هو المسيح، فأجابه: "أنت قلت، وأيضاً أقول لكم: من الآن، تبصرون ابن الإنسان جالساً يمين القوة، وآتياً على سحاب السماء " ( متى 26/64 ). 9) ترى زوجة بيلاطس حلماً ينبئها أنه لا يجب أن يلحق أذى بهذا الرجل العادل . بمعنى أنه يجب أن يظل حيّاً . 10) الزعم بأنه بقي على الصليب ثلاث ساعات فقط ، وحسب النظام المعمول به لا يمكن أن يكون أحد من المحكوم عليهم بالموت صلباً قد مات في مثل هذا الوقت القصير حتى لو كان قد ثبت على الصليب . كان حيّاً . 11) رفيقا صلبه على الصليب ظل كل منهما حيّاً . ولذا فإن عيسى عليه السلام ، في ذات مدة البقاء على الصليب ظل حيّاً . 12) لم يجد الوالي للمأخوذ علة في المقبوض عليه يستحق عليها القتل، فأراد أن يطلقه، لكن الجموع أصرت على صلبه، وإطلاق باراباس، فأعلن براءته من دم هذا البار، وأسلمه لهم. 13) اقتيد المأخوذ إلى موضع الصلب، وصلب بجوار لصين. 14) صرخ المصلوب على الصليب، فسقوه خلاً، ثم أسلم الروح. ويفترق المسلمون عن الأناجيل في مسألة مهمة، وهي من هو المأخوذ من ساحة القبض على المسيح؟ فيراه المسلمون يهوذا الأسخريوطي، التلميذ الخائن، ويلزمنا إقامة الدليل على ذلك، إذ هي موضع النزاع، وقد كنا قد أقمنا الأدلة على ذلك من سفر المزامير. ولتصور القول بأن يهوذا هو المأخوذ، وأنه حصل التباس عند آخذيه، فإنا نتصور الجموع الكثيرة والتي تقارب الألف وهي تسير، تحمل المشاعل والسيوف والعصي، وتتكون من جنود وغوغاء يتقدمهم يهوذا. ولما وصل الجمع إلى المسيح كان التلاميذ نياماً، وقد حاول المسيح إيقاظهم مراراً فلم يستطع، برغم أن الموقف كان صعباً، فقد كانت عيونهم ثقيلة، واقتربت الجموع من المسيح يتقدمهم يهوذا، والتلاميذ نيام " فلما قال لهم: إني أنا هو، رجعوا إلى الوراء، وسقطوا على الأرض " (يوحنا 18/6). وهنا نتوقف ملياً، لنقرأ ما غفلت عن ذكره السطور. فما فائدة سقوطهم على الأرض؟ وما الذي أسقطهم؟ وماذا أفاد المسيحَ سقوطهم، إذا كانوا سيقبضون عليه بعدها ؛ وَلم لَمْ يتكرر السقوط عندما أرادوا أخذه بعدها؟ ولنحاول أكثر أن نتصور ما حدث في تلك اللحظة، فقد اقترب يهوذا لتقبيل المسيح كعلامة للجند على أنه المطلوب، وفي تلك اللحظة اقترب الجند، حملة المشاعل والسيوف للقبض على المسيح، فتدخلت قدرة الله العظيم - كما ذكر يوحنا-، فسقطوا على الأرض، بعد أن رجعوا للوراء. ولك أن تتخيل ما حصل، من هرج، وتدافع، من جراء سقوط مقدمة هذه الجموع التي تحمل المشاعل، والتي هي فقط تنير لها ظلمة الليل البهيم. بعد ذلك الاضطراب والفوضى قام الساقطون من الأرض، وأفاقوا من ذهولهم لما حصل لهم، ورأوا يهوذا وحده مبهوتاً أصابه الذهول، وقد رأى المسيح يرفع للسماء، وقد ألقى الله عليه الكثير من شبه المسيح، ولكن من سيتوقع أن هذا المذهول هو يهوذا، ومن الذي يعرفه وقتذاك؟ فكانت لحظةُ وقوع الجند: لحظة الخلاص كما وصفتها المزامير " الآن عرفت أن الرب مخلص مسيحه …. هم جثوا وسقطوا، أما نحن فقمنا وانتصبنا " ( المزمور 20/8 ). وفي مزمور آخر: " أما أنت فتبارك، قاموا وخزوا" ( المزمور 109/28 ). وفي مزمور آخر يسجل تلك اللحظة الخالدة: "حينئذ ترتد أعدائي إلى الوراء " ( المزمور 56/9 )، و "ليرتد إلى خلف، ويخجل المشتهون لي شراً " ( المزمور 70/2 )، و" عندما اقترب إلي الأشرار ليأكلوا لحمي، ومضايقي وأعدائي عثروا وسقطواً" ( المزمور 27/2 )، "ليخز وليخجل معا الذين