لقد شهدت المجتمعات الإسلامية -بعد خروجها من فترة الاستعمار المباشر إلى وضع الدول التابعة المنهكة المرتبطة بمصالح فئات معينة ودوائر خارجية معينة- الكثير من الأزمات والمشكلات العويصة على جميع المستويات السياسية والثقافية والتنموية... إلخ، ________________________________________
الأمر الذي أدى إلى ظهور الحركات السياسية والأحزاب العقائدية بمختلف أشكالها وأنماطها. وقد طرحت هذه الأحزاب الكثير من الرؤى والمشاريع للخروج بالأمة من هذه المآزق التي هي فيها، ولكن كل تلك المشاريع أو أغلبها كانت تصطدم بعقبة كئود هي الديكتاتورية والاستبداد والبطانة السيئة والحزب الحاكم المقدس... إلخ!!
وعندما وصل الكثير من هذه الأحزاب إلى الطريق المسدود، وحالة الإحباط النفسي واليأس القاتل فكرَتْ في طرق للخروج وأساليب للحل، فلجأت للانقلابات العسكرية والثورة والعنف كوسيلة للتغيير والإصلاح حسب معتقدات الكثير من متبعي هذه الأحزاب، ولنيل الكسب والثروة والسلطة والشهرة والجاه كأهداف لبعض مفتعلي هذه الثورات من قيادات مريضة مختلة تجري خلف مصالح فردية لا جماعية.
تجارب مخيبة للآمال
وتجربة شعوبنا دوما كانت سيئة ومخيبة للآمال مع مفتعلي وقيادات تلك الثورات، حيث إنهم بعد وصولهم لكراسي الحكم لم تمضِ عليهم فترة طويلة حتى تحولوا إلى جلادين وسجانين، وتبخرت آمال الجماهير مع احتراق أوراقهم وفشل مشاريعهم، ولجوئهم للأساليب العنيفة الديكتاتورية في تعاملهم مع باقي المعارضة بحجة أن هذه الثورة في مهدها، وأن الأعداء كُثر متربصون بها ولا بد لها أن تحمي نفسها، وأن هذه سياسات مرحلية، وبعد قليل من الصبر سوف يجد الناس فرجا وسيدخلون جنة الثوار الموعودة، وستنعم البلاد بالحرية والأمان والعدالة!!.
ولكن السنين مضت، والعقود تمضي، والدول الإسلامية تنتقل بين انقلابيين يمينيين ثم يساريين ثم شيوعيين ثم قوميين... وهلم جرا، وهي ترزح تحت أعباء التخلف والديكتاتورية واللامساواة وانعدام الأمن والاستقرار، ولم تستطع الشعارات التي كانت ترفع، والمهاترات والمزايدات الأيديولوجية التي كانت تجري، أن توصل هذه الشعوب إلى بر الأمان وحياة تليق بالإنسان، فلا زال الفقر يضرب أطنابه وجذوره، وينهش بمخالبه الشرسة الخطيرة في جسد غالبية هذه الشعوب، ولا زالت سجلات حقوق الإنسان هي الأسوأ من نوعها على مستوى العالم، وما زالت الأمية بكل أشكالها -من الأمية الدينية إلى الأمية الثقافية الحضارية إلى الأمية الأبجدية والتعليمية- تفترس نسبا مئوية رهيبة في بلداننا.
ويأتي تقرير التنمية البشرية للأمم المتحدة لكي يصنف دولنا مع الدول الأقل نموا وفي ترتيب مخزٍ يعبر عن مدى فشل سياساتنا الاقتصادية، وخططنا التنموية.
العنف سبيل اليائسين
على كل حال، فإن وصول الجماعات الشيوعية والقومية واليمينية وغيرها إلى الحكم عبر العسكر والثورة والعنف في بعض الأماكن، واستعصاء الأنظمة على التغيير بعد ذلك، ويأس الجماعات السياسية من تحقيق مشاريعها عبر تداول السلطة سلميا، بل حرمانها حتى من أبسط الحقوق السياسية والدستورية وملاحقة أعضائها وتعذيبهم وتجريدهم من الحقوق المدنية... إلخ، أدى إلى لجوء بعض الجماعات الإسلامية إلى العنف وخيار المواجهة المسلحة كطريق ووسيلة للتغيير.
ولم يكن سوء الحكم وممارسات الحكام السبب الوحيد الذي أدى بهم إلى ذلك الخيار، ولكن كان لسوء الفقه والفهم المعوج للنصوص الشرعية دور كبير في هذا المجال، ويمكن القول بأن هذه الظاهرة تعبر بشكل أو بآخر عن عدة إشكاليات وآفات:
(1) آفة سوء فقه النصوص الشرعية:
وعدم إمكان التمييز بين فقه أهل السنة وأصولهم في التغيير والإصلاح والذي يعتمد على التغيير المتدرج وحسن الظن، وعدم التكفير، والبعد عن الفتنة واستحلال الدم، وعدم الخروج إلا في حالة رؤية الكفر البواح الذي عليه من الله برهان... إلخ، وبين فكر المعتزلة والخوارج في الإصلاح والتغيير، والذي يعتمد على التكفير والتفسيق، وسوء الظن، وإلزام الناس القهري بما يعتقدون، واللجوء إلى السيف لأدنى شبهة أو مظلمة أو رأي مذهبي يخالفون المسلمين فيه.
ويمكن أن نذكر جملة أسباب ومظاهر لسوء الفقه منها:
أ - عدم التمييز بين أساليب التغيير والإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر داخل المجتمعات الإسلامية، وأساليب التعامل مع الأعداء في حالات الحروب، حيث تكون الأولى بالرفق والنصح والإرشاد، وإذا استخدم العنف فيها فذلك أمر خاص بالحاكم والسلطان، ولا يجوز الافتئات عليه، وأما أساليب التعامل مع الأعداء المحاربين فأمر العنف والقتال فيه وارد وهين.
ب - الخلط وعدم التمييز بين النصوص المتعلقة بالسلم وأحكامه، وبين تلك التي تتحدث عن الحرب وأحكامها.
ج - الخلط بين فقه (جهاد) الأعداء ومقاتلتهم حال الحرب، وفقه (الصيال) ورد العدو المسلم في حالات العدوان الداخلية، والمشكلات التي تحدث بين طوائف مسلمة واقتتال الإخوة.
د - عدم إدراك وفهم فقه الجهاد في إطار كونه منظومة متكاملة ومتنوعة، وأن الجهاد أشكال عديدة وليست قاصرة على القتال. فهناك جهاد باللسان وجهاد بالمال... إلخ مراتب الجهاد التي فصل العلماء الكلام فيها.
هـ - عدم الانتباه إلى أن الجهاد (جهاد الطلب) لا بد له من أمير منتخب مطاع، وسلطان قادر على قيادة الأمر، يستطيع تحريض الناس وأمرهم بالقتال، ويتمكن من تحمل تبعات الحرب وآثارها؛ لأن الجهاد إعلان للحرب لا يملكه من لا سلطان له.
و - عدم ربط الجهاد بالاستطاعة والإعداد الكافي المتكافئ، حيث يقول المولى: "الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين..."، فالمسألة ليست متروكة بغير قيود ولا ضوابط، والعلماء قالوا: إن الفرار من معركة يشكل فيها الكفار ضعفي عدد المسلمين حقنا لدماء المسلمين من هزيمة ناتجة من عدم تكافؤ لا يعتبر فرارا من الزحف؛ ولذلك قال الرسول عليه الصلاة والسلام لخالد بن الوليد: "كرار وليس فرار".
ز - عدم ربط الجهاد بفقه تحقيق المصالح، حيث إن الجهاد ليس مثل العبادات المطلوبة لذاتها، ولكنها عبادة مرتبطة بتحقيق النصر والمصلحة للمسلمين، فالجهاد (انتصار) لا (انتحار)، ولا بد أن يكون هناك ظن راجح أو يقين بالنصر، وإلا فإن التفريط في دماء المسلمين وأمنهم جريمة؛ ولهذا فإن الأمر الذي لا شك فيه هو أن القتال بالنسبة للمسلمين ضرورة تقدر بقدرها، وهي وسيلة مكروهة غير مستحبة في الفطرة السليمة قال تعالى: "كتب عليكم القتال وهو كره لكم". والمقصد من القتال لا يخرج عن أمرين: فهو إما رد غازٍ معتدٍ ودفعه وكف شره، أو للدفاع عن حرية نشر الإسلام ورفع الفتنة والأذى عمن يدخل فيه. وفي المقصد الأول وردت الآيات الكريمة التي تقول: "وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين"، وفي المقصد الثاني وردت آيات مثل: "وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله"، والفتنة هي إلحاق الأذى بالمسلمين لإخراجهم من دينهم وصرفهم عن الإسلام.
(2) آفة سوء فقه الواقع:
وعدم معرفة الدنيا وسنن التغيير، وعدم إدراك آليات ووسائل الإصلاح التي تبني المجتمعات ولا تهدمها، وتؤسس لحياة جديدة بدل تكرار ما هو موجود من التجارب المرة تحت مسميات جديدة مختلفة وبمضامين واحدة مكررة.
إن فقه التغيير والعمل السياسي، وصناعة الحياة وعمرانها، وبناء المجتمعات والخروج بها من أوضاعها وتخليصها من محنها... تحتاج عقولا كبيرة جدا، وتحتاج بعد نظر، ودقة فهم، وفطنة عالية، وعقليات مرنة، وقدرات تخطيطية وتنفيذية جبارة، وتحتاج قبل ذلك ومعه وبعده تربية من نوع خاص لأولئك الذين يتولون مثل تلك المهام الجسام المصيرية في حياة الشعوب.
إن صناعة الحياة، علم، وفن، وخبرة، وإمكانات، إنها مشروع كبير ومتكامل، علم له أصوله وقواعده، ولعبة لها فنونها ومهاراتها، وخبرة لها العديد من روافد الحكمة وخلاصات التجارب البشرية المتراكمة، ومشروع له الجداول والمراحل والخطط المتقنة المدروسة، وإمكانات تتطلب الكثير من العقول والطاقات والأموال والأوقات والاستعدادات المختلفة، وتتطلب النفير العام.
إن صناعة الحياة وإحداث التغيير المنشود ليس تغيير سلطة سياسية بأخرى، وإنزال شعار ورفع آخر بدله، واستبدال مسميات بأخرى، وإنما هي بناء أمة وإحياؤها، وهي بناء النفوس وتكوينها، وصناعة قيم جديدة وترسيخها في المجتمع "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" كما يقول القرآن الكريم.
إن فهم طبائع النفوس، وطبائع المجتمع، ودهاليز السياسة، وخفايا العلاقات والروابط، وتفاصيل الأحداث والتطورات، وإدراك طبيعة المرحلة والبيئة المحلية والإقليمية والدولية... كل ذلك وغيره جزء أساسي من الفقه المطلوب والوعي المنشود الذي لا بد أن تتحلى به كوادر، أي تغيير يرجى منه أن يأتي بخير لبلادنا التي لا يكاد تتخلص من وصي باسم العدالة الاجتماعية وحقوق الكادحين، حتى تقع في براثن وصي آخر باسم مصالح الأمة العربية وتطلعاتها، أو غير ذلك، وهي في الحقيقة عبارة عن تجارب تتكرر، ونسخ طبق الأصل لفشل واحد نابع عن عدم إدراك جذور العلل ومناهج الإصلاح الحقيقية المجدية والأصيلة.
نحن لا نريد للجماعات الإسلامية -التي تعتمد العنف وسيلة للتغيير- أن تكون (وصيا) و(قيما) جديدا على هذه الشعوب المستضعفة باسم الإسلام دون أن تملك برامج حقيقية لنهضة هذه الشعوب وإصلاح أحوالها المتردية. وإذا كان العنف في كل أحواله خطيرا، فإن العنف المتولد عن العقائد أخطر وأشد. وطرق مقاومته أصعب وأعقد.
