كتاب التعبير القرآني

الناقل : mahmoud | الكاتب الأصلى : دار عمّار للنشر والتوزيع، | المصدر : www.islamiyyat.com

 

(إصدار دار عمّار للنشر والتوزيع، عمّان الأردن)
هذا هو الكتاب الأول ضمن دراسات بيانية في الأسلوب القرآني وقد قدّم له بالدكتور بهذه المقدمة:
الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجاً والصلاة والسلام على رافع لواء الهدى سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والداعين بدعوته وبعد:
فقد كنت أسمع من يقول: إن القرآن معجز وإنه أعلى كلام وأنه لا يمكن مجاراته أو مداناته ,ان الخلق أجمعين لو اجتمعوا على أن يقولوا مثله ما استطاعوا. وقد قرأت في كثير من الكتب نحواً من هذا القول. وكنت أرى في هذا غلواً ومبالغة، دفع القائلين به حماسهم الديني وتعصبهم للعقيدة التي يحمبونها.  وكنت أقرأ كثيراً من التعليلات التي يستدل بها أصحابها على سمو هذا التعبير مارتباط الآيات ببعضها وارتباط فواتح السور بخواتيمها وارتباط السور ببعضها واختيار الألفاظ دون مرادفاتها ونحوذلك فلا أراها علمية وأجد كثيراً منها متكلفاً وكنت أقول: أنه لو كان التعبير على غير ذلك لعللوه أيضاً فإن الإنسان لا يعدم تعليلاً لما يريد، إلا أنه بمرور الزمن وبعد اطلاعي على مؤلفات أحسبها غير قليلة في كتب اللعة والتفسير والإعجاز والبلاغة ونحوها – وذلك بحكم اختصاصي- بدأت أميل إلى تصديق هذه المقولة، فقد اتضح لي أن قسماً غير قليل مما كُتب كُتب بروح علمية عالية وأن كثيراً مما كُتب لا أزال أراه الآن كما كنت أراه من قبل.
ثمقررت أن أدرس النص القرآني بنفسي فبدأت أجري موازنات بين كثير من الآيات من حيثالتشابه والاختلاف في التعبير ، والتقديم  والتأخير، والذكر والحذف وما إلى ذلك منأمور لغوية وبلاغية ومعنوية ، وأفحصها فحصاً دقيقاً فراعني ما رأيت من الدقة فيالتعبير والإحكام في الفن والعلو في الصنعة. وجدت تعبيرا فنيا مقصودا حُسِب لكلكلمة فيه حسابها ، بل لكل حرف، بل لكل حَرَكة.
وكلما أمعنت النظر والتدقيق والموازنة ازددت بذاك يقيناً وبصيرة . وانتهيتإلى حقيقة مسلّمة بالنسبة إلي وهي أن هذا القرآن لا يمكن أن يكون من كلام البشر،وأن الخلق أولهم وآخرهم لو اجتمعوا على أ ن يفعلوا مثل ذلك ما قدروا عليه ولاقاربوا.
وأنا لا أطلب من القارئ أن يُسلّم بهذه الحقيقة فإن هذا طلب لا مطمع منه لمجرد القول والإدعاء وإنما الذي أطلبه منه أن يخلع عنه جلباب العصبية وينظر بروح علمية مجرّدة. وأنا لا أشك في أنه سيصل إلى ما وصلت إليه.
صحيح أن كثيراً من الناس ليس لديهم اطلاع على المسلّمات اللغوية وليس لديهم معرفة بأحكام اللغة وأسرارها ومن الصعب أن يهتدي هؤلاء إلى أمثال هذه المواطن من غير دليل يأخذ بأيديهم يدلّهم على مواطن الفنوالجمال ويُبصّرهم بأسرار التعبير ويوضح لهم ذلك بأمثلة يعونها ويفهمونها. وهذا الكتاب أحسبه من هذا النمط فما هو إلا دليل يشير إلى شيء من مواطن الفن والجمال ويُبصّر بقسم من أسرار التعبير.
أنا لا أقول أني وضعت الكتاب بعيداً عن العصبية والهوى وإن كان يُخيّل إلي أني فعلت ذاك ولا أفترض أن القارئ سيسلّم بكل ما يجده فيه ولا أطلب منه ذاك ولكني أدعو القارئ أن يقرأ بعقل متفتح وقلب يقظان وأن يصبر على ما لم يسبق له به علم من أمور اللغة حتى يعيَها وذلك ليس بأمر عسير.
وأظنه متى فعل ذلك سيبصر ما أبصرناه وينتهي إلى ما انتهينا إليهز
نسأله تعالى أن يلهمنا الرشد ويجنبنا الزلل إنه سميع مجيب.
ويحتوي الكتاب على المواضيع التالية:
  1. التعبير القرآني
  2. البنية في التعبير القرآني
    •  
    •  
    •  
    •  
    •  
