نشأة قضية المرأة في العالم الإسلامي

الناقل : mahmoud | الكاتب الأصلى : د,صهيب العمادي | المصدر : www.qudwa1.com

في مجموعة من المقالات السابقة أشرنا إلى حركة تحرير المرأة في الغرب نشأة وتطورا وواقعا، ثم قمنا بتقييم تلك التجربة.
وفي مقابل ذلك نحاول في سلسلة مقالات أخرى إلقاء بعض الضوء على حركة تحرير المرأة في العالم الإسلامي، لنتمكن من إجراء مقارنة علمية وموضوعية بين النموذجين ونرى أوجه الشبه والخلاف بينهما.. وهذا بطبيعة الحال يقتضي دراسة واقع المرأة قبل الإسلام، ثم تتبع تطور القضية تباعا.
إن دراسة واقع المرأة قبل الإسلام أمر ضروري وذلك لمعرفة الإنقلاب الذي أحدثه الإسلام بالنسبة للمرأة، والحقوق التي نالتها في ظله.. ويكفي هنا أن نشير إشارة بسيطة إلى وضع المرأة عند اليهود والنصارى وفي الجزيرة العربية.
عند اليهود: اليهود يعتبرون أن المرأة لعنة لأنها أغوت آدم، وتوصف المرأة في التوراة بأنها أمرّ من الموت، فقد جاء في سفر الجامعة (درت أنا وقلبي لأعلم ولأبحث ولأعرف الشرّ أنه جهالة والحماقة أنها جنون، فوجدت أمرّ من الموت المرأة التي هي شباك وقلبها أشواك ويداها قيود) الكتاب المقدس، الإصحاح 7، الفقرتان (25-26).
عند المسيحيين: أما عند المسيحيين فإن رجال المسيحية الأوائل لمّا رأوا ما في المجتمع الروماني من إنتشار الفواحش والمنكرات، وما آل إليه المجتمع من إنحلال خلقي شنيع، اعتبروا المرأة مسؤولة عن هذا كله لأنها كانت تتمتع بما تشاء من اللهو وتختلط بمن تشاء من الرجال كما تشاء، فقرروا أن الزواج دنس يجب الإبتعاد عنه، وأن الأعزب عند الله أكرم من المتزوج وأعلنوا أنها باب الشيطان وأنها يجب أن تستحي من جمالها لأنه سلاح إبليس للفتنة والإغراء.
وقال القديس \"ترتوليا\" إنها مدخل الشيطان إلى نفس الإنسان ناقضة لنواميس الله، وفي القرن الخامس إجتمع \"مجمع باكون\" للبحث في المسألة التالية: هل المرأة مجرد جسم لا روح فيه؟ أم لها روح؟ وأخيراً قرروا أنها خلو من الروح الناجية -من عذاب جهنم- ما عدا أم المسيح.
الجزيرة العربية: أما في الجزيرة العربية فإن وضع المرأة كان على أسوأ حال.. ومن خلال إستقراء الآيات القرآنية يمكن التعرف على واقع المرأة قبل الإسلام، حيث يشخص القرآن الكريم المظاهر التالية:
1- وأد البنات: كان بعض العرب يئدون ويدفنون البنات ويحرمون -بذلك- المرأة من حق الحياة، قال تعالى وإِذَا بُشِّرَ أحَدُهُمْ بِالأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهوَ كَظِيْمٌ يَتَوآرَى مِنَ القَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أيُمْسِكُهُ عَلى هوْنٍ أمْ يَدُسُّهُ فِي التُرَابِ سَاءَ مَا يَحْكُمُوْن النحل/(58-59) وفي تفسير قوله تعالىأمْ يَدُسُّهُ فِي التُرَاب فكانت الأنثى تتعرض للدفن والوأد بعد ولادتها مباشرةً، وهذا يكشف مدى الإنحطاط الذي كان متفشياً، يقول \"سيد قطب\" .. وحكمة الله وقاعدة الحياة اقتضت أن تنشأ الحياة من زوجين ذكر وأنثى، فالأنثى أصيلة في الحياة أصالة الذكر بل ربما كانت أشد أصالة لأنها المستقر، فكيف يغتمّ من يبشّر بالأنثى؟ وكيف يتوارى من القوم من سوء ما بشّر به ونظام الحياة لا يقوم إلا على الزوجين دائماً.