إن الجماعات التي تنتهج العنف وسيلة للتغيير داخل الدول الإسلامية هي تلك التي لا تملك تلك الرؤية الشمولية العميقة لمسألة تغيير المجتمع وإصلاحه، وتتصور أن وصولها إلى مراكز القرار والسلطان سيكون فانوس علاء الدين السحري الذي سيحول المجتمع من حال لحال، أو أنها تتصور أن مجرد القضاء الظاهري على بعض المنكرات الموجودة وإنزال العقوبات والحدود بالناس كفيل ببناء المجتمع الإسلامي، ودولة الرفاهية الشرعية!! وهذا بلا شك خطأ قاتل، وانعكاس لسوء الفقه الديني والدنيوي في آن واحد.
(3) آفة قصر التربية والإعداد:
وهذه من الأسباب المهمة التي تدفع إلى اللجوء للعنف؛ وذلك لأسباب كثيرة، منها: أن تربيتنا في الكثير من الأحيان مؤسسة على جدوى العنف وأهميته، وأولويته كخيار في إصلاح البيت، وتربية الأولاد، وتعليم التلاميذ، والأخذ بالثأر من الآخرين... إلخ، وهذا دليل على عدم معرفتنا بأصول إصلاح البيت، وقيادة الأسرة، وتعليم الطلاب، وإنفاذ القانون.
ولأننا قوم متسرعون، ونحب العاجلة، ونريد الإمساك بالنتائج المادية الملموسة التي تشفي غيظ قلوبنا، فإننا نلجأ للعنف وإنزال العقوبة المادية؛ لأنه يرينا النتائج السريعة، ويرضي في دواخلنا روح الثأر والتشفي والانتقام.
ولأننا قوم نحب المداخل السهلة للإنجاز، تلك التي لا تحتاج لكثير فكر أو تدبر أو حتى لا تحتاج إلى استعدادات علمية وتربوية، ولا تحتاج إلى طول بال وصبر على الآخر، وتحمل عناء الطريق، فإننا نختار العنف لأنه لا يحتاج لأكثر من أن تكون قادرا على البطش والضرب والقتل (أي قوى فيزيائية عضلية وليست عقلية وتربوية وفنية)، وهذا ما يفسر وجود أعداد كبيرة من الذين لا يملكون مؤهلات علمية في صفوف المقاتلين.
وهذا ما يفسر سرعة تفرق هؤلاء عندما يحدث لهم شيء، وعدم إمكان الاستفادة منهم في أي مشروع يخدم العمل الإسلامي غير القتال والعنف؛ لأنهم لا يحسنون غيره، ولا يؤمنون بجدوى غيره تبعا لذلك. وكما أن التربية للقتال هي غير التربية للإصلاح السياسي والتغيير الشامل، فإن العاطفة والهياج والثورة وبالتالي قلة الحكمة، وقلة الفقه والعلم هي سمات ظاهرة في تربية الجماعات العنيفة القتالية، كما أن طول ممارسة العنف والقتال كوسيلة للتغيير يجعل من الصعب بعد ذلك إرجاع هؤلاء إلى الحالة المدنية الطبيعية حتى بعد زوال أسباب العنف والقتال؛ لأن طول الأمد في أي شيء يطبع الإنسان بطابعه، وهذا ما يفسر ديكتاتورية وعنف العسكر وغلاظة أمزجتهم عندما يتولون أمور السياسة في البلاد.
لكي نتجاوز دوامة العنف واللجوء إليه لا بد من تغيير الكثير من المفاهيم السائدة التي تجعل من العنف خيارا راجحا ومقبولا للتعامل مع الأحداث والمشكلات. ولإصلاح ما أفسد، لا بد أن ندرك أن العنف والقتل ليس حلا لعلاج مشكلات العالم الإسلامي الداخلية؛ لأن أية أمة أراد الله بها شرا وزوالا جعل بأسهم بينهم، ولأن العنف مسلسل لا ينتهي وهي مشكلة تجر مشكلات عديدة وعويصة وراءها.
إن المجتمعات البشرية شأنها شأن جهاز معقد حساس لا بد من الحذر في التعامل معه؛ لأن أية تعامل غير صحيح مع أي جزء منه قد يؤدي إلى إحداث خلل في ذلك الجزء وتعطيله، والأمر لا يتوقف على ذلك، بل يؤدي عطل ذلك الجزء إلى تعطيل كامل للجهاز الذي لا بد أن يكون كل جزء منه سليما ومتجاوبا مع أجزائه الأخرى، لكي يؤدي الغرض المطلوب منه.
المجتمع البشري شأنه شأن تلك الأجهزة لا يعمل إلا في حالة عدم وجود خلل في أجزائه الرئيسية ونقاطه الحساسة، ويتأثر كل جزء من المجتمع بالأجزاء الأخرى، فالاقتصاد، والسياسة والاجتماع والثقافة والتعليم والصحة... كل هذه الأمور وغيرها تتبادل التأثير والتأثر. إن الذي يستهدف اقتصاد البلد ليقوم بإصلاح أو تغيير سياسي لا بد أن يعرف أن القوة الاقتصادية هي التي تحقق الكثير من عناصر القوة السياسية والإرادة المستقلة، وكذلك الاقتصاد المزدهر الناجح لا يمكن أن يوجد إلا في ظل استقرار سياسي، وكذلك التعليم والثقافة وحتى الأخلاق والقيم تشهد كل منها انهيارات وانتكاسات ملحوظة إذا حصل انهيار للاقتصاد أو اهتزاز في الاستقرار السياسي المطلوب.
ومن هنا ندرك أن عملية إصلاح المجتمع هي عملية معقدة ومركبة، وتحتاج إلى إدراك هذه الأمور بدقة، والتعامل معها بعناية، إن أي تغيير وإصلاح لا يكون شاملا وجذريا ومؤسسا على أساس راسخ لا يمكنه إلا أن يكون عملية ترقيعية هشة لا تلبث أن تنهار، وهي أشبه ما تكون بالأدوية المسكنة التي تعالج آلاما وأعراضا لأمراض خطيرة، ولا ننسى أن العلاجات الترقيعية والمسكنات قد تكون خطيرة، حيث إنها تتستر على الحالة ومدى العلة الحقيقية ومقدار خطورتها فتؤدي إلى الإهمال والتقصير في التعاطي معها.
(4) آفة التكوينات الاجتماعية والنفسية والسلوكية المستعصية على التغيير:
وتلك التكوينات المتشنجة تمارس ذاتها وخلفياتها النفسية والاجتماعية، وتعبر عن ثقافتها وعقليتها وتربيتها الأسرية تحت غطاء نصوص دينية أو غير دينية؛ ولذلك قد تجد كثرة العنف في منطقة جغرافية اجتماعية معينة دون مناطق أخرى، وتجد أهل تلك المنطقة يميلون للعنف والشدة سواء كانوا من مذهب فكري معين أو من غيره، سواء كانوا علمانيين أو إسلاميين؛ لأنهم في النهاية يعبرون عن أنفسهم بطريقتهم الخاصة، ويمارسون ثقافتهم التقليدية والعُرفية وميولهم النفسية.
وقد تجد تلك الطائفة من الناس الذين تطبعوا بطابع الشدة والعنف يعبرون عن ثقافتهم هذه، ليس في قضايا السياسة والتغيير الاجتماعي فقط، وإنما في تعاملاتهم العادية ومختلف قضاياهم؛ لأن هذه هي طريقة حياة وأسلوب تناول للأمور بالنسبة لهم، ولا يعني هذا الكلام أبدا وصم أهل منطقة أو إقليم أو قوم بوصف شائع وتعميم خاطئ، وكلامنا ينصرف إلى الغالب الشائع وليس الكل والجميع، وينصرف إلى من استعصى على التغيير دون غيره، وينصرف إلى سلبيات هذه الثقافة دون إيجابياتها.