الصلاح والاصلاح في القرآن (البحث الكامل)

الناقل : mahmoud | الكاتب الأصلى : حسين علي البرواري | المصدر : www.qudwa1.com

المقدمة
الحمد لله، حمداً كثيراً على نعمه، والصلاة والسلام على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد..
فإنّ الله تعالى قد أكمل دينه، وأتم نعمته على المؤمنين بما أنزله من القرآن الكريم على خاتم الأنبياء والمرسلين محمد ( صلى الله عليه وسلّم ) ليخرج الناس به من الظلمات الى النّور، ويهديهم إلى صراط الله المستقيم، قال تعالى } ... قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ { المائدة: 15-16.
ولقد تسلّم الإسلام قيادة البشرية بعدما فسدت الأرض وأسنَت الحياة، وذاقت البشرية الويلات و } ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ { الروم:41.
والصلاح هو الركن الذي ينبغي له الوجود عند كل بني البشر، ولا يستقيم حياة الإنسان دونه، فهو – الصلاح – للسعادة أساس، وللحياة ركن، وللإنسانية شرط ، ولتحقيق الخلافة مدلول.
كثر الكلام عن الإصلاح في العالم أجمع، وأصدرت كتب ومجلات وجرائد، وأنشأت أحزاب وحركات وجمعيات بإسم الإصلاح ، وكثيراً مانشاهد المظاهرات والهتافات تعلو على أجهزة الإعلام ( الإصلاح .. الإصلاح ) ، وبروز التيار الإصلاحي في العالم، وبغض النظرعن تفسير مغزى الإصلاح عند كل من يريد أن يفسره، فهناك من يفسره بأنه التسوية بين الرجل والمرأة، وغيره يفسره بأنه إعطاء الدور الكامل للطبقة المسمى – بالشباب – وإصلاحه، على كلٍ، فقد جذب شعور العالم نحوه .
لعل العالم رأت الفساد في جميع النواحي ، في السياسة والأخلاق والفكر و الإقتصاد والإجتماع ، لذا قاموا بتأسيس وتشكيل الأحزاب والجمعيات لغرض الإصلاح أملاً في إصلاح مافسد.
سبب اختيار الموضوع
يرجع سبب إختياري لهذا الموضوع الى جملة من الأمور منها:-
1- إنحراف المسلمين عن المسار الذي رسمه القرآن .
2- الرغبة الصادقة في إضاءة شمعة على طريق الإصلاح.
3- حال الأمة الإسلامية في أغلب المجالات، تغلغل عوامل الفساد ومظاهره في معظم المجتمعات.
4- الفشل الذريع لكل الجهود والمحاولات الإصلاحية عن طريق الأنظمة والمناهج الوضعية ، ووصولها الى طريق مسدود.
5- إنبهار بعض الناس بالمبادئ المستحدثة، وبألوانها البرّاقة، وماهو إلاّ الوهم الخادع والسراب الكاذب.
6- كيد أعداء الإسلام لصرف أمة القرآن عن نظامها الشامل للحياة.
7- القنوط التي إستولت على قلوب كثير من الناس ، ظنّاً منهم أنّه لاسبيل إلى إصلاح هذه الأمة ، ولا أمل في إستعادة مجدها.
قمت بتقسيم هذا البحث على ثلاثة مباحث ، ولكل مبحث مطالب وعلى الشكل الآتي :-

المطلب الثاني: أولاً : العلاقة بين الصلاح والاصلاح .
ثانياً: آثار الصلاح والاصلاح على الفرد والمجتمع.
المطلب الثالث : صفات المصلحين في القرآن.
المبحث الثاني : المطلب الاول : مصير الأمة التي تركت الإصلاح .

المطلب الثالث: قواعد ومراتب الإصلاح.
المبحث الثالث : مجالات الإصلاح .
المطلب الاول : أولاً: الإصلاح السياسي. ثانياً: الإصلاح الإجتماعي.
المطلب الثاني : أولاً: الاصلاح الاقتصادي . ثانياً: الاصلاح الاخلاقي.
ثالثاً: الاصلاح الفكري.
الخاتمة .....


المبحث الأول
المطلب الأول
المعنى اللغوي والشرعي للصلاح والإصلاح
الصلاح : ضد الفساد، ورجل صالح في نفسه من قوم صلحاء ومصلح في أموره، وهذا الشئ يصلح لك أي : هو من ياتيك.
والإصلاح : نقيض الافساد ، والاستصلاح نقيض الاستفساد، واصلح الشئ بعد فساده أي أقامه، واصلح الدّابة ، أحسن اليها فصلحت.
والصلح تصالح القوم بينهم ، والصلح السلم ( [1]).، صلح صلاحاً وصلوحاً: زال عنه الفساد، والشئ كان نافعاًاو مناسباً، يقال: هذا الشئ يصلحلك.
أصلح ذات بينهما : أزال مابينهما من عداوة وشقاق، وفي التنزيل } وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا... { الحجرات: 9 ، و}... فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ { الأنفال: 1 .
وإستصلح الشئ : تهيأ للصلاح والصالح ، المستقيم المؤدي لواجباته والصلاح، الاستقامة والسلامة من العيب، ...والصلح انهاء الخصومة ( [2]).

المعنى الإصطلاحي للصلاح

الصلاح مختص في اكثر الاستعمال بالافعال، وقوبل في القران تارة بالفساد وتارة بالسيئة ، قال تعالى } ... خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً { التوبة: 102، وقال ايضاً } وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا {الأعراف: 56 .
والصلاح هنا يراد به ان يكون الإنسان صالحاً في ذاته ، قد بدأ بنفسه فطهرها وهذبها وأقامها على الصراط فاصبحت نفساً طيبة صالحة .
يقول الإمام الغزالي ( [3]) رحمه الله (( فحق على كل مسلم ان يبدأ بنفسه فيصلحها بالمواظبة على الفرائض وترك المحرمات )) ( [4]).
ويقول الآلوسي رحمه الله (( الصلاح عبارة عن الإتيان بما ينبغي والإحتراز عمّا ينبغي )) ( [5]) ، وهو أي : الصلاح: جامع لكل خير وله مراتب غير متناهية ، ومرتبة الكمال فيه مرتبة عليا، ولذا طلبها الأنبياء عليهم السّلام كما قال النبي سليمان عليه السّلام } وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ { النمل: 19( [6]).

المعنى الإصطلاحي للإصلاح

يقول الإمام الغزالي رحمه الله بعدما وضّح واجب المسلم تجاه نفسه بتهذيبه ، شرع في بيان معنى الإصلاح فقال: ( ثم يعلم ذلك – أي الذي قام بتهذيب نفسه وصلاحه – ثم أهل بيته و يتعدى بعد الفراغ منهم إلى جيرانه ثم إلى أهل محلته ثم إلى أهل بلده ثم إلى أهل السوادالمكثف ، ثم إلى أهل البوادي من الأكراد والعرب وغيرهم...)، وبتوافر عنصري الصلاح في النفس والإصلاح للنفس يتحقق للإنسان إكتمال فضيلة أخلاقية قرآنية ذات شقتين ، يكمل احدهما الأخرى ، تلك هي ماعبرت عنه بكلمتي (الصلاح والإصلاح ) ( [7]). ،فاذا عرفنا بان الصلاح هو القيام بتهذيب الآخرين والتعدي من النفس إلى الغير، إذاً أدركنا ذلك ، فبم يتحقق القضية وبم يتم ذلك؟.
يقول الإمام إبن تيمية( [8]) رحمه الله (( إنّ صلاح العباد بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإنّ صلاح المعاش والعباد في طاعة الله ورسوله، ولايتم ذلك إلاّ بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبه صارت هذه الأمة خيرأمة أخرجت للناس)) ( [9])، فمضمون الإصلاح إما أمر بمعروف أو نهي عن منكر ، وجاء في معجم العلوم الإجتماعية إن المقصود بالإصلاح هو " تغيير في نموذج من النماذج الإجتماعية أملاً في الوصول إلى تجسيد ذلك النموذج، وحركات الإصلاح بمعنى الكلمة تنزع إلى تخفيف مساوئ النظام الإجتماعي وتصحيح الأوضاع الفاسدة وذلك عن طريق تعديل في بعض النظم الإجتماعية دون أن يؤدي ذلك إلى تغيير البناء الأساسي للمجتمع " ( [10]).


المطلب الثاني

أولاً : العلاقة بين الصلاح والإصلاح

الإقتران المتكرر، الغالب بين الإيمان والعمل الصالح يشيرإلى ان الايمان مقدمة ومدخل إلى الصلاح، ونعني بالايمان: الذي يغيرالإنسان فيصلحه، فهذا التغيير الناشئ بدافع الإيمان هو الصلاح، أي شأن المؤمن مع الخالق وأوامره ونواهيه، كما ان للإيمان ثمرات، ومن ثمره الصلاح ، وإلاّ فما الفائدة من الصالحين ؟، والإصلاح يكون ثمرة أو نتيجة الصلاح ( [11]).
الإصلاح قوام بقاء المجتمع وخيريته، لكن لاتنفك علاقته عن الصلاح ، فلا إصلاح بدون صلاح، وبدون العودة إلى الذات وبدون تغيير مابالنفوس } إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ { الرعد: 11، فان الأمم المنتصرة على أعدائها، أمم حققت نصراً داخلياً أولاً ، وحققت كل واحد من أبنائها نصراً على الصعيد الشخصي من خلال تغييره مافي نفسه ( [12]).
إن الإهتمام بإصلاح الدنيا من شيمة المؤمن } وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ { الانبياء:105، مهمة الصالحين هي العناية بالارض والعمل على استقامته على الارض – مهمة الحياة البشرية – وستكون زمامها بيد الصالحين ، وكما يكونون ورثة ( الفردوس ) في الآخرة ، لابد وان يكونوا ورثة الارض، فهل من الممكن أن يكونوا وارثين مكفوفي الايدي؟.
لاشك } وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ { العنكبوت69، فالإصلاح يهدف إلى توفير الدافع الداخلي لدى جماهير الشعب ، تلك الجماهير المتعطشة إلى انتفاضة القلب كيما تنتصر على ما أصابها من خمود( [13]).
فتوفير الدافع الداخلي من أجل إنتفاضة يصلح الخارج بواسطة إنتفاضة القلب ، جاء في حديث إبن لبيد حيثما ذكر رسول الله ( صلى الله عليه وسلّم ) أمراً فقال : (( وما ذلك في زمان ذهاب العلم، فلما سأله الصحابي : وكيف يذهب العلم ونحن نقرأ القرآن ونستقرئ أبناءنا ، وأبناؤنا يستقرؤون أبناءهم القرآن؟.. فقال أوليس اليهود والنصارى بأيديهم التوراة والإنجيل ولاينتفعون مما فيهما بشئ )) ( [14]).