يطلبون نفسي لإهلاكها، ليرتد إلى الوراء، وليخز المسرورون بأذيتي " (المزمور 40/14-15) وغيرها. بعدها حُمل يهوذا إلى المحاكمة وإلى ديوان بيلاطس، والشك في حقيقة شخصه يلاحقه في كل هذه الخطوات، فقد شك فيه رئيس الكهنة، وكانت إجاباته لبيلاطس وهيرودس تنبئ عن الذهول الذي أصابه، وعن عجزه عن بيان الحقيقة، التي لن يقنع أحداً إن ذكرها، فكان يجيبهم: " أنت تقول" ( متى 27/11 ). ولما اجتمع في النهار مشيخة الشعب، ورؤساء الكهنة، " وأصعدوه إلى مجمعهم قائلين: إن كنت أنت المسيح، فقل لنا. فقال لهم: إن قلت لكم لا تصدقون، وإن سألت لا تجيبونني ولا تطلقونني. منذ الآن يكون ابن الإنسان جالساً عن يمين قوة الله. فقال الجميع: أفأنت ابن الله؟ فقال لهم: أنتم تقولون: إني أنا هو " ( يوحنا 22/66 - 70 ). ولا يفسر هذه الإجابات الغريبة، بل وتلك الأسئلة الغريبة من أناس كانوا يرون المسيح في كل يوم، لا يفسره إلا أن نقول بأن المأخوذ هو غير المسيح، وإن أشبهه، وهذا الشبه حير رؤساء الكهنة في حقيقة المأخوذ، فحاولوا استجلاء الحقيقة بسؤال المأخوذ، فلم ينكر ولم يثبت. وأما يهوذا فقد عرف أن لا فائدة من إنكاره، إذ لن يصدقه أحد، ولربما ولفرط ندمه قد استسلم لرداه، ورضي بعقوبة الله له، أن يصلب عن المسيح، لعله بذلك أن يفديه، لذلك تكرر سكوته. وهذا الموقف ليس بعيداً عمن ذكرت الأناجيل أنه لفرط ندمه خنق نفسه، وانتحر. لقد تحققت فيه نبوءات المزامير " وإذا حوكم فليخرج مذنباً ... ووظيفته ليأخذها آخر " (المزمور 109/6 - 8 )، لقد أتى ليخطف المسيح، فلم يستطع.. "حينئذ رددت الذي لم أخطفه " ( المزمور 69/4 ). وقد يشكل هنا أن متى ذكر في إنجيله أن يهوذا مات مخنوقاً ( انظر متى 27/2 - 5 )، ويكفي في دفعه أن نتذكر ما ذكره سفر أعمال الرسل عن موته حين سقوطه وخروج أحشائه. (انظر أعمال 1/16 - 20 )، وسبب وقوع الإنجيليين في هذا التناقض اختفاء يهوذا، فاخترع كل من متى ولوقا نهاية ليهوذا تليق بجريمته، فهذا التناقض بين الروايتين الإنجيليتين، مشعر بوجود نهاية حقيقية، خفيت على الكاتبين، ودفعتهما لاختلاق روايتيهما. وقد يعترض معترض بذكر بعض الأحداث التي حصلت بعد وقوع الجموع، فقد ذكر الإنجيليون أن بطرس حمل السيف، وضرب أذن العبد فأمره المسيح برد السيف، لأن من ضرب بالسيف يؤخذ به، فهرب بطرس والتلاميذ. (انظر يوحنا 18/10 - 19 )، وهذه القصة يجعلها يوحنا بعد حادثة تراجع الجند، ووقوعهم على الأرض. ومثله ذكر يوحنا أيضاً بعد سقطتهم، أن المسيح سألهم: " من تريدون ؟ فقالوا: يسوع الناصري. أجاب يسوع: قد قلت لكم إني أنا هو … ثم إن الجند والقائد وخدام اليهود قبضوا على يسوع، وأوثقوه " ( يوحنا 18/7 - 12 ). كما قد يعترض معترض بذكر ما انفرد به يوحنا، وهو حضور أم المسيح إلى ساحة الصلب، فيقول: لا يصح أن يخفى عليها حقيقة المصلوب، وأن ليس ابنها. لكن أمثال هذه النصوص التي لن يستطيع أحد أن يثبت وقوعها أو عصمة كُتابها لكثرة ما رأينا من أخطائهم وتناقضاتهم، ولا تنهض مثل هذه الروايات في الرد على نبوءات المزامير والأناجيل، وإلحاقُها بتناقضات الأناجيل وأخطائها أَوْلَى. وقد يعترض معترض على رفع المسيح ونجاته مستشهداً بروايات القيامة التي تشير إلى وجود أرضي للمسيح بعد حادثة الصلب، وهو اعتراض لا يعول عليه في مثل هذه المسألة لأنه بعض تلك الروايات المفككة، وهو على كل حال لا يتعارض مع نجاة المسيح من