سمعنا بنوني التوكيد الثقيلة والخفيفة في قواعد اللغة العربية، علماً أنهما يعملان شيئاً واحداً رغم اختلافهما من حيث الثقل والخفة وهو البناء، وكنا نقول بأن المفردات المذكورة في قواعد اللغة العربية قليلاً ما تسقط على واقعنا، وكان هذا ظناً منا، لذا لقد تجسد أكثر مفاهيمها في الواقع المعاشي. الجيم المذكورة في عنوان المقالة هو الحرف الأول من كلمة (جاش \"جحش\" بالعربية) وهو حيوان معروف وقد شوه اسمه عندما اطلق على نوع من المليشيات داخل الدولة، فلم ير الإنسان من الجحش الحيوان غير الخير والنفع أما من الجحش الإنساني غير الشر والدمار، وشتان بينهما من حيث التكوين ومن حيث العمل. نونا التوكيد عندما يدخلان على الفعل المضارع يجعلانه مبنياً بدل الإعراب، أما جيما الإنسان فلا يرفع ولا ينصب ولا يجزم ولايبني بل له عمل واحد وهو الجر، يجر وراءه المفسدين في الأرض، وهذا الذي حصل بطول تاريخهم في كوردستان، كانوا يجرون أزلام البعث البائد الى العمق الكوردي، ولمشاهد الأنفال ما يقطع كل الظن بهذا العمل. قلنا لعل هذا العمل مرتبط بعصر النضال والكفاح من أجل الحصول على الحرية، اما بعد انشاء السلطة الكوردية واحتواء كل هؤلاء (الجيم والميم) –ولنا رأي في كيفية احتوائهم- ظن الكثيرون بأن هذه المفردة قد رجعت الى مكانها ورفع الظلم عن الحيوان المسكين الذي شوه اسمه لسنوات عديدة ومديدة، ولو كان هناك قوانين ومحاكم تأخذ حقوق الحيوانات لأعطيناه الحق أن يرفع الدعاوى ضد كل هؤلاء الذين استخدموا اسمه فخربوا البلاد علماً ان عمله هو البناء. وعمر كلول أسس حزباً باسم (قطعان الحمير)، يدافع عن حقوق هذا الحيوان، ويبرئ نفسه وقطعان الحمير من الخيانة للشعب الكوردي، ومن ثم يوضح التشويه الذي لحقهم بسبب أناس سموا بالجحش ولا أدري ما وجه الشبه بين الإثنين اذ أن عملهما مختلف جداً، فنشكو بثنا وحزننا الى الله. وكانوا يطلقون على كل من يغدو جحشاً (خفيفة)، وأفواجهم كانت أفواج خفيفة، أما من قبل النظام فكانوا هم (الفرسان) وميليشات تابعة للحكومة المركزية، القصد من تكوينها كانت نخر جسد الحركة الكوردية. بعد 9\\4\\2003 وحل كل القوات النظامية (الثقيلة والخفيفة) من قبل الحاكم المدني \"بول بريمر\"، تم حل الميليشلت الكوردية \"الفرسان\" أو الخفيفة، وأصدرت السلطة الكوردية عفواً عاماً عن كل هؤلاء شريطة أن لا يرجعوا الى ما اقترفوه من قبل، وأقول صراحة بأن هذا العفو بهذا الشكل كان خطئاً كبيراً، لأن فيهم آلاف مؤلفة تلطخت ايديهم بدماء الأكراد في مجريات الأحداث في المنطقة طيلة العقود المنصرمة، وبرزت دورهم أكثر في حملة المسماة بالأنفال، فكانوا عيوناً لجلاوذة الحكم البائد. لماذا هذا الموقف من قبل الحكومة العراقية الجديدة؟ أقصد محاولة تكوين الميليشات التي تعادي الواقع الكوردي (السلطة الكوردية)، فجوابه سهل ويسير وهو المحاولة لتقليص دور السلطة الكوردية، وتكوين قوى الضغط، وخلخلة الوضع الداخلي وأكثر من هذا هو امتصاص هذا الإستياء الداخلي ثم توظيفه لصالحهم. الراتب الشهري (مليون دينار بريمري) لكل من ينضم الى الأفواج الخفيفة، هذا الراتب يفوق راتب الأستاذ الجامعي حامل لشهادة الدكتوراه مرتين، لماذا هذا؟! فهناك خلف الكواليس أمور لا يعلمها إلا الله يدبر لهذه الأمة، ولا أخفيها فاننا أعطينا المبررات والذرائع لما يحصل لنا، ونكثر الحديث عن المؤمرات الخارجية ولا نتحدث عن القابلية لكي يتآمر الآخرين علينا. الواقع الكوردي يلفه موجة من اليأس والإحباط والإستياء الداخلي للواقع المعاشي (انعدام الخدمات الإجتماعية، انتشار وباء الفساد الإداري والأخلاقي، البطالة، و....)، فحل هذه المعضلات القاهرة اعتبرها خطوة في الطريق الصحيح، وسد الباب على من يريد التنكيل بهذه الأمة من جديد، وهذا عرض أضعها أمام المسؤولين اذا كان يهمهم مستقبل هذا الشعب. افرح لما يقوم به بعض المنظمات من جمع التواقيع لمحاكمة هؤلاء الفرسان الذين كانوا الساعد والذراع لتنفيذ الحملة المسماة بالأنفال، وفرحت أكثر للمرسوم الكوردي الذي يعاقب كل من ينظم الى هذه المجاميع الخفيفة، ويشتد فرحي وغبطتي عندما أشاهد بعضاً من هؤلاء يحاكمون على جريمتهم مع أخلائهم في قفص الإتهام، علماً أنهم طلبوا بهذا، وكلي أمل أن أرى هذا اليوم، فاذا حدث هذا ننتصر مرتين اولاً ننقي الجسد الكوردي من الشوائب، ثم نقيم جزءاً من العدالة الإلهية لهؤلاء الذين لم يرحموا البشر والحشر، ويغدوني الأمل وأنا متفائل جداً بمجئ هذا اليوم