    •  
    • التوكيد في القرآن الكريم
    •  
  3.  
    •  
    •  
    •  
    •  
    •  
    •  
    • السمة التعبيرية للسياق
    •  
  4.  
  5. الحشد الفني
  6. الحشد الفني في القصص القرآني
  7. قصة سيدنا آدم عليه السلام
*       قصة آدم في سورتي البقرة والأعراف
*       قصة آدم في سورتي الأعراف و (ص)
*       قصة آدم في الحِجر و (ص)
  1. قصة سيدناموسى عليه السلام
*       في البقرة والأعراف
*       في الأعراف والشعراء
  1. تفسير سورةالتين
 وفي الصفحة الرئيسية لمسات يوجد العديد من هذه المواضيع  منها في الحذف والذكروفواصل الآيوالتشابه والإختلاف وقصة آدم في سورتي البقرة والأعراف وأمثلة من التقديم والتأخير مكتوبة بصيغة مختلفة نوعاً ما عما جاء في الكتاب وهي ما تفضل به الدكتور في برنامج لمسات بيانية إما كمحور مستقل وإما إجابات عن أسئلة المشاهدين وعليه فلن نكرر ما جاء في تلك الصفحة وسأحاول في الأيام المقبلة إن شاء الله ومدّ في عمري أن أزيد ما لم يرد ذكره في تلك الصفحة للفائدة العامة وأبدأ بسور التين التي نقلتها كما هي في الكتاب.
من التشابه والاختلاف: (صفحة 188 – 189) 
ومن هذا الباب الاختلاف في التعريف والتنكير وذلك نحو قوله تعالى (وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (61) البقرة) وقوله (وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (112) آل عمران).
فعرّف (الحق) في الأولى ونكره في الثانية، وذلك أن كلمة الحق المعرّفة في آية البقرة تدل على أنهم كانوا يقتلون الأنبياء بغير الحق الذي يدعو إلى القتل، والحق الذي يدعو إلى القتل معروف معلوم.
وأما النكرة فمعناها أنهم كانوا يقتلون الأنبياء بغير حق أصلاً لا حق يدعو إلى قتل ولا غيره. أي: ليس هناك وجه من وجوه الحق الذي يدعو إلى إيذاء الأنبياء فضلاً عن قتلهم. فكلمة (حق) ههنا نكرة عامة، وكلمة (الحق) معرّفة معلومة. والقصد من التنكير الزيادة في ذمهم وتبشيع فعلهم أكثر مما في التعريف، وذلك لأن التنكير معناه أنهم قتلوا الأنبياء بغير سبب أصلاً لا سبب يدعو إلى القتل ولا غيره (انظر ملاك التأويل 1/71 -73). فمقام التشنيع والذمّ ههنا أكبر منه ثم كلاهما شنيع وذميم.
فجاء بالتنكير في مقام الزيادة في ذمهم وإليك سياق كل من الآيتين:
قال تعالى (وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (61) البقرة) فعرّف (الحق) فيها.
وقال: (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (112) آل عمران) فنكّر (الحق).
ومن الواضح أن موطن الذمّ والتشنيع عليهم والعيب على فعلهم في آية آل عمران أكبر منه في آية البقرة يدل على ذلك أمور منها:
أنه في سورة البقرة جمع (الذلة) و(المسكنة) (وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ) وأما في آية عمران فقد أكّد وكرّر وعمّم فقال: (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا) فجعلها عامة بقوله (أينما ثقفوا) ثم قال (وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ) فأعاد الفعل وحرف الجر للزيادة في التوكيد فإن قولك (أنهاك عن الكبر وأنهاك عن الرياء) آكد من قولك (أنهاك عن الكبر والرياء).
ثم إنه ذكر الجمع في آية البقرة بصورة القِلّة فقال (ويقتلون النبيين) وذكره في آية آل عمران بصورة الكثرة  فقال (ويقتلون الأنبياء) أي يقتلون العدد الكثير من الأنبياء بغير حق.
فالتشنيع عليهم والعيب على فعلهم وذمّهم في سورة آل عمران أشدّ من هنا يتبين أن التعريف في آية البقرة أليق والتنكير في آية البقرة أليق (انظر كتاب معاني النحو باب المعرفة والنكرة (المعرّف بـ أل)).