الصلب، بل نراه مؤكداً وشاهداً بها، فوجود المسيح يدل على أنه مازال حياً، وتخفيه من اليهود والرومان بصورة البستاني (انظر يوحنا 20/14 - 15 )، وبهيئات أخرى منعت التلاميذ مجتمعين من معرفة شخصه، (انظر لوقا 24/13 - 19، ويوحنا 21/1 - 7). وكل هذا دليل على نجاة المسيح من الموت، لا قيامته منه. فلو كان المسيح قد قهر الموت لما خافه ثانية، ولما تخفى من اليهود، إذ الموت لا يتسلط عليه ثانية كما قال مؤلف الرسالة إلى العبرانيين: " وكما وضع للناس أن يموتوا مرة ، ثم بعد ذلك الدينونة " ( عبرانيين 9/27 ) ، وفي رسالته إلى أهل رومية يقول بولس: " نؤمن أننا سنحيا أيضاً معه، عالمِين أن المسيح بعد ما أقيم من الأموات لا يموت أيضاً ، لا يسود عليه الموت بعد " ( رومية 6/8 - 9 )، وهكذا فلا مبرر لتخفيه إلا إذا كان قد نجى من الموت، ويخشى أن يفطن أعداؤه لنجاته، فيستدركوا ما فاتهم. 15) تقرير عن الملاءة المطوية : أكد علماء ألمان من خلال تجارب معينة أن قلب يسوع لم يكن قد توقف عن العمل – أي أنه كان لا يزال حيّاً . 16) أتنكر في الأبدية !؟ التنكر يكون غير ضروري لو كان عيسى عليه السلام قد بعث بعد موت . لكنه ضروري في حالة واحدة فقط ، عندما يكون حيّاً . 17) ويمنع مريم المجدلية أن تلمسه : " لا تلمسيني " بسبب أن لمسه ( ولم تكن جروحه قد التأمت ) يسبب له ألماً ، لأنه كان حيّاً . 18) قوله : " لم أصعد إلى أبي بعد " . وكأنه في لغة اليهود واصطلاحهم يقول : " لم أمت بعد " أو يقول إنه كان حيّاً . 19) ولم تخف مريم المجدلية عندما تعرفت عليه . لأنها كانت قد شاهدت علامات الحياة فيه ( عند إنزاله عن الصليب ) كانت تبحث عنه حيّاً . 20) يتحجر الحواريون ( هلعاً ) عند رؤية يسوع بالحجرة . كل معلوماتهم عن ( حادث صلبه ) إنما كانت بالسماع ( ولم يكن أحدهم شاهد عيان حيث كانوا قد خذلوه جميعاً وهربوا ) ولذلك لم يستطيعوا أن يصدقوا أن عيسى عليه السلام كان حيّاً . 21) أكل الطعام مرة إثر مرة عند ظهوره بعد عملية الصلب . والطعام ضروري فقط عندما يكون حيّاً . 22) لم يظهر نفسه أبداً لأعدائه ( اليهود ) لأنه كان قد هرب من الموت ( على يديهم ) بشق النفس وكان لا يزال حيّاً . 23) قام فحسب بجولات قصيرة : ( الأماكن التي تحرك إليها بعد الصلب معروفة بأنها في نطاق ضيق ) لأنه لم يكن قد بعث من بن الموتى كروح ، لكنه كان لا يزال حيّاً . 24) وشهادة رجال بجوار المقبرة ( حيث قالوا ) " لماذا تبحثون عن الحي بين الموتى " ( لوقا 24 : 4 – 5 ) ومعنى ذلك بوضوح أنه لم يكن ميتاً ، كان حيّاً . نهاية يهوذا ويتحدث العهد الجديد عن نهايتين مختلفتين للتلميذ الخائن يهوذا الأسخريوطي الذي خان المسيح، وسعى في الدلالة عليه وتسليمه مقابل ثلاثين درهماً من الفضة، فيقول متى: " لما رأى يهوذا الذي أسلمه أنه قد دين ندم وردّ الثلاثين من الفضة إلى رؤساء الكهنة والشيوخ، قائلاً: قد أخطأت، إذ سلمت دماً بريئاً. فقالوا: ماذا علينا؟ أنت أبصر. فطرح الفضة في الهيكل وانصرف، ثم مضى وخنق نفسه، فأخذ رؤساء الكهنة الفضة، وقالوا: لا يحل أن نلقيها في الخزانة، لأنها ثمن دم. فتشاوروا واشتروا بها حقل الفخاري مقبرة للغرباء. لهذا سمي ذلك الحقل حقل الدم إلى هذا اليوم" (متى 27/2-5). ولكن سفر أعمال الرسل يحكي نهاية أخرى ليهوذا وردت في سياق خطبة بطرس، حيث قال: "أيها الرجال الإخوة، كان ينبغي أن يتم هذا المكتوب الذي سبق الروح القدس فقاله بفم داود عن يهوذا الذي صار دليلاً للذين قبضوا على يسوع، إذ كان معدوداً بيننا، وصار له نصيب في هذه الخدمة، فإن هذا اقتنى حقلاً من أجرة الظلم، وإذ سقط على وجهه انشق من الوسط، فانسكبت أحشاؤه كلها، وصار ذلك معلوماً عند جميع سكان أورشليم، حتى دعي ذلك الحقل في لغتهم حقل دما، أي حقل دم" (أعمال 1/16-20). فقد اختلف النصان في جملة من الأمور: - كيفية موت يهوذا، فإما أن يكون قد خنق نفسه ومات "ثم مضى وخنق نفسه"، وإما أن يكون قد مات بسقوطه، حيث انشقت بطنه وانسكبت أحشاؤه فمات "وإذ سقط على وجهه انشق من الوسط فانسكبت أحشاؤه كلها"، ولا يمكن أن يموت يهوذا مرتين، كما لا يمكن أن يكون قد مات بالطريقتين معاً. - من الذي اشترى الحقل، هل هو يهوذا "فإن هذا اقتنى حقلاً من أجرة الظلم"، أم الكهنة الذين أخذوا منه المال "فتشاوروا واشتروا بها حقل الفخاري"؟ - هل مات يهوذا نادماً " لما رأى يهوذا الذي أسلمه أنه قد دين ندم...قد أخطأت، إذ سلمت دماً بريئاً" أم معاقباً بذنبه كما يظهر من كلام بطرس؟ - هل رد يهوذا المال للكهنة " وردّ الثلاثين من الفضة إلى رؤساء الكهنة والشيوخ "، أم أخذه واشترى به حقلاً "فإن هذا اقتنى حقلاً من أجرة الظلم "؟ - هل كان موت يهوذا قبل صلب المسيح وبعد المحاكمة "ودفعوه إلى بيلاطس البنطي الوالي، حينئذ لما رأى يهوذا الذي أسلمه أنه قد دين ندم... فطرح الفضة في الهيكل وانصرف ثم مضى وخنق نفسه" أم أن ذلك كان فيما بعد، حيث مضى واشترى حقلاً ثم مات في وقت الله أعلم متى كان؟ - هل سمي الحقل حقل دم لأنه كان ثمناً لدم المسيح " فأخذ رؤساء الكهنة الفضة وقالوا: لا يحل أن نلقيها في الخزانة، لأنها ثمن دم، فتشاوروا واشتروا بها حقل الفخاري مقبرة للغرباء، لهذا سمي ذلك الحقل حقل الدم إلى هذا اليوم"، أم سمي بذلك لأن دم يهوذا قد سال فيه لما انشق بطنه " فإن هذا اقتنى حقلا من أجرة الظلم، وإذ سقط على وجهه انشق من الوسط، فانسكبت أحشاؤه كلها، وصار ذلك معلوماً عند جميع سكان أورشليم، حتى دعي ذلك الحقل في لغتهم حقل دما، أي حقل دم". المسيح عليه السلام لم يقتل ولم يصلب ورد الي فضيلة الشيخ محمد بن أبراهيم ال شيخ مفتى الملكة العربية السعودية هذا السؤال وهو هل مات عيسى على الصليب؟ الجواب: المسيح عليه السلام قد صانه الله وحماه، فلم يقتل ولم يصلب، وإنما قتل وصلب المشبه به. وذلك أنه عليه السلام لما قصد منه أَعداؤه من اليهود مقصد السوء وقاه الله كيدهم ورفعه عنهم إلى السماء، وأَلقى شبهه على رجل من الحواريين فأَمسكوه وقتلوه وصلبوه بناء منهم على أَنه المسيح عليه السلام، قال الله تعالى في حق اليهود: (فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بَآيَاتِ اللّهِ وَقَتْلِهِمُ الأَنْبِيَاء بِغَيْرِ حَقًّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً - وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا - وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا - وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا)(15). فمن تأَمل هذه الآيات عرف كذب اليهود بدعواهم قتله وصلبه ولكنهم هموا بقتله وعزموا عليه وحاصروه ومن معه في البيت فانقذه الله من كيدهم ورفعه إليه وأَلقى شبهه على واحد من أَصحابه، وتأَمل قوله تعالى: (وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُم) تجد ذلك صريحًا. وقد