لم ينته الكلام عن المرأة منذ عصور التخلف، فهى ما بين مرثى لحالها وداع لانطلاقها فى كل مجال، وبين مفضل لبقائها فى البيت لا تغادره إلا لحاجة، وكل منهما يرى الآخر هو رأى خارج لا يجوز الاعتداد به.. وتتفق المرأة مع ذلك أو تختلف حسب فهمهما وحسب رؤيتها للواقع فنرى من تكافح لإبراز تميز المرأة وتفوقها فى كل مجال ونرى من تقنع بالبيت وتراه عالمها الوحيد فلا ترحب بالعمل خارجه، ولكن كلا من الصنفين لا يسلم من النقد الجارح والتعرض بالكلام من الفريقين المختلفين، فمن اختارت البيت اتهمت بالسلبية وبأنها لا تعرف حقوقها ولا تكافح دونها والأخرى تتهم بمزاحمة الرجال والبحث عن دور تظهر فيه وغير ذلك.. وهذا وضع لا نحب أن تتعرض له المرأة التى كرمها الله فى شريعة الإسلام ومنهجه الخالد.. يجب أن نفتح عقولنا وقلوبنا كى نصل إلى رؤية أعمق وفهم أوضح، لماذا لا يكون لكلا الرأيين احترامه وتقديره؟ لماذا لا نضع للمرأة القواعد والأصول والثوابت التى تنطلق منها ثم نترك لها أن تختار هى ما يناسب وضعها وما يهواه قلبها وعقلها ثم لا نعود نراها قاصرة فتعرض عليها ما نراه نحن سواء كنا نساء مثلها أو رجالا؟ لماذا لا ينظر إلى من تفضل بيتها وأولادها على العمل خارجه نظرة تقدير وإعجاب لأنها عرفت ما تقدر عليه واختارت أن تبدع فى عمل واحد بدلا من أن تضيع جهودها فى أشياء كثيرة وقد لا يبدو الأثر منها، ولماذا أيضا لا تلقى المرأة التى تعمل فى داخل البيت وخارجه نفس النظرة من الاحترام والتقدير لأنها وجدت فى نفسها القدرة على التميز والعطاء فى أكثر من دائرة، لديها الهمة والعزيمة والإرادة لتفعل ذلك فلا يجب أن نبخسها حقها.. إنها الطبيعة البشرية التى خلقها الله، الاختلاف والتباين فى الطاقات والقدرات، وحال المرأة هو حال جميع البشر، فمنا من تطيق عملا واحدا ومنا من تطيق الكثير، وثمرة العمل وفائدته هى وحدها الحكم فى النهاية.. لذا وجب على المتحدثين عن المرأة إذا أرادوا حقا النهوض بها ألا يكون حديثهم عن عمل المرأة ووجوبه من عدمه فلم تعد تلك هى القضية وقد علمنا أن نساء اليوم قد شرعت أمامهم الأبواب وفتحت لهم الكثير من المجالات وما عليهم إلا الاختيار، لذلك فليكن حديثنا عن تشكيل وعى المرأة وتقوية شخصيتها وبناءها بناء يتناسب مع حجم التحديات التى تتعرض لها، إذا اهتممنا بذلك فستكون المرأة قادرة بإذن الله على التأثير فى أى محيط تتواجد فيه، داخليا كان أو خارجيا، بدل أن تحرص على تواجد شكلى لا يرجى من ورائه تأثير ولا ينال المجتمع منه فائدة تذكر..