ثانياً: آثار الصلاح والإصلاح على الفرد والمجتمع

الصلاح والإصلاح: هما الحصن الحصين لبقاء المجتمع وتقدمه ويعتبران الحياة التي جاهد المصلحون من أجلهما .
للصلاح والإصلاح في القرآن الكريم آثار كثيرة نذكر بعضاً منها:-

1- الحياة الطيّبة:
قال تعالى } مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ { النحل:97، ان العمل مع الإيمان جزاءه حياة طيبة في هذه الأرض ، لايهم أن تكون ناعمة رغدة ، ثرية بالمال، فقد تكون به ، وقد لاتكون معها، وفي الحياة أشياء كثيرة غيرالمال تطيب بها الحياة في حدود الكفاية، وفيها الإتصال بالله والثقة به والإطمئنان إلى رعايته وستره ورضاه، وفيها الصحة والهدوء والرضى والبركة، وسكن البيوت ومودة القلوب وفيها الفرح بالعمل الصالح وإيثاره في الضمير والحياة ( [15]).

2- النجاة من الهلاك والدمار:
قال تعالى : } وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ { هود:117، ولتفسير المنار كلام مهم في التعليق على هذه الآية الكريمة " أي وماكان من شأن ربك وسنته في الإجتماع البشري ان يهلك الأمم بظلم منه لها في حال كون أهلها مصلحون في الأرض، مجتبين للفساد والظلم، وانما اهلكهم ويهلكهم بظلمهم وإفسادهم فيها كما ترى في الآيات العديدة من سورة هود وغيرها "( [16]).

3- وراثة الأرض والاستغلال فيها:
على المؤمن بالقرآن أن يتيقن بأن وراثة الأرض مشروطة بمهمة الإصلاح } أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ { الانبياء:105، وأساس الصلاح وعماده هو ماقاله تعالى : } الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ { الحج:41.

4- جلب ولاية الله :
ومن آثار الصلاح أيضاً انه يجلب ولاية الله ورعايته لعبده الذي أخذ بين جنبيه نفساً صالحاً قام بتهذيبها، وقامت بدورها التي من أجلها خلقت وحينئذ يجلب الولاية ، قال تعالى : } إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ { الأعراف:196، وانها - أي المنكرات – إنتهاك حرمات الله ، والله تعالى يغار على حرماته أن يعتدي عليها، ومن شأن المؤمن الصالح ان يكون ولياً لله ،يحب مايحب الله ويبغض مايبغض الله ، ومعنى هذا ان من رأى حرمات الله تنتهك ولم يكن له غيرة تنزع به إلى الحفاظ عليها، وحمايتها من عدوان المعتدين وإقتران المقترفين، لم يكن ولياً لله ولا واقعاً موقع رضاه ... ( [17]).

5- حفظ النسب أو العناية الإلهية بالذرية :
قال تعالى : } وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً { الكهف:82، بناء جدار اليتيمين في قصة موسى عليه السّلام مع الرجل الصالح معروفة ، ولم تأت العملية صدفة وبلا سبب، وإنما كان أثراً لصَلاح أبيهما.
عن هنادة بنت مالك الشيبانية ، قالت : (( وذكر أنهما حفظا بصلاح أبيهما ولم يذكر فيها صلاح وكان بينهما وبين الأب الذي حفظا به سبعة آباء وكان نسّاجاً ، وكان أبوهما صالحاً )) فيه دليل على أن الرجل الصالح يحفظ ذريته وتشمل بركة عبادته لهم في الدنيا والآخرة شفاعته فيهم ورفع درجتهم إلى أعلى درجة في الجنّة لتقر عينه بهم كما جاء في القرآن ووردت به السنّة ، قال سعيد بن جبيرعن إبن عباس - رضي الله عنهما - حفظاً بصلاح أبيهما ولم يذكر لهما صَلاحاً ( [18]).

6- الإطمئنان:
الإصلاح أمان في أي شئ يفزع في الحياة ، وحيلولة دون وقوع الحزن، والنفس المستقيم بالصلاح يتحدّى الكبد التي هي طبيعة الحياة الدنيوي ، والنفس الذي ارتكب النحراف عن الصلاح والإصلاح فقد تورط في هموم الدنيا ولم يخرج صاحبه من فزع الحياة ، قال تعالى : } وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ { الأنعام:48 ( [19]).

7- جلب المغفرة والرحمة :
قال تعالى : } ... وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً { النساء: 129، وقال ايضاً: } رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُوراً { الاسراء: 25 .

المطلب الثالث

صفات المصلحين في القرآن

إن القرآن الكريم ملئ بالنماذج الحيّة التي تمثل أنموذج الشخصية الإصلاحية من الأنبياء والمصلحين الذين جعلهم القران بمثابة مؤسسة علمية كبيرة تعطي الضوء على كل ما يحتاجه المصلح في ميدان اصلاحه ، كل في ميدانه ، ومن خلال السماع إلى قصص المصلحين في القرآن الكريم ندرك أهمية هذه الصفات ونتطلع على جملة صفات ، وهذه الصفات شروط في تحقيق الإصلاح العام ، لمن أراده، ومن أهم هذه الصفات:-
1- وضوح النيّة : } إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً { الإنسان:9 ، و} وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ { الشعراء:109، و} ... إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ { الاحقاف: 21، فكانت نياتهم في تغيير الواقع لله تعالى فقط، وكل يعقب على نيته بلسانه الخاص ، فعند ما قاوموا الإفساد في العبادات والإقتصاد و الأخلاق والحكم، قد بينوا نياتهم، لذا وقع أجرهم على الله ، } ... إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ { الأعراف: 17، ( [20]).
2- التوكل والثقة والصبر واليقين : لكل من هذه الكلمات معاني ذات أهمية ، فهي مقومات لبناء النفس والأمم ، ولم يأت نبي ولا مصلح إلاّ زود بهذه المقومات لأداء رسالته الإصلاحية، فاذا لم يتحلى المصلح بهذه العناصر فليس بإمكانه أن يجتاز المرحلة ، بل المراحل منصوراً، فلسان كل مصلح في القرآن( وماتوفيقي إلا بالله فهو القادر على إنجاح مسعاي)، يقول سيد قطب بعد أن يوضح قيام الجماعة الخيّرة المهتدية المصلحة المتجردة التي تعرف الحق الذي بيّنه الله تعالى وتعترف بأنها مكلفة بدفع الباطل وإقرار الحق في الأرض ، ومن هنا كانت الفئة القليلة الواثقة بالله تغلب في النهاية وتنتصر ، ذلك إنها تمثل إرادة الله العليا في دفع الفساد عن الأرض وتمكين الصلاح في الحياة ، إنها تنتصر لأنها تمثل غاية عليا تستحق الإنتصار( [21]).
3- الإستعداد: كان للمصلحين إستعدادت كما هو بيّن في القرآن الكريم، وفي جميع المستويات ، لكل عبئ في الطريق ، وهم يوجهون نحو إنقاذ الأمة ( أدعوكم إلى النجاة )، ونجاة الأمم شئ عظيم ، وبناية ضخمة لابد لها من أساس عظيم، بدءً من الإستعداد النفسي لبذل الروح وقطرة الدم عند الحاجة ، فليست الدعوة جمعية خيرية تقنع بالقليل ، والإستعداد للتعب اليومي ( [22]).


4- القدوة : لايصلح الداعي للإصلاح إلى مايريد إلاّ من خلال أن يوَطِّن نفسه القدووية ، ولاشك ان من توفر فيه الصفات المذكورة من النية والثقة والتوكل وغيرها يصبح قدوة (( وان التوحيد مع التوجيه الهادف للمشاعر لن تأتي إلاّ من القدوة الصالحة التي تتجسد في الدعاة المخلصين وعلماء المسلمين النابهين ممن يضربون المثل في التفاني والإخلاص والموضوعية والقدرة على الإقناع وجذب الرأي العام نحو قضايا الأمة ليعرف كل مسلم ماخفي وما جهل من أمور دينه ودنياه، وليدرك خطورة وأهمية مشاركته لتخطي المرحلة التي تعيشها الأمة من التخلف والقهر وتدني وسائلها في مواجهة الصراع الحضاري المفروض عليها فرضاً )) ( [23]).