صرح المفسرون المحدثون والمؤرخون بمعنى ما ذكرنا: قال ابن كثير: قال الحسن البصري ومحمد بن اسحق: كان يوجد في زمن عيسى ملك اسمه داود بن نورا، فلما سمع بخبر عيسى أَمر بقتله وصلبه، فحصروه في دار بيت المقدم، وذلك عشية الجمعة ليلة السبت، فلما حان وقت دخولهم أَلقي شبهه على بعض أَصحابه الحاضرين عنده ورفع عيسى من روزنة في ذلك البيت إلى السماء وأَهل البيت ينظرون، ودخل الشرطة فوجدوا ذلك الشاب الذي أُلقي عليه شبهه فأَخذوه ظانين أَنه عيسى، فصلبوه ووضعوا الشوك على رأْسه إهانة له، وسلم لليهود عامة النصارى الذين لم يشاهدوا ما كان من أَمر عيسى أَنه صلب، وضلوا بسبب ذلك ضلالاً مبينًا، وقال الله تعالى: (إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) الآيات(16) ففي هذه الآيات إن الله وعده بأَنه سيتوفاه ويرفعه إليه ويطهره من الذين كفروا وقد صدق الله وعده وهو لا يخلف الميعاد. وهذه الوفاة هي النوم كما قال غير واحد من العلماء بأَنه نزل عليه النوم حينما رفع. والنوم يعبر عنه بالوفاة قال تعالى: (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى)(17). ومما يدل على أَنه رفع إلى السماء وأَنه ينزل في آخر الزمان إلى الأَرض فيقتل الدجال ما قاله ابن كثير في تفسير قوله تعالى: (وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ) – أَي بعد نزوله إلى الأَرض في آخر الزمان قبل قيام الساعة، فإنه ينزل ويقتل الخنزير ويكسر الصليب ويضع الجزية ولا يقبل إلا الإسلام، وتصير الملل في ذلك الوقت ملة واحدة وهي ملة الإسلام الحنيفية دين إبراهيم، فلا يبقى أَحد من أَهل الكتاب إلا آمن به، وقيل بل اليهود خاصة. وقال الحسن على هذه الآية: (وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ) قال قبل موت عيسى، والله إنه لحي الآن عند الله. وأَصرح ما قيل في تفسير هذه الآيات ما قاله ابن جرير رحمه الله: انه لا يبقى أَحد من أَهل الكتاب بعد نزول عيسى عليه السلام إلا من آمن به قبل موته عليه السلام فيكون الضمير عائدًا إلى عيسى.ثم ساق الأحاديث الواردة في هذا ومنها ما رواه أَبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((والذي نَفْسِيْ بِيَدِهِ لَيُوْشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيْكُمْ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا عَدْلاً فَيَكْسُرُ الصَّلِيْبَ وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيْرَ وَيَضَعُ الْجِزْيَةَ وَيَفِيْضَ الْمَالُ حَتَّى لا يَقْبَلَهُ أَحَدٌ وَحَتَّى تَكُوْنَ السَّجْدَةُ للهِ خَيْرٌ لَهُ مِنَ الدنْيَا وَمَا فِيْهَا)). وقد روي أَنه ينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق، وأَنه يقاتل الدجال هو ومن معه من جنود الإسلام المنصورة فيدرك الدجال عند باب لد أًَو إلى جانب لد فيقتله. قال مجمع بن حارثة رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((يَقْتُلُ ابْنُ مَرْيَمَ الدَّجالَ بِبَابِ لُد أَوْ إلَى جَانِبِ لُدّ)) (18). وليس فيما يذكر من كذب اليهود بقتل عيسى عليه السلام ما يدل على برائتهم من إثم قتله وارتكاب جريمة اغتياله عليه السلام، فإنهم وإن لم يقتلوه بالفعل إلا أَنهم صمموا على قتله، وبذلوا كل ما يستطيعون، وعملوا مع من أَلقي عليه شبهه من قتله وصلبه وصفعه وإلقاء الشوك عليه وغير ذلك من الأشياء التي عملوها ظانين أَنه عيسى عليه السلام، ثم صاروا يفتخرون بقتله، فقد باءوا بإثم قتله بلا شك. ومما يدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: ((إذَا الْتَقَىْ الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفيهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُوْلُ فِيْ النَّارِ. قيل يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول قَالَ: إنَّهُ كَانَ حَرِيْصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ)) (19). فكيف يستسيغ أَحد أَن يبرأَ اليهود من إثم قتل المسيح عليه السلام مع هذا الحديث الصريح وغيره من الأَدلة، وهم لم يقتلوا الذي أُلقي عليه شبهه إلا على أَنه هو. وكل من عرف اليهود عرف أَنهم أَعداء لله وأَعداء لرسله وأَعداء للمسلمين بل أَعداء للنصارى والله المستعان.قاله الفقير إلى عفو الله محمد بن إبراهيم آل الشيخ وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا. (الختم) (ص-ف-1626-1 في 26-5-85ه فتاوى العقيدة جمع د/ محمد بن عبدالرحمن بن قاسم الخُلاصة أناجيل النصارى لا علم لها بتفاصيل صلب المسيح [وإنما أصله قول اليهود أنهم قتلوه،فلمّا صدّقهم النصارى ،اقتبسوا واستعاروا التفاصيل من عيد فصح اليهود السنوي الذي كان عمره وقتئذ أكثر من ألف سنة،ذكرى نجاتهم من فرعون، يقوم اليهود فيه سنوياً بتجهيز خروف العيد وذبحه (قصّة الصلب يوم الجمعة ) وأكله ليلاً (قصة دفن المسيح ليلة السبت ببطن الأرض،كيونس ببطن الحوت)]، ولا علم لها بقيامته [ ولكن لمّا صدّق النصارى بقتله كان لابد من قيامته، فاستعاروا ذلك من عثاتر الشعوب القديمة وعلى رأسها عثتر (أسر) مصر ،آلهة الشموس والأقمار والنجوم التي كلّما أفلت ،يراها الناس تبزغ وتشرق من جديد]،ولا علم لهم حتّى بفترة ما بين قيامته إلى رفعه [ الأولى قدر شروق الشمس وغروبها،والثانية قدر أسبوع فصح اليهود،والثالثة قدر مُكث موسى بالطور 40 ليلة] وأخيراً تلقّى التلاميذ الروح القدس في اليوم 50، كما قالت بنو إسرائيل من قبل ،أنهم تلقّوا التوراة من موسى في نفس اليوم. إجابة شافية : ماذا نقول كمسلمين إزاء مثل هذا الإدعاء المسيحي ؟ . ليست هنالك – في نظري – إجابة أكثر إقناعاً من قوله تعالى : ( وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً ) . ( سورة النساء : الآية 157 ) . هل يمكن لأحد أن يكون أكثر وضوحاً وأكثر تأكيداً وأكثر يقيناً وأكثر رفضاً للمساومة تجاه معتقد من معتقدات الإيمان عن هذه الإجابة ؟ الإجابة هي : مستحيل ! إن الله هو وحده العليم القدير البصير مالك الملك . إنه الله سبحانه وتعالى . ويؤمن المسلم أن هذه الإجابة الكاملة إنما هي من الله سبحانه وتعالى . ومن ثم لا يثير سؤالاً ولا يتطلب دليلاً . يقول المسلم : آمنا وصدقنا . ولو كان المسيحيون قد قبلوا بالقرآن الكريم باعتبار أنه وحي الله لما ثارت مشكلة صلب المسيح . وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ {78} مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَادًا لِّي مِن دُونِ اللّهِ وَلَكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ {79} وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ الْمَلاَئِكَةَ وَالنِّبِيِّيْنَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُم بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ {80} آل عمران