تعتبر الموارد البشرية من المقاييس الأساسية التي تقاس بها ثروة الأمم باعتبار أن هذه الموارد على رأس المكونات الرأسمالية والأصول المؤثرة في الوضع الاقتصادي والاجتماعي للدول ، حيث أصبح العنصر البشري ودرجة كفاءته هو العامل الحاسم لتحقيق التقدم .
وقد أكد علماء الاقتصاد منذ وقت طويل أهمية تنمية الموارد البشرية في تحقيق النمو الاقتصادي ، حيث ذكر " آدم سميث A . SMITH" في كتابه الشهيــــر " ثروة الأمم " أن كافة القدرات المكتسبة والنافعة لدى سائر أعضاء المجتمع تعتبر ركنا أساسيا في مفهوم رأس المال الثابت ، حقيقة أن اكتساب القدرة أثناء التعلم يكلف نفقات مالية ، ومع ذلك تعد هذه المواهب جزءا هاما من ثروة الفرد التي تشكل بدورها جزءا رئيسيا من ثروة المجتمع الذي ينتمي إليه.
كما أكد " الفريد مارشال A . MARSHALL " أهمية الاستثمار في رأس المال البشري باعتباره استثمارا وطنيا وفي رأيه أن أعلى أنواع رأس المال قيمة هو رأس المال الذي يستثمر في الإنسان ، إذ عن طريق الإنسان تتقدم الأمم ، والاقتصاد ذاته ذو قيمة محدودة إن لم يستغل في سبيل التقدم وذلك عن طريق القوى البشرية التي تحول الثروات من مجرد كميات نوعية إلى طاقات تكنولوجية متنوعة تحقق التقدم المنشود .
وفي دراسة عن تأثير التعليم وتنمية القوى البشرية بشكل عام في النمو الاقتصادي قسم العالمان " هاربسون HARBISON" ، و" مايرز MAYERS" بلاد العالم إلى أربعة مستويات من النمو الاقتصادي تأثرا بدرجة التعليم هي :
1) البلاد المتخلفة " UNDER DEVELOPED COUNTRIES" : وتعاني من ضعف الوعي بالتعليم ومحدودية إمكانات المدارس وانتشار ظاهرة التسرب وارتفاع الفاقد في التعليم وانخفاض معدلات القيد في المدارس ( 5 –40% من الفئة العمرية 6 - 12 سنة في المرحلة الابتدائية ، 3 % من الفئة العمرية 12-18 سنة في المرحلة الثانوية ) ، وأغلب دول هذه الفئة لا يوجد بها جامعات والقليل منها به معاهد عليا .
2) البلاد النامية جزئيا " PARTIALLY DEVELOPED COUNTRIES": وهي البلاد التي بدأت في طريق التقدم وقطعت فيه شوطا محددا ، ويتميز التعليم فيها بالتطور السريع من حيث الكم على حساب نوعية التعليم ، وتعاني هذه الفئة من البلاد من ارتفاع نسبة التسرب والفاقد من التعليم خاصة التعليم الابتدائي رغم عنايتها به ، وانخفاض نسبة المقيدين بالمرحلة الثانوية ونقص أعداد المدرسين ، كما أنه يوجد بها جامعات إلا أن اهتمامها موجه إلى التعليم النظري .
3) البلاد شبه المتقدمة " SEMI – ADVANCED COUNTRIES" : وهي البلاد التي قطعت شوطا متوسطا في طريق التقدم ن ويتميز التعليم فيها بأنه إلزامي لمدة 6 سنوات وترتفع معدلات القيد بها لتصل إلى نحو 80 % ، ومشكلات التسرب والفاقد من التعليم أقل حدة من الفئتين السابقتين ، والتعليم الثانوي متنوع ويميل إلى الاتجاه الأكاديمي بهدف الإعداد للتعليم الجامعي الذي يتميز في هذه البلاد بالارتفاع الا أن الجامعات تعاني من ازدحام الطلاب وضعف الإمكانات المادية ونقص أعداد هيئات التدريس .
4) البلاد المتقدمة " ADVANCED COUNTRIES " : وهي البلاد التي قطعت شوطا طويلا في طريق التقدم وحققت مستوى اقتصادي متطور خاصة في مجال الصناعة وتزدهر بها حركة الاكتشافات العلمية ولديها رصيد من الكفاءات البشرية والقوى العاملة المؤهلة والمدربة ن ويتميز التعليم فيها بارتفاع معدلات القيد في جميع مراحله وارتفاع مستوى التعليم الجامعي والاهتمام بالكليات العلمية بدرجة تفوق الكليات النظرية مع الاهتمام بالبحث العلمي والاكتشاف والاختـــراع .
والأمثلة على تأثير الاستثمار البشري في تحقيق التقدم والنمو الاقتصادي والاجتماعي متعددة فنجد دولة مثل الصين واليابان وغيرها من دول جنوب شرق آسيا قد حققت معدلات عالية للنمو الاقتصادي واستطاعت أن تتخطى حاجز التخلف وتتبوأ مكانة متقدمة بين دول العالم ارتكازا على ما لديها من موارد بشرية حرصت على تأهيلها وتنمية مهاراتها وقدراتها ، كما أن ما يشهده العالم الآن من تطور علمي كبير خاصة في تكنولوجيا المعلومات المرتبطة باستخدامات الحاسب الآلي والاتصالات والإلكترونيات يرجع إلى ما تم تأهيله من قدرات ومهارات عالية المستوي لأفراد من العنصر البشري .