5-علو الهمة مع اللطف والألفة : تندرج هذا تحت مايسمى بالطاقة الأخلاقية ، فالهمّة العالية هي التي تصل إلى الهدف المرجو ، وبدونها يستحيل تحقيق الغايات ، والألفة من أبرز معالم الخلق الحسن ومن أنصح ثمارها ، ومن أبرز خصائص الشخص المؤثر الجذاب ، اللطف والخلق الرفيع ، ولاشك ان الشخص السيئ الخلق فرد منفرد إلى أبعد الحدود ، وليس من سمات الصالحين فضلاً عن أن يكونوا مصلحين ، ومن هنا فقد أكدت النصوص القرآنية والأحاديث النبوية على أهمية إلتزام بالسلوك الجذاب المؤلِف، وعلى تجنب السلوك والتصرف المنفِّر، فجاء هذا التحذير الواضح } فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ { آل عمران:159 ، وقال: }وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ { فصلت:34، فموسى وعيسى ومحمد صلوات الله تعالى عليهم أجمعين ، كانوا مجمعين لتلك الطاقة الأخلاقية التي أوصلوهم إلى نفوس فطرية بسبب علو الهمّة واللطف والألفة ( [24]).
5-
5-
5-
5-
المبحث الثاني
المطلب الاول
مصير الأمة التي تركت الإصلاح
لغة القرآن مع بني البشر واحدة، وفي القرآن كثير من القصص للأمم الغابرة , فقد تحدث عن وجود أقوام بعد بدء الخلق وصنفها، اما من حيث الخيرية أو الشرية .
فالقرآن تحدث عن بني إسرائيل } يَا بَنِي إِسْرائيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ { البقرة:47، هكذا كانوا ، لكن بعدما أعرضوا عن التوراة ،ماذا كانت منزلتهم ؟ فقد قال فيهم } مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً { الجمعة:5، ولما وقعوا في الفساد والافساد، بدأوا بالانحراف والعصيان والاعتداء قال في حقهم : } ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ { آل عمران:112،.
من الجدير أن نقف هنا ونطرح سؤالاً مهماً ، ياترى مالسبب وراء تلك العقوبات الالهية الصارمة ؟ الجواب ماقاله تعالى:- } ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون { آل عمران 112، فعندما ندرس حال الأمة الإسلامية فى القرآن } كنتم خَير أمة أخرجَت للناس { على أساس } تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر { قبل (وتؤمنون بالله) يجب ان نتذكر حال بني إسرائيل } وفضلناكم على العالمين { فأذا فقد المسلمون هذا الأساس وإنحرفوا عن منهج الله فلم يكن لهم شأن أفضل على الله من بني إسرائيل وليسوا بأكرم منهم , فإن قانون الله واحد } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ … { المائدة :54 ، وان الله عز وجل يذكرالأمة الإسلامية باحوال الأمم الماضية فيقول في سورة الفجر }أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ { الفجر:6-11.
ويقدم الحديث النبوي تفصيلات واسعة ودقيقة عن الأمم السابقة من الذين إكتفوا بالصلاح وأوكلوا غيرالصالحين ورضوا بأفعالهم فكان ذلك سبباً في شمول الجميع بالعذاب , وتحذيرات صارمة للمسلمين ليأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر ويقفوا بوجه الظالم ويتصدوا للمفسدين , وإلا سيذيقهم الله ألواناً من العذاب السياسي والإجتماعي والعسكري والإقتصادي في الدنيا إضافة إلى ماينتظرهم في الآخرة ( [25]).
إن المعادلة القرآنية: هي كل طغيان في البلاد ينتج عنه إكثار في الفساد، وينتج عن الطغيان والفساد العذاب والعقاب، يوقف الله بالطغاة الفاسدين المفسدين وهذا ليس خاصاً بالطغاة السابقين كعاد و ثمود وفرعون، ولكنه قاعدة مطردة وسنة ربانية دائمة، تنطبق على الطغاة في كل زمان ومكان } إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ { الفجر:14، ( [26]).
ومن الآفات التي تلحق الأمة التي تترك الإصلاح:-
1- تعميم العذاب في الدنيا: قال تعالى :} وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ { الأنفال:25، فالسكوت عن المعاصي والاعلان بها من موجبات العقاب والهلاك، لان السكوت عليها يغرى أصحابها على التمادى واستفحال أمرها وإنتشارها بكثرة، وذلك قد يتعدى إلى كل طبقات المجتمع الإسلامي، فيصبح الناس كلهم منحلين من الاخلاق الكريمة والآداب السامية الإسلامية، وحينئذ لا يبقى لوجود الصالحين بين الناس فائدة كبيرة ، لغلبة الشرعلى الخير، بل يصبح الأخيار و الأشرار وقته سواء،غيرأن الصالحين ينقلبون إلى مغفرة الله ورضوانه حسب صدقهم وإخلاصهم، وقد يكون ما أصيبوا من عقاب وعذاب، تطهيراً وتمحيصاً لهم ( [27]).
الأمة محصنة بقيم ، مالم تنكسر تلك القيم وما لم يكن في بنيانها ثغرة لدخول الافساد، ومن الثغرات التي تسبب الهلاك وتاخذ الأمة بلا فرق في بني أفرادها هو ظهور المعاصي التي تبنى بالفساد مع السكوت عليها.
ذلك ان الوصية اذا صدرت من فرد وأتى بها خفية كما هو المطلوب ممن إبتلي بشئ من ذلك، كان ضررها قاصراً عليه، ولا يتعدى شرها لغيره، اما اذا اصبح المجرمون والمنحرفون يعلنون بإجرامهم ويتظاهرون بفسوقهم، ولم يوجد من ياخذ على أيديهم ويردعهم، ويصل حينئذ وباءها إلى العامة والخاصة ولم يبقى وبالها مقصوراً على مرتكبيها و بذلك جاءت نصوص الشرع، قال الله عز وجل } وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ { الأنفال:25، فقوله عزوجل } وأتقوا { هو خطاب للمؤمنين مطلقاً صلحائهم وغيرهم، والمراد بالفتنة العذاب الدنيوي كالقحط والغلاء وتسلط الظلمة وغير ذلك، } وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ { الأنفال:25 ،
أي إتقوا فتنة تتعدى الظالم فتصيب الصالح والطالح واصابها بمن يباشر الظلم منكم، واتقاء هذه الفتنة يكون بالكف عن الاسراف في الذنوب والاخذ على ايدي المهاجرين بها( [28]) .
وإن الآثمين إذا تركوا من غير رأي عام مهذب لائم هدموا بناء المجتمع، فإذا لم يأخذ الفضلاء على أيدهم سقطت الأمة، و تغيرت حالها، وأضطربت أمورها، وتقطعت الصِلاة التي تربطها، } إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ { الرعد:11 ( [29]).
2- الذلة والهوان والفقر:
إن الإصلاح أمر من الله، فضياع أمره يجلب الإنتقام الإلهي، ولا بارك لأمة ان ينتقم الله منهم، قال الإمام أحمد: حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا صفوان بن عمرو حدثني عبدالرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه (( لما فتحت قبرص فرّق بين أهلها فبكي بعضهم إلى بعض، فرأيت ابا الدرداء جالساً وحده يبكي: فقلت يا ابا الدرداء ما يبكيك في يوم أعزّ الله فيه الاسلام وأهله؟ فقال ويحك يا جبير: ما أهون الخلق على الله عزوجل إذا ضاعوا أمره، بينما هي أمة قاهرة لهم الملك، تركوا أجر الله فصاروا إلى ما ترى )) ( [30]).
وفي مراسيل الحسن عن النبي ( صلى الله عليه وسلّم ) : (( لا تزال هذه الأمة تحت يد الله وفي كنفه مالم يمالئ قرائها أمرائها ومالم يزكِّ صلحاءها فجّارها، وما لم يهن خيارها أشرارها فاذا هم فعلوا ذلك رفع الله يده عنهم ثم سلّط عليهم فساموهم سوء العذاب ثم ضربهم الله بالفاقة والفقر )) ( [31]).

3- عدم استجابة الدعاء:
إن ترك الإصلاح يؤدي الى تعميم العذاب في الدنيا ، والهلاك المعنوي ،كالفقر والذلة والهوان، التي تعتبر من موجبات عدم إستجابة الدعاء، فعن حذيفة رضى الله عن النبي ( صلى الله عليه وسلّم ) قال: (( والذي نفسى بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عذاباً ثم تدعونه فلا يستجيب لكم )) ( [32]).
4- ضرب القلوب بعضها ببعض :
قال النبي ( صلى الله عليه وسلّم ) : (( لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد الظالم ولتأطرنه عن الحق أطراً أو ليضربن الله في قلوب بعضكم ببعض ثم تدعونه فلا يستجاب لكم )) ( [33]).
" وضرب القلوب على القلوب المشار اليه في الحديث الشريف إشارة إلى مزجها وخلطها ببعض ، بمعنى ان تمتزج القوب الفاسدة مع القلوب السليمة وهذا من شأنه أن ينقل الفساد والاعتلال إلى القلوب السليمة الصحيحة لا العكس ، فإن مخالطة الصحيح للمريض لايمكن ان تنقل الصحة إلى المريض بل ان المريض هو الذي ينقل المرض إلى الصحيح بالعدوى , يقول الشاعر :
ولا تجلس إلى أهل الدنايا فان خلائق السفهاء تعدى
ومن هنا كان واجباً على المجتمع المؤمن لكي يحتفظ بوجوده سليماً معافى من آفات العلل النفسية والأسقام الخلقية التي من شأنها لو تمكنت منه أن تدمره , وتأتي عليه كما يأتي الوباء على من ينزل به، نقول إن الواجب على المجتمع المسلم أن يتفقد مواطن المنكر التي وصله من بعض أفراده فيعمل على إجلائها من مواطنه بكل وسيلة ممكنة له , ومن ذلك إشاعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا من شأنه أن يحقق وقاية وعلاجاً معاً " ( [34]).
5- الاستحقاق للعنة الله :-
اللعن هو الطرد من رحمة الله وتحت كنفه , كما ان رحمة الله تعم ميادين الحياة فإذا رفعها الله فسيحقق آثارها في كل الميادين , أي يأخذ اللعن كل نواحي المجتمع , بدءً من صلاحية الأفراد وتنتهي بإنهيار الحضارات , فلا تبقى لوجودها مقومات , عن إبن مسعود قال قال النبي ( صلى الله عليه وسلّم ) (( ان اول ما دخل النقص على بني إسرائيل انه كان الرجل يلقى الرجل فيقول يا هذا اتق ودع ماتصنع به فإنه لايحل لك .ثم يلقاه في الغد وهو على حاله فلا يمنعه ذلك ان يكون أكيله وشريبه وقعيده فلما علموا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض )) ( [35]) ، قال تعالى } لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ .كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ { المائدة:78 –79 ثم قال ( صلى الله عليه وسلّم ) : (( والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد الظالم ولتأطرنه على الحق أطراً )) ( [36]).
أما الحضارة وإنهيارها وإصابتها بالطرد من كنف الله ، كم أمتدت جذورها فانّ من قبلنا عبرة } وَيَا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ { هود:89، } وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُوراً وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتاً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَا { الأعراف:74.
إنهم كانوا في الحجر وهي بين الشام والحجاز، ونلمح من تذكير صالح لهم أثر النعمة والتمكين في الارض لثمود , كما نلمح طبيعة المكان الذي كانوا يعيشون فيه , فهو سهل وجبل وقد كانوا يتخذون من السهل القصور وينحتون في الجبال البيوت , فهي حضارة عمرانية واضحة المعالم في هذا النص القصير … وصالح يذكّرهم إستخلاف الله لهم من بعد عاد، وإن لم يكونوا في أرضهم ذاتها ولكن يبدو انهم كانوا أصحاب الحضارة العمرانية التالية في التاريخ لحضارة عاد، وان سلطانهم إمتد خارج الحجر أيضاً ،وبذلك صاروا خلفاء ممكنين في الارض محكمين فيها وهو ينهاهم عن الإنطلاق في الأرض بالفساد، وإغتراراً بالقوة والتمكين، وأمامهم العبرة ماثلة في عادٍ الغابرين ( [37]) .
ونتيجة اللعن ورفع الرحمة عن الأمة تأتي تقطيع الأمة إلى أمم شتى، كل واحدة على حدتها وهي المأزق الكبرى التي وقعت الأمة الإسلامية اليوم فيها , كان غضب الله على بني إسرائيل من هذا النوع، قال تعالى } وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَماً مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ { الأعراف:168، " و ان ما وقع ببني إسرائيل تحت غضب الله ولعنته حتى رماهم بالتشريد ومزقهم في الأرض، وحصل ذلك لهم لأنّهم لم ينكروا المنكرات الشائعة فيهم، بل تركوها تتوالد وتتكاثر الجراثيم حتى إغتالت كل صالحة فيهم" ( [38]).


المطلب الثاني

مكانة الإصلاح

لا شك إنّ كل عمل يعمله المؤمن، من صلاة وزكاة وحج وإنفاق وأمر ونهي والعبادات البدنية والقلبية ، وخلق من أجل أن يحقق له سعادة الدارين، وخوفاً من أن يكتب عليه الشقاء في الدنيا ومصاحبة الزمرة الهاكلة في الآخرة، وطمعاً في أن يكتب له في الدنيا مصاحبة الزمرة الفائزة في الآخرة ، فلا يعمل المؤمن الكيس مالا يدري مابنهايتها؟ بل يعمل ما يثمر.
ومن هذه الأعمال الإصلاح " فإصلاح المجتمع المسلم، حق لكل مسلم متى رأى إعوجاجاً عليه أن يصلحه بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان، بل ان هذه الوظيفة واجب، على كل فرد و لذلك عليه أن يتعاون مع الآخرين ليحق الحق ويدفع الباطل، فلا يثرى الظلم والشر يسشتري في جسد الأمة حتى لو كان الظلم والشر من أقرب الناس إليه " ( [39]).
وبهذا أصبحت الأمة الإسلامية خير أمة أخرجت للناس، فقوام خيريتها الإصلاح، وبدونه تفقد الأمة الخيرية، وهذه الأمة أخرجها الله عز وجل لمهمة، وهذه المهمة ليست قاصرة على أنفسهم ولا على بيوتهم ولا لقراهم بل - أخرجت للناس- كلها للقيام بثلاثة أمور، الامر بالمعروف والنهي عن المنكر والإيمان بالله، } كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ... { آل عمران: 110.
"... وبه صارت منزلة الأنبياء والمرسلين أفضل منازل الخلق لتبلغهم الرسالة عن ربهم وصاروا من أفضل الخلق وأزكى العالمين نفوساً، وأكملهم علوماً، ومن هذا يتبين أهمية الركن ويظهر فضل الدعاة – الصالحين- إلى الله عز وجل بأمرهم المعروف ونهيهم عن المنكر أمام بقية الخلق، وكيف يصيرون به خلفاء النبوة، ونواب الرسل، لأن مراتب الدعاة إلى الله بعد مراتب الأنبياء ( فإنهم يخلفونهم )، على منهاجهم، وطريقتهم، من نصيحتهم للأمة، وإرشادهم الضال، وتعليمهم الجاهل ونصرهم المظلوم، وأخذهم على يد الظالم وأمرهم بالمعروف وفعله ونهيهم عن المنكر وتركه والدعوة إلى الله بالحكمة للمستجيبين ، والموعظة الحسنة للمعرضين الغافلين، والجدال بالتي هي أحسن للمعاندين المعارضين، فهذا حال أتباع المرسلين وورثة النبيين " ( [40]).


وصف الله عز وجل الأنبياء بالصلاح والإصلاح :

إن آثار الصلاح والإصلاح ترفع من منزلة الإصلاح وتجعل له خصوصية تسمى بخصوصية الأمة الإسلامية , وهذه الآثار كلها في الدنيا , أي الأمة الإسلامية القائمة بالإصلاح موعود في الدنيا بآثار لاتعد وتحصى .
أما الثمرات التي يكتسبها الصلاح والإصلاح بعد الحياة الدنيوية , فيكفينا أن نتذكر قوله تعالى }جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ , سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار { الرعد:23-24، أي يجمع بينهم أحبابهم فيها من الآباء والاهلين والابناء ممن هو صالح لدخول الجنة من المؤمنين لتقر أعينهم بهم حتى انه ترفع درجة الادنى إلى درجة الاعلى امتناناً وإحساناً من غير تنقيص للأعلى عن درجته، وتدخل عليهم الملائكة للتهنئة بدخول الجنة , فعند دخولهم إياها تغدو عليهم الملائكة مسلمين مهنئين لهم بما حصل لهم من الله من التقريب والإنعام والإقامة في دار السلام في جوار الصديقين والأنبياء والرسل الكرام ( [41]).
والإصلاح سبب لدعاء الملائكة والرسل، قال تعالى: } الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ { غافر: 7-9، والصالحون من زمرة أصحاب المنازل العالية في الجنة } وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً { لنساء:69.
وأخيراً فالإصلاح هوالإهتداء الذي قال عنه الرسول ( صلى الله عليه وسلّم ) (( من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لاينقص ذلك من أجورهم شيئاً )) ( [42]).

المطلب الثالث
قواعد ومراتب الإصلاح

إصلاح الأمة نفسه شيئ سهل ميسور لمن يريده وبهذا أشار القرآن الكريم } وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ { القمر:17، هو الحال بالنسبة للإصلاح، اما تحقيق التغيير والتأثير في المجتمع ليس بشيء قليل يرتجى من وراء كلام مجرد , ولهذا وضع علماء الأمة أصولاً وقواعداً وشروطاً للقيام بهذه المهمة .
ويقول الأفغاني ( [43]) : " ... ومن طلب إصلاح أمة شأنها ماذكرناها بوسيلة سوى هذه فقد ركب بها شططاَ , وجعل النهاية بداية , وإنعكست التربية وإنعكس فيها نظام الوجود , فينعكس عليه القصد ولايزيد الأمة إلا نحساً ولايكسبها إلا تعساً " ( [44]).
فشروط المنكر كما بينها الإمام الغزالي في كتابه إحياء علوم الدين كونه - أي المنكر- منكراً بالإتفاق , وأن يكون موجوداً في الحال , وأن يكون المنكر ظاهراً " وأما مالم يظهر من المحظورات فليس للمحتسب أن يتجسس عنها ولا أن يهتك الأستار حذراً من الإستتار بها " ( [45])، وأن يكون منكرأ معلوماً بغير إجتهاد إلى غير ذلك من الشروط، من كونه أن لايؤدي تغييره إلى منكر أكبر منه… الخ ، وكذا بيّن العلماء آداب المحتسب القائم بتغيير المنكر , الحامل لراية الإصلاح , ومصدرها العلم والورع وحسن الخلق والعدالة والالتزام , وأوصى بها السلف فقال إن أراد أحدكم أن يأمر بالمعروف فليوطن نفسه على الصبر وليتق بالثواب فمن وثق بالثواب من الله لم يجد مس الأذى ( [46]).
وليعلم الداعية الذي يريد القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن يدرك أنّ كلاً منهما مراتب وليس على درجة واحدة , والأجر على قدر النية والمشقة , وقد يمكن له القيام بالجميع ولكن قدرة الإنسان وطبيعة التكليف ومايرتبط به الإنسان من أمور عبادته أو مشاغل معاشه، وكذلك طبيعة الناس وظروف الحياة تؤدي كلها إلى إزدحام المعروفات أو تجمع المنكرات مما يقود بالضرورة إلى معرفة مراتبها حتى يقدم أعرف المعروفين أو ينكر أنكر المنكرين، ويقدم الأمر بالواجب قبل الأمر بالمستحب وينهي عن الحرام قبل نهيه عن المكروه , وما كانت نتائجه جماعية فالأمر به أو النهي عنه أفضل مما كانت إثارة فردية , وهكذا رغم أن الأمر بالمعروف يؤدي مطلقاً ، كما يؤدى النهي عن المنكر من جهة النوع مطلقاً ( [47]) .

من قواعد الإصلاح :
اذا أمعنا النظر في كتب العلماء في هذا المجال نجد أنّ لها قواعد جمة, نورد بعضاً منها:-
1- تقدير المصالح والمفاسد :
لامنازعة في أصل إعتبارالمصالح والمفاسد في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإنه أدّى الأمر بالنهي إلى منكر أكبر، لم يكن مأموراً به، بل قد يكون في هذه الحالة مما يسخطها الله ورسوله ( [48]).
وهذه القاعدة توضح مضمون الشريعة , فالشريعة انما شرعت لجلب مصلحة البشر ولدرء المفاسد عنه , وهذا هو قصد الشريعة , وبناء على هذه القاعدة يتفرع المقاصد إلى انواع ، فأيّاً كان لايخرج عن مضمون المصلحة وجلبها لبني البشر، " ومن القواعد الأخرى المتفرعة تقديم المصالح القطعية على الظنية وتقديم مصالح الجماعة المؤمنة على المصالح الفردية , ودفع المخاطر الواقعة مقدم على دفع المخاطر المحتملة , كما ان حفظ مقاصد الدين مقدم على حفظ مقاصد الدنيا والضروريات مقدمة على الحاجيات والتحسينيات…" ( [49]).
2- عمليات التحكم :
التحكم هو العمل بالحكمة وإيجادها في ميادينه , وإنخراط جميع أفراد المجتمع في العملية بآلية تناسب المسألة بلا استصغار لجهد الفرد , وكذا فتح الآفاق والطريق وعدم الاعتماد على البعض دون البعض .
وتدشين العملية الإصلاحية بأبعادها المختلفة يحتاج إلى عمليات تحكم وتضبط السير وتضمن أيضاً تدفق الجهود في مسارها الصحيح كى تضمن تفاعل البيئة مع الإصلاح , وتضمن نجاح المسعى وتحقيق الأهداف .
بإختصار تحتاج العملية إلى ذلك المفهوم الذي أشار به التعبير القرآني وليس له بديل، تحتاج إلى الحكمة , ومن هنا وجب التفكير في إستيعاب مجموع الضمانات.
والشروط تتحكم فيها أيضاً عدة عوامل : منها عامل الزمان و المكان و البيئة والمجتمع , وخاصة إذا أخذنا بأحد تعريفات الحكمة القائل:( بانها القول أو الفعل المناسب في الظرف المناسب) ، وماهذه الشروط والضمانات إلا محاولة لهذا الاستيعاب ومحصلة في نفس الوقت لخبرات كثيرين في ساحة الإصلاح والدعوة، نطرحها كالتالي :-
إتساع الأفق الإصلاحي: للمشاركين فيه } فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ { الزلزلة:7، تحث روح المبادرة عند جميع أفراد المجتمع للعمل المشترك الصالح، كل بما يناسب موقفه وطاقته , بلا تخصيص لعبئ الإصلاح على طائفة معينة أو مستوى من المسؤولية، فالإصلاح مسؤولية الجميع , و لنجاح العملية الإصلاحية , أن لاتعتمد على طاقات القائمين عليها واتباعهم فقط ، كما لاتستدعي إلزام عامة الأفراد للعمل وفق ترتيب معين وأولويات محددة وإلا كان تعنيتاً وتحريجاً، كما هو دعوة صريحة كذلك لفتح الباب الإصلاحي للجميع , للمشاركة وإشاعة روح الإصلاح في المناخ العام بكل عشوائية، بلا تجريح أو تعنيت، وترك روح المبادرة والمنافسة عند الناس للقيام بالمهام الأفضل من خلال الترشيد التي تشيعه نصوص الوحي على أن يقوم بالتوعية بها وشرحها العلماء والمصلحون، فيتم توجيه الطاقات تلقائياً إلى إنجاز ماتتقن وما تطيق كما يتشعب الإصلاح إلى آفاق الحياة الواسعة ويشارك فيها البناؤون بجميع التخصصات والخبرات وعلى صعيد كل مستويات المسؤولية، " … ومن الضروري أن نتمعن في هذه المقولة لروسو ( بيِّنوا الطريق للناس ولاتحددوا ما عليهم، إمنحوهم الرؤية فحسب وهم سوف يجدون الطريق بأنفسهم، وسوف يعرفون ماعليهم " ( [50]).
وللدكتور يوسف القرضاوي تلميح جميل في ذلك حيث يقول : " لاينبغي أن ننتظر العمل من الحكام وحدهم ولامن العلماء وحدهم ولامن اصحاب المال او الجاه او الثقافة وحدهم وانما ننجح حقاً يوم نستطيع ان نحرك الجماهير المسلمة الغفيرة بالاسلام وللاسلام كما فعل اليهود حين حركوا يهود العالم كله من اجل ارض الميعاد رغم تفرقهم في اقطار الدنيا , وتقطيعهم في الارض أمماً , فعلينا ان نحرك المسلمين ليقوم كل بدوره وقدر وسعة للرجل دوره للمرأة دورها ,للصبي وللفتى وللفقير , المهم أن يعمل الجميع، وأن يوضع كل في مكانه الملائم ,من إستطاع أن يميط شوكة عن طريقٍ فليمطها، ومن أمكنه أن يبذر حبة في الأرض فليبذرها، ومن قدر أن يعطى درهماً واحداً فليبذ له ولايستقله، ولايبالي سخرية الساخرين " } الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ { التوبة:79 ( [51]).

3- تغيير المسار لا تغيير النظام :
هذا هو السنة التي قام عليها التشريع الإسلامي، ولتغيير البشر في الكون وهو سنة تسمى بسنة الإطمئنان لأن الكثير يخاف من العكس , وإذا أردنا أن نحقق مانريد من الإصلاح الذي هو إسعاد الناس فعلينا أن نفقه الفرق بين الإستراتيجية البعيدة الثابتة وبين التكتيك المرحلي المتغير ( [52]).

4- البلاغ المبين :
والمعنى المطلوب من صياغة عبارة ( البلاغ المبين ) وجعلها قاعدة من قواعد الإصلاح يكون ذلك من خلال المفاهيم الآتية :-
أ‌- الفهم العميق لخطاب الله سبحانه وتعالى في مذهبيته التوحيدية ورسالته الإستخلافية, وتعد هذه الغاية مرحلة من مراحل البلاغ المبين نسميها : بـ( مرحلة فهم الخطاب الإلهي ).
ب‌- الفهم العميق لسنة النبي ( صلى الله عليه وسلّم ) وفلسفته في البلاغ المبين ومنهاجه في الهداية، ومنهجيته في تطبيق الاسلام وبنائه واقعياً، وتعتبر كذلك هذه الغاية مرحلة من مراحل البلاغ المبين نسميها بـ( مرحلة فهم النموذج التطبيقي للإسلام ).
ت‌- الفهم المستوعب للسنن الالهية التكوينية والتاريخية التي تتحكم في البلاغ المبين وفي بناء الدعوات الحضارية، وتعتبر هذه الغاية كذلك مرحلة من مراحل البلاغ المبين ونسميها بـ(مرحلة السير في الأرض والوعي السنني).
ث‌- الفهم العميق لطبائع المراحل الحضارية التي مرت، وتمر بها البشرية بغرض فهم صيرورتها فوق الكوكب الارضي , ونسمي هذه المرحلة من مراحل البلاغ المبين بـ( مرحلة فقه العمر الحضاري للإنسانية ).
ج‌- الفهم المستوعب للواقع المحلي والعالمي, وفي تركيبه وبنائه وتاريخه ونسمي هذه المرحلة البلاغية بـ (مرحلة فهم الواقع القائم والخبرة التاريخية والمستقبل المنشود للبشرية ).
ح‌- الفهم العميق لمنهاج بناء البلاغ المبين في الواقع الحياتي للناس، وتعد هذه المرحلة البلاغية مرحلة تطبيقية تنتج عن الوعي المتحصل في فهم المراحل السابقة، ومحاولة إستخدامها في مشروع إجتماعي عملي ونسميها بـ(مرحلة البناء الحضاري) ( [53]).
5- المشاركة لا الإحتكار :
إن من أكبر ضمانات إستمرار العملية الإصلاحية بكامل فاعليتها ما إعتقد القائمون عليها والموالون لها , إنهم ليسوا أصحاب الحق الوحيد في التواجد على مسرح العمل الإسلامي مهما حفل تأريخهم عن إنجازٍ، وقدمّوا من جهد وبذل أو نالوا من إبتلاء وأبلوا من جهاد أو قدمّوا من رجالات وآثار، وإنّما بالقناعة بأنهم شركاء لا أوصياء، وبالقناعة بأهمية وجود الآخرين، ومن أهمية عطائهم، وبتقدير هذا العطاء ومن خلال تسديد الخطى وإقالة العثرات وسترالعورات، وبمعنى آخر بالعمل على زيادة فاعلية المشاركة وتدعيم المواقف،وبالإستفادة من القناعة بالمبدأ الشافعي المقر بالتعددية في أفق الحضارية (( رأي صواب يحتمل الخطأ و رأي غيرى خطأ يحتمل الصواب)) ( [54]).

6- البناء قبل الإحتجاج:
قال تعالى: } وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ { التوبة:105، وفي الحديث (( من قال هلك الناس فهو أهلكم )) ( [55]).
يجب أن يتقن المصلحون أولاً فن البناء، لا فن الإحتجاج والتشكّي، وإلقاء اللوم على الآخرين، من خلال إدعاء إنقطاع الأمل وقلة الخير وكثافة الظلام وعموم البلوى وتقصير الآخرين، كما يجب فن المبادرة بالعمل والإمتثال وفن القدوة في القول والعمل والسلوك والعطاء والإخلاص والإحسان والإبداع والصبر والمثابرة، والإيثار وإنكارالذّات، ومحاسبتها، قبل كل شئ. ( [56]).

7- التوفيق بين الأصالة والمعاصرة:
التوفيق بين المنبع الجاري في زمن الحال، ولا يمكن بدون هذه القاعدة من إستفادة للعملية على صعيد الواقع، وبدونها لا يمكن الإستفادة من الآليات الجديدة في عالم التكنولوجيا، مع ان الحكمة وما فيها ضالة المؤمن متى كان، وأمن كان، وحاشا لدين الإسلام أن لا يتدخل في الآليات الجديدة المرئية والمسموعة والمقروءة، ولا يُغنى داعيَ الإصلاح عن إستخدام هذه الوسائل وهذه حقيقة لا تنكر.
" اننا هنا بحاجة شديدة إلى رجال أفذاذ وعلى مستوى الإجتهاد في العلوم الشرعية، وعلى المستوى المناسب في فهم الواقع ووجهته الحضارية، ومشكلاته المعقدة، ومن ثم القدرة على التنزيل المحكم للتشريع، وعلى مستوى الزمان والمكان بكل الظروف والمتعلقات ما إستطاعوا إلى ذلك سبيلاً " ( [57]).

المبحث الثالث

مجالات الإصلاح

العمل الإسلامي كله إصلاح، وهو عمل يتعدد الجبهات ومتراميَ الأطراف، وان الحاجة إلى الإصلاح في مختلف القطاعات وعلى شتى المحاور حاجة ماسة، وكما يتبيّن من كلام القرطبي( [58])، " بأنّ الإصلاح عام في الدماء والأموال والأعراض وفي كل شيء يقع الداعي والإختلاف فيه بين المسلمين، وفي كل كلام يراد به وجه الله" ( [59]).

المطلب الاول
أولاً: الإصلاح السياسي:

لم تكن جهود المصلحين مقتصرة على الدعوة والإصلاح الفردي والوعظ والإرشاد، بل رافقت هذه الجهود التي لم تنقطع محاولاتها، كانت تظهر على فترات قصيرة لقلب الحكم وإعادة الخلافة إلى نصابها والقضاء على هذا الاحتكار الأموي أو العباسي للخلافة والحكم ( [60]).
هكذا كانوا، لأنّهم كانوا يعلمون ما في السياسة في تدبيرالأمور، والسياسة نفسها تعني الإدارة وفن التعامل مع الممكن والواقع، وهذه الإدارة كانت بيد السلطة، فالمصلحون إهتموا بها من أجل إدارة الناس على الشكل المطلوب ، " وللمسلمين أن يفاخروا أمم الأرض بالصرح الفقهي الشامخ الذي شيده فقهاء المسلمين، حيث انه قد غطى على نحو يدهش ما يحتاجه الفرد المسلم في جميع جوانب حياته من الولادة حتى الممات ، بل قبل الولادة لإختيار الزوجة الصالحة، وبعد الممات أيضاً من تعلق به كثير من الاحكام " ( [61]).
والإصلاح في المجالات الأخرى لا يتم إلاّ من خلال الإصلاح السياسي، فإن الضرورات التي تقيم المجتمع من الالتزام و الإنضباط والحماية وغيرها لا بد القيام بالإصلاح السياسي أو بعد إصلاح السياسية.

الاعتماد على لغة الأنبياء:
في الإصلاح السياسي يجب أن نعتمد على لغة الأنبياء الذين قاموا بتغيير وإصلاح اللاّشرعية بالشرعية وإزالة الخطأ بالصحيح، وهذا ما فعله الرسول ( صلى الله عليه وسلّم ) الذي أصلح المجتمع بالفكر و السلم، وما دافع عن نفسه أمام أبي جهل يوماً، لأن القيام بإنشاء مجتمع في دولة، يجب أن يقوم على أساس من السلم، لذا ترى كيف انشأها في يثرب وبدّل إسمها إلى المدينة، ومنها إلى المدينة المنورة، ولم سيتخدم العنف، ولكن إستقبلوه أهلها بأصوات تعلو، (طلع البدرعلينا ) وهذا شأن جميع الانبياء والمرسلين في الإصلاح والتغيير .

الإصلاح السياسي أو سياسة الإصلاح:

عندما نتحدث عن لغة الانبياء يتبيّن لنا بوضوح انها كانت سياسة الإصلاح السلمي البعيد عنم العنف، لان القصد من سياسة الإصلاح إيجاد الإصلاح في الشعوب والمجتمعات ( فمن الخطأ أن نعلق الإصلاح والفساد بالحكام وليس بالشعوب، والحاكم الصالح لن يغيّرأمة فاسدة، بل سيفسد هو، ولا يمكن أن نأتي بمثله ، ولكن الشعب غير الواعي بما فيه الكفاية خذله وقتله) ( [62]).
سياسة الإصلاح هي ضمون لـ (لا اكراه في الدين):
تذكر الإحصاءات إن قتلى المسلمين والمشركين في زمان النبي ( صلى الله عليه وسلّم ) لم يتجاوزوا ( 1200) شخصاً! وهذا رقم متواضع جداً في عمل ضخم أدى إلى إخضاع ما ينسبه القارة لسلطان حكومة واحدة ( [63]).
ويكفينا في سياسة الإصلاح أن نشير إلى موقف هابيل الإصلاحي أمام موقف قابيل المتجاوز للحد في الخشونة، فالذي إنتصر وغلب وجذب الرأي العام وشعور العالم نحوه هو المستعمل لسياسة الإصلاح } لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ { المائدة:28.
أما الذي خسر وندم ، الذي إستعمل لا( لِأَقْتُلَكَ ) وقتله بالفعل ، لكن الفهم الحقيقي للنصر ليس بالأمس المحسوس، لكن بالنتيجة النهائية.

من أهداف الإصلاح السياسي:
1- الحرية: المطلب الإسلامي، الذي شرع من أجله دفع الزكاة - و في الرقاب - ليتمتع بالحرية، وشرع من أجله الحدود في الذنوب، بفك الرقبة لنفس القصد، ويعاتب الباري عزوجل على المستهينين فيه، } فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ { البلد:11 ؟.
وإنعدام حرية التعبير حالة سائدة بسبب بسيط، لأننا لانملك رأياً نعبّرعنه طالما كان الرأي يدور حول تصفية الآخر ، فالرأي يقوم بإغتيال نفسه قبل الولادة لذا إنعدم التعبير وحريته بألية عجز ذاتية محضة ( [64]).
2- العدل: يعني العمل على إيجاد العدل الذي من صفته إستقرار الحرية والأمن بين افراد المجتمع ورفع الظلم بشتى الوسائل، وأي مجتمع لم يتحلى بالعدل فمصيرها الزوال أيّاً كانت عقيدتها، و على المصلحين ايجاد آلة ضد الظالم مسلماً كان أم كافراً، ولا يمارس العنت ضد من تقوم دولته وأخلاقه على العدل بغض النظر عن عقيدته أيضاً - أي مسلماً كان او كافراً، فالمهم هو إيجاد العدل- ( [65]).

ثانياً: الإصلاح الإجتماعي:

الإنسان بحاجة إلى الإنتماء، والإنتماء هي الحاجة التي تكمل إنسانية الإنسان، فالإنسان خارج الجماعة تكون خبراته جزئية وناقصة ، حتى قال البعض بإن الإنسان بدون عضويته في الجماعات المختلفة والمجتمعات ،لا يستطيع أن يتجاوز المستوى الإنساني.
ويطلب الاسلام منا إثبات الذّات والكرامة ، فروح الأسرة الواحدة لا يأتى إلا من الشعور بالانتماء لهذا المجتمع، وحرص أفراده على التمسك بقيمه وعاداته التى إنتقلت من جيل إلى جيل بفضل القدوة الصالحة وما تلقى الجميع من روح المودة والمحبة والالفة في الاسرة الصغيرة والتى خرجت لتمثل المجتمع الكبير ( [66]).
ولا شك ان هناك امراضاً إجتماعية قاتلة وفساد تفشي في المجتمع بلا تأخر، وفي هذه الحالة تفقد الأمة هيبتها ومقومات حياتها، واليوم أوجدت مسارات جديدة على الساحة تهدد أمن المجتمع وإستقراريته تحرم المجتمع من طاقات أبنائه المخلصين، فهذا المجتمع بحاجة إلى الإصلاح بدءً من إصلاح الافراد والأ سر.
فمضمون الإصلاح الاجتماعى: " حركة تحاول تحقيق كلام المجتمع الناتجة عن سوء قيام النسق الاجتماعى بوظيفته ، أو عدم قيام جزء من أجزائه بوظيفته خير قيام، وقد يمتدالإصلاح على جوانب شتى من جوانب المجتمع، ويدخل عليه تغيرات كبيرة ربما كانت أشبه بالثورة الإجتماعية ، والثورات الحقّة هي تلك التى تؤدي إلى اصلاح جذري ملحوظ " ( [67]) .
التغير والإصلاح فى المجتمعات لا يعنى تغيير الجبال والبيوت والأشجار إلى لون غير الأول ، ولا تغيير الاوجه والمناظر ولا نقل الاودية، وهكذا لا يعني التغيير في أعضاء الإنسان بالزيادة فيها أوالنقصان، لكن يعنى تغيير الشعور الداخلي في نفس الإنسان وتزويده بالمكارم والفضائل ليصبح عنصراً ولبنة ذى دور في المجتمع.
فواجب الفرد كل الأفراد - الحاكم والمحكوم - أن يرقي الإنسان بالمجتمع، ويرقي المجتمع بالإنسان وأن يخلص الإنسان للمجتمع، ويحافظ المجتمع على الفرد وأن يحمى الفرد المجتمع من القوارض الإجتماعية وأن يصبح المجتمع أمنة على الفرد، أن يعتزّ الفرد بالمجتمع الذى ينتمي إليه( [68]) .
والإصلاح الإجتماعي مرهون بإدراك كل فرد حقوقه وواجباته , فالمجتمع كله مسؤول عنه , فإذا أدّى إلى خصومة أو نزاع بين أفراد المجتمع فلابد أن يتدخل كل بقدر طاقته , نستطيع أن نشبّه الأمراض الإجتماعية بالحريق, لكن حريق لايدمر البنيان والحجارة ولايهدم الجبال الرواسي , ولايقطع منابع الماء ولكن يأكل القلوب والضمائر ويهدم كل معاني الالفة والمحبة والخير في الصدور، فعلى المجتمع أن يقوم لإخماد أي نزاع ولو كان ذلك بين زوج وزوجته, } وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً { النساء:35
إذا كان المجتمع يطالب بالإصلاح في نزاع وقع في أسرة فكيف بنزاع أكبر فيه هدم الأسر } وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ... { الحجرات: الآية9.

المطلب الثاني
أولاً: الإصلاح الإقتصادي
ان الإقتصاد في الماضي والحاضر والمستقبل هو عصب الحياة النابض وشريانها المتدفق, لذا فإنه يؤثر في الإنسان تأثيراً مباشراً في جميع أحواله الفكرية والدينية والسلوكية، ويوْثر في الأمة من جميع نواحيها العسكرية والسياسية والقانونية والإجتماعية، فالإقتصاد القوي عنوان المجد والقوة والسيادة، والإقتصاد الضعيف رمز التخلف والتأخر والإنحطاط، ولقد كان الحروب والمنازعات على الصعيدين القبلي والدولي ترجع في أغلبها إلى أسباب إقتصادية، ومازال الناس أفراداً وجماعات منذ فجر التاريخ مهتمين بوسائل المعاش ومتاع الحياة، وينعكس أثرالإقتصاد على السياسية الدولية بشكل واضح ( [69]).
ويمكن أن نعرف التنمية الإقتصادية من منظور إسلامي بأنها " مجموعة الانشطة التي تستهدف تحقيق قدر من الرخاء المادي المناسب لتفتح جوانب الشخصية الإنسانية بما يؤهلها للقيام بحق الإستخلاف في الأرض " ( [70]).
وإذا كان هذا شأن الإقتصاد وتأثيره في العالم فلا بد من أن يكون للإسلام خطة واضحة في القضايا الإقتصادية ، إذ أنَّ شريعة الخلود الدائمة التي تقدر تماماً ما للوضع الإقتصادي من تاثير كبير في حياة الأمة، والتي تتجاوب مع مقتضيات التطور والتبدل الذي يمرعلى البشرية، وليس من المعقول أن لايكون هناك أساس إقتصادي للحضارة الإسلامية التي ساد في العالم ، عدة قرون من الزمان ، وكان الرفاه والرخاء يعم الأوساط الإسلامية حتى أنه لايكاد يجد الغنيّ أحدا من الفقراء ليعطيه زكاة أمواله في بعض عهود الدولة الإسلامية الزاهرة ، لأنها - أي معالم النظام الإقتصادي الإسلامي- تتلائم مع الفطرة الإنسانية وتلتقي مع العدالة والحرية والرحمة , وتصدر عن تخطيط إلهي أو عن تنظيم إقتصادي مستقل مجرد عن النزاعات والأهواء الخاصة ( [71]).
خاض الإسلام حرباً من أجل الفقراء, و( ان الربا والرشوة والإحتكار ليست أنشطة إقتصادية فاسدة وسيئة في حد ذاتها فحسب , وإنما هي سيئة أيضاً في نظر البنية العقيدية والأخلاقية لدى المسلم، وممارسة هذه الأنشطة لاتؤدي إلى تلويث المجال التجاري وحده وإنما يمتد تأثيرها السئ إلى صفاء العقيدة وإلى علاقات المسلم الإجتماعية وسمعته بين الناس ) ( [72]).
أما عن المعضلة الإقتصاد وكيفية مجيئها؟ , فالمشكلة ليست في الطبيعة ولا في التناقض بين الانتاج والتوزيع , بل المشكلة في الإنسان نفسه الإنسان مع الإنسان الذي يعيش معه ويسكن بجانبه، قال تعالى : } اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الْأِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ { إبراهيم :32-34 ، فهذه الفقرات تقرر بوضوح : ان الله تعالى قد حشد للإنسان في هذا الكون الفسيح كل مصالحه ومنافعه ووفر له الموارد الكافية , لإمداده بحياته وحاجاته المادية ولكن الإنسان هو الذي ضيّع على نفسه هذه الفرصة التي منحها الله له، بظلمه وكفرانه، إن الإنسان لظلوم كفّار فظلم الانسان في حياته العملية وكفرانه بالنعمة الالهية هما السببان الاساسيان للمشكله الإقتصادية في حياة الإنسان( [73]).
ويتجدد ظلم الإنسان على الصعيد الإقتصادى : في سوء التوزيع ويتجسد كفرانه للنعمة في إهماله لإستثمار الطبيعة وموقفه السلبي منها، فحين يمحي الظلم من العلاقات الإجتماعية للتوزيع , وتجند طاقات الإنسان للإستفادة من الطبيعة وبإستثمارها تزول المشكلة الحقيقية على الصعيد الإقتصادي ) ( [74]).
والآن عرفنا المشكلة فعلينا إصلاحها , وفي كثير من الاحيان لانعتبر للمال أي إعتبار ونراعي في الصرف ولافي طرق الكسب إذا لم يكن لدينا شعور ديني قوي، ووعي يقظ وإيمان بسؤال ( فيم أنفقته ) يوم القيامة ؟ ، " فالإقتصاد متعلق بالوعي الديني والاخلاقي والشعور بالمسؤلية الإجتماعية، والإهتمام بالإقتصاد ياتي من الإهتمام بالأراضي إقتصادياً من باب الحب للوطن، وأن يكون في قلوبنا وعقولنا لاعقولنا فقط،.
و الرخاء الإقتصادي مطلب إسلامي وكذا تكوين رأس مال فردي ومال وطني ولا سيما إننا في زمان صارالمال فيه الأداء التي يستخدمها كل شيء " ( [75]).
وإحياء الأموات ما كانت إلاّ إهتمام الشريعة بالأراضي فـ( الأراضي الميّتة عند الفتح، فقد سمحت الشريعة للأفراد بممارسة إحيائها وإعمارها ومنحتهم حقاً خاصاً فيها على أساس ما يبذلون من جهد في سبيل إحياء الأرض وعمارتها ) ( [76]).


ثانياً: الإصلاح الأخلاقي

لا شك ان الإنسان مكون الجزئين، جزء مسمى مادي وجزء روحي، فيأتي إهتمام الإصلاح الإسلامي في الأخلاق وبإستطاعته أن تؤثر في معنويات وأرواح المجتمع تأثيراً كما ينبغي، لأن الإنسان كما يصاب، يمرض جسمه وكذلك روح الإنسان يتألم من الأمراض في كثير من الأحيان فحياة الأرواح حياة خاصة أشار إليها القران الكريم ( لينذر من كان حياً ) إلى حياة الروح، وكذلك (ومن كان ميتاً فأحيناه) فيها إشارة إلى نوع الحياة الروحي، فالذي يصاب بالمرض الروحي شبّهه الله بالموتى.
وبهذا المفهوم يتجلى حكمة إرسال المرسلين المصلحين، لأنّهم بمثابة أطباء روحانيين، قد وضعوا الأرواح تحت الفحوصات والتشخيص ليعالجوا روح الإنسانية، من الأمراض التي يدور حولها، ومسؤولية الإنسان في هذا العصر تكبر وتشمل جميع النواحي ، وهي عظيمة لأنها متعلقة بالروح التي هي مادة الحياة، وتسود المجتمع الأمن والسلام إذا كانت الأرواح في حفظ من سيء الأخلاق، لذا لم يترك الإسلام ميدان الأخلاق سدىً وإنما إعتبرها من صميم الدين وجعلها حكمة لمبعث الرسول ( صلى الله عليه وسلّم ) .
الإصلاح الأخلاقي للمجتمع عبئ عظيم، لاننا نرى تهذيب النفس واصلاحها لوحدها يتطلب كثير من المطاليب، اوقات، اتعاب، واكال اشياء، فكيف باصلاح مجتمع واستقامة الاشخاص، لذا قال الشاعر:
إنّما الأمم الأخلاق فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
ونعني بالأخلاق كيفية تعامل الإنسان مع الحياة، مع الله والكون، ومع الإنسان والجمادات، فالنصوص الآتية تدل على حقيقة الأخلاق الصالح التي يجب ان يتصف بها الفرد المسلم.
قال تعالى : } وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً { الاسراء:70، فيجب التعامل على قاعدة التكريم.
ـ (( لئن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده خيرٌ له من أن يجلس على قبر)) ( [77]).
ـ (( لا يشير احدكم إلى اخيه بالسلاح فانه لا يدري لعمل الشيطان ينزع في يده فيقع في حفرة من النار)) ( [78]).
ـ (( بينما رجل يمشي فاشتد عليه العطش فنزل بئراً فشرب منها فخرج فاذا هو بكلب يلهث يأكل الثرى من العطش، فقال لقد بلغ هذا مثل الذي بلغ بي فملأ خفه ثم أمسكه بفيه ثم رقي فسقى الكلب فشكر الله له فغفر له، قالوا: يا رسول الله وإنّ لنا في البهائم أجراً؟ قال: في كل كبد رطب أجر )) ( [79]).
(( وعن إبن مسعود رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلّم ) في سفر فانطلق لحاجته، فرأينا حمرة معها فرخان، فأخذنا فرخيها، فجاءت الحمرة فجعلت تعرش، فجاء النبي ( صلى الله عليه وسلّم ) فقال:من فجع هذه بولدها ؟ ردّوا ولدها إليها ، ورأى قرية نمل قد حرقناها فقال : من حرق هذه ؟ قلنا نحن قال: لا ينبغي أن يعذب بالنارإلاّ رب العالمين )) ( [80]) .
والوسيلة الوحيدة للإصلاح الأخلاقي هي تربية أفراد المجتمع على الشعور بالتكليف أمام ماذكرنا وغيرها بكثير.
" ظلت مسألة الشعور بالواجب من أخطر المشكلات الأخلاقية التى عانت منها أمم على مدار التاريخ، وبسبب فقد هذا الشعور دخل الكثير من المجتمعات أنفاق التفكك والفوضى واللامبالاة وبالتالي التخلف " ( [81]).

كيفية اشاعة روح الشعور بالتكليف ؟
1- تعميق مفاهيم الواجبات الشرعية لدى المسلم على الصعيد الفردي والاسري.
2- الوعي بالواجبات الحضارية التي يقوم عليها تقدم الأمة اليوم .
3- القدوات والنماذج ذات الأثر البالغ في إشعارنا بواجباتنا والحقيقة ان الاحساس بمسولية كثيرة مايكون هيبة المجتمع المتقدم لابنائه البررة .
4- الارادة الصلبة والعزيمة الماضية والاصرارعلى الوفاء بالالتزامات .
5- الاحساس بالواجب من خلال أنوار الهداية الساطعة في منطقهم وقبل ذلك في سمتهم وهديهم وسلوكهم .
6- فهم الذين يكسرون المعادلات الإجتماعية الصعبة، فان علينا ان نتعلم، ونعلم الآخرين بأن تحديد وقت الاداء واجب يخد م المصلحة العامة على الصعيد الإجتماعي أوالدعوي أوالإقتصادي أوالخدمي .( [82]).

ثالثاً: الإصلاح الفكري

الأفكار مطالبة بالعبودية:هذه هي مشكلتنا الاساسية في الفكر، نحصر العبادة على وضع الجبهة لله ونقوم ببعض العبادات الجسمية ( صوم ،زكاة ,حج …ألخ )، لانعلم ؟ أو لانريد أن نتعلم بأن خطاب الله للعقول أولاً ( فأعلم أنّه لاإله إلاّ الله) فكما يسجد الرأس ويخضع لسلطان الله ،لأن الإنسان واحد لايتجزأ مادة وروح معنوي جوارح وعواطف ومشاعر وأحاسيس وأفكار وعقل، وهذه تكّون الحياة للإنسان وكل يوم نتعاهد مع الله بأن ( محياي ومماتي لله ) فما هي الحياة ؟ أهي حياة العينين واليدين والجبهة ؟ أم هي حياة كل ما ذكرنا ؟ لايشك عاقل فإن الحياة هي كل ماذكرنا، لذا فكله مأمور بالعبودية ، ويجب تهذيب الكل وهذه هي معنى شمولية الاسلام بأنها رسالة الإنسان كله.

قوة الفكر :
والفكر هو الذي يقود التقدم , فلاينكر لمجتمع أن ينهض مالم يتقدم الفكر لديه ويكن في وسعه توفير الأسس المنهجية والإصلاحية لذلك ، فان لحيوية الأفكار سلطاناً أعظم بكثير مما يظن الناس وان قوة الفكر في المدى البعيد هي أكبرمن أية قوة إنسانية أخرى, مع أن ثمار إشراقات المفكرين قد لاينفع بها الناس إلا بعد ممات أصحابها ( [83]).
والفكر خاصية من خصائص الإنسان لايشترك معه فيه أي مخلوق آخر ولايطلق الفكر إلا على العمليات الذهنية التي يقوم بها الإنسان , اما الحيوانات فحتى المظاهر التي تشبه عملية الفكر لدى الإنسان – عندها- لا تسمى بفكر وإنما تسمى بالتوجيه الغريزي , حتى المناطقة الأقدمون يفسرون الإنسان ( فيعرّفونه بأنه حيوان ناطق ), أي مفكر, اما بقية الحيوانات فلها التوجيه الغريزي ونحوه وهو الذي يقابل الفكر والذهن والقوى العاقلة عندها ( [84]).
والقرآن الكريم حارب جاهلية تسمى بجاهلية الإبائية , وهي التقليد في الفكر ( اما التفكير التقليدي فهو عدم إستعمال القدرات العقلية واللجوء إلى المحاكاة او الابائية والاكتفاء بالمألوف القائم , ولافرق أن يدورالتقليد حول نماذج قديمة جداً وأخرى جديدة جداً , فكلا النوعين تعطيل للقوى العقلية وإن إختلفت ميادينها وأدواتها } إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ { الزخرف:23، ويستنكر القرآن جمود المقلدين وهو يهتف بهم إلى التحرر من اوهام التقليد } قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ { البقرة:170.
إن من المؤسف حقاً أن تتحول أمة العلم والبحث والتجربة إلى امة تغلب عليها الامية الهجائيه والثقافية وان تحتاج إلى من يشرح لها مدى حاجتها إلى العلم مع انها تتلو كتاب ربها الذي يمجد العلم في كل آن .
فنحن الآن الأمة الإسلامية نواجه منافسات حادة مركزة على الفكر خاصة عندما بدأ الغزو الفكر واحتلالها وانتصروا به وسموه بالنصر بلا حرب , فالاساس في اصلاح الفكر هو ان تكون في مستوى المواجه والمعرفة والرؤية الشاملة فهى العتاد الافضل بأيدنا ( [85]) .
ومن الأساس في الإصلاح الفكري الترحيب بكل الأفكار وتنوعها مهما يكن مستواها أي إطلاق الحرفية فيها , وهذا هو معنى المجتمع اللاإكراهي،ولاإكراه في الدين )
وصلاح الكون وجماله بالتنوع والتعددية , فلو كان كل مافي الكون على صورة الآخر المقابل ,( الجبال , الاشجار ، الازهار , الحيوان ..إلخ ).
فالمسلمون ليسوا بحاجة لكي يستعيدوا فاعليتهم إلى تكوين الدين من جديد أو تجديد الدين ذاته لكنهم بحاجة إلى الوعي المعرفي والمنهجي الذي يمكنهم من توليد الارادة والقدرة والعزيمة والفاعلية لتجديد مناهج الفهم وفقه التدين وإلى قدرة على تقويم مسيرة حياتهم العملية والسلوكية بأفكار قائمة على القاعدة العقيدية ومصادر التدين ……
التجديد لابد من ان يبدأ بتحقيق إنسانية الإنسان وبناء الامن الداخلي في ضمير الفرد المسلم لتأتلف فيها مدارك الإنسانية كلها ويتجاوز الإنسان بذلك ويلات الحيرة والاضطراب , وتنازع الافكار والمعتقدات والعواطف .

الخاتمة

الحمد لله، حمداً كثيراً على نعمه، والصلاة والسلام على نبيه محمد ( صلى الله عليه وسلّم ) ، المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد..
وفي ختام هذا البحث اود ان اشير إلى أهم ما جاء فيه أومايستنتج منه هي :-
1- المجتمع المسلم حالياً تنخر فيه عوامل فساد كثيرة تهدد كيانهوتقف حجر عثرة دون إصلاحه، وأخطرها الإعراض عن منهج الله تعالى .
2- الذنوب مهلكات الأمم , فبعث الله الرسل ليخرجوا الناس من ويلاتهم، فأرسل الله موسى عليه السلام ليحمل رسالة تحرير المستضعفين من الطغيان السياسي وأرسل لوطاً لإصلاح المجتمع من الإفساد الخلقي والإنحراف عن الفطرة الإنسانية وأرسل شعيباً لإصلاح الفساد الإقتصادي وأرسل إبراهيم لأن يعيد وجهة العالم نحو عبودية الله , وهكذا محمداً ( صلى الله عليه وسلّم ) ليخرج الناس من عبادة العباد والدنيا لعبادة رب العباد .
3- الإفتقار إلى الإصلاح، لأن هناك أخلاقية التخلي عن المثل العليا في المجتمعات , والتهرب من المسوؤلية في جميع المستويات وعلى الصعيدين الفردي والجماعي .
4- فهم طبيعة العصر, هي الميزة للبحث، فعلينا أن نتفهم طبيعة العصر الذي نعيش فيه ، وأن ندرك حوائجه أيضاً.
5- وجوب محاربة الفساد وأسبابه ووسائلهومنابعه ، والضرب على أيدي المفسدين أيّاً كانت مكانتهم.
6- إبراز المعنى الحقيقي المطلوب من الصلاح والإصلاح , والكلام عن العلاقة بينهما والمقارنة بينهما وآثارهما ومايترتب عليهما صفات المصلحين ، وبيان مكانة الإصلاح وقواعده ومراتبه.
7- مهمة الإصلاح مهمة جماعية ، ومن الخطأ إلقاء التبعة على حاكم، أو هيئة، أو جماعة ، بل لابد من تضافر كل القوى وتعاون كل الجبهات لتحقيق الاهداف المرجوة.
وفي الختام فهذا مايسره الله تعالى لي بكتابته حول هذا الموضوع، فعسى أن قاربت بالبحث غاية يرضي القارئ الكريم ، فان وفقت فذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ، وإن قصرت فذلك جهد ما وصلت اليه معرفتي .



المصادر

1. إبراهيم مصطفى وزملائه، المعجم الوسيط، دار الدعوة، إسطنبول، 1410هـ - 1989م.
2. إبن تيمية ، السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعيّة، دار المعرفة ، بيروت – لبنان، ط 4 ،1969م.
3. إبن كثير ، تفسير القرآن العظيم، دارالحديث، ط 2 ، 1410هـ - 1990م .
4. إبن منظور،أبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم، لسان العرب، دار إحياء التراث العربي ، بيروت- لبنان ، ط 1 ، 1408هـ- 1988م .
5. آل بو طامي ، احمد بن حجر، تطهير المجتمعات من أرجاس الموبقات ، دار الكتب القطرية ، ط 2، 1978م.
6. الآلوسي ، روح المعاني ، العلاّمة شهاب الدين السيد محمود الآلوسي، دار الفكر، بيروت – لبنان ، د. ط .
7. البخاري، أبي عبدالله محمد بن إسماعيل ، صحيح البخاري، دار إحياء التراث العربي، بيروت- لبنان، ط1، 1400هـ .
8. البدوي، رسالة الإصلاح، ط1، 1417هـ - 1997م .
9. جولة في ذات المسلم ، خليفة عبدالله التونسي ، مكتبة البيان ، الكويت ، ط1، 1409هـ - 1989م.
10. د. احمد الشرباصي، موسوعة أخلاق القران الكريم، دار الرائد العربية، بيروت، ط1، 1401هـ - 1981م.
11. د. صلاح الصّاوي، الثوابت والمتغيرات في مسيرة العمل الإسلامي المعاصر، مطبعة وزارة التربية، ط2، 1998م.
12. د. عبدالكريم بكّار ، مدخل إلى التنمية المتكاملة، رؤية إسلامية ، دار القلم، دمشق ، ط1 ، 1420هـ - 1999م.
13. د. محمد عمارة ، التقدم والإصلاح بالتنوير الغربي أم بالإصلاح الاسلامي، دار نهضة مصر ، د. ط 1998م.
14. د. وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته، دار الفكر، دمشق، ط4، 1418هـ - 1997م .
15. د.خالص الجلبي، سيكولوجية العنف وإستراتيجية الحل السلمي، دار الفكر ، دمشق، ط1، 1419هـ - 1998م.
16. السجستاني، أبي داود سليمان بن الأشعث، سنن أبس داود، دراسة وتقديم كمال يوسف، مركز الخدمات والايمان الثقافية، دار الجنان ، ط1، 1409هـ - 1988م.
17. سيد قطب، في ظلال القرآن، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط 7، 1391هـ - 1971م .
18. شـذرات الذهب في أخبار من ذهب ، لأبي الفلاح عبدالحي بن عماد الحنبلي ( ت 1089هـ ) ، دارالفكر ، بيروت – لبنان، ( بدون رقم وتاريخ الطبع ).
19. صلاح عبدالفتاح الخالدي ، هذا القرآن ، دار المنار للنشر والتوزيع، ط 1،1414هـ - 1994م.
20. طه جابر العلواني، إصلاح الفكر الإسلامي، مدخل إلى نظام الخطاب في الفكر الإسلامي المعاصر، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، سلسلة إسلاميّة المعرفة، القاهرة، 1417هـ - 1996م.
21. عادل الشويخ، مسافر في قطار الدعوة ،بدون رقم وتاريخ وسنة الطبع.
22. عبدالكريم الخطيب، المسلمون ورسالتهم في الحياة، دار الكتاب العربي، ط1، 1402هـ - 1982م.
23. عبدالله التليدي ، أسباب هلاك الأمم ، دار البشائر ، بيروت- لبنان، ط1، 1406هـ - 1986م.
24. الغزالي ،أبي حامد محمد بن محمد ، إحياء علوم الدين ،دار الشعب، د.ط، د.ت .
25. القرطبي، أبو عبدالله محمد بن احمد الأنصاري، الجامع لأحكام القران ( ت671 هـ ) تحقيق أحمد عبدالعليم- دار الكتاب العربي – مصر، ط3 – 1387هـ .
26. ماجد عرسان الكيلاني ، أهداف التربية الإسلامية - في تربية الفرد وإخراج الأمة وتنمية الأخوة الإنسانية- المعهد العالمي للفكر الإسلامي، ط2، 1417هـ - 1997م.
27. مالك بن نبي ، وجهة العالم الإسلامي، ترجمة عبدالصبور شاهين ، دار الفكر، بيروت، ط2، 1970م .
28. الماوردي ،أبي الحسن، الأحكام السلطانية، دار الحرية ، بغداد، د. ط، 1409هـ - 1989م .
29. محمد أبو زهرة ، المجتمع الإنساني في ظل الإسلام، دار الفكر العربي، د.ط، د.ت.
30. محمد احمد الراشد، المنطلق ، دار الأدب ، د. ت، د. ط .
31. محمد الغزالي، مع الله ، دار العلم ، دمشق ، ط1، 1409هـ- 1989م.
32. محمد باقر الصدر ، إقتصادنا، دار الفكر، بيروت، ط3، 1389هـ 1969م.
33. النيسابوري، أبي الحسن مسلم بن الحجاج القشيري، صحيح مسلم، دار إحياء التراث العربي، بيروت- لبنان، ط1، 1420هـ - 2000م.