2- حرمان المرأة من الميراث: حيث كانت العرب لا تورّث النساء ولا الصبيان من أبناء الميت ويقولون: لا يرث إلا من طاعن بالرماح وذاد عن الحوزة وحاز الغنيمة، وجاء الإسلام وفرض الله لهن نصيباً من الميراث، قال تعالى لِلْرِجالِ نَصِيْبٌ مِمّا تَرَكَ الوَالِدَانِ وَالأقْرَبُونَ وَلِلنِساءِ نَصيْبٌ مِمّا تَرَكَ الوَالِدانِ وَالأقْرَبُونَ مِمّا قَلَّ مِنْه أوْ كَثُرَ نَصِيْباً مَفْروضاً النساء/7
3- وراثة النساء: الأسوأ من حرمان المرأة من الميراث، جعلها هي ميراثا تورث كما تورث الممتلكات والأموال، قال تعالى&َا أيُّهَا الذِيْنَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهاً وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوْهُنَّ النساء/19 فقد كانت العرب ترث النساء كرهاً وذلك بأن يجيء الوارث ويلقي ثوبه على زوجة مورّثه ثم يقول ورثتها كما ورثت ماله، فيكون أحق بها من نفسها، فأن شاء تزوجها أو زوّجها وأخذ مهرها ويقول \"الزمخشري\" في الكشاف.. كانوا يبلون النساء بضروب من البلايا ويظلمونها بأنواع من الظلم فزجروا عن ذلك، كان الرجل إذا مات له قريب من أب أو أخ حميم عن إمرأة ألقى ثوبه عليها وقال: أنا أحق بها من كل أحد، فقيل لا يَحِلُّ لَكُمْ أنْ تَرِثُوا النّساءَ كَرْهاً أي أن تأخذوها على سبيل الإرث كما تحاز المواريث وهن كارهات لذلك أو مكروهات، وقيل كان يمسكها حتى تموت .. وكان الرجل إذا تزوج امرأة ولم تكن من حاجته حبسها مع سوء العشرة والقهر لتفتدي منه بمالها وتختلع فقيل وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوْهُنَّ والعضل الحبس والتضييق.
4- إكراه الإماء على البغاء: حيث كانت الأمة تكره على ممارسة البغاء من قبل سيدها وذلك لتكسب له مالاً فجاء الإسلام محرماً ذلك، قال تعالى وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلى البِغَاء النور/33
من خلال هذا الإستعراض السريع تجلت بعض ملامح المجتمع وتبينت صورة المرأة العربية وواقعها قبل الإسلام، وبعد معرفة ذلك ينبغي معرفة التغيير والإنقلاب الذي أحدثه الإسلام بالنسبة للمرأة، والتحرير الذي شهدته المرأة، وهذا ما سنتناوله في المقال التالي إن شاء الله.

المراجع:
1. د.شوقي أبو خليل، تحرير المرأة ممن وفيم حريتها، دار الفكر، ط1، 1998
2. د.مصطفى السباعي، المرأة بين الفقه والقانون، دار السلام، القاهرة، 1998
3. د.غوستاف لوبون، حضارة العرب، ترجمة (عادل زعيتر)، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط3، 1979
4. أبو عبد الله محمد بن أحمد القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، دار الشعب، القاهرة، ط2، 1373هـ
5. سيد قطب، في ظلال القرآن، دار الشروق، بيروت، ط21، 1993
6. أبو القاسم جار الله محمود بن عمر الزمخشري، الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، دار الفكر، بيروت، ط1، 1977
7. عفيف عبد الفتاح طبارة، روح الدين الإسلامي، دار العلم للملايين، بيروت، ط